كاتب الموضوع :
أم ساجد
المنتدى :
القصص المكتمله
اسودت الدنيا بعينى بمجرد أن انقطع الأتصال.. وخبا الأمل بقلبي سريعاً مثلما اشتعل..
نظرت إلى الهاتف بقلة حيلة لم تلبث أن تحولت إلى غضب فكدت ألقيه على الأرض لأحطمه لولا تذكرت أن رقم ذلك الهاتف مسجل عليه..
وقبل أن ارتكب تلك الحماقة أمسكت بالهاتف وبحثت عن أخر رقم متصل - وكان الرقم لهاتف أرضى - أعدت الأتصال به مرات عديدة دون أن يجيب أحداً على أتصالي.. وانتهى أخر أمل لي..
كان بداخلي شئ يؤكد لى أن ثمة مكروهاً ما قد لحق بها.. وإلا لماذا تتصل بي تلك السيدة..؟
ترى من تكون..؟ ولماذا لا تجيب أتصالاتي..؟ بل إن السؤال هو لماذا أتصلت بي من البداية..؟ وماذا كانت تريد أن تقول بالضبط..؟
شعرت بالقلق الشديد على أروى.. وكلما فكرت أكثر كلما أوصلني تفكيري إلى بؤرة سوداء قاتمة..
وأخيراً برق الحل فى رأسي بغتة وأصاب عقلي..
لقد كان لي صديق ما يعمل فى شركة الأتصالات ورُبما استطاع مساعدتي فى إيجاد عنوان صاحبة هذا الهاتف..
فى غضون دقائق كنت قد ارتديتُ ثيابي وقدت سيارتي مسرعاً إلى شركة الأتصالات حيث أخبرت صديقى هذا بخطورة الأمر وضرورة حصولي على عنوان هذا الهاتف.. ورغم أن ذلك محظور غير أن صديقى استطاع الحصول عليه بطريقة ما.. وعرفت أن هذا الهاتف لسيدة تدعي زينب وتمكنتُ من الحصول على عنوانها.. وحين وصلت إليه اكتشفت أن منزلها ما هو إلا فندق صغير - لو صح تسميته - بإحدى الأحياء المتوسطة..
دلفت إلى ذلك الفندق فاستقبلتني - سيدة فى العقد الخامس من العمر - بترحاب شديد ظناً منها أننى إحدى النزلاء..
وقالت :
" هل تريد غرفة أم جناح..؟ وكم ستكون مدة بقائك..؟ "
قلت :
" فى الحقيقة أنا أبحث عن السيدة زينب صاحبة هذا الفندق.."
عدلت السيدة من وضع منظارها ودققت النظر إلىّ ثم قالت بإرتياب :
" أنا هى.. أهناكَ شيئاً ما..؟ من تكون أنتَ..؟ "
قلت على الفور :
" أنا معاذ بهاء الدين.. لقد أتصلتِ بي اليوم وسألتِني عن زوجتي و....... "
قاطعتني قائلة :
" أجل.. لقد تعطل الهاتف فيما كنت أتحدث إليكَ.. ذلك الهاتف اللعين لا يفتأ يحرجني مع الجميع حتى أن بعض الناس يعتقدون أننى أغلق الهاتف فى وجههم.. هل تتصور هذا..؟ "
قلت :
" هذا ما تصورته أنا أيضاً لهذا أتيتِ إليكَ لأفهم الأمر.. "
قالت :
" على أى حال كنتُ سأعاود الأتصال بكَ مجدداً.. لكن يبدو أنكَ لم تستطع الانتظار..! "
قلت :
" أجل.. إنني أبحث عن زوجتي منذ فترة وأعتقد أنكِ رأيت ذلك الأعلان الذى وضعته بإحدى الجرائد لذلك أتصلتِ بي.. "
قالت :
" فى الحقيقة لم أره ولم أعلم بهذا الأمر.. لكني أعتقد أنه فى مثل تلك الأعلانات تكون هناك مكافأة أو شئ من هذا القبيل.. "
قلت بسرعة ولهفة :
" بالطبع هناك مكافأة سخية لمن يدلني على مكان زوجتي.. هذا لو كنتِ بالفعل تعرفين أين هي..؟ "
هتفت بحماس وقد شجعها ذكر المكافأة على الحديث :
" إنها نزيلة عندي بالفندق منذ ستة أيام تقريباً و..... "
قاطعتها صائحاً ما بين التصديق والتكذيب :
" أروى هنا عندكِ..؟ هل هى بخير..؟ هل هى من طلبت منكِ أن تتصلي بى.؟ "
قالت نافية :
" لا.. إنها لم تطلب أن أخابركَ ولم تعرف حتى أننى فعلت.. بل إنها لا تغادر غرفتها منذ أتت إلى هنا ولا تتحدث إلى أحد تقريباً.. "
وأضافت بتعاطف شديد :
" إنها مسكينة ووحيدة.. منذ أن رأيتها وقد لاحظت أن ثمة ما يحزنها لكنها لم تطلعنى على هذا الأمر قط رغم محاولاتي المستمرة للتحدث إليها.. "
وصمتت لبرهة لتلقتط خلالها أنفاسها ثم تابعت :
" لكني بخبرتي فهمت أنكما تمران ببعض المشاكل الزوجية.. إنها أمور تحدث بين كل الأزواج عادة.. وإن كنتُ لا أدرى بالضبط ما الذى يمكن أن يجعل أى رجل يُغضب تلك الفتاة الرقيقة..؟ "
ونظرت إلىّ شزراً ثم قالت :
" على أى حال لم أخابركَ لأتحدث عن هذا.. فتلك الأمور الخاصة لا أحب الخوض فيها.."
قلت بلهفة شديدة :
" أذن أخبريني بأى غرفة تقيم زوجتي ..؟ أريد رؤيتها على الفور.. "
قالت معترضة :
" لست أدرى إن كان هذا ممكناً أم لا..؟ على أى حال دعنا نكمل حديثنا أولاً.. "
وأضافت :
" إننى لست فضولية ولا أحب التدخل فى حياة الناس.. غير أن أحوال زوجتكَ هى ما أجبرتني على فعل ذلك.. لقد وجدت أثناء تنظيفي لغرفتها عقد زواجكما وعرفت اسمك كاملاً ثم أتصلت على الفور بشركة الأتصالات واستطعت الحصول على رقم هاتفك.. وكل هذا دون أن تدرى هى بالطبع.. وقررت أن أخابركَ لأخبركَ بما آلت إليه صحة زوجتكَ.. إنها على ما يبدو قد تعرضت لحادث ما.. فزراعها مضمدة وتبدو على وجهها بعض الكدمات.. ويبدو أنها أهملت فى صحتها بعد ذلك الحادث ولم تتناول الأدوية اللازمة لشفاءها ، بالأضافة لحالتها النفسية السيئة مما جعل حالتها الصحية تتدهور.."
قلت وقد تملكني القلق عليها :
" رجاء أخبريني أين هى غرفتها..؟ لابد أن أراها الأن لأطمئن عليها.."
قالت :
" لقد أخبرتكَ أنني لن استطيع أن أجعلكَ تراها.. طبعاً حتى تسمح هى بذلك.. لقد طلبت منكَ أن تأتي حتى تطمئن عليها وإذا كان فى الأمكان حل تلك المشكلة.. أو على الأقل إذا كان يمكن أن تضعا مشكلاتكما جانباً حتى تتعافي زوجتكَ.. إنها بحاجة لرعاية طبية ولدعم نفسي كما سبق وأخبرتكَ.. "
قلت :
" أعدكِ أننى لن أتسبب لها بأى ضرر.. إنها زوجتي ولابد أن أكون بجانبها.."
قالت بتردد :
" على الأقل دعني أدخل إليها أولاً لأخبرها بقدومكَ.. "
ونهضت من مكانها ثم توجهت إلى إحدى الغرف.. وبلا تفكير تبعتها إلى الغرفة ودلفت إليها فراحت تلك السيدة تمطرني بسيل من التوبيخ وتلوم نفسها على ثقتها بي..
لم أكن فى وضع يسمح لي حتى بأن أجيبها أو حتى استمع لها.. كنت أحدق بتلك الفتاة الهزيلة النائمة على السرير وقد هالني مظهرها وشحوب وجهها..
كانت نائمة على سرير صغير ، تلتحف بطانية خفيفة وتغرق فى النوم دون شعور بأى شئ..
شعرت بألم حاد ومؤلم بقلبي وأنا أراها فى هذا الحال.. واقتربتُ منها بضع خطوات ثم جلست إلى جانبها على الفراش ومددت يدى إلى شعرها الطويل لأمسح عليه بعطف.. بينما تقف تلك السيدة وترقبني بمقت ولا تزال توبخني..
ويبدو أن صوتها الحاد قد جعل أروى تفيق من نومها وتفتح عينيها لتحدق إلىّ بدهشة كبيرة..!
~ ~ ~ ~ ~
ككل يوم أجبرني التعب على السهر طوال الليل.. لم يرافقني خلاله سوى أحزاني الملبدة بسماءي.. وكالمعتاد عكفت على تقلب صفحات الماضي المؤلم.. وتأمل حاضري التعس.. والتطلع إلى مستقبلي المبهم..!
وبعد بزوغ الفجر استطعت النوم وقد كان نومي أشبه بالغيبوبة.. سقطت خلالها فى دوامات عميقة ولم أدرِ كيف استطعت النوم بعمق هكذا لأول مرّة منذ الحادث المشؤوم.. وحين أفقت من نومي داهمني دوار شديد وضعف بكل أنحاء جسدي.. وشعرت بمغص شديد يصحبه رغبة فى التقيؤ..
وما كدت أفتح عينىّ حتى انتفضت فى مكاني حين طالعني وجه معاذ والذى كان يجلس بقربي..!
أنا أيضاً أصبتُ بالدهشة مثلكم تماماً ولم أصدق عينىّ.. وفى البداية ظننته حلماً.. غير أن لمسة يديه والتى تمسح على شعرى كانت حقيقة وكنت أشعر برجفة يديه وبرودتها.. وتلك النظرة العميقة التى تفيض عطفاً والتى شملتني بدفئها جعلتنى أتأكد أن هذا ليس حلماً وأنما واقع ملموس..
أردت لوهلة أن استسلم لذلك الأحساس الجميل والذى يغمرني لأول مرّة بحياتي.. وكدت أغلق عينىّ على وجهه وأواصل نومي الهادئ غير أن شئ ما بداخل عقلي استيقظ فجأة وايقظني عنوة من غفوتي القصيرة.. وبكل جهدي - أو بالأحرى بكل ما تبقى بي من جهد - دفعت يده بعيداً وقلت بحدة :
" لا تلمسني.. "
نظر إلىّ معاذ مُرتبكاً وأعاد يده إلى جانبه مختلساً النظر إلى صاحبة الفندق والتى لاحظت وجودها فى تلك اللحظة لأول مرة ، غير أننى لم أعيرها أهتماماً وعدت أنظر إلى معاذ صائحة :
" كيف وجدتني..؟ ومن أين عرفت مكاني..؟ "
عاد معاذ ينظر إلى صاحبة الفندق والتى علاها الارتباك وقالت :
" سأترككما لتتحدثان بحرية.. "
وسرعان ما انصرفت.. وحينئذ حاولت أن انهض من مكاني فداهمني الدوار مجدداً وعجزت عن ذلك.. أخذت نفساً عميقاً وأغمضت عينىّ لأمنع احساسي بالدوخة وإذا بصوت معاذ يصلني قائلاً :
" هل كنت تظنين أنكِ ستهربين مني إلى الأبد..؟ "
فتحت عينىّ وبدت لي الرؤية مشوشة قليلاً.. وخرج صوتي ضعيفاً لكن حاداً وأنا أقول :
" أنا لم أهرب منكَ.. أعتقد أن كل ما بيننا قد انتهى ولم يعد لي مكان فى منزلكَ.. "
ظل معاذ صامتاً لبرهة ، ذلك الصمت الذى يحتاجه المرء ليستوعب أمراً مستهجناً ، ولم يلبث أن قال :
" ما بيننا لا يمكن أن ينتهي بمثل هذه السهولة.. ولو كان انتهي فى نظركِ.. فمن المستحيل أن أعتبره هكذا أبداً.. "
شعرت بالدنيا تسود وتظلم أمام عينىّ وقلت :
" هل تقصد أنكَ ترفض أن ننفصل..؟ "
قال مباشرة :
" أرفض بشدة.."
بدأت دموعي تنهمر فى تلك اللحظة وقد بدا لي أن ذلك الطريق المقفر الذى نسلكه لا نهاية له قط..!
قال وقد رق قلبه قليلاً لرؤية دموعي :
" أروى رجاء.. لا تبكي فأنا لا أحتمل رؤية دموعكَ.. "
وأضاف :
" إنكِ تسيئين فهم الأمور.. وسأشرح لكِ كل شئ حين نصل إلى منزلنا.. "
هززت رأسي رافضة وقلت :
" مستحيل.. لن أعود إلى منزلكَ.. لم يعد لي مكان به.. ولا مكان لي به من البداية.. "
قال برجاء :
" على الأقل عودي معي حتى تتعافي.. أنظري إلى أين أوصلكِ الأهمال وكيف صارت حالتكِ..؟ "
قلت بحنق :
" إننى بخير جداً.. وسأكون بخير طالما أنتَ بعيد عني.."
حدق بي فى أسي شديد وقال :
" أعلم جيداً أنكِ تكرهينني وأن أى حديث لن يغير مشاعركِ تلك و.... "
لم أتجاوب معه وقاطعته قائلة :
" من الجيد أنكَ تعلم هذا.. ليتكَ تعلم أيضاً أننى بالفعل لم أعد أريدكَ فى حياتي.. "
قال :
" هذا لأنكِ توهمتِ أشياء لم تحدث ولأنكِ لا تعلمين الحقائق.. "
قلت بحدة :
" لا أعلم ولا أريد أن أعلم.. إنكَ تضيع وقتكَ عبثاً.. فأنا لن أتي معكَ إلى منزلكَ.. لن أعود إلا فى حالة واحدة فقط.. على جثتي..! "
قال :
" أذن تنوين العيش طوال عمركِ فى هذا الفندق..؟ "
قلت :
" سأعيش فى أى مكان بعيد عنكَ.. "
قال وقد بدأ صبره ينفذ :
" وهل تعتقدين أننى سأسمح بهذا..؟ "
هتفت غاضبة :
" ومن طلب منكَ السماح بهذا..؟ "
صاح بغضب مماثل :
" إنكِ زوجتي لو كنتِ قد نسيتِ.. "
قلت مُنفعلة :
" بل يبدو أنكَ أنت من نسيت وصدقت تلك الكذبة المُسماة بزواجنا.. للمرة المائة سأقول لكَ أننى لستُ زوجتكَ وكل ما تفعله لا جدوى منه ؛ فأنا لن أذهب معكَ أبداً.. أبداً.."
وقال معاذ بإصرار شديد :
" وأنا لن أتحرك من هنا ولو خطوة واحدة بدونكِ.. "
ولبرهة من الوقت ران الصمت علينا وراح كلينا ينظر إلى الأخر بتحد إلى أن قال معاذ بتردد وحزن :
" لقد سافرت تولان.. هربت إلى إحدي البلاد الأوروبية.. هذه المرة أنا صادق معكِ.."
لدى ذكره لتلك المخلوقة ثارت ثائرتي وجن جنوني وقفزت عن سريري صائحة :
" فلتذهب إلى الجحيم نفسه.. لا يهمني أمرها أو أمركَ فى شئ.. ولم أعد أريد سماع اسمها أو أى شئ عنها.. يكفى ما حدث لي بسببها.. يكفي.. يكفي.. يكفي.. "
آنذاك داهمني دوار عنيف وإذا باطرافي ترتجف وصار كل شئ من حولي يهتز ويتراقص أمام عينىّ بقوة.. وشعرت بالغرفة تدور من حولي وبالأرض تميد بي..
وفى تلك اللحظة تلقفتني أيدي معاذ ينشد دعمي فرحت أقاومه وأدفعه بعيداً إلى أن انهارت قوتي وضعفت مقاومتي تماماً.. فأظلمت الدنيا بعينىّ..
~ ~ ~ ~ ~
أصابني الفزع حينما راحت أروى تترنح فى وقفتها وبدت كأنها على أهبة السقوط بين لحظة وأخرى.. وعلى الفور هرولت نحوها وامسكت بها غير أنها راحت تقاومني بشدة إلى وتهزى ببعض الكلمات لم يستوعبها عقلي آنذاك إلى أن انهارت قواها دفعة واحدة وسقط زراعاها بجانبها وانسدلت جفونها على عينيها..
وتوقف قلبي تماماً جراء الموقف.. كنت مذهولاً ولا أدرى كيف اتصرف..؟
حاولت أنعاشها بشتى الطرق ورحت أهزها وأضع أذنى على صدرها لأستمع إلى دقات قلبها غير أنها بدت لي فجأة فاقدة للحياة..
فى تلك اللحظة دلفت صاحبة الفندق إلى الغرفة وهالها ما رأته فصاحت بي :
" رباه..! ماذا فعلت بها..؟ "
ألتفتُ إليها وصرخت بها :
" الأسعاف.. أطلبي الأسعاف.. "
لستُ أدرى كيف تذكرت وسط ما أنا فيه أن هاتفها معطلاً فما كان منى سوى أن حملت أروى بحرص وسارعت بمغادرة الفندق وإذا بصاحبة الفندق تتبعني وتساعدني فى حملها حتى وصلنا إلى المستشفى وسلمناها لفريق الطوارئ..
ووقفت فى الاستقبال غير مستوعباً لأى شئ.. لا أصدق كل ما حدث فى مطلع هذا اليوم..
لم تكن الساعة قد تجاوزت التاسعة صباحاً بعد.. غير أن تلك الساعات الأولي من الصباح كانت زاخرة بالأحداث الغريبة والمؤلمة..!
وطال الوقت بنا ونحن فى الانتظار وراح القلق يعصف بي ويصور لي وقوع أحداثاً رهيبة..
صرخت منفعلاً :
" ألن يخرج أحداً ليخبرنا بأى شئ..؟ هل سيتركوننا فى الخارج دون أن يطمئنونا عليها ..؟ "
ولم يجيبني إلا الصمت المطبق..
بعد برهة من الوقت حضرت سالي إلى المستشفي لزيارة محمود وحين رأتنى أقبلت نحوى قائلة :
" معاذ.. أنتَ هنا..؟ متى نمت ومتى استيقظت..؟ لماذا لم تخبرني أنكَ آتٍ إلى المستشفى لكي نأتي معاً.. "
راحت صاحبة الفندق تنظر إلينا بفضول فيما تابعت سالي :
" لماذا تقف هنا..؟ لماذا لم تصعد إلى محمود..؟ هل تشاجرتما مجدداً أم ماذا..؟ "
نظرت إليها وأنا فى حيرة من أمرى.. ولا أدرى بماذا وكيف أخبرها..؟
قلت :
" أنا لم أتِ من أجل محمود.. "
ولم تزدها جملتي تلك إلا حيرة فوق حيرتها..
قالت مستفهمة :
" أذن لماذا أتيت..؟ "
أخذت نفساً عميقاً وأطلقته مع زفرة قوية من أعماق صدري ، ثم قلت :
" لقد وجدت أروى.. "
تفاجأت سالي وهتفت بلهفة :
" كيف وجدتها وأين؟ ولماذا أنت هنا؟ لم أفهم أى شئ بعد !.."
قلت :
" إنها بالداخل.. لست أدرى ماذا أصابها؟ كنا نتحدث وفجأة سقطت على الأرض.. "
اطلقت سالي شهقة فزع فى حين تدخلت صاحبة الفندق قائلة :
" كانت شهيتها ضعيفة للغاية الأيام الماضية.. بل إنها بالكاد كانت تأكل.. رُبما كان هذا السبب.. "
انتبهت سالي فى تلك اللحظة فقط إلى وجود صاحبة الفندق وألتفتت نحوها متسائلة فى أهتمام :
" هل كانت عندكِ كل الأيام السابقة..؟ "
وقبل أن تجيبها السيدة خرج إحدى الأطباء فهرولت إليه وسألته عن حالها فقال :
" لديها هبوط حاد بالدورة الدموية.. لقد قمنا لها بالأسعافات اللازمة وبعد دقائق ستفيق وتتحسن بإذن الله.."
وبعد فترة زمنية قصيرة افاقت أروى وبدأت تتحسن شيئاً فشيئاً..
وكما هو متوقع رفضت وبشدة البقاء فى المستشفى أو العودة إلى المنزل رغم تدخل سالي ومحاولتها لتغيير رأيها..
ولأول مرة منذ تزوجت من أروى ، أُدرك كم هى صلبة الرأس وصعبة المراس حتى أنها وبصعوبة اقتنعت بأن تبقى لليلة واحدة بالمستشفى تحت الملاحظة..
وبالطبع كان محظوراً علىّ الاقتراب منها والتحدث إليها.. غير أننى لم أبرح باب غرفتها قط.. هذه المرة لن أتركها تهرب مني..
عند حلول المساء خرجت سالي من الغرفة بعدما نامت أروى وقالت لي :
" لماذا لا تعد إلى المنزل لتستريح..؟ إنكَ بحاجة للنوم ولحلاقة ذقنكَ.."
شعرت بالخجل الشديد.. لابد أن مظهرى مزرى الأن..
لكني لن استطيع ترك أروى مهما حدث..!
عادت تقول :
" لا تخاف هذه المرة لن أسمح لها بالأنصراف.. هذا بالأضافة لأنها متعبة للغاية ومن المستحيل أن تفيق من نومها بسهولة.. لقد حقنها الطبيب بدواء ثقيل وأخبرني أنه سيجعلها تنام بعمق حتى الصباح.."
ظهر الإعتراض على وجهى فقالت مشجعة :
" هيا معاذ فلتعد إلى المنزل.. إنكَ تحتاج إلى الراحة لبعض الوقت.. لا تتردد.."
أخيراً اقتنعت برأيها وعدت إلى المنزل لأسحتم ولأنعم بحلاقة ذقني الملتحية.. وشيئاً ما استعدت شكلي الأدميّ..!
وغفوت على سرير أروى لساعاتٍ قليلة ولم ألبث أن استيقظت عند بزوغ الفجر وارتديت ثيابي متوجهاً ثم المستشفى.. وانتظرت حتى أفاقت سالي ثم سألتها عن حال أروى فقالت :
" كان نومها مقلق ومضطرب رغم الأدوية الثقيلة التى تناولتها.. لستَ أدرى ماذا دهاها بالضبط..؟ حالتها النفسية أسوأ مما كانت عليه.. كلما يمضى الوقت تنتكس أكثر عن ذى قبل.."
قلت :
" الطبيب يقول أنها ستتحسن.. وأنا أمل فى ذلك.. "
عقبت على قولي :
" فلنأمل ذلك جميعاً.."
وصمتت لبرهة ثم استطردت :
" لم تخبرني ماذا ستفعل معها..؟ أقصد.. اليوم سيكتب لها على الخروج.. هل ستتركها تذهب إلى منزل عائلتها..؟"
هززت رأسي رافضاً وقلت :
" مستحيل.. سنعود جميعاً إلى منزلنا.."
قالت سالي :
" لا أظنها ستسمح بذلك.. "
وقلت :
" ولا أظنني سأسمح بغير ذلك..! "
أطلقت سالي تنهيدة قوية ثم قالت بتردد :
" لماذا لا تتركها على حريتها..؟! "
نظرت إليها بإهتمام شديد فيما تابعت هي منفعلة :
" لقد أذيتها بما فيه الكفاية الفترة الماضية وأنظر كيف صار حالها..؟ لماذا لا تتركها تذهب حيث تشاء..؟ إن ما حدث.. أقصد.. بشأن تولان.. هذا الأمر أفقدها الثقة بكَ.. ولا أظنها ستصفح عنكَ أبداً.. "
قلت :
" سأستعيد ثقتها بي كما استعدتها قبل ذلكَ.. "
نظرت إليّ وفى عينيها بدا الاعتراض على حديثى غير أننى تابعت :
" لا شئ قط سيجعلني انفصل عن أروى.. "
قالت سالي مباشرة :
" حتى لو كانت هذه هى رغبتها ؟ "
قلت حاسماً :
" أجل.. حتى لو كانت هذه هى رغبتها..! "
~ ~ ~ ~ ~
تتبع
،
،
|