أمسكت كارين بالبطاقة البيضاء ومزقتها أربا , ثم حملت حقيبتها ومعطفها وخرجت تسير في الليل , أمضت ساعة ونصف في أحدى دور السينما , ثم عادت الى شقتها بعد التاسعة بقليل , نسيت كل ما شاهدته في جولتها , ولكنها شعرت بشيء من الراحة لأنها تمكنت من أن تتحداه.
لم تجد بطاقة تحت الباب هذه المرة , ولم تهرع اليها صاحبة البيت تحمل لها بعض الأنباء , فأرسلت تنهيدة ضعيفة , لم تكن تتوقع أن يعود آرثر ,وبهذا الشكل المفاجىء , أرخت كارين الستائر وقد أستولى عليها أحساس بالوحدة , وأخذت تشعر ببعض الأعياء وهي تقوم بترتيب ما يلزم للمحافظة على أناقة الشقة , وبعدها أحست بحاجتها الى حمام , فحملت ما يلزمها من ثياب ولم تنس أن تضع حذاءها بالقرب من الباب ومفتاح الشقة في حقيبتها الأسفنجية
ثم أطفأت النور وأغلقت الباب خلفها وعبرت الممر , هبطت درجات السلم الثلاث الى غرفة الحمام , وهناك أسلمت نفسها بأسترخاء تام للماء المنعش الدافىء , مكثت ساعة وخرجت بعدها لتجد الدار تقبع في ظلمة دامسة , لم تعجب لذلك فلاشك أن أحدهم قد أطفأ نور الممر
منتدى ليلاس
كانت قد ألفت مسالك المنزل فلم تجد صعوبة في تلمس طريقها , فتصعد الدرجات الثلاث وتعبر الممر الى باب شقتها , تريثت هناك قليلا لتنشر المنشفة ثم أدارت المقبض وأخذت تدفع الباب , وأذ بها تندفع خطوة حذرة الى الوراء وتجمد في مكانها , وجدت الشقة مضاءة وهي التي أطفأت النور بنفسها ,ولم تجد أثرا للحذاء الذي تركته قرب الباب.
بدأ قلب كارين يخفق بشدة من الخوف, فهل أقتحم أحد المتطفلين شقتها ؟لا , لا يمكن لأي متطفل أن يدخل الدار دون أن تلحظه عين السيدة بيجنز الحادة.فلم تر قدمي رجل يختبىء خلفها.
دخلت كارين مترددة الى وسط الغرفة مستعدة للهرب فورا أذا لزم الأمر ,وأستبدت بها الحيرة عندما وجدت حذاءها ملقى على بعد أقدام من الباب , تساءلت هل هي قطة؟
لكن السيدة بيجنز لا تقتني قططا في منزلها , وفجأة سمعت صوت حركة من داخل غرفة النوم التي رأت بابها مفتوحا على مصراعيه , فقفزت الى الخلف وقد أنطلقت من فمها صرخة فزع وأصطدمت بأحد المقاعد , وأمتدت يدها الى عنقها من الخوف عندما شاهدت جسما طويلا يسد باب الغرفة , كان يقف هناك ينظر اليها , أنبعثت من فمها كلمة مخنوقة :
" أنت!".
تقدم آرثر بخطوات ثابتة الى الأمام كما لو أن له الحق في وجوده هناك وقال:
" نعم أنا, هل أخفتك؟".
" كيف تجرأت على دخول منزلي كما لو أنك...".
"وجدت الباب مفتوحا".
قال ذلك وأتجه نحو باب الشقة ودفعه بيده فأغلقه
فأستدارت كارين صائحة:
" ماذا تفعل؟".
" أغلقت الباب ".
وقف أمامها , يداه في جيبي معطفه والتحدي ظاهر على كل عضلة من عضلات جسمه , وقال:
" عرفت أنك لن تحضري فحضرت أنا".
تلعثمت كارين وهي تصيح:
" هل كنت تتوقع حقا أن أركض تلبية لدعوتك؟ يا للوقاحة!".
تجلت أبتسامة مرح ساخرة على فم آرثر وقال:
" أراك لا زلت تتلعثمين , فأنت بعد كما عهدتك لم تتغيري".
فثارت صائحة:
" وأنت أيضا لم تتغير , متعجرف وبغيض كما كنت , ما أشد غبائي , لا أدري كيف وقعت في حب واحد مثلك , أنك...".
فقاطعها ببرود:
" دعينا من الحب الآن , فلم أحضر الليلة لنبدأ قصتنا السابقة من جديد , لقد أستغفلتني مرة , وثقي أنني لن أدعك تعيدين ذلك مرة أخرى".
أشتعلت عينا كارن غضبا وصاحت:
" أخرج من هنا , فليس لدي ما أقوله لك".
" لكن لدي الكثير لأقوله لك , ولن أخرج من هنا قبل أن أقول كل شيء".
منتدى ليلاس
كان الغضب البارد جليا في عينيه , فأرتجفت كارين وهي تصيح:
" أذن قله بسرعة وأنصرف! لم تكن بحاجة للمجيء الى هنا الليلة كي تطلب الطلاق , عرضت عليك ذلك منذ سنتين عندما أوضحت لي بأنك تكرهني".
فضم فمه بمرارة وقال:
" أتظنين أن هذا هو سبب مجيئي الليلة ؟ يا لك من خسيسة".
أسرعت كارين الى الباب وأمسكت بمقبضه وصرخت:
" هل هذا ما جئت تقوله لي ؟ حسنا فقد قلته, هل أكتفيت؟".