" يقلقني أذا لم يكن ما يدعو لتلك السرعة".
مشى يود مغادرة الغرفة ثم توقف وقال بصوت حازم:
" حسنا , أنا هنا الآن , أسمعيني قليلا , أليزابيت هي الوحيدة التي يهمها أمرها , هي الوحيدة التي منحتني كل ثقتها , هي الوحيدة التي منحتني الفرصة لأبني نفسي من العدم , أدخلتني بيتها وعاملتني كولدها , لا أستطيع أن أفيها بعض جميلها ... أدين لها بالكثير ,بل ليس لدينها عليّ حدود , أسمعي , سأقتل كل من يسبب لها الأذى".
هيمن عنفه على جو الغرفة فسادها الهدوء , نظر بقسوة في وجه كارين ثم تحرك نحو الباب
وقبل أن ينصرف ألتفت خلفه ثتنية وأضاف:
" من أجل أليزابيت تهون علي حياتي , أنها لم تلدني حقا , لكنها وهبتني الحياة".
منتدى ليلاس
أستنفدت كارين كل قوتها بعد صدامها العنيف مع آرثر , أرتدت أحد فساتينها أمام المرآة لتتزين , وسرعان ما ألقت جانبا أحمر الشفاه الذي كان بيدها , فهل يهمها مظهرها بعد الآن؟ ماذا يهم؟
نزلت تجر نفسها جرا لتناول الأفطار وحمدت الله أنها لم تجد أثرا لليزا هناك , ما أن جلست الى المائدة حتى ظهر آرثر , قائلا انه سيخلد الى النوم حتى موعد الغداء , وأردف بأنه لن يغادر دلرسبك مدة ثلاثة أسابيع متتالية لأنه بحاجة الى راحة طويلة.
ظلت كارين صامتة , لم تكن في حالتها الراهنة قادرة على أبداء بهجتها لمثل هذا النبأ , كان يحتل قلبها غيظ مرير يقرب في خطورته من الكراهية , لو لم تظهر ليزا على المسرح لكان من المستطاع أن تصل مع آرثر الى تفاهم ضمني وقبول بالوضع الراهن ,لكن الآن وبضربة واحدة نسفت ليزا أي أمل في ذلك.
طال ذلك اليوم البائس يشوبه
التخوف من أنكشاف الجو المشحون بينها وبين آرثر والآخرين , ألا أن مرض أليزابيت وأنهماك الجميع في بعض الأمور المنزلية أثبت أن تخوفها لم يكن في محله , وعندما حان الوقت الذي ترهبه ,وقت أنفرادها مع آرثر في غرفتهما الخاصة , رأته يستغرق في صمت كئيب , كان مبعث أطمئنان لها .
أقبل صباح اليوم التالي يحمل معه أنباء الحمى التي بدأت تجتاح القرية بأسرها , أستيقظت ماجدا وليزا من نومها وعليهما كل الأعراض التعيسة , حتى تمزي الجبارة التي أستطاعت أن تدرأ عن نفسها الهجوم ذلك اليوم , لم تلبث أن سلمت بالهزيمة في اليوم الذي تلاه , وبعد يومين كان آرثر يستسلم للمرض.
كارين الوحيدة التي سلمت من الداء , لكن العناية بالمرضى وأعمال البيت التي ألقيت على عاتقها أثقلت كاهلها , وجعلتها ترحب بألتهاب الحنجرة الذي أصابها مع حلول نهاية الأسبوع , ومع ذلك لم تجد لديها الوقت الكافي للعناية بنفسها.
بينما كانت أليزابيت تتماثل للشفاء كانت ليزا طريحة الفراش تعاني من شدة وطأته , فقدت كل شهية للطعام ولم تنجح محاولات الجميع في دفعها لتناول أي شيء.
كانت ليزا أثناء مرضها محط عناية كارين التي كثيرا ما نظرت اليها تتأمل وجهها الممتقع المثير للشفقة , فتحس في داخلها وخزات تأنيب الضمير , ترى هل كانت مخطئة في ظنها؟
هل كانت التحية الحارة التي شاهدتها وأثارت غيرتها مجرد تعبير عن شوق ليزا الشديد للقاء آرثر ؟ وتذكرت أمرا لم يخطر ببالها من قبل , أن ليزا كانت تعمل سابقا عارضة أزياء , فكيف لم تضع في حسابها أن طبيعة عملها أكسبتها ولا شك جرأة وبشاشة فتعودت أن تقابل الناس بحرارة مفتعلة لا تنبع عن عاطفة صادقة؟
لم تتوقف كارين عن العمل في البيت طيلة فترة الحمى التي لم يسلم منها أحد سواها , مضى أسبوع وليزا طريحة الفراش , نزلت كارين من عندها تحمل صينية الطعام الذي رفضت أن تتناول منه ألا عصير الفاكهة , وعندما دخلت الى المطبخ نظرت تمزي الى الصينية وقالت:
" أصبحت نحيلة جدا , من الغباء أن تبقى نحيفة هكذا بعد أن تركت عملها كعارضة أزياء , فلماذا لا تتناول ما نقدمه لها من غذاء حتى تتحسن صحتها؟".
تمتمت حانقة وهي تخرج من المطبخ تحمل أناء فيه بعض الزهور , بينما بدأت كارين في غسل الأطباق , وأليزابيت الى جانبها تود مساعدتها , تنهدت كارين... لو أن أليزابيت تغادر المطبخ فتنال قسطا من الراحة , كانت تعرف أنها لن تذعن لذلك , أنها في اليومين اللذين تركت فيهما فراش المرض لم تكف لحظة واحدة عن العمل , على الرغم من الضعف الذي ألم بها , كانت الآثار التي خلفها المرض واضحة على جسمها , أمست هزيلة الى حد مخيف , غار خدّاها وغاصت عيناها في محجريهما تحت ظلال داكنة الزرقة , ونحلت يداها حتى بات الجلد يشف عما خلفه , بحركة تدل على نفاذ صبر سحبت كارين كرسيا وألحت على أليزابيت أن تجلس قائلة:
" يمكنك تجفيف الأطباق وأنت جالسة تماما مثلما تجففينها وأنت واقفة".
منتدى ليلاس
تأففت أليزابيت وقالت:
" بالله عليك يا كارين , يكفي ما ألقاه من آرثر وتمزي وماجدا , لم أعد أحتمل هذه الرعاية الزائدة وهذا الأهتمام البالغ من حولي , بدأت أشعر بأنني أكاد أختنق!".
أعتذرت كارين وهي تعض على شفتيها , وقررت ألا تنطق بحرف , خيم صمت كئيب ثم تنهدت أليزابيت ونظرت الى كارين نظرة تحمل معنى التوسل وقالت:
" كارين أنني قلقة على ليزا ".
ترددت كارين لتختار كلماتها بحذر ثم قالت:
" أعرف أنه من الصعب ألا تقلقي من أجلها , لكن حاولي ألا تشغلي بالك كثيرا , أنا متأكدة بأنها ستتحسن سريعا , قال الطبيب أن هذه الحمى تسبب أنحطاطا بالقوى لا يلبث أن يزول".