قال لها بشراسة:
" وقعت عليها صدفة , فأتصلت بي تستفسر أن كنت أنت التي تظهرين فيها".
جمدت كارين في مكانها م ترنحت وأوشكت على السقوط , أحاط آرثر كتفيها بيدين من الفولاذ
همست بيأس وهي تحاول أن تتمالك رشدها :
" لكنني لا أعتقد أن كائنا من الممكن أن يتعرف عليّ , فالصورة كانت غير واضحة.....
أنزلقت يداه تحت مرفقيها يسندها اليه:
" كارن تمالكي نفسك , أردت ببساطة أن أحذرك فقط , كان ذلك الصباح كابوسا بالنسبة الي , أخبرت ماجدا بأن هناك آلاف الفتيات في لندن لهن شعر طويل يرف على وجوههن , ويرتدين معاطف بأرادان من الفرو , أعرف أنني أقنعتها في ذلك الحين , أما بالنسبة لي فعلى الرغم من أن ملامح وجهك لم تكن واضحة في الصورة , ألا أن حقيبة يدك ذات الأبريم البارز التي كنت قد أهديتك أياها قبل ذلك بيومين أو ثلاثة , وسلة التسوق الفخمة التي كنت وحدك تستعملينها .... أحمد الله أن ماجدا لم تنتبه الى ذلك".
أجتاحت كارين موجة من الدوار , قامت بمحاولة يائسة لتستعيد سيطرتها على نفسها وتنسحب من بين يدي آرثر , فسقط الشال على الأرض , ترنحت وهي تستدير منحنية تتلمسه
لكنه كان أسرع منها فألتقطه ووضعه على كتفيها المرتعشتين وهمس:
" الأفضل أن تدخلي فأنت ترتعشين , وتذكري يجب أن تحترسي لنفسك دائما".
دخلت تتعثر كالعمياء , كان النور لا يزال يشع من المطبخ حيث شاهدت ماجدا تقف أمام المغسلة
ألتفتت ماجدا مبتسمة وقالت:
" الجو أصبح باردا , بالطبع أنه هنا أبرد منه في لندن , أتريدان مني أن أعد لكما شيئا حارا؟".
لكن كارين لم تكن تريد الا أن تهرب بنفسها فهزت رأسها وقالت:
" كلا شكرا , أريد أن أنهي ترتيب ملابسي".
وأرتفع صوت آرثر قائلا:
" أن كنت متعبة فلا تنتظرينني يا حبيبتي , سأنشغل قليلا ببعض الأمور التي يجب أن أقوم بها قبل أن آوي الى الفراش".
أصطنعت كارين أبتسامة وتمنت لماجدا ليلة طيبة وصعدت الى غرفتها , أمضت نصف ساعة قبل أن تدب يائسة في فراشها
وأخذت تحدث نفسها :
" ماذا لو تذكرت ماجدا أمر تلك الصورة ؟ لكن ما يهم لو تذكرت؟ أن آرثر سيتولى منعها من أعلام أليزابيت أي شيء بخصوصها , أليس كل ما يعمله من أجل أليزابيت؟".
أما بالنسبة اليها فليس عندها ما تخسر ه , خسرت أهم ما يهمها منذ سنتين , خسرت آرثر وأحترامه وثقته , أستلقت على سريرها فريسة لآلآم أنفعالاتها التي أستفاقت من جديد
كان من السهولة بمكان تجنب تلك الحماقة القديمة لو أنها عملت بموجب خطتها لذلك الصباح المشؤوم فذهبت الى السوق لشراء بعض الحاجيات على الرغم من هطول المطر
لو علمت ذلك لفاتها الأستماع الى تلك المكالمة الهاتفية ...... الى ذلك النداء الذي دعاها بأنفعال طالبا المساعدة ... لو أنها فقط لم تدع ستيفان أسي يؤخرها بأصراره على تقديم ذلك الشراب الذي لم تكن ترغب فيه , لكانت خرجت قبل وصول المراسل والمصور الصحفي الى المشهد , دعتها غريزتها لأن تندفع هاربة من ذلك المكان
فأثار هربها أهتمامهما , فأقتنعا بأنها ولا ريب تلك الفتاة الغامضة التي ما زالت هويتها تشغل بال بعض الأوساط والعالم الفني على وجه الخصوص , لكن ماذا كان بمقدورها أن تفعل؟ لقد قطعت على نفسها وعدا أن تلوذ بالصمت وكيف يمكنها أن تنكث بذلك العهد؟
منتدى ليلاس
مضى وقت طويل قبل أن تخلد الى نوم مضطرب , أفضل ما فيه أن آرثر وفى بوعده , فتركت المصباح القريب من السرير الآخر مضاء حتى لا يتخبط آرثر عند دخول الغرفة في الظلام ,دخل بهدوء , لم يصدر عنه أي صوت سوى صوت الحركات الخفيفة وهو ينزع ملابسه ويتجه الى غرفة الحمام , عندما عاد تريث هنيهة حين مر بجانب سريرها , وبعد لحظات أطفأ النور وخيم السكون ألا من صوت تنفسه الخافت.
قربه الشديد منها جعل النوم عليها مستحيلا , كم مرة في منامها ويقظتها نقلتها أحلامها الى أيام سعادتها الماضية تعيشها بخيالها فتتمنى وتشتاق .. وها هو القدر , بشكل ما , جعل حلمها حقيقة واقعة لكن أقرب ما يكون الى الكابوس , لم تتصور قط أن تشارك آرثر ليلة أخرى على هذا النحو بقلب موجع يفصل بينهما واد سحيق من الحقد والضغينة , ما أقربه منها وما أبعده عنها.
بعد ساعات أيقظتها لمسة يد على كتفها فهبت مجفلة , كان الوقت صباحا وأشعة الشمس تنساب عبر الكوة الزرقاء , كان آرثر يجلس على طرف سريرها مرتديا ثيابه , والى جانبها على الطاولة الصغيرة كان قدح من الشاي.
ما أن رآها تفتح عينيها حتى قال:
" أحضرت ماجدا الشاي قبل قليل , لكنني طلبت منها ألا توقظك لأنك نمت متعبة".
" نعم كنت كذلك .... شكرا".
أتكأت على الوسادة وسحبت الأغطية فوق كتفيها المكشوفتين , شعرت بالأحراج الشديد أذ كانت ترتدي قميصا شفافا للنوم فلو نزلت من السرير لن يكون بمقدورها الكثير لتفعله دفاعا عن نفسها
لكن مخاوفها سرعان ما تبددت عندما سمعته يقول بخشونة :
"تبدين مخيفة".
أرتعشت يدها وهي ترفع قدح الشاي , فأعادته مكانه وقالت بصوت غير متزن:
" لم أنم جيدا".
" هل كنت تصرخين في نومك؟".
" أصرخ؟".
" نعم ,لماذا؟".
" لم أصرخ أبدا , أظنك كنت واهما".
" أذا فأن وهمي أيقظني من نومي , فنهضت من سريري وأتيت اليك خشية أن تكوني مريضة أ و بحاجة الى شيء ما , لكن يبدو أن أهتمامي لم يكن له مدعاة للترحيب".
فسألته وهي تتجنب النظر الى عينيه:
" هل كنت مهتما حقا؟".
" أنا لست عديم الأحساس كما تعرفين".
" حسنا , أرجو ألا يذهب بك الظن بعيدا فتتوهم أنني كنت أذرف الدموع من أجلك".
منتدى ليلاس
وقف وهز رأسه ساخرا:
" نعم لم يعد هناك مجال لمثل هذا الظن يا كارين , أشربي الشاي قبل أن يبرد , سأراك عند الأفطار".
تدفق الدمع من عينيها عندما خرج من دون أن يلقي نظرة الى الوراء , ليته كان في مقدورها أن تحصن نفسها ضد قسوته , جرعت الشاي وهي تشعر بعدم الرغبة لمواجهة ذلك اليوم الذي ينتظرها , دخلت الحمام , فأصابها هزة من الصورة التي عكستها المرآة , وجه ممتقع اللون , وعينان بللهما الدمع غارتا في تجويفتين معتمي الظلال ,وفم لا يقل شحوبا عن صفرة خديها .
خطرت لها فكرة الرجوع الى سريرها وعدم النزول الى الأفطار ,لكنها سرعان ما طرحت هذه الفكرة جانبا , لأن ذلك لن ينقذها من مضايقات الجميع الذين سيهرعون للأطمئنان عليها .
لكن لم كل هذا القلق الذي ينتابها؟ ألم تقنع نفسها خلال السنتين الماضيتين بأن آرثر لا يستحق أن تحطم قلبها من أجله؟
لقد أراحت ضميرها عندما أخبرته بأنها لم تقابل ستيفن أسي ألا في ذلك اليوم وأنها لن تقابله مرة أخرى , أخبرته أنها لم تقابل مطلقا صديقه الفنان الشهير فينس كاين الذي قتل بحادث مفجع فرّ السائق على أثره , لكن آرثر لم يصدقها ...الأنسان الوحيد الذي يستطيع أن يؤكد صحة أقوالها لا يستطيع بل لا يجرؤ أن يتكلم....