كانت جلسة العشاء تلك بالنسبة الى كارين من أشد ما تحملته في حياتها تعاسة وتكلفا , تمنت بمرارة لو كان بمقدورها أن تخفي مشاعرها الحقيقية تحت ستار من الدماثة وحلاوة الحديث , كما فعل آرثر
بغض النظر عما كان يجيش في داخله من أحاسيس في تلك اللحظة... أذ جعل الحديث من السهولة بحيث لم يكن مطلوبا منها الا أن تجيب بنعم أو لا على بعض الأسئلة التي كان يوجهها اليها بين الفينة والفينة , بخصوص عمله في جنوب أمريكا.
أنتهزت كارين فرصة أنهماك أليزابيت بالحديث وأنسلت لتعد القهوة .
أستأثرت أليزابيت بتعاطف كارين , كانت تعتقد أن صحتها تحتاج الى حماية تامة , وأن مبالغة آرثر برعايتها قد تسبب لها الضرر أكثر من المنفعة , ذلك أن أليزابيت كانت من النوعية التي تفضل أن تخوض معركتها المقيتة مع المرض بطريقتها الخاصة , لذلك فأن تدخل آرثر قد يقوض ثقتها بنفسها.
منتدى ليلاس
عندما أنتهت من أعداد القهوة دخلت بالصينية الى غرفة الجلوس , وأشعلت النور ثم وضعت قطعة من الحطب في الموقد المتوهج باللهب , كان الآخرون لا يزالون في غرفة الطعام
وأذ كانت تهم بالذهاب لمناداتهم رن جرس الهاتف ,ترددت لحظة , هل ترد بنفسها أم تنادي أليزابيت أو آرثر ؟ لكنها رفعت السماعة وأعطت رقم الهاتف من دون أن تذكر أسمها
وسمعت صوت المتكلم يسأل بشيء من الحيرة:
" من هناك؟".
أجابت كارين وقد عرفت الفتاة من صوتها :
" هنا كارين, كيف حالك يا ليزا؟".
تغيرت لهجة ليزا وقالت:
" آه أنا بخير , لم أستطع أن أميز صوتك".
" مر وقت طويل منذ سمعته آخر مرة , أنتظري فسوف أنادي أمك".
" مهلا لحظة! هل كل شيء على ما يرام؟".
" أمك في غاية السعادة لعودتها الى البيت , وعلى الرغم من تعبها من الرحلة الشاقة فقد تمتعت بها كثيرا".
" آه حسنا ...... هل آرثر هناك؟".
" نعم هل تودين أن تتحدثي معه؟".
" كلا, كلا , أرجو فقط أن أكلم أمي ولن أزعجها طويلا أن كانت تشعر بالتعب".
فتحت كارين باب غرفة الطعام ومدت يدها بالسماعة الى أليزابيت قائلة بأنها ليزا , ثم ذهبت متباطئة الى غرفة الجلوس ,حيث صبت القهوة لماجدا وآرثرو لها , وأنسحبت الى كرسي بعيد عن النور ,لقد خف شعورها بالتعب والكآبة الآن , وما أحوجها الى أن تنفرد بنفسها , شعرت كأنها أمضت يوما طويلا في دلرسبك وليس مجرد ساعات قليلة
كانت الساعة قد تجاوزت التاسعة بقليل ولم يكن الوقت مناسبا للأستئذان بحجة النوم , خاصة وأن أمامها تلك المشكلة المخفية التي عليها أن تواجهها , على أية حال.... ستجد لها حلا هذه الليلة بطريقتها الخاصة , عليها أن تفهم آرثر أن فعلته التنكرية تلك يجب أن تقف بعيدا عن العلاقات الزوجية
أن الألم والمرارة والأتهامات تحول بينهما بالأضافة الى سنتين طويلتين من الفراق , كم سألت نفسها هل كانت تلك الأشهر القليلة من السعادة التي قضتها مع آرثر حلما , حلما عاشته معه يد بيد , ثملين بفرحة أكتشاف أحدهما للآخر , ثم تلاشى ذلك الحلم الجميل فجأة بفعل قوة قاهرة لا دافع لها
تعرفت على آرثر فأحبته بكل ذرة من ذرات قلبها , عقلا وجسدا , وأذ بها تجده رجلا عديم الثقة بها يتهمها بكل قسوة , ثم لا يمنحها فرصة للدفاع عن نفسها , والآن كما في السابق تواجه الحقيقة الرهيبة , أن آرثر ما أحبها قط , فلو كان يحبها فعلا لأكتفى بكلمتها ولم يطلب منها أيضاحات ما كان بوسعها أن تعطيها..
أحست كارين بحرارة الموقد التي كانت تلفح وجهها , غامت ألسنة اللهب أمام عينيها اللتين أخذتا ترمشان بسرعة وهي ترفع رأسها لتقابل نظرات آرثر المتفحصة , شعرت بنبضات قلبها تتوقف لحظة , ثم تعود لتخفق متألمة تحت حدة تلك النظرات المنبعثة من عيني آرثر السوداوين , كأنما تلتمس بعمق سبيلا للأتصال .
منتدى ليلاس
تحرك أخيرا وعادت القسوة القديمة تغمر عينيه من جديد , كلا كانت واهمة فلم تر في عينيه ألا تلك القساوة المعهودة ! النار المتوهجة هي التي جعلت ذلك النور الدافىء ينعكس من عينيه فتومت أنها رأت فيهما تلك النظرات الواعدة , تلك النظرات التي كانت تحمل في طياتها يوما رسالة سرية , رائعة لا يجيد قرائتها أحد كما تجيدها هي.
في تلك اللحظة دخلت أليزابيت تعتذر لأنها تأخرت حتى بردت قهوتها , كان في لهجتها لون من القلق , قالت أنها ليزا التي كانت على الهاتف , لا تستطيع الحضور في اليوم التالي كما وعدت , حضر أحد رجال الأعمال مع زوجته من نيويورك وعليها أن تشارك زوجها كليف بأستقبالهما , تأمل أن تحضر بعد ظهر يوم الجمعة .