أحست كارين بشيء من الحرج وهي تتلقى الثناء على شيء لا تستحقه , فماذا كان آرثر يكتب في تلك الرسائل يا ترى؟".
وقفت تراقب أليزابيت حتى توارت في سيارتها عن الأنظار ثم أغلقت الباب , أخيرا كانت قادرة أن تنزع قناع الحذر عن وجهها , لم يعد لديها أدنى شك بعد لقائها بأليزابيت في صحة ما أخبرها به آرثر , لقد أجتازت تجربتها الأولى بنجاح مع أليزابيت , ولكن ما يخبئه لها الأيام القريبة القادمة سيكون ولا شك أشد خطورة , ففي الأسبوع المقبل سيجتمعون جميعا في دلرسبك مع شبح المرض الماثل أبدا في وجه أليزابيت , ومع شظايا الزواج المحطم التي عليها أن تخفيها, وذلك بالأضافة الى ليزا ...
أحست كاترين بالبرودة تتسرب الى قلبها المتوجس خيفة من المستقبل ,ولكن هل من مفر؟ لقد أعطت وعدا وهي تشعر في قرارة نفسها أن ليس لديها الرغبة بأن تنكث بوعدها ,وهناك أمر آخر , فأنها شعرت بما كانت تقنع نفسهابه من أنها لم تعد تبالي بآرثر غير صحيح , وهذا معناه أنها ستعيش كذبة أخرى...
كانت الأيام الثلاثة التالية أشد أثارة للقلق من كل ما مر عليها من أيام , لم تسمع كلمة من آرثر ... وهذا طبيعي فهو لا يكلف نفسه بالأتصال الا أذا كان هناك شبب جديد.... ولا سؤال من ليزا ,وهذا لم يدهشها لأنها كانت تحس بالحاجز الذي يمنعهما من التقرب أحداهما الى الأخرى لتصبحا صديقتين حميمتين.
أتصلت أليزابيت مرتين أو ثلاثا , وفي المكالمة الثانية أعلمتها أن ليزا وزوجها سيحضران للعشاء معها في ذلك المساء , وتود لو أنها تحضر أيضا , شعرت كارين بهلع لا مبرر له ,وأعتذرت بأنها مرتبطة بموعد آخر
وقبلت أليزابيت أعتذارها : أرخت كارين السماعة من يدها وهي تشعر بحرارة خديها للكذب الذي بدأ ت تألف ممارسته , ومع ذلك كانت مرتاحة الباب لتأجيل أجتماعها بليزا الى أمد أبعد , ولكنها أحست بسخف عملها أذ ليس هناك سبب يحدوها الى تجنب ليزا .
منتدى ليلاس
قامت كارين بجولة أشترت أثناءها بعض الحاجيات ,وما أن عادت الى المنزل حتى فوجئت برنين جرس الهاتف , هرعت الى السماعة يخامرها شعور أنه آرثر
فسمعته يصيح متبرما:
" أين كنت؟ هذه المرة الثالثة التي أحاول فيها الأتصال بك".
فأجابته لاهثة:
" آسفة ,كنت في السوق , وكنت أتوقع أن تتصل بي في وقت متأخر من هذا المساء , هل الأمور تسير حسب الخطة؟".
" لا بأس , سأرجع الليلة , وأنا لا أرى سببا يحول دون أن نأخذ أليزابيت الى هناك غدا".
عبست كارين وقالت:
" هذا لا يعطيها وقتا كافيا لتستعد للأنتقال الى هناك يا آرثر , والساعة الآن قد جاوزت السابعة".
أجاب ببرود:
"يمكن أن نبدأ بعد الغداء ,والآن أسمعي , لديّ موعد في الثامنة , لا تنتظريني.... سأتأخر بعض الوقت , لهذا أستعدي أنت لأننا سنذهب صباحا الى أليزابيت لمساعدتها , أتصلي بها الآن وأعلميها , أن ذلك يوفر عليّ بعض الوقت".
أجابته كارين بالأيجاب وهي تسمعه يودعها ويضع السماعة .
أتصلت بأليزابيت وأعلمتها بما طلبه آرثر , ثم أخذت حوائجها اللازمة للأنتقال , وراحت تفكر , من الذي سيؤخر آرثر هذه الليلة؟ من المحتمل أن تكون أمرأة! ولكن هل هذا معقول؟
لا يمكن أن يكون أمضى السنتين بعيدا عن الجنس الآخر , لكنه لم يعد الا منذ أسبوع فقط, أمضى منها ثلاثة أيام في يورك شاير , وهي مدة غير كافية لأن يبني علاقة مع أحداهن.
هدأت أرجوحة عواطفها قليلا , ثم ما لبثت أن بدأت تتأرجح من جديد , أن مدة سنتين كافية لأنشاء علاقات كثيرة , ولكن لماذا تناقش نفسها بمثل هذه الأمور؟ حقا أن آرثر لا يزال زوجها ولكن أسميا فقط , وهذه العلاقة الجزئية ما هي ألا لمصلحة أليزابيت , ولهذا فكلما أسرعت في أثبات هذه الحقيقة , كلما كان أملها أكبر في الوصول الى راحة البال.
لم يجد النوم سبيلا الى عينيها مع أنها أطفأت النور , وأظلم البيت وخيم السكون خارج البيت , وعندما أنتصف الليل أشعلت النور وأخذت تقرأ في أحد الكتب , ولما أتمت قراءته كانت الساعة الواحدة وعشر دقائق , فركت عينيها المتعبتين وأستلقت تحاول أن تنام , وأذا بها تسمع الصوت الذي كانت تنتظره , صوت سيارة تدخل المرآب .
المفتاح يدور في قفل الباب , ولكنها لم تر نورا ولم تسمع صوتا , كانت متأكدة من أنها لم تعد وحيدة في البيت , مرت خمس عشرة دقيقة وتلتها خمس أخر ,وبدأت أعصابها تخونها , لماذا لا يبدي آرثر أية حركة؟ لماذا لا يذهب الى سريره وينام حتى تتمكن هي أن تنام بسلام ؟
وفجأة نهضت من سريرها وهبطت بهدوء الى القاعة الخالية , لم تشاهد نورا في المطبخ ولا في غرفة الطعام , فأتجهت الى غرفة الجلوس ودفعت الباب بلطف , وهناك وجدته مستلقيا على أحد المقاعد , مستغرقا في النوم قرب الطاولة ,كان قدح الشراب قريبا من مرفقه , وخصلة من شعره تتدلى على أحدى عينيه.
وقفت مكانها لحظة تتملكها الحيرة , أتتركه نائما هناك؟ وأن فعلت فقد يستيقظ في الصباح متشنج العضلات من البرد في حالة لا تسمح له بقيادة السيارة مسافة طويلة الى الشمال.
خطت خطوة مترددة الى الأمام , ثم قفزت مجفلة , رأت عينيه مفتوحتين تحملقان فيها وعلائم خفيفة من السخرية تشع من أعماقهما.
أبتسم لها وقال:
" حسنا يا كارين لم أمن أتوقع ترحيب الزوجة في هذا الوقت من الصباح".
فتلعثمت قائلة:
"ظننتك نائما".
" كنت كذلك حتى تسللت كالقطة الى الداخل , وتأكدت أنني لم أكن أحلم , ماذا بك؟ أتشعرين بشيء من أهتمام الزوجة؟".
تجاهلت اللهجة الساخرة وقالت:
" آرثر , أتعرف ما الوقت الآن ؟ أن كنت تنوي السفر غدا الى دلرسبك , أليس من الأفضل أن تأوي الى سريرك؟".
جلس وهو يعبث بربطة عنقه المتدلية أسفل ياقة قميصه المفتوحة وقال:
" أذا فأنت قلقة ! أو أن لديك أفكارا أخرى؟".
حملقت فيه لحظة ثم فهمت ما يعنيه , فتراجعت خطوة الى الوراء وبشكل غريزي شدت قميص نومها على جسمها النحيل وقالت:
" أفكار أخرى ؟ حقا أنك مغرور بنفسك".
هب من مقعده وأمتدت يده وأمسكت برسغها تمنعها من الفرار , فأحست أنه طويل جدا ,وقوي جدا ويكاد يلتصق بها .
وأنطلقت منه الكلمات ناعمة :
" أخبريني يا كارو , ماذا تقولين لو أخبرتك بأنني أكتشفت في نفسي فجأة رغبات كنت أظنها ميتة بالنسبة اليك؟".
" أقول بأن تنساها".
أخذت خفقات قلبها تتسارع , كان وجهه محتجبا في الظل وأنفاسه الحارة تلفح وجهها , وراح يشدها اليه , فبعث ذلك في نفسها ذكريات الحب , ذكريات الوعود ...
حاولت التملص منه قائلة:
" آرثر ,كن عاقلا بحق السماء , لم يكن هذا جزءا من الأتفاقية وأنت تعرف ذلك".
لم يبد عليه أنه يرغب في أن يخلي سبيلها وقال:
" أنا أعرف ذلك؟ أظن أننا عقدنا هدنة".
قالت وهي تناضل للمحافظة على أتزانها:
"نعم , ولمن تذكر أنها كانت من أجل أليزابيت فقط".
أنطلقت منه شهقة وفجأة أحست بأنها أصبحت طليقة ... أبتعد عنها وهو يصلح ربطة عنقه , وسمعته يقول بصوت مكبوت:
" نعم أنا أذكر ذلك , بالله, لقد تعبت".
أجابت وهي تحكم الحزام حول قميصها:
" وأنا تعبت أيضا, أتريدني أن أعد لك شرابا , شوكولا أو حليب , لعل ذلك يساعد على تهدئتك".
منتدى ليلاس
أدار لها ظهره وأمسك كأس الشراب الذي كان بجانبه وجرع منه جرعة كبيرة , أنتظر لحظة ثم صب ما تبقى في فمه , وأستدار , وأذ رآها ما زالت واقفة وعلائم القلق بادية في عينيها
قال وقد ضاقت عيناه:
" أذهبي الى فراشك وأتركيني لوحدي , وألا...".
لعقت كارين شفتيها الجافتين , كان ما تعنيه كلماته واضحا وشعرت بأن ما يمنعه عنها خيط رفيع سرعان ما ينقطع , فأختنقت الكلمات في حلقها وأتجهت كالعمياء الى الباب , وأنسلت خارجة وأغلقته خلفها ,وعندما وصلت الى غرفتها دسّت نفسها في سريرها الضيق البارد وهي ترتعش من رأسها الى أخمص قدميها.
أخذت تراجع نفسها ... ما أشد غباءها! كيف نزلت اليه بهذا الشكل ...؟ وأي شيء آخر يمكن أن تتوقعه عندما تتصرف بنزوات الطفل الساذج؟
لم يكن ثملا , لكنه كان متعاطيا شيئا من الشراب , وأذ بها تدخل عليه كالشبح , تغزوه وهو في غفوته ... حمقاء! ولكمت وسادتها غاضبة وهي تحاول حبس الدموع التي تجمعت بين أجفانها المغلقة
وأحست بشيء من العزاء لأن كبرياءها وقوة أرادتها تمكنتا من كبح ذلك الدافع الطاغي المحموم الذي كان يعتمل في أعماقها , يحضّها على الأستسلام له عندما حاول أن يعانقها , وعندها يكون الأوان قد فات...
نهاية الفصل الثالث