3_ زيارة في الليل
دخلت كارين المطبخ وأعدت لنفسها فنجان قهوة , المشهد العاصف مع آرثر هزها وأوهى قواها , أستندت الى أحد المقاعد الصفراء وراحت تهز الفنجان بأصابعها , كيف تواجه هذه المحنة؟ تعيش الكذبة من أجل أليزابيت , تدعي أنها وآرثر ما زالا يتقاسمان نشوة السعادة المفرطة التي عرفاها لفترة قصيرة , وتنتبه لكل صغيرة أو كبيرة من تصرفاتها خشية أن تفضح زواجهما المهشم على حقيقته .
منتدى ليلاس
أحست بحرارة القهوة تصل الى أصابعها , فتركت الفنجان ليبرد وراحت تحملق بعينين شاردتين في النقوش الشهباء والخضراء والصفراء على آجر الحائط , الجزء الوحيد الذي لم تحبه , كانت ترى عيونا متوارية في تلك النقوش الحلزونية الغريبة تبعث ومضات من الشر , ليزا هي التي أختارتها تقدمة منها للبيت , وأحبها آرثر لأنسجام ألوانها مع الألوان الأخرى , لذلك فأن ليزا عندما حضرت ذلك الصباح تحمل قطعة من ذلك الآجر , نموذجا للهدية التي أصرت على أن تقدمها ,وافق آرثر بقوله أنه لا يمكن أن يوجد بديلا أجمل منها .
ليت الزمن يعود الى الوراء , الى ذلك الصباح , الى ثلاثة أيام قبل يوم الزفاف..
أرتجفت كارين وأخذت جرعة من القهوة , ما فائدة العودة الى البيت والى المرارة؟ الى الترجي بأن معجزة بشكل ما , قد تبطل ذلك القرار المأساوي الخاطىء الذي شاء القدر أن يوقعها في شركه , لقد أعطت وعدها , ولو أنها عرفت ما سوف يقود اليه وعدها الصامت....
هبت كارين منسلة من المقعد وغسلت الفنجان الذي بيدها , لقد صممت على أن تكف عن التفكير في أستعادة ذكريات الماضي التي لا جدوى منها , فطالما ستقضي الأيام القادمة وحيدة عليها أن ترتب غرفة لها , وترى ما يجب عمله للبيت الذي كان مشغولا من قبل مستأجرين لمدة سنتين.
عند أسفل الدرج أحست بمقاومة غريبة للصعود , أطياف مسرات الماضي وأشباح التعاسة كانت تنتظرها في ذلك البيت الصامت , كل خطوة تبعث ذكرى , فهناك الدلفين الفضي الذي جلباه معهما عند رجوعهما من شهر العسل في فلوريدا , لا يزال محفوظا في كرته الزجاجية ذات اللون الأزرق الموشح بالأخضر , على رف مقوس صغير , ذكّها ذلك الرف يوم قام آرثر بتثبيته في الحائط فجرح يده بالأزميل جرحا عميقا , وكيف أصابها الهلع عند رؤية الدم في كل مكان , ولم تعد تدري أتستدعي الطبيب أو تقوم بتضميد الجرح , وكيف ربطت منشفة حول الجرح وأخذت آرثر بالسيارة رغم أحتجاجاته الى طبيب
كانت في غاية القلق عند رجوعهما الى البيت , أذ أخذت تذكر قصص العجائز عن الأصابة بمرض الكزاز أذا أصيبت قاعدة الأبهام بجرح , مما أثار ضحك آرثر , فسخطت عليه وعندهاسحبها اليه قائلا بأنه يستطيع منحها الحب بيد واحدة...
رجعت كارين بتفكيرها ثانية الى حاضرها ,وتابعت جولة التفتيش , لقد ترك المستأجرون البيت نظيفا للغاية , والشيء الوحيد الذي خلفوه وراءهم هو صرة نظيفة على ظهر صندوق البياضات تحوي كيسي وسادة , ولحافا مزدوجا وزوجا من المناشف , كانت رسالة صغيرة مثبتة بالمنشفة العلوية وورقة نقدية مطوية من فئة الجنيه
مكتوب في الرسالة :
" جزيل الشكر لتأمينكم أيانا على بيتكم , حاولنا جهدنا أن نتركه بالشكل الذي نرغب على أن نجد بيتنا بعد رجوعنا اليه , عفوا لتركنا هذا الجنيه , آملين أن يغطي نفقة الغسيل , سوجلبرن".
شعرت كارين بالشكر لأولئك المستأجرين , وهبطت بالأشياء فوضعتها في الغسالة , لم يكن أمامها عمل كثير , أذ لا حاجة لأعداد البيت بشكل كامل , حيث أنهما على وشك أن يغلقاه ثانية لأمد غير محدود.
بعدما نشرت الغسيل ليجف في الحديقة الخلفية , أعدت لنفسها غداء خفيفا , ثم صعدت الى غرفة النوم الصغيرة التي قررت أن تنام فيها لتهيء بعض البطانيات , كانت أشد غرف البيت برودة , ولكنها أختارتها لتتجنب فيها ذكريات غرفة النوم الرئيسية.
تنهدت , ولم تستطع مقاومة أنفتاح خيالها على فيض الذكريات , لقد عاشت هناك فترة غرام عنيف , قبل يوم واحد من زفافهما تم توقيع عقد شراء البيت الذي غادروه فورا الى شهر العسل
وعند عودتهما ألفيا البيت في فوضى من الطين وكسارة الحجارة ,كانت أشرطة الكهرباء متدلية في كل مكان , وحنفيات الماء معطلة , وفي غمرة تلك الفوضى أقاما حفلة صاخبة
وتمثلت أمام عينيها أحداث تلك الحفلة التي حضرها بعض الأصدقاء ,كانت ليلة حافلة بالمرح والبهجة والنكات , وكم ضحكت هي وآرثر....
منتدى ليلاس
ولكن ما كانت تلك الليلة السعيدة الا مقدمة للكارثة! في تلك الليلة قابلا طوني فوستر , ذلك الغريب الذي كان يرافق أحد أصدقاء آرثر , الغريب الذي وضع الحلقة الأولى في السلسلة التي قادت الى لقاء فينس كاين الفنان الشهير , وكان بداية الأنحدار الى المأساة التي حطمت سعادة فتاة بريئة , وهمست كارين : سعادتي أنا!
أمتلأت عيناها بالدموع , فكفكفتها ساخطة , وصاحت بصوت كاد أن يكون عايا طالبة من نفسها أن تكف عن التفكير : كل شيء أنتهى وفات الأوان , ولكن كيف يمكنها أن تكف عن التفكير وقلبها يصرخ من المرارة والعذاب ضد ظلم القدر؟
لماذا يجب عليها أن تعاني تلاشي أحلامها ؟ وثقت بحب آرثر لها , ولكنها بعد حين أكتشفت عدم ثقته بها , لقد صدّق عنها أسوأ الأمور ولم يعطها فرصة واحدة كي تدافع عن نفسها ما أتهمها ... آلمها ذلك أكثر بكثير من كلماته الجارحة التي صبّها عليها عندما...
أفاقت من ذكرياتها على رنين جرس الباب الذي عكّر السكون من حولها , من يكون القادم يا ترى؟ هل.؟ وفجأة تشنجت مفاصلها , فهل يمكن أن يكون آرثر؟
أستخفت كارين بنفسها للرعشات الصغيرة المجنونة التي أنتابتها وهي تهبط الدرج , لا بد أن يكون الطارق أحد البائعين , أو قارىء عداد الكهرباء ... لا أحد يدري أنها عادت الى البيت , وعندما فتحت باب البيت صاحت وقد تملتها الدهشة , فهناك كانت تقف أليزابيت.