فأنفجرت صائحة:
" كيف تجرؤ! أظن أنه من الأفضل لك أن تنصرف قبل...".
وتوقفت فجأة عندما أطبق بيديه على كتفيها , وأجفلت متألمة أذ أحست بأصابعه تنغرس في بشرتها الناعمة , وأنبعثت منها صرخة خافتة عندما حملقت في عينيه الملتهبتين , ثم أفلتت منه مبتعدة.
سقطت يداه الى جانبه ولاح الشحوب في وجهه , وفارقها خوفها عندما لمحت حزنه العميق خلف ثورته العارمة.
قال لها بعد لحظة صمت:
" جئت أطلب هدنة ولكنني أرى أنني لم أحسن صنعا".
" هدنة! ماذا تعني يا آرثر".
أجاب من غير أن ينظر اليها:
" يجدر بي أن أشرح لك بعض الأمور , قبل بضعة أشهر كتبت اليّ أليزابيت تعلمني بأنها باتت تشعر ببعض التعب, وعزمت على قضاء عطلة طويلة عند عائلة ميتشلز- لا أظن أنك ألتقيت بهما- وهما صديقات قديمان لأيزابيت أستقرا في مارييلا بعد تقاعدهما , ويملكان دارا هناك , ثم بعثت الي برسالى ثانية تعلمني فيها بأنها سافرت الى صديقيها , وهي تتوقع منا أن نعود قريبا الى البيت لأنها في غاية الشوق لرؤيتنا".
منتدى ليلاس
أزدردت كارين لعابها بجهد , أذن فقد كتم آرثر الأمر كما وعد أن يفعل طيلة السنتين اللتين أمضاهما في أميركا الجنوبية تاركا لأليزابيت تعتقد بأن الأمور بينهما على ما يرام وأن كارين مع زوجها هناك...
وتأوه آرثر قائلا:
" يا الله ,كنت على حق , كان يجب أن نخبرها الحقيقة في حينها , لا شك كانت ستتألم وينتابها غم قاتل , لقد أحبتك وكنت شغلها الشاغل يا كارين , ومع ذلك فأنها كانت ستجتاز الصدمة مع الأيام , أما الآن فقد فات الأوان".
تنهدت كارين وظلت صامتة , هناك حقيقة لا مفر من أن تبينها لآرثر , لكن الفرصة لم تكن مناسبة لتواجهه بها الآن ,وهي أن خداع أليزابيت كانت فكرته هو وفكرته وحده
لأنه يدرك تماما لو أنها علمت حقيقة ما حصل بينهما لحاولت بكل الوسائل التي تملكها أن تسوي الخلاف بين الرجل الذي تعتبره بمثابة ولدها, وبين الفتاة التي أختارها عروسا له.
أرتعدت كارين من جراء ما راودها من أفكار , وأيقنت أن آرثر على صواب بسفره البعيد ,لأنه لو لم يفعل لعلمت أليزابيت بالحقيقة , لا شك أن معرفة الحقيقة تحررا من الوهم , ولكن فيها أبضا كثيرا من الحزن والأسى ... كلا , الأفضل ألا تظهر الحقيقة , لقد أختار آرثر السبيل الأكثر حكمة , مع أن تلك السبيل لم تجلب لنفس كارين شيئا من الراحة.
منتدى ليلاس
وتنهدت ثانية وقالت بهدوء:
" نعم فات الأوان , أظن ذلك, مسكينة أليزابيت!".
رفع آرثر رأسه بحدة ولمع التصميم في عينيه وهو يقول:
" ولكن لم يفت الأوان بعد لأن نجعل أيامها المتبقية سعيدة قدر المستطاع".
وخزتها كلماته التي تحمل معنى الأتهام وقالت:
" بالطبع لا! وبالنسبة لي , أذا كان هناك شيء بمقدوري أن أفعله لأجلها فعليك أن تسألني أياه , بحق السماء يا آرثر ألا تصدقني؟ صحيح أنني لم أعرف أليزابيت مدة طويلة , ولكنها كسبت أحترامي في المدة الوجيزة التي عرفتها بها وأصبحت أحبها حبا جما , وما حصل بيننا لم ولن يؤثر أبدا في مدى أحترامي وحبي لها".
هب آرثر من مقعده متجهما , وأتجه نحوها وعيناه لا تتحولان عن وجهها
ووقف أمامها وقال:
" حسنا هذا ييسر السبيل أمامي لأقول ما يجب أن أقوله".
أنتظرت كارين حازمة أمرها ألا تذعن لوعيده , وأن تصمد بعناد أمام ألاعيبه القديمة التي لا يزال يتقنها لأستثارة العواطف
وأخيرا قال:
" جرى بيني وبين أليزابيت حديث طويل بعد ظهر اليوم , أبدت لي رغبتها بالعودة الى دلرسبك مسقط رأسها الذي أمضت فيه معظم حياتها الزوجية كما تعرفين , وبعد وفاة زوجها العم جيمس أذعنت لضغط العائلة وأنتقلت جنوبا حيث أشترت لها شقة في كرانتن بليس.ليتنا تركناها تعيش حسب رغبتها في دلرسبك , لكن ليزا كانت بعيدة عنها بحكم عملها , وكان يستحيل علي! بسبب ألتزاماتي الكثيرة أن أعيش في دلرسبك , بالأضافة الى أن البيت كان كبيرا جدا , موحشا جدا , مليا بالذكريات , مما يجعلها لا تحتمل العيش فيه بمفردها بصحبة الخدم فقط , لكنني أتساءل , هل كانت أليزابيت مع ذلك سعيدة راضية بحياتها بعيدا عن دلرسبك ؟ لا أظن ذلك".
منتدى ليلاس
" لكنك أجّرت البيت , هل باعته؟".
" كلا , لم أترك أليزابيت تبيعه , لقد أجرناه فعلا , لكن المستأجرين أخلوه منذ بضعة أشهر , سأتجه الى دلرسبك غدا لأجراء الأصلاحات اللازمة للبيت , وآمل أن آخذ أليزابيت اليه في الأسبوع المقبل".
طأطأت كارين رأسها , آرثر لم يتغير , فأذا عزم على أمر ما فأنه لا يتوانى عن أنجازه ولا يسمح لأحد أن يقف في طريقه ,ترى هل يعود ذلك الى كونه تحول من غلام فقير قدم من أحدى مدن الشمال , الى رئيس شركة هندسية ضخمة لها فروع في جميع أنحاء العالم؟
أنفرجت أسارير كارين وهي تنظر الى آرثر , كانت عادلة يتقييمها لسلوكه من غير أن تسمح لمشكلتها الشخصية معه أن تحرفها عن ذلك , لقد أحبته بسبب أخلاصه المتفاني للمرأة التي منحته الفرصة ليحقق طموحاته
وقالت برقة:
" لقد سرني ما تقول, وأعتقد أن ما تنوي عمله سيجعل أليزابيت في منتهى السعادة".
" نعم, ماعدا أمر واحد".
كانت لهجته تعبر عن معنى واضح
فألتقطت أنفاسها وهي تقول:
" وما هو هذا الأمر؟".
" عائلتها – أولئك الذين تحبهم".
أبتلعت كارين لعابها وقالت:
" أليس ذلك طبيعيا؟ أتريدني أن أذهب لزيارتها؟".
" أريد أكثر من ذلك يا كارين".
"ماذا تعني؟".
" أريدك أن تبقي معي في دلرسبك , ما دامت أليزابيت بحاجة الينا".
حملقت فيه لحظة ثم قالت:
" طبعا , سأذهب معك لرؤيتها , ولكنني لا أستطيع البقاء وياك يا آرثر ... يمكنني التغيب عن وظيفتي هنا , سأطلب أجازة بضعة أيام ولربما...".
منتدى ليلاس
وتوقفت عن الكلام عندما رأته يهز رأسه قائلا:
" أنك لست معي يا كارين , أو أنك تتعمدين ألا تفهميني".
أنفرجت شفتاها فزعا عندما أدركت ما يريده منها وتمتمت:
"كلا يا آرثر! أنك لا تعني....".
فقال بصرامة:
" بل أعني أنك ستأتين معي الى دلرسبك كزوجتي".
" كلا كلا! لا أستطيع بعدما...".
" بل تستطيعين وسوف تفعلين".
نهاية الفصل الاول