نهض آرثر بخفة عن كرسيه ورمق ليزا بنظرة تأنيب وقال:
" أنا عدلت عن رأيي".
ثم أتجه الى التلفزيون وأخذ يستمع الى الأخبار , توقف الحديث عند ذلك الحد , وشعرت كارين أن الأنظار تتجه نحوها , ألتقت عينيها بعيني آرثر , كانتا تنظران اليها بحدة وكأنهما تستفزانها ,ولكنها لم تجرؤ على قبول التحدي.
أحست بالملل الشديد وتمنت لو أنها تستطيع النجاة من تيارات العداوة الجياشة المستترة التي بدأت تنبعث من ليزا ... النجاة من تخوفها أن تعرف أليزابيت الحقيقة
النجاة من العذاب الذي تعانيه بسبب تلك الليالي التي كانت ملزمة أن تقضيها مع آرثر ,ذلك الزوج شرعا , والغريب فعلا , والذي كان يقبع صامتا في السرير الى جوارها , كانت تعيش كل دقيقة من دقائق تلك الساعة المعتمة في رعب قاتل , حتى متى تستطيع التحكم بأرادتها؟ وألى متى يستطيع آرثر ذلك...
منتدى ليلاس
أنبلج فجر الأسبوع الجديد جالبا معه الفرج من الضباب , ومن كآبته , لم يكد كليفورد ينطلق بسيارته الى مقر عمله في المدينة حتى بدأ الحجاب الأبيض ينقشع تدريجيا , ومشاهد الأحراج تظهر من جديد , وعند الظهر كانت الشمس تشرق ساطعة في كبد السماء والسحب تتلاشى , ألا من بضع بقع منشورة هنا وهناك... أنقلب الجو فجأة كأنما حل الربيع.
أزاء هذا الطقس الجميل , المغري أتفق الجميع على القيام بجولة في الريف , يجلون أنفسهم الخمول الذي سببته الضباب طيلة الأيام الثقيلة الماضية , أنطلقوا في الصباح الباكر ضمن سيارتين , الأولى يقودها آرثر ومعه كارين وأليزابيت وليزا , والثانية تقودها تمزي ومعها ماجدا.
كانت مشاهد الريف التي يمرون بها في غاية الروعة والجمال , الخضرة الغضة بدأت تكسو المنخفضات والمرتفعات وتطلق أوائل براعمها للحياة , النرجس ينتشر في كل مكان ,وأزهار الربيع ترقط خدود البراري بألوانها الرائعة.
توقفوا بالقرب من أحدى القرى المسترخية بدلال على كتف هضبة وتفرقوا كل على هواه مسحورين بمناظر الطبيعة الأخاذة.
أستحوذ جمال الطبيعة على كارين , وجعلها تنفرد وحيدة تمتع عينيها بما حولها , فجأة رنت ضحكة ليزا كالجرس تتردد مع النسمات , ألتفتت كارين نحو مصدر الضحكة , فرأت ليزا مع آرثر يتمشيان غير بعيد , تقدمت كارين منهما خطوة ثم وقفت جامدة , أذ أنطلقت من ليزا صرخة فزع حادة ,ورأتها تترنح وهي توشك على السقوط بعد أن تعثرت بمشيتها , لكن آرثر الذي كان قريبا منها أسرع فأمسك بها , أرتفعت ضحة ليزا ثانية وهي تتشبث به .... يحيطها بذراعه ورأسها يلامس كتفه.
صرفت كارين نظرها عنهما , وأستدارت عمدا في الأتجاه المضاد , كان جسمها يرتعش على الرغم من أن الشمس تسطع دافئة من السماء الصافية الزرقاء , تلاشت البهجة التي كانت تغمرها قبل قليل , وأخذت تنظر أمامها كالعمياء تحاول أن تقنع نفسها بأن ما قام به آرث حيال ليزا , ما هو ألا مجرد ردة فعل طبيعية يمكن أن تصدر عن أي شخص يواجه موقفا مشابها , لكن ما الذي يهمها من كل هذه الأمور , حتى ولو كانت شكوكها مبنية على أساس من الواقع ؟ ألم ينته زواجها من آرثر؟
أغمضت كارين عينيها والألم يعصر فؤادها , ثم توجهت عائدة الى السيارة , أقبل الجميع بعد قليل , وأنطلقوا من جديد فوق الطريق الضيقة المتعرجة التي تصل بين القرى المنتشرة في تلك البقاع.
أخيرا توقفوا أمام أحد المطاعم ونزلوا لتناول الغداء , أحست كارين برغبة جامحة لألقء نظرة متفحصة على ليزا , رأت في ملامحها تغيرا واضحا ,ولمحت في عينيها الزرقاوين علامات قلق عميق, بغتة ألتقت نظراتهما , فرفعت ليزا حاجبيها بتحد ظاهر , ثم أشاحت بوجهها جانبا , هل كانت تلك الأشاحة بسبب الشعور بالأثم وتكبيت الضمير؟
أحست كارين بيد أليزابيت تلمس ذراعها وسمعتها تقول:
" هل أنت بخير يا حبيبتي؟".
" أحس بصداع خفيف , لكنني بخير".
توقف الجميع عن الحديث , وتركز أهتمامهم بكارن... أحست بالدم يتصاعد الى خديها , نظرت الى الطبق أمامها , وألتقطت ملعقتها متظاهرة بالأكل , على أنها كانت فاقد الشهية تماما .
مالت ماجدا نحوها وعرضت عليها قرصين من الأسبرين , فتقبلتهما شاكرة.
سألتها أليزابيت التي كان الأهتمام ما زال باديا على وجهها:
"أتفضلين العودة الى البيت يا حبيبتي؟".
منتدى ليلاس
هزت كارين رأسها بالنفي , وقالت:
" كلا! أن ذلك يقطع عليكم بهجة هذا اليوم الجميل , صدقيني أنا بخير".
أصطنعت أبتسامة , ثم رفعت رأسها ووجهت نظرها مباشرة الى عيني آرثر الذي كان بدوره ينظر الى عينيها نظرات نفاذة , كأنما يحاول أن يخترق بها جدار مظهرها الخارجي ويصل الى أعماق أعماقها, وأخيرا سأل:
" هل أنت بخير يا كارو؟".