تنحنح بارت بعصبية , فقطع على كيم أحلام يقظتها , وجلس روك في كرسيه ينظر اليها بسخرية فيما أجاب عن سؤال بارت بنبرة تنم عن شيء من الحقد:
"لا يمكن القول بأن بداية معرفتنا كانت سعيدة يا بارت, لأن الآنسة مايسون أظهرت أتجاهي بعض الوقاحة , وكان قصاصها العادل أن سقطت في الجدول , وأقر بأن عملية تغطيسها كانت نافعة أذ لم تحاول أن تدخل أرضي ثانية على حد علمي".
ثم أدارت كين رأسها لتتذكر شيئا تنصتت اليه في نادي الكامليون , الذي أنضمت اليه هي وبارت بعد وصولهما الى جنوب أفريقيا ,كانت كيم في الحديقة تتنشق الهواء تحت جنح الظلام , وفجأة وجدت نفسها تصغي الى جزء من محادثة جرت بين صبيتين غالبا ما تترددان على النادي.
" أن وقاحة روك لنتون لمذهلة , لقد كدت أصفعه عندما قال بلهجته الساخرة أن على النساء ألتزام حدودهن , وهو يعني بذلك البيت".
أجابت الفتاة الثانية :
" أنه بالطبع يعني المطبخ , وأنه لمن دواعي الأسف أن يفكر بهذه الطريقة , ولكن عليك أن تعترفي أنه غاية في الأناقة , وأنه حاذق في ترتيب هندامه , أنه الزوج النموذجي....".
منتدى ليلاس
" آه , أما أنا , فلا أريد أن أستعيده".
" ولكنك يا سوزان عشقته لسنوات عديدة ".
" كفاك كذبا يا ليندا".
" حسنا ,أنا لا أكترث بما تقولين , فهو سيكون زوجا رائعا لو كان أقل غرورا وسخرية في ما يتعلق بالنساء".
" أنه عازب مكرس يصمم على عدم الزواج ,وقد قال لي ذات مرة أن المرأة التي ستجبره على تسليم حريته بالحيلة أو بالأغراء لم تخلق بعد".
قهقهت الفتاة الأخرى:
" بالحيلة أو بالأغراء؟ من المؤكد أن هذا القول ينسجم مع طبيعة روك , كم أتمنى أن أرى اليوم الذي يتراجع فيه عن هذه الكلمات ".
منذ تلك الليلة بدأت كيم تعرف روك عن كثب أذا نشأت صداقة بينه وبين بارت خلافا لما توقعت , وغالبا ما كررت التعبير عن تلك الرغبة لأن وقوع روك في هوى أمرأة ما سيبعث فيها رضى لا يوصف , كم ستغيره , وهو لن يستطيع أن يرد عليها بجواب لاذع من أجوبته المعروفة
بل سيقبل كل ما ستقوله , ورمقته بنظرة من مجلسها على الأريكة المغطاة بقماش قطني مطبع , فوجدته يستوي على مقعده بأرتياح وهو يمد رجليه الى الأمام , ولاحظت عيناها الحادتان فيه كبرياء وغرورا أثارا حفيظتهما ,وبدا, وهو يعتد بحصن عزوبيته , في غاية الرضى عن نفسه نتيجة التباهي بمناعته
أجل , لقد تمنت بحق أن ترى دفاعاته تنهار أمام أمرأة يقع بهواها .
أما هو , فرماها بنظرة ثاقبة ساخرة فيما تنفست بصعوبة وهي تحول أنتباهها الى بارت , الذي غرق في الصمت وهو يفكر في ما قاله عن بداية معرفته المشؤومة بكيم , وفجأة عبس بارت فيما أحدث طقطقة عالية بلسانه
ثم همس:
" هذا مخز, أجل , أنه مخز.........".
" أن نكون أعداء يا بارت , أليس كذلك؟".
لم تقدر كيم أن تمنع نفسها من التفوه بهذا الكلام وقد رغبت أن ترى أثره على هذا الرجل المتعجرف الذي يتجنب النساء
فقال روك مبتسما أبتسامة خفيفة:
" أن تعبيرك قاس يا آنسة مايسون , أظن أن عبارة (أخصام) هي أكثر ملاءمة للوضع".
لقد سخر منها بمكر وعلى نحو يثير الغضب
فوجدت نفسها تكظم غيظها وهي تجيب رغم ذلك بحدة :
" لا فرق يا سيد لنتون".
أجاب وهو يطرق مفكرا:
" فرق ضئيل , فلا تعني كلمتا أعداء وأخصام المعنى نفسه".
تراجعت كيم أمام هذا التعريف الواضح لتجد رضى وفرحا كبيرين في السماء المتلبدة بالغيوم أذ أكفهر وجه الطبيعة وخيّم عليها ظلام العاصفة, ثم تنبأت وهي ترمقه بنظرة من تحت أهدابها الطويلة:
" ستهب علينا عاصفة عما قريب".
" هل تتمنين عليّ المغادرة؟".
هنا قطع بارت تفكيره ليقول:
" روك, ما هذا الذي تقوله؟ لا يمكن لكيم ألا تكون مضيافة وكريمة".
عقد روك حاجبيه قليلا فيما ضاقت حدقتاه:
" لا, يبدو أنك لا تعرف مساعدتك جيدا يا بارت على رغم بقائها معك أكثر من ثماني سنوات".
وبينما لاحظت كيم التغير المفاجىء في قسماته , كان بأمكانها أن تقسم أنه أضاف في سره:
" ثماني سنوات , يا ألهي كيف أمكنك أن تطيق كيم طوال هذه المدة؟".
ثم غادر بعد بضع دقائق وراقبت كيم تلبد الغيوم الممطرة ,وصلّت بحرارة أن تبتل جميع مسام جلد روك لنتون الذي ر يطاق.
منتدى ليلاس
لم تلتق كيم ألا مساء السبت التالي في حفلة النادي الراقصة , دخلت كيم وقد أرتدت عباءة ثمينة ذات ثنايا دقيقة صنعت من قماش التول الحريري الدقيق, وصبغت بلون أزرق فاتح يتحول تدريجيا الى لون داكن عند طرفها السفلي العريض ,ووجدت نفسها تحملق في وجه الرجل الذي أصبحت تكرهه أكثر من أي شخص عرفته
فوجدته أسمر ساخرا , وأقرت مرغمة بجماله الرائع أذ تألقت سمرته الضاربة الى الصفرة مع لون ياقة قميصه البيضاء بياض الثلج , كما سطع بياض قفازيه أزاء سمرة يديه الحادة , وتلألأ شعره لأسود بينما خيّل اليها أنه أرتدى ملابس السهرة تلك للمرة الأولى , ثم حياها بتجرد وبرودة مألوفين ورمقها بنظرة ثاقبة وهو يرفع يده ليخفي تثاؤبه:
"مساء الخير يا آنسة مايسون , هل حضر بارت معك؟".