أرتسمت أمام مخيلة كيم صورة منزله , فأخذت تتأملها , أنه منزل فخم قديم سقف بالقش , وأنتشرت فيه دعامات السنديان الأسود , وأنبسطت من حوله أراض تبلغ مساحتها سبعة فدادين , وتحيط بأحد جانبيها ساقية يصطاد فيها سمك الترويت , ومن جانبه الآخر غياض كثيفة , ثم أبتسمت لبارت:
" سنزورك أنا وروك".
" ستكون بادرة لطيفة جدا".
وأشاح بنظره بعيدا , فتطلعت كيم اليه وهي تتساءل أذا كانت حركته مجرد حركة آلية , أم حركة يقصد بها أخفاء ملامح وجهه عنها , فسألته بأضطراب:
" هل أنت مريض يا بارت؟".
ألتفت اليها وقد أرتسمت البسمة على وجهه فورا:
" مريض, لا بالطبع , لست مريضا , صحيح أنني متعب ومستعد لأخذ قسط كبير من الراحة , لكنني لست مريضا...".
وصمت وهو يهز كتفيه هزة خفيفة.
" لو عرفت أنك مريض , وأنك تحتاجني , لأخّرت زواجي بكل تأكيد".
فرفع بارت حاجبيه قائلا:
" صحيح؟ ما الذي يجعلك تظنين أن بأستطاعتك أستغلال مشاعر روك. أنه يا أبنتي رجل لا يطيع أهواء المرأة".
منتدى ليلاس
أجابته وهي متجهمة:
" لن أستغل مشاعر روك بهذه الطريقة , بل سيكون تصرفي عمليا ومن وحي المنطق , أما في ما خص جملتك الثانية , فقد بدوت لي مثل روك تماما".
" مستبدا , يرفض الهراء ,أليس كذلك؟".
وضحك , فأجتاحت كيم موجة أرتياح لأنه كان أشبه ببارت الذي عرفته مدة ثمانية أعوام ,وقالت:
" لم تخبرني يا بارت لماذا تستعمل الحبوب التي تتناولها ؟".
رفع القلم عن الطاولة حيث وضعه بجلنب كوعه بينما أجاب بشيء من اللامبالاة :
" أنها مسكنات عامة ليس ألا".
ثم أضاف باللهجة عينها:
" أشعر بتحسن عندما أتناولها ".
فأستدارت نحو المطبخ وقالت:
" سأصنع الشاي".
منذ بدأت كيم العمل مع بارت , وهي تصنع شاي ما بعد الظهر دون أن تعترض مدبرة المنزل على ذلك , وكان بارت يتوق الى هذه الأستراحة لما يتخللها من أحاديث حميمة بينهما , ولم تفكر ألا في مثل هذه الأوقات أن بارت يعتبرها أبنته أكثر منها موظفة.
وبعد عشر دقائق, جلس بارت وكيم على المصطبة يتناولان الشاي في ظلال العرائش ,وبعيدا , خارج الحديقة , أهتز المرج أنزعاجا من أشعة الشمس اللاذعة , ومعروف أن الحرارة تصل الى أقصى مداها في هذه الفترة من السنة , وقد قال روك أنهم يتصببون عرقا أو يكاد يغشى عليهم في يوم عيد الميلاد حين تبلغ الحرارة 45 درجة مئوية أو يزيد , وعاد بارت
فبدأ الحديث بسؤاله:
" هل تظنين أن روك سيزورنا الليلة؟".
" أتوقع ذلك".
وأسترجعت كيم شعورها بالحماسة والأرتعاش الذي أنتابها عندما كان خطيبها السابق يزورها , وتنهدت تحسرا على ما كان مفقودا في علاقتها الجديدة دون أن تستطيع تحديد ما ينقصها بالضبط , وكل ما عرفته أنها لم تشعر برهبة الأنتظار , وأن روك كان قادما , وهذا كل شيء , لم تحس بخفقات قلبها تزداد , ولم تحلم بنزهة في الحديقة تحت ضوء القمر .... وتنهدت ثانية قبل أن يشحب وجهها رعبا أذ أدركت أن بارت سمع تنهيدتها ونظر متفهما , فرشفت الشاي بدون أن تتفوه بكلمة
وأبدى بارت ملاحظة فيها بعض القلق:
"ما بالك يا عزيزتي لا تبدين سعيدة؟".
أبتسمت أبتسامة خفيفة وقالت من غير تفكير:
" كلانا قلق على الاخر , أليس كذلك؟".
" لا أستطيع أن أرى مبررا لقلقك عليّ يا كيم".
وضعت كيم فنجانها على الصحن:
" لست في حالتك الطبيعية هذه األأيام , وأنت تدرك ذلك".
" أنني متعب يا عزيزتي , ألم أقل هذا تكرارا في الأسابيع الماضية ؟ المرء في عمري يتعب بسرعة , ويغدو العمل بالنسبة اليه مهمة شاقة".
علقت ببعض الحزن:
" لم أظن يوما أن العمل سيتحول عبئا عليك".
منتدى ليلاس
وتطلع بارت الى طبق المعجنات , وأنتقى كعكة أرز:
" الظاهر أنك نسيت كم يبلغ عمري , وكما لا بد أنك تعرفين , فأنا سأبلغ الحادية والسبعين في غضون شهرين".
لقد نسيت, لأنه بدا شابا في تصرفاته وقوة أحتماله ونشاطه المنقطع النظير , لكنه كان عليها أن تعرف أنه ليس شابا بعد أن طرأ عليه هذا التغيير أخيرا.
ثم أبتسمت له أبتسامة أعجاب وهي تقول:
" أذن, فأنت تستحق الراحة والتقاعد فعلا , ومن واجبي أن أعترف أنني لم أفكر بعمرك عندما خشيت أن تقاعد".
" والآن , هل أقنعتك بأنني لست مريضا , بل متعب فقط؟".
قص بارت الكعكة وتناول قطعة منها , ثم علق:
" رائع , لعله بأمكاننا أن نتحدث عن عرسك , فروك يؤكد لي أنه لن ينتظر طويلا , وأنا أتفق معه أذ لا أرى أن هنالك شيئا يرتجى من التأجيل".
وتأمل معالم وجهها الحلوة , وأرتعاشة فمها , والزرقة العميقة في عينيها
ثم أضاف وقد أشرقت عيناه الرماديتين الفاتحتان :
" وأنا واثق أيضا أنه ليست لديه رغبة في الأنتظار".
بلعت كيم ريقها بصعوبة , وهي عاجزة عن التغاضي مدة أطول عن شعورها :
" لا... لا, أظن ألا......".