" يبدو أن أحتياطات الصيد في هذه البلاد كبيرة ومغرية في الحقيقة ,ألا توافقين على ذلك؟ ومن الطبيعي أن هنالك أشياء عدا الحيوانات يجب رؤيتها , خذي وأقرأي بنفسك وسوف تكونين فكرة أوضح".
قالت وهي تنظر الى الكراسة , التي دفعها اليها عبر الطاولة :
" كم أتمنى لو أذهب معك , فأنا لا أطيق فكرة ذهابك بمفردك".
" سوف أكون مع مجموعة كبيرة من الرفاق , وبأمكانك أن تكتشفي بنفسك أن هذه رحلة منظمة".
أطرقت وهي تعقب:
" لا زلت أشعر ببعض القلق يا بارت".
كم صعب عليها التظاهر بالجهل , فقط, لو أنها أستطاعت أن تقول:
" أعرف أن قلبك ضعيف ولذا أريد مرافقتك حتى أعتني بك".
لكنها بالطبع لا تستطيع , لقد ذهب شوطا بعيدا في أخفاء الحقيقة عنها لرغبته في أنقاذها من الألم , لا شك أنها ستتعذب في ما بعد ,ألا أن بارت أقتنع أن زوجها سيوفر لها الراحة والطمأنينة بحيث يخفف من وقع الصدمة عليها , وبعد أن فكرت كيم هنيهة بدور بارت في أقناع روك بأن يتزوجها بدأت تتساءل أذا لم يبذل روك أي جهد في أقناع بارت بأنه يحب كيم , لكنها في أي حال لا تضع روك فوق الشبهات وهي تعلم قدر بارت عنده
وتأخر جواب بارت لكنه أتى أخيرا:
" لا داعي للقلق أبدا , وأنني أؤكد لك أنني سأعتني بصحتي تمام العناية , أما الآن , فمن الأفضل أن تذهبي يا كيم حتى لا يحتج روك علي ويدعي أنني أتعبك".
" لن يفعل ذلك لعلمه أنك لا تتعبني ".
" هذا ما فعلته في الأسبوعين الأخيرين , غير أننا نظمنا شؤون هذا الفصل في نهاية المطاف , وهكذا سأذهب مرتاح البال".
وغرق في شرود بدا معه أنه ليس في مسك كاتانيا حاليا , بل في رحلة الصيد ذاتها , ووافقت كيم على رأيه:
" علي الذهاب كما تقول".
حاولت أن تخفي رنة الكآبة من صوتها رغم صعوبة الظهور بمظهر المرح في وقت عصر الألم قلبها , وتحدثت الى روك عن مسألة الطلاق بعد بضعة أيام من ذكرها للمرة الأولى , فغضب لأنها أقفلت الموضوع وقد قررت أن بأمكانها فعل كل شيء بعد أن تتركه وتطير عائدة الى بلادها , وفيما خرجت الى الشرفة
ودعت بارت:
" الوداع يا بارت, سأوافيك في الغد كالعادة".
ثم أتجهت نحو الأسطبل , وأبتسمت لسامي أذ رأته ينظر من البوابة
وخاطبته:
" هل أنت مسرور لرؤيتي ؟ يا لك من حيوان لطيف ذكي , لقد جعلت بارت يظن أننا أصدقاء".
صهل الحصان فيما أمتطت كيم صهوته , فأنحنت لتربت عنقه وقد أغرورقت عيناها بالدموع أذ فكرت أنها ستضطر أن تخلفه رواءها , ولكن , لعل هناك طريقة تسهل عليها أصطحابه معها , وهي ستجري بعض التحريات في ما بعد.
منتدى ليلاس
ولما وصلت الى مسكن لوساك وجدت روك واقفا على الشرفة وألتقطت أنفاسها بينما وجه رأسه نحوها وقال وهو يهبط السلم بقفزة واحدة طويلة:
" سأعتني لك بسامي, هل أنت متعبة؟".
" كلا , فنحن لم نعمل كثيرا اليوم لأن الفصل أصبح على ما يرام آخر الأمر ".
" عظيم , لا شك أن بارت سيطمئن ويرتاح".
ثم مضى وسامي يتبعه فيما أمسك لجامه برقة , أما كيم , فرافقتهما بقلب خافق , آه , لو كان روك يحبها , أنه لطيف أحيانا , وأفترضت أنه كان بأمكانهما أن يعيشا سعيدين لو أنها لم تطلع على الحقيقة بواسطة رافيلا, فروك لن يدعها تحس ولو لمرة واحدة أنه لا يحبها , لا , بل العكس هو الصحيح ,وهو دائما يتظاهر أنه يحبها كثيرا , وكثيرا ما قال لها ذلك , أجل , أنه ممثل بارع.... أنما , ما فائدة كل ذلك أذا كان لا يحبها ؟ فهو قد يلتقي ذات يوم فتاة أخرى ويقع في هواها , وماذا يحل بكيم حينئذ ؟ ثم ألحق بأذيته لها قوله أنه لا يؤمن بالطلاق علما بأنه لن يتردد في طلبه أن هو عشق فتاة أخرى.
وقالت كيم لدى رجوع زوجها:
" هل يمكنني أن أذهب مع بارت في رحلة الصيد؟".
هز رأسه فورا:
" لا هو ولا أنا نريدك أن تذهبي".
كانت لهجته صارمة , ووجهه متوترا , فعضت كيم شفتها وهي تتمنى لو كانت حرة في أتخاذ قراراتها , وقالت مرتجفة:
" أنني قلقة عليه , فعليه.... عليه أن يتناول تلك الحبوب التي يصفها بمهدئات عامة.....".
وصمتت لخوفها أن تكشف كل ما علمته أن هي تابعت حديثها , فرد عليها:
" لا داعي لأن تشغلي بالك حول بارت لأنه سيأخذ الحبوب بأنتظام".
" من المحتمل أن ينسى لأنه أصبح كثير الشرود, عندئذ سينهار...".
وأرتعش فم كيم بصورة تملأ القلب شفقة , وفيما تطلعت الى عيني روك , أغرورقت عيناها بالدموع , أذ رأته يبلع ريقه وفهمت أنه يرثى لحالها , لو عانقها روك في هذه اللحظة , لأجهشت بالبكاء وأخبرته كل ما تعرف , وأكدت له أن حالة بارت الفعلية ليست خافية عنها , ألا أن روك ظل واقفا بجانب درابزين الشرفة وقد تقلصت عضلات فمه وخلت عيناه من أي تعبير
وأخيرا تنهد قائلا:
" بأمكاني فقط التأكد بأنه سيكون بخير".
وأستدار مبتعدا بينما تكون لدى كيم أنطباع بأنه يخفي أمرا ما ,ولكن , قبل أن تتمكن من المشي , عاد ليسألها بلطف أذا كانت ترغب في تناول العشاء في النادي
فأخذت تهز رأسها الى أن سمعت نفسها تقول :
" هذا.... هذا رائع".
" هيا أذن, أرتدي ثوبك الليلكي الأنيق".
وبينما نهضت كيم عن كرسيها , حدّقت الى روك , فألتقت عيونهما برهة خيل لها فيها أنها لمحت في عينيه أسى , حبا عميقا مخلصا , ولكن , ما أن أشاح بنظره بعيدا , حتى لم تعد ترى سوى المرارة على فمه.
وأستحمت , وأرتدت ثوبها الليلكي , فلمع شعرها , وتوردت شفتاها , ثم أستعملت عطرها وحملت حقيبتها المسائية المفضلة وعباءتها قبل أن تخرج من غرفة نومها الى قاعة الأستقبال لتنتظر روك , الذي سرعان ما خرج يرتدي بزة صيد بيضاء وبنطال كتان كحلي
وقال بلهجة باردة برغم ما في ذوقه من رقي:
" أنك تبدين غاية في الفتنة".
أدركت أنه كان فخورا بمرافقتها , ثم ركبا السيارة التي أندفعت بهدوء عبر الممر المؤدي الى مسكنهما , وقد تلألأت أضوائها الأمامية الأشجار الأمامية التي أحاطت بالطريق مثل أشجار الصمغية القصيرة المليئة بالأزهار والحور النحيلة الطويلة وغيرها علاوة على الزهور التي زرعت عند حافتي الدرب ومنها زنابق القنا الأستوائية والدفلى والورود وحوذان السياج الأصفر , وعبق نسيم الليل بالأريج , فيما حفل بأصوات الزيزان التي طغت على هدير السيارة عندما توقفت قرب البوابة قبل أن تنحرف الى الشارع المظلم.
قاد روك السيارة بصمت , فيما ندمت كيم على موافقتها على الخروج معه , صحيح أن الوضع أختلف عن تصورها الأصلي , ألا أنها شعرت بوجود شكوك وجب أن تتنبه لها في الأساس , وأن لا تتسرع في الزواج به بالتالي , لقد تصرفت بتهور حيث كان روك على عجلة من أمره حين أعلن أنه لن يستطيع أنتظارها في حين سعى الى طمأنة بارت في الحقيقة.
ولما وصلا الى النادي , أوقف روك السيارة وساعد زوجته على الخروج ثم على صعود السلم المؤدي الى البهو وهو يمسك يدها , ولم يوجد في النادي سوى حفنة من الناس , الأمر الذي سمح لروك وكيم بأختيار طاولتهما
وقال روك:
" نريد أن نجلس هناك , في الخلوة التي تظللها أشجار النخيل".
كان الموضع بعيدا عن أنظار الجميع , ويوحي بالدفء والألفة ... وفجأة شعرت برغبة في البكاء على كل ما قد كان
وقال النادل مبتسما :
" حسنا , هل ترغبان بشراب أول الأمر , علما بأنكما تجلسان في البهو ؟".
" بالطبع".
وجلسا فيما قدمت اليهما لائحة الأطعمة , وعرض روك طلبهما , وطوال الوقت ركزت كيم فكرها على خاطرة طرأت على بالها , وتساءلت هل يمكن تحقيق فكرتها في هذه المرحلة المتأخرة ؟ ونظرت الى زوجها عبر الطاولة المغطاة بالزجاج بعد أن قطع عليها بصوته الهادىء الخطة التي لم ترسم سوى نصفها:
" بماذا تفكرين يا كيم؟".
" ببارت ورحلة الصيد .... هل.... هل كان عليك أن تجري ترتيبات الرحلة قبل بدايتها بوقت طويل؟".
" كلا , لم يكن الوقت طويلا لأن وكيل السفر أخبرني أن هنالك كثيرا من المقاعد الشاغرة".
غرقت كيم في التفكير قبل أن تنحني وترفع كوبها:
" فهمت...".
منتدى ليلاس
" لم يعرف روك الا القليل عما دار في خلدها وهي تقول:
" أجل , لا شك أنه سيفرح كثيرا بكل الحيوانات لأنه كان دائما يريد أن يراها في مواطنها الطبيعية".
فأطرقا , ثم تحدثا قرابة عشر دقائق قبل أن يدخلا لتناول العشاء , الذي وجداه أمتع الوجبات التي تناولاها سويا , ولانت كيم , فيما صمت روك رغم أستعداده للتحدث كلما كلمته كيم.
أتسمت عودتهما الى سوساكا ببرودة الجو وظلمته وبالألفة بينهما , وتصورت كيم شعورها عند مغادرتها هذا البلد أحبته والذي ظنت لوقت قصير أنها ستعيش فيه حتى وفاتها
وسأل روك بصوت فيه رنة قلق تصف عدم ثقته في ما أذا كانت نادمة أو راضية عن خروجها معه :
" هل أستمتعت بهذه الأمسية ؟".
" كثيرا يا روك".
فحدق في عينيها الجميلتين وردد بحنو:
" أنا سعيد بذلك يا حبيبتي كيم , أتمنى لو أعرف ما الذي أزعجك".
تشنجت كيم , وخنقتها الحقيقة الجارحة بأنه لم يكن يحبها
فقالت بحدة:
" تصبح على خير يا روك, سأراك في الصباح".
وترددت لأنها لم ترغبه طوال الليالي التي شغلا فيها غرفا منفصلة قدر ما رغبته الليلة , وتاقت الى أن ترتاح بين ذراعيه ... ولكن على أن لا يخلو لقاؤهما من الحب , لا , فهي لن تستسلم له ثانية بأرادتها , بأمكانه أن يمتلكها وهو غاضب , بيد أنه لن يجعلها تستسلم له ثانية بأرادتها
وأخيرا أجابها:
" تصبحين على خير يا كيم , أرجو لك نوما هانئا".
نهاية الفصل التاسع