وبعد أن لاحظت كيم أنتظار زوجها لتعليقها على قوله , همست آخر الأمر:
" ليس من المهم أذا كنت تغازل رافيلا أم لا , لكنني أفترض أنها هي التي أخبرتك أنني تناولت الشاي مع فال , فقد رأتنا سويا , فيما تحدثت اليها أنت هذا المساء ".
لقد زارا منزل أسرة بيترسون لتناول شراب الغروب , وكالعادة أستعملت رافيلا كل وسائلها للأستئثار بأهمام روك.
" لا أسمح لك أن تشربي الشاي معه ثانية ,هل تفهمين؟".
وحانت من عيني روك ألتفاتة قاسية , فأحمرت خجلا , ثم رأته يتطلع اليها.
" سوف أشرب الشاي مع من أشاء".
ثم صاحت:
" أرجوك , أخرج , فأنا متعبة".
" متعبة؟ هل أنت متعبة؟".
لم يغادر روك الغرفة , بل خطا خطوتين ,وبلغ وسطها , أما كيم , فتراجعت حتى كادت رجلاها تصطدمان بالسرير فيما أمرها برقة:
" تعالي الى هنا".
بلعت كيم ريقها وقد تنبهت الى تسارع خفقات قلبها ,ورغم الغضب الظاهر على وجهه , شعرت بحب جارف له في داخلها , وقالت:
" لقد طلبت اليك المغادرة ".
لم تعرف كيف نطقت بهذه الكلمات ببرود , لقد أنقسمت الى شخصين_ أحدهما يكره روك , والآخر يحبه حبا عارما هدد بأجبارها على الخضوع له.
علت السخرية فمه فيما تسمرت عيناه بصلف ووقاحة على جسدها النحيل المغري:
" هل تظنين أنني سأغادر الآن؟ أنا زوجك يا كيم , وأنا رجل تعالي الى هنا".منتدى ليلاس
وعندما رأى أنها لم تتحرك , أضاف وهو يشير الى نقطة أمامه :
" أنصحك بأطاعتي , أطيعيني يا كيم ,وألا فستندمين , أنا لا ألقي كلامي جزافا".
أنفجرت باكية وهي تتمنى لو تعيش مع بارت الأشهر القليلة الأخيرة من حياته ,ولكن , كان عليها عوض ذلك أن تبقى مع زوجها الذي لم يحبها , فتحكمت بها رغبة العصيان والتمرد , ورفعت رأسها وصاحت باكية:
" أخرج , ألا ترى أنني لا أريدك؟".
في الصباح دخلت الى غرفة المكتب .
فأبتسم لها بارت , رفعت كيم نظرها اليه ونجحت في مبادلته الأبتسام , ثم تساءلت عن تأثير الأجهاد الحالي فيما بعد , لقد أدعت السعادة , وأضطرت لتمثيل دور الزوجة السعيدة كلما ألتقت روك بحضرة بارت , كما أظهرت الأهتمام الشديد كلما ذكر بارت موعد نشر الكتاب , أظهرت الأهتمام , في الوقت الذي أرادت أن تبكي لعلمها أن بارت لن يعيش حتى يرى كتابه ينشر ثم سألته وهي تضع أناملها برقة على مفاتيح الآلة الكاتبة :
"ماذا هناك ؟".
" قررت أن أذهب في رحلة صيد".
أتسعت حدقتا كيم ,ورددت:
" رحلة صيد ؟ هل ستكون على ما يرام؟".
فكرت بحالته وخشيت أن تضره الرحلة أكثر مما ستنفعه , ولكنه سيتمتع بها أشد الأستمتاع علما بأنه أعرب غير مرة عن رغبته في مشاهدة بعض الحيوانات الأفريقية في البرية , ثم , ماذا ستفعل طوال النهار أثناء غيابه؟ من المؤكد أن هنا عملا مؤجلا ينتظرها , ولكن, ما أن تنتهي منه حتى تصبح بلا عمل , وفي أي حال , كان همها الأول هو سعادة بارت , ولما ظهر أنه أتخذ قرارا نهائيا في هذا الشأن , لم تجد بدا من مشاركته حماسته ومناقشته في ترتيبات الرحلة.
وبعد الظهر حضر روك , فأخبره بارت عن رحلة الصيد , ولم تتحمس كيم أثناء مراقبتها للرجلين أول الأمر ,ألا أنها توترت الى أقصى الحدود عندما أشار بارت الى رحلة الصيد , وعلى رغم أستحالة تصديق خواطر كيم , فأنها تأكدت أن روك عرف كل شيء عن الرحلة , وأن بارت أخبره عنها من أجل كيم فقط.
السرية....
كان بمقدور كيم أن تفهم أسباب السرية في الماضي حين أراد بارت أخفاء حقيقة أنه سيعيش أشهرا قليلة , وهي , في أي حال , لن تلومه أبدا على الأكاذيب التي لفقها لها , فأكد لها أن الطبيب طلب اليه أن يخذ قسطا أكبر من الراحة لأنه متعب , أما الحبوب , فكانت لمعالجة شكوى قلبه , وقد عرف روك ذلك أيضا , وكيم ستغفر لروك تضليله أياها نظرا الى أنه فعل ذلك بناء على طلب بارت , أجل , كان بمقدور كيم أن تفهم دوافع السرية في الماضي , أما الآن ,فلا , ولم يرق الشك عندها الى حقيقة أن أمورا غريبة تجري من حولها , فروك لم يظهر أي دليل على الدهشة عندما أبلغه بارت عزمه على الذهاب في رحلة صيد , الأمر الذي عنى أنه ناقش الموضوع مع بارت سابقا , وأحتفظ به لنفسه.
وربما أعتبر روك أن علاقتهما جعلت من أحاديثه مع بارت أمرا لا يعني كيم , وأزداد الشرخ في علاقة كيم وروك يوما بعد يوم , فشعرت كيم أحيانا أن قلبها سينفجر , وقررت أن تغادر أفريقيا بعد أن يسافر بارت , وتترك الزوج الذي أستعملها لأنجاب وريث فقط.
وبعد أن جلس روك, سأل بارت:
" متى تظن أنك ستبدأ الرحلة؟".
" قريبا , قريبا جدا".
" هل ستترك الكتاب؟".
" أجل , فبأمكان الكتاب أن ينتظر , ولدى كيم الآن عمل كثير فيه , كما أن بوسعها أجراء بعض الأبحاث , وستكون جاهزة عند عودتي".
" كم سيطول غيابك؟".
أرادت كيم أن تعرف وهي تتساءل في سرها أذا كانت ستراه حيا بعد الرحلة ,وأحست بالقشعريرة عندما فكرت بذلك , يجب أن تذهب معه لأنه كان أهم بالنسبة اليها من روك.
" نحوا من أسبوعين ... هذا أذا كان كل شيء على ما يرام".
أعقب جوابه صمت مشحون أنتهى بتبادل بارت وروك نظرة غريبة.
ما بالهما؟
صمتت كيم لحظة لتصيغ كلماتها بأفضل طريقة ممكنة:
" بارت , أظن أن علي مرافقتك بصفتي سكرتيرتك , وروك لن يعارض , أليس كذلك يا حبيبي؟".
كان من الصعوبة بمكان أن تناديه حبيبي ,وتوقعت أن ترى الهزء والتهكم نتيجة ندائها , لكنها دهشت أذ رأت الأستغراب عليه , وكذلك على وجه بارت الذي قال:
" كلا , مستحيل يا عزيزتي....
منتدى ليلاس
سألت بجرأة وهي تحاول ولو لمرة أن تحل اللغز :
" لماذا؟".
" لأنك متزوجة يا عزيزتي ".
" لقد قلت لك أن روك لن يعارض".
" ولكن روك لم يقل ذلك".
وتبادلا نظرة أخرى مريبة قبل أن يقول روك بهدوء وبلهجة حاسمة :
" أفضل ألا تذهبي مع بارت يا كيم".
أتّقد الغضب في عيني كيم ,ألا أنها حاذرت أن يراها بارت.
" بارت يحتاجني , وهو ليس على ما يرام كما تعلم".
وجدت كيم صعوبة في كشف كل ما تعرفه ,وفي القول أن بارت سرعان ما يتعب , ولذا يجب أن ترافقه لترى أنه يعمل بنصيحة الطبيب ويعمل بقسطه من الراحة , كان التظاهر صعبا , لكن كيم نجحت في أداء دورها , وقال بارت:
" لن أحتاجك يا كيم , أرجوك يا عزيزتي , لندع الموضوع يقف عند هذا الحد , فأنا أريد أن أرحل وحيدا ... بل يجب أن أرحل وحيدا".
حدقت كيم اليه وقد فطن تأنه يعني ما يقول , فهو لم يكن يريدها .... وكذلك روك لم يكن يريدها فعلا , وللمرة الثانية في حياتها شعرت أنها وحيدة في العالم.
نهاية الفصل الثامن