بدا مرحا , ألا أنه عندما تحدث ثانية , سرت القشعريرة في جسم كيم بسبب لهجته:
" لا أنصحك بمحاولة أثارتي وأغضابي يا كيم , لأنك لا شك ستندمين على ذلك كثيرا".
نظر اليه بارت
وضحك وهو يقول موبخا:
" هذا النوع من المزاح قد يخيف الفتاة".
وجدت كيم نفسها تضحك.... لكنها تيقنت من أن روك لم يكن يمزح أبدا , وأدركت أنها لو أختبرت غضبه مرة , لما تجرأت على تكرار التجربة ثانية .
وبعد العشاء أستأذن بارت من روك وكيم قائلا أنه يريد مراجعة بعض ملاحظاته , فخرجا الى الحديقة تحت جنح الظلام , وكان الليل هادئا مخيفا وعابقا بأريج الزهور من حولهمامنتدى ليلاسوصرصرة الزيزان التي ملأت الجو , تسربت أشعة القمر الفضية عبر أغصان النخيل لتفرش الروضة المخملية القاتمة بموزاييك ضوئي ,ووقف روك تحت شجرة الطرفاء حيث عانق كيم بشدة
فقالت له:
"روك أنك تؤذيني".
أجاب بحنو وهو يرخي قبضته عليها:
" آسف يا حبيبتي".
وتابعا سيرهما عبر الروضة بصمت وتفكير , أحست كيم بزوال الشكوك التي ساورتها , كما شعرت أنها غلبت كآبتها التي لن تعود , وعادا أدراجهما بعد أن وصلا الى طرف حديقة بارت الجنوبي حيث أمتد حوض النهر الجارف وقد ظللته أشجار الأكاسيا والتمر الهندي ,وأنبسط وراءه المرج الكبير ذو الأشجار الخفيضة موحشا تحت قبة السماء الأفريقية المضاءة بالنجوم.
سكون , صمت , أتساع , دنت كيم من حبيبها وكأنها تلتمس حمايته, وقال فيما أستنشق عطر شعرها:
" لا , لا يمكن أن تكوني سعيدة قدر سعادتي , يا حبيبتي".
كيف تقاس السعادة؟ أنها أما تملأ على الأنسان كيانه , وأما أنه لا يملكها
فهمست:
" أكاد أنفجر من السعادة".
وضحكت ردا على قهقهة روك :
" لم يكن جوابي رومنطيقيا ولا مقنعا , أليس كذلك؟".
" لم يكن رومنطيقيا بالمرة يا حبيبتي , أتوقع أن تجيبي على نحو أفضل في المستقبل".
" أظنني قصدت أن قلبي يفيض بالسعادة".
" أخبريني يا حبيبتي , هل فكرت بخطوبتك الأولى؟".
أطرقت على الفور , ثم أجابت:
" لقد خطرت ببالي في هذه العشية , وفكرت بريتشارد لحظة".
لم يظهر الخوف في مقلتيها الجميلتين اللتين أضاءهما نور القمر والنجوم عندما ألتقت بعينيه لأنها لم تخش تأنيبا , ولم تر له أثرا ,وقالت:
" هل غضبت؟".
هز رأسه وقد أرتسمت على شفتيه أبتسامة مطمئنة:
" كلا يا عزيزتي , فمن غير الطبيعي ألا تفكري به في هذا الوقت".
" لا يسعني أن أسترجع ملامحه ولا ملامح والدي بدقة , من المؤكد أنني أملك صورا لوالدي".
" أود أن أرى صورهما".
منتدى ليلاس
أشعرها طلبه ببعض السعادة, فقالت:
" ستراهما طبعا , كان والداي رائعين يا روك".
" لا بد أنهما كانا كذلك".
" وعند وفاتهما كانا شابين , فلم تتجاوز والدتي التاسعة والثلاثين ووالدي الثانية والأربعين".
" يا ألهي, لا بد أنك مررت بوقت عصيب جدا".
" جاء دخول بارت في حياتي أشبه بأستجابة لتضرعي وصلاتي , من هنا ينبع حبي وأخلاصي له , فقد كان أشبه بوالد لي".
" هذا أكيد , وهو يحبك كثيرا يا كيم".
" أنا أعرف ذلك".
بدا روك وكأنه يتنهد من أعماقه , الأمر الذي خالف طبيعة قوته ورجولته الطاغية , فسألته:
" روك....ما بالك؟".
" ما بال؟ لم تسألين هذا السؤال يا حبيبتي؟".
طمأنت كيم نفسها وقالت أنها لا بد تصورت تلك التنهيدة , ثم أجابت بمرح مصطنع شابته بحة في صوتها :
" لا شيء , آه ,ولكنني أحبك".
" وأنا كذلك".
نهاية الفصل السابع