كان رايك بهي الطلعة , فاحم الشعر ثاقب النظرات , يمشي بطريقة هادئة ومتزنة كفارس نبيل , لم تكن أنجي تتصور بأن شخصا يتمتع بكل هذه الصفات يمكن أن يصاب بالعمى ويفقد أتزانه ..... أنها ترفض في أعماقها أن تراه على هذه الصورة , ترفض أن ترى رايك الفائض حيوية وثقة بالنفس والمشحون بالقوة والشجاعة يتحول ألى شخص عاجز وبحاجة ألى مساعدة مستمرة.
توترت أعصابها عندما لاحت فيللا دي زالدو في الأفق بجدرانها البيضاء وبرج المراقبة العالي الذي لا يتواجد فيه الحرس بأستمرار .منتدى ليلاس
وفيما كانت تحدق بالمنزل ولجت السيارة المدخل الرئيسي , فقفز أحد الحراس فورا من غرفة الحراسة وأمرها بالوقوف سائلا عن سبب الزيارة.
خفضت أنجي زجاج السيارة وأطلت برأسها معلنة عن أسمها له فتغيرت تصرفاته فجأة وسمح لهما بمتابعة طريقهما ألى الداخل عبر طريق معبد وسط مرج أخضر.
كانت الساحة أمام الفيللا مسيجة والنوافذ مقفلة والسكون يلف المكان , لم يتغير شيء بالنسبة ألى أنجي , ولم ينتقص مرور الزمن من سحر الماضي , ما أن خرجت من السيارة ووقفت في الساحة حتى أستعادت صور الماضي الجميل وتذكرت أوقات اللهو التي قضوها في برج المراقبة العالي وعلى درجات سلمه , وهو أحد أمكنتها المفضلة للهو في هذا المنزل , كانت الحديقة الغنّاء التي تتوسطها بركة من الرخام مبنية بشكل دائرة ومليئة بالسمك المتنوع الأشكال والأحجام والألوان , وقرب البركة تنتشر مقاعد من الخيزران ومنضدة من الزجاج الأخضر اللون , أن شاعرية هذا المكان وهدوءه كانا يستهويانها على الدوام .
تركت سيارة التاكسي المكان , وفجأة زالت رغبتها بالتأمل وبأستعادة بعض الذكريات , فهي بحاجة لبعض الدقائق تقضيها وحيدة , تستجمع خلالها قواها وتتحضر لمواجهة رايك وجها لوجه , لن تواجهه فقط كممرضة بل أيضا كأمرأة تهتم لأمره , وهذا الأمر ليس سهلا بالطبع لأنها لن تواجه الضابط العسكري الواثق من نفسه بل رجلا شارفت مهنته العسكرية على نهايتها بعد أن أصيبت عيناه وفقد بصره.
وأخذت تسترجع في ذاكرتها الحديث الذي دار بينها وبين مايا على الهاتف , لقد قالت لها أنجي :
" هل تأكد الأطباء نهائيا من فقدانه البصر؟ ربما لم تصب أعصاب العين بأذى , أذ ذاك يكون العلاج ممكنا وتصبح المسألة مسألة وقت , مع قليل من العناية والصبر قد.......".
" لقد قال الأطباء لأبي بألا يتوقع المعجزات...".
ثم أنفجرت بالبكاء على الهاتف مما دفع بأنجي للبكاء هي أيضا لشدة تأثرها , ثم تابعت مايا قائلة :
" .... آه يا أنجي , أكاد لا أحتمل النظر أليه!".
" لا , لا تقولي هذا يا مايا , أرجوك".
" لقد تضرر قسم كبير من وجهه , وقال الأطباء أنهم سيضطرون لأجراء جراحة تجميلية له , وأكدوا أن الجروح ستبقى ظاهرة للعيان رغم هذه الجراحة , أن قلبي يكاد ينفطر أسى وحزنا عندما أراه عل هذه الصورة! يا ألهي, ما الذي فعله رايك ليستحق كل هذا؟
وأنقطع حبل أفكارها فجأة عندما سمعت صوتا يناديها , فألتفتت وأبصرت مايا تركض نحوها معانقة وقائلة :
" شكرا لله على حضورك".
فسألتها :
" كيف حاله؟".
" لقد... تغير كثيرا , أصبح شاردا وساخرا لا يترك لأحد مجال الأقتراب منه , في أغلب الأحيان يجلس في الحديقة محدقا في البركة كمن يرى الأسماك فيها , يخيل لمن يراه على هذا الحال أن الأفكار تدور وتدور في رأسه ولا تترك مجالا للراحة , في الليل أسمعه عندما يتعثر أثناء سيره ,لم يتعود على هذا الوضع بعد , وقد وقع أرضا مرات عدة , أذا حاولنا مساعدته يثور ويتفوه بكلام مؤذ ولاذع , الله فقط يعلم كم كان واثقا من نفسه ومتأكدا من كل ما يقوم به , أنجي , أنت لا شك تتذكرين كيف كيف كان , أليس كذلك؟".
نعم , كانت أنجي لا تزال تتذكر رايك تماما فقالت وهي تغالب دموعها :
" هل عرف بأنني سأكون ممرضته؟".
فأومأت مايا بالأيجاب وبدا لأنجي أنها تعض شفتها حزنا وألما فقالت لها:
" يبدو لي أنه ليس موافقا على هذا الموضوع , أليس كذلك ؟".
أن رايك ذو أنفة وضرورة وجود شخص ما ألى جانبه ليراقب خطواته ويساعده على التغلب على فقدانه لحاسة النظر , سيثير غضبه دون شك , ولكن لا بد من وجود هذا الشخص لكي يراقب أصابته وليتأكد بصورة دقيقة وبأستمرار بأن الجروح لم تتسبب بمضاعفات خطيرة.