تبسمت أنجي قليلا فيما كانت تشرب قهوتها , وراحت تراقب دون كارلوس بطرف عينيها , لقد كان دون كارلوس مثال النبل الأسباني العريق بطوله الفارع ولونه الأسمر ونظراته الحادة التي تخترق الأشياء , كان شخصا ساحرا وجذابا , وقد أستعمل هاتين الصفتين في حماية مصالح سكان الجزيرة , أذ حافظ على السياحة وعلى التجارة والصيد وهي موارد الرزق الأساسية للسكان , كمن يحافظ على أملاك عائلته الخاصة.منتدى ليلاس
مد دون كارلوس يده ليتناول سيجارا من علبة خشب الورد المحفور والباهظ الثمن , الموضوعة قرب كرسيه , فألتمعت في الضوء أزرار أكمام قميصه وهي من الياقوت الأزرق , قالت أنجي بينها وبين نفسها : أن هذه الأزرار تساوي ثروة دون أدنى شك , لقد كانت كل حركات الدون مدروسة وتدل على أنتسابه ألى بيت عريق , أحست أنجي نحوه بشعور يختلف عن شعورها السابق عندما كانت لا تزال تلميذة مدرسة , لقد كبرت أما هو فما زال يتمتع بحيويته ورشاقته ولو لم يتغير لون شعره قليلا لما شعر أحد بتقدمه في السن .
في تلك اللحظة بالذات دخلت دونا فرانشيسكا ألى الغرفة , كانت قد صعدت ألى الطابق العلوي , لتحضر أدوات التطريز التي تتسلى بها , كما قالت , رغم أنه بأمكانها أن ترسل أحد الخدم لأحضارها , لكنها عادت , مما بدا أنها محاولة فاشلة منها لأقناع رايك بالنزول والجلوس مع العائلة .
قام الدون كارلوس عن كرسيه لأحضار فنجان القهوة لشقيقته , فتأملته أنجي وقالت لنفسها : هذا ما سيكون عليه رايك في كهولته , أذا قدّر له أن يعيش.
قالت الدونا لشقيقها بالأسبانية :
" شكرا جزيلا يا كارلوس ".
ووضعت فنجان القهوة على الطاولة ألى جانبها , وفيما كان شقيقها يعود ألى مقعده والسيجار في يده , أخرجت من سلة التطريز شيئا ما وحدقت بعينيها الداكنتين بأنجي , لم يتكلم أحد , ولم يكن ليسمع في الغرفة ألا العزف على البيانو , فيما كان يعبق المكان برائحة سيكار هافاني من النوع الممتاز , فكت دونا فرانشيسكا عقدة الصمت وقالت :
" لدي هنا وشاح وهو ملك للعائلة منذ وقت طويل , قد يبدو خرافيا ما سأقوله لكم , لكنه معتقد متوارث : يقال أن هذا الوشاح له قدرة عجيبة على التهدئة وربما على شفاء من يصاب بجرح بليغ , علي أن أعترف , أيتها الممرضة هارت , بأنني حاولت , عدة مرات , أن أقنع أبن أخي بوضع هذا الوشاح على وجهه , لكنه كان يرفض بأستمرار ويضحك ساخرا :
قاطعها دون كارلوس قائلا:
" أنه على حق ! هذا جهل وخرافة!".
" أنت وأبنك تسخران دوما مني عندما أتكلم في الموضوع ".
" هذه خزعبلات ! ونحن لم نعد في العصور الوسطى يا أمرأة !".
" لا بأس عليك ! لكن , بربك قل لي , ماذا سنخسر أذا حاولنا؟ ثم لا تنسى أن هذا الوشاح مبارك".
" كيف وصل هذا الوشاح ألى عائلتنا؟ هل هو حقا مبارك ؟ سؤالان ما زلنا نطرحهما دون نتيجة , أعتقد بأنك تعرفين أنه ليس من المناسب أن يبقى هذا الوشاح بين يديك في أية حال ؟ وأنا أشك بأنك تعرفين أنه لا يمكن الركون ألى كل ما قاله بعض أجدادنا حول هذا الموضوع".
" لقد كان هذا منذ زمن بعيد , يا أخي , ولكن لدي أثبات على أن لهذا الوشاح قوى خفية, خذي قضية خادمتي بيلار مثلا وألم الهر الذي كانت تعاني منه , لقد وضعت هذا الوشاح على كليتيها فزال ألمها , ثم هناك حالة بنت حمي أليدا التي كانت عاقرا , أستعملت الوشاح معها أيضا وكانت النتيجة أن أنجبت توأمين كما تعلم !".
علت وجه دون كارلوس أبتسامة ساخرة وقال :
" أنها أعجوبة , أليس كذلك ؟ دعينا من هذه الخرافات يا عزيزتي , أن ما حدث مع أليدا لم يكن حالة غير طبيعية , فللطبيعة سرها في صنع أشياء غير عادية".