قالت له أنجي باللغة الأسبانية التي ساعدها آل دي زالدو على أتقانها أثناء وجودها بينهم .
" رايك دي زالدو , لقد ألتقينا ثانية ".
فرد عليها بلغة أنكليزية سليمة :
" آه , لقد أتانا ملاك الرحمة , كما ترين , أنا في أيامي أعمى كخفاش في قبو وعلى حافة الجنون , أهلا يا أنجيلا".
توجهت نحو كرسيه ووضعت أنجي يدها برفق على كتفه قائلة :
" لا تغضب , فأنت تبدو مرتاحا هنا ,خرير الماء المتدفق في البركة يجعل من المكان واحدة راحة حقيقية لك".
فقال بعصبية ظاهرة:منتدى ليلاس
"تماما , فأنا بقايا أنسان بحاجة للأسترخاء والراحة , فربما توقفت أذ ذاك عن رمي الأثاث من النوافذ , كيف حالك هذه الأيام؟ هل أنت مرتاحة ألى عملك؟".
" أنا مسرورة جدا من عملي يا صديقي".
كانت تود أستبدا عبارة ( يا صديقي) بعبارة لا تتضمن سوى أسمه رايك , لكنها أحست فجأة بالخجل , فهي , ومنذ فترة طويلة , لم تعد تلك الفتاة الصغيرة , لقد أحست فجأة بأنه يعتقد أنها عادت ألى هذا المنزل كمن يريد رؤيته في وضعه الجديد.
" كم تبدين متفانية , هل ستتألميم معي؟".
" لا , بل سأحاول أن أواسيك".
قال لها ساخرا :
" كيف , بأطعامي بعض الحلوى ".
" هذا أذا كنت تحبها ".
" وبعض الأكاذيب؟".
"لا".
" أيتها الممرضة , لقد بدأن لتوك بالكذب ".
" أنني لا أكذب على المرضى أبدا , هذه ليست عادتي ".
" أخبريني يا مايا, هل ستسه صديقتك على تغذيتي" وتابع مقهقها : " وتضربني عندما أمتنع عن الأكل؟".
فقاطعته مايا معترضة:
" لا تبدأ بمعاملتها بطريقة سيئة , لقد أصر الدكتور رومالدو على أن تعتني بك ممرضة , أنا أشكر المولى لأننا أستطعنا الأتصال بأنجي في الوقت المناسب , وألا لوجدت نفسك بين يدي تنين بدلا من يدي ممرضة".
فأجابها بلهجة ساخرة :
" عليّ أذن أن أتوقع من أنجيلا أن تعاملني برفق ! في كل حال تصرف كهذا لن يكون حكيما ".
ثم تابع موجها كلامه ألى أنجي :
"سوف أمزقك أربا عند أول هفوة فأنتبهي!".
" بأنتظار ذلك سوف أراقب خطواتك لئلا تتعثر أنت يا صديقي".
كانت أنجي متأكدة أن عليها أن تكون قاطعة معه فهذه هي الطريقة الوحيدة كي يتحسن نفسيا , أن أظهار مشاعرها الحقيقية أتجاهه ليس مفيدا له الآن.
أستوى رايك في مقعده وكان التوتر باديا عليه والقلق يطل من عينيه المطفأتين اللتين تحدقان بأنجي , فجأة قال لها:
" أذن , قررت أن تكوني نافذتي ألى العالم , أليس كذلك ؟ أيتها التعيسة , أنت شديدة البساطة لدرجة تحملك على الأعتقاد بأنني سأقبل هذا الأمر بكل بساطة ".
ثم تلمس وجهه وتابع قائلا:
" كان على هذه القنبلة أن تتابع معروفها معي وتجهز على ما تبقى مني , لم يكن من المفروض أن أبقى على قيد الحياة , الرجلان اللذان كانا معي نقلا ألى المستشفى وتوفيا لاحقا , أتظنان بأنني لا أعرف هذا؟".
" آه , رايك".
وأمسكت مايا بذراعه , لكنه , وبحركة عصبية تخلص منها وأنفجر قائلا:
" لا تعامليني كقاصر بحاجة ألى تهدئة! لقد أخرج الأطباء من رأسي شظايا كان بأمكانها أن تحولني ألى مختل عقليا , أنت تعرفين هذا وأنا أيضا , فلنتوقف أذن عن الأدعاء بأن المسألة مسألة وقت قبل أن أعود ألى حالتي الطبيعية , أنا غارق في ظلام دامس لا أتلمس طريقي فيه , ولا أحد منكم يستطيع أن يقدر هذا ومدى الألم الذي يسببه في نفسي " وتابع بمرارة : " أن هذا الظلام يزداد كثافة يوما عن يوم , ليل متواصل بدون أمل بأنبلاج فجر جديد , أنه نفق مظلم طويل لا ينتهي ! أنه قبري ومع هذا علي أن أبقى على قيد الحياة.....".
سمعت أنجي ما فيه الكفاية وأية كلمة زائدة ستفقدها أعصابها , فنهرته قائلة:
" أنت تخيف أختك , فكف عن هذا الكلام , أشكر الله على أنك لا تزال حيا وبأمكانك أن تشعر بحرارة الشمس وأن تسمع غناء العصافير , لا أشك للحظة بأن الجنديين الآخرين كانا يتمنيان أن يكونا مكانك الآن".
قال لها فجأة بهدوء يناقض تصرفه السابق:
" لا أعتقد أن أحدا في العالم يتمنى أن يقوده الآخرون بدهم أنجيلا , عندما يفقد الرجل حاسة البصر لا يعود للأشياء حوله أي معنى , لا يعود حتى للنساء في حياة الرجل الأعمى أي معنى , فالرجل عندما يعانق المرأة يحب أن ينظر في عينيها......".
قاطعته فجأة مايا وقالت له وهي تغادر الحديقة باكية:
" آه , رايك , لا تعذب نفسك هكذا , أنت تنشغل بأشياء ثانوية الأهمية في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها!".