كاتب الموضوع :
rosi
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
12_عودة الى الحياة
كان جيرد لا يزال في القاعة عندما عادت ليزا إلى شلالات موز ، كان مستلقياً على إحدى الأرائك يطالع بعض الصحف ، ففوجئت به هناك في هذه الساعة من الصباح ، هتفت قائلة :
جيرد ظننتك ذهبت إلى كالجري ، ألم تقل لي ذلك مساء الأمس ؟
ألقى الصحيفة التي كانت في يده جانباً ، ووقف قائلاً :
هل قلت ذلك ؟ قلت أشياء كثيرة ليلة أمس يا ليزا
حسناً أحسب أنني سمعت خطأ ، سوف أصعد الآن
اعترض جيرد طريقها وقال :
انتظري لحظة ، لماذا لم تخبريني عن غلين ؟ لماذا لم تخبريني أن بصره قد عاد إليه ؟ مع أنه طلب منك ذلك
حركت ليزا رأسها بصبر نافذ وقالت :
آه يا عزيزي ، ما أردت أن أبعث فيك الأمل من غير ضرورة ، وأنت تعرف كيف تسير مثل هذه الأمور
قال جيرد بفظاظة :
لا ، لا أعرف ، زيديني معرفة ، يبدو أنك احتفظت بهذا الخبر فقط إغاظتي
رفعت ليزا يدها لتربت على خده متوددة ، ولكنه أبعد يدها عنه ثم قالت :
آه يا جيرد ، توقف عن النظر إلي بهذه الطريقة ، كأنك تحتقرني ، لقد أخبرتك أني فعلت ذلك لمصلحتك
وليس بسبب ما أخبرتك عن شعوري نحو كارين ؟
منتدى ليلاس
قلبت شفتها السفلى دلالة عدم اكتراث وقالت :
لا ، لماذا أفعل ؟ أنا لا أتذكر حتى نصف ما قلته الليلة الماضية
ولكنك تذكرين ما قلته عن كارين
آه يا جيرد ، كانت غلطة من الأصل إحضار هذه الفتاة إلى هنا ، وقد قلت لك ذلك في حينه ، ويبدو أن غلين كان يعرف حقيقتها طيلة الوقت
هذا ما أخبرني إياه
هل تحدثت معه ؟
هذا الصباح ، كنت على حق ، فقد كانت خطتي الذهاب اليوم إلى كالجري ولكني قبل ذلك ذهبت لأتفقد هورس بعد الذي أصاب كتفه ، وعندما عدت إلى البيت ، عرفت من ماريا أنك وكارين خرجتما سوية ، ن ولذا صعدت إلى غلين لأعرف منه أين اتجهتما إذا كان يعلم ذلك ؟
آه ، فهمت الآن
ضاقت عينا جيرد وقال :
أين كارين ؟
اضطربت ليزا وقالت :
في مكان ما هنا , على ما أظن ، كيف يمكنني معرفة ذلك ؟ أنا لست حارسة عليها
هل عادت معك ؟
لا
عضت ليزا على شفتها ، وهي تتطلع إلى نظرات الغضب التي كانت تطل من عيني جيرد ، الذي شدّها من كتفها بقوة ، وقال :
ماذا تعنين بقولك لا ؟ أين هي ؟ أين كاترين ؟ لن أدعك تذهبين قبل أن تقولي
نظرت إليه ليزا بعينين كسيرتين وقالت :
أنا لا أعرف يا جيرد ، حقاً ل أعرف ، لو كنت أعرف لأخبرتك على الفور
حدق جيرد في عينيها وكرر السؤال :
أين هي ؟ أين تركتها ؟ لقد خرجتما معاً ، لماذا لم ترجعيها معك ؟
يا عزيزي ، إنه عبث مني ، أنا أعلم ذلك ، وأعرف أنك ستغضب مني كثيراً ، لكني سأخبرك الحقيقة على أية حال ، أوقفت السيارة في موزباي ، واتفقنا أن نلتقي في المكان نفسه وحددنا موعداً لذلك ، ومضينا كل في جهة ، وعندما عدت لم أجد كاترين قرب السيارة ، لذلك رجعت وحدي
تركتها في موزباي ؟
جنّ جنون جيرد عند سماعه هذا الكلام ، ولكن ليزا لم تقل شيئاً ، فقط استمرت بالنظر إليه بحرارة ورجاء ليتركها تذهب إلى غرفتها ، ولكنه تابع بخشونة :
ليزا أنت قذرة ، أنت أنانية ، أود لو ألوي عنقك بيدي هاتين
حبست ليزا أنفاسها وهي تتألم وقالت :
يا عزيزي ، كيف يمكنك أن تكون قاسياً إلى هذا الحد وقد كنا متفقين على أن يكون كل منا للآخر ؟
صاح جير بقسوة وهو في حالة لا تسمح له بأن يقدر مشاعرها :
كل منا للآخر ؟ لعل هذا تفكيرك أنت وحدك ! ولكن الواقع لم يكن أحدنا يعني شيئاً بالنسبة للثاني يا ليزا ، لا شيء
أمسكت بكمه وقالت :
جيرد ، هذا ليس صحيحاً ، كنت تريدني حتى قبل ولادة غلين
أجاب جير بقحة :
كفي عن التصرف كالصغار ، لقد كنت صغيراً في ذلك الوقت ، كنت في الثامنة عشرة ، أظن أني كنت مغروراً لأن امرأة أكبر مني أظهرت لي أنها مفتونة بي ، وإذا لم أكن أحترم أخي على صغر عقلي ، كيف استطعت أنت ذلك والآن أين كاترين ؟ أين يمكنني أن أجدها ؟
هذه مشكلتك
توجهت ليزا نحو الدرج ، في الوقت الذي دخل فيه بن ، نظر إلى ابنه مستفسراً ، ثم التفت إلى ليزا وسألها :
هل تعرفين أن عجلة السيارة
أجابت ليزا قبل أن يكمل حديثه :
أنا أعرف ، وسوف أحضر من يصلحها
قال بن وهو يرمق جيرد :
يبد أنك تحتاج لعجلة جديدة ، لأنها ممزقة تماماً ، ولا عجب أن يحدث ذلك في تلك الطرق الجبلية
أسودت عينا جيرد وصاح سائلاً :
أية طرق جبلية
أخذ بن ينظر على وجه ولده المكفهر تارة ، وتارة إلى وجه ليزا التي كانت تحاول الهروب إلى الطابق العلوي ، دون أن يفوه أحد بكلمة ، ولكن جيرد لم يترك لها مجالاً للصعود وأمسك بها بشدة ، وصرخ بها بوحشية :
ليزا ، أية طرق جبلية هذه ؟ أجيبي !
أخذ جسمها يرتجف تحت يده ونظراته خوفاً ، وقالت بصعوبة :
لا أعرف ، هل يجب علي معرفة ذلك ؟ لا أعلم عن أي شيء يتكلم ، عندما كنت في طريقي إلى هنا ، كان هو في المكان الذي ينفرد فيه منكباً على شرابه ، إنه لا يدري عن أي شيء يتكلم ، فهو لا يحق له العيش بين أناس محترمين
لم يأخذ جيرد بكلام ليزا ، وظل ممسكاً بها ، ونظر إلى أبيه يسأله :
ماذا تعرف ؟ تكلم يا رجل !
شعر بن أن الوضع متأزم بين ابنه وليزا ، فنظر إليها من غير رغبة وأجاب :
العجلة يمكن تبديلها بسهولة و لا شأن لي بها ، لكن
قاطعته ليزا ببرود :
لا ، طبعاً ليس من شأنك
لكن نظرات جيرد القاسية أجبرتها على السكوت مرة ثانية ، وقال لأبيه :
أكمل يا أبي ! ماذا رأيت ؟ أظن أنك رأيت ليزا وأنت عائد من المدينة ، أليس كذلك ؟
شهقت ليزا ورددت بعبوس :
المدينة ؟
أحنى جيرد رأسه وقال :
ألم تعرفي أن والدي ذهب إلى المدينة ؟ أظن أنك لا تقدرين رؤيته إذا كنت ذهبت آه يا الهي شحب لونه كاترين ، أين كاترين ؟ قولي ماذا عملت بها ؟
أمسك جيرد بكتفي ليزا وهزهما بعنف وقسوة ، وأسنانها تصطك وهي تحاول الإجابة :
ماذا فعلت ؟ أنا لم أفعل أي شيء ، توقف عن هزي ، لقد آذيتني
سأفعل أكثر من هذا ، إذا اضطررت لذلك
قال جيرد بقسوة بالغة ، ثم التفت إلى أبيه يشرح له الأمر :
أبي ، ليزا أخذت فالنتينا – كاترين – معها ولكنها لم ترجعها ، فأين رأيت العربة ؟ من أي اتجاه جاءت ؟ يا الله ، إذا كانت تركتها هناك ، فيجب أن نجدها على الفور
ضبط بن أعصابه ، غير عابئ بليزا الباكية ، وقال دون تردد :
اهدأ يا ولدي ، رأيتها على الطريق عند منعطف ممر جرفتر ، ولكنها لم ترني ، فقد كانت تجد صعوبة في قيادة السيارة على تلك الطريق ، بسبب العجلة المثقوبة ، ولكني تبعتها
التفت جيرد إلى ليزا وهو يهزها وقال :
هل ستخبرينني أين هي ؟ أين تركتها ؟ أو تريدين مني أخراج الكلمات من فمك بالقوة
استعادت ليزا شيئاً من رباطة جأشها ، وقالت :
لا تستطيع
حاولي وجربيني حقاً إنك لمجنونة ، الويل لك إن كنت آذيتها
تجهم وجه ليزا عند سماعها تهديده ، وقالت :
أنا لم أفعل شيئاً لها ، فقط أردت إخافتها قليلاً ، هذا هو كل شيء ، وقد صممت على العودة إليها
قال جيرد وهو يشك في أقوالها :
هل حقاً كنت ستعودين ؟ كنت تتوقعين أني سأغيب طوال النهار في كالجري ، هل تذكرين ذلك ؟ ولو لم أكن هنا عند عودتك ، من كان سيحزر أين هي كاترين ؟
ما الذي يجري هنا ؟
جمد الجميع في أماكنهم على صوت غلين ، وهو ينزل درجات السلم ببطء ، كان مرتدياً ثيابه ، ممشطاً شعره ، وعلى عينيه نظارة قاتمة ، وقال متابعاً :
لماذا تملأون البيت صراخاً هكذا ؟ ما الخبر ؟ هل هو اجتماع خاص ، وهل يمكنني الانضمام إليكم ؟
وقبل أن يتمكن جيرد أو ليزا من النطق بكلمة ، أوضح بن الأمر باختصار :
والدتك أخذت سيدتك الشابة إلى الجبال ، وتركتها هناك
بدت الدهشة على وجه غلين وظهرت معها علامات الخوف ، وقال :
سيدتي الصغيرة ؟!! هل تعني كاترين ؟
بدا الارتباك على وجه بن وردد :
كاترين , وجيرد يقول كاترين ، ما الخبر؟
ولكن لم يكن لدى جيرد أي وقت ليوضح له الأمر ، وقال لأبيه :
سأشرح لك الأمر فيما بعد
ثم سحب ليزا وراءه إلى الباب وقال :
أقادمة أنت معنا ؟ سوف أطلب من هورس مرافقتنا ، فكلما كثرت العيون التي تبحث عنها يكون ذلك أفضل
قال غلين بشوق وهو ينظر لعمه :
أريد الذهاب معكم
رفع جيرد يده عن ليزا وقال :
غلين
قاطعه غلين في ثبات :
أعرف ، أعرف إنها ليست مغرمة بي ، ليس من الضروري إيضاح ذلك لي ، أنا لم أعد أعمى ، كما أنني شعرت بالمشاعر المتبادلة بينكما منذ الليلة الأولى التي وصلنا فيها إلى هنا
نظر إليه جيرد يريد أن يقول شيئاً ، ولكن غلين هزّ رأسه وقال :
أحضرت أنت هورس ، بينما أرتدي معطفي ، وكما قلت كلما كثرت العيون التي تبحث عن كاترين يكون ذلك أفضل
كانت كاترين ترتجف من البرد ، وتكاد تتجمد جميع أطرافها ، مع أنها كانت تلبس قفازاً وتضع يديها في جيبي معطفها ، سرى الخدر رويداً رويداً في أصابعها ، وأما قدماها فقد فقدتا القدرة على الشعور
حتى بالألم منذ فترة طويلة
كم مرّ عليها من الوقت منذ تركتها ليزا ؟ لا تدري ، ساعة ؟ ساعتان ؟ كانت خائفة من مجرد النظر إلى ساعتها ، خائفة أن يكون الزمن الذي مضى أكثر مما تظن ، وهذا يعني أن الظلام أوشك أن يظلل تلك الممرات الصخرية ، يا الله ماذا عساها تفعل ؟ وحدقت في الضباب ، وأطالت التحديق لقد خمنت أين هي عندما استطاعت أن تلمح الصخور الشاهقة الشديدة الانحدار التي تحيط بها
لا شك أن هذه الجبال التي سبق وشاهدتها من غرفة نومها في المزرعة وسحرت بها ، هي الجبال التي أشار إليها غلين يوم خرجا لركوب الخيل وقال إنها خطرة
والآن ضاع سحر جمال تلك المرتفعات ، وأسدلت عليها ستائر من الخطر المريع ، ومع ذلك حاولت تهدئة مخاوفها ، ولكنها ارتعدت على حين غرة ، لم يكن من آلام ظهرها ، لم يكن من البرد ، لم يكن من الجوع ، لم يكن من الخوف أن تموت رعباً فقط ، بل أنتابها حدس رهيب ، بأنها لم تكن وحدها في هذا الممر ، هناك شيء ما ، أو أحد يطاردها خلسة ، وصوّر لها خيالها أن هناك عيوناً تلمع وسط الضباب تلاحقها ، وأشتد بها الذعر ، إذ تذكرت أنها قرأت في كتاب الدليل عن هذه الجبال قبل مغادرتها انكلترا ، أن هناك دببة وأيائل تعيش في هذه المناطق ، ومن المعروف أن هذه الدببة تهاجم المارة
فإذا كانت مظاهر الحياة المدنية التي تحيط بشقتها هناك تبدو لها مرعبة عندما تكون وحيدة ، فكيف وهي في هذا المكان النائي عن كل مظهر من مظاهر الحياة إلا من تلك الوحوش التي تتلصص متوارية عن الأنظار ؟!!!
ومع ذلك كانت كاترين متأكدة أن ليزا لا بد أن ترجع إليها ، ولكنها هي التي فقدت الأمل بسرعة !!
وقفت كاترين وقامت ببعض الحركات لتنشيط جسمها المتجمد ، وقررت المسير ، إن الدرب الذي سارت فيها ليزا بسيارتها لا يزال واضحاً ، وعليه فلتبدأ من هناك ، مشت كاترين ومشت ، لكن الرذاذ المتواصل أضاع معالم الطريق الرطبة ، ولم تعد قادرة أن تتأكد إن كانت تسير في الممر الصحيح أم أنها ضلت عنه ، شعرت كأنها تسير بانحدار بسيط ، ولكن إلى أي اتجاه ؟ لا تدري
خشيت أن تكون قد دارت بطريقة ما إلى الخلف في الاتجاه المعاكس ، من حيث لا تشعر وسط هذا الضياع الذي وقعت فيه ، وإنها تسير الآن أبعد فأبعد بين الجبال بدلاً من الخروج منها
فجأة أدركت كاترين أنها ليست وحيدة مع مخاوفها ، ولا كانت هي الدببة التي تترصدها ، إنه صوت بوق سيارة يدوي آت من بعيد ، كان الصوت واضحاً حتى لأذنيها المتجمدتين ، لقد سمعته بالفعل بعدما فقدت الأمل في التصديق بأن ليزا عادت إلى رشدها
أخذت تتعثر كيفما مشت ، أسرعت باتجاه الصوت ، تحاول أن تصيح بأعلى ما تستطيع ولكن صوتها لم يكن يخرج من حلقها الجاف إلا بصعوبة بالغة
الصرخات التي كانت تطلقها مزيج من الكلمات المتقطعة والنشيج
ليزا ، هنا أنا ، أنا هنامنتدى ليلاس
بعد دقائق غمرها نور السيارة ، ولما تأكدت من النجاة ، خذلتها قدماها ، وسقطت على الأرض تبكي ، تبكي الساعات الطويلة التي أمضتها في ظلمة الخوف والرعب ، لم تعد تبالي بأفكار ليزا بها ، إذ كان يرضي روحها الشريرة رؤيتها جاثية على الأرض ذليلة هكذا ، لم تعد تبالي بشيء إلا الهرب من هذا المكان الرهيب
كاترين
في بادئ الأمر ظنت أنها أصيبت بهلوسة ، مع أنها كانت متأكدة أنها سمعت صوت بوق سيارة ، ورأت أنوارها ، وأيقنت بالنجاة ،ولكن عندما نطق جيرد باسمها في هذه البقعة الشائكة الصخرية المخيفة ، تأكدت أنها كانت تتخيل ، وأن ما سمعته وما رأته كان من صنع أوهامها ، فانحنت رأسها أكثر فأكثر باستسلام حتى كاد يلتصق بالأرض
كاترين يا الهي ، إذا ألحقت بك أذية ، أقسم بأني سأقتلها
تكلم جيرد ثانية ، وعندما شعرت بيدين قويتين ترفعانها عن الأرض تمنت أن يكون ذلك حقيقة لا حلماً ، إلا أنه لم يكن حلماً بالفعل ، كان هناك بن وهورس أيضاً ينزلان من السيارة
شعرت بأن جيرد قد تملكته الرعشة أيضاً ، فأحاطته بذراعيها لتبعث فيه الاطمئنان ، مد يده إلى رأسها ، ورفع عنه الشعر المستعار ، وألقاه على الأرض ، ثم لفها بمعطفه ليبعد عتها البرد الذي اخترق عظامها
يا الهي ، كاترين كنت كالمجنون ، ولو أنك أصيبت بأذية لكنت قتلتها ، هل تعرفين ذلك ؟
لكنها لم تفعل ، و لا بد أنها أخبرتك أين تجدني وإلا كيف اهتديت إلي بهذه السرعة
تأوه جيرد ، في الوقت الذي وضع بن يده على كتفه ثم قال :
أكثر من أربع ساعات ونحن نبحث عنك بين هذه الصخور ، حتى كدنا نفقد الأمل
تابع بن بهدوء ، وهو يمسك ذراع كاترين :
جيرد أدخل إلى السيارة ، ألا ترى أن الفتاة تكاد تتجمد من البرد ؟ يمكنك تاجيل الحديث الآن حتى تعيدها إلى المنزل
قال هورس :
جيرد أدخل السيارة ن واجلس في الخلف ، وأنا سأقودها
أفسح جيرد لكاترين كي تتقدمه ، ثم جلس إلى جانبها ، نظرت كاترين بشيء من الارتياب إلى ليزا التي كانت تجلس أيضاً في المقعد الخلفي ، أما الأخرى فقد تطلعت إليها بعينين ملؤهما الحقد ، وقالت ببرود:
أرأيت يا جيرد ، إنها بخير ، ولا ضرورة لكل ذلك الرعب الأحمق الذي أبديته
ليزا اصمتي
رأت كاترين وهي تلقي برأسها على كتف جيرد أن غلين كان يجلس على المقعد الأمامي ، فمد يده يربت على يدها وقال :
أظن أن كلا منا عنده ما يخفيه ، أليس كذلك ؟ هل تسامحينني على خداعي لك طيلة هذا الوقت ؟
إني آسفة
لننس الموضوع ، لقد أدركت منذ البدء أنه لا يمكن أن تكوني فالنتينا من الطريقة التي تتصرفين بها ، وأخيراً أخبرني جيرد عن هروبها ، أما السبب الرئيسي لإلحاحي على مجيئك معنا ، كان لأرد الصفعة لكليهما ، فالنتينا وصديقك سيمون ، ولم أكن أعلم في بادئ الأمر أنه كان لجيرد مأرب آخر
كان هورس يقود بسرعة ، والسيارة الكبيرة تقفز قفزاً على طول الطريق ولذا قطعوا المسافة في وقت قصير ، ولم يشعروا إلا والسيارة تقف أمام المنزل يطالعهم وجه ماريا الشاحب ينطق بالكآبة والقلق
نزل جيرد من السيارة مخاطباً المرأة الهندية بجفاء ، فلم تسمعه كاترين يخاطبها بمثل هذه اللهجة من قبل :
هيئي حماماً حاراً ، لقد وجدنا كاترين ، ولكن الرطوبة اخترقت جسمها حتى العظم ، ثم خذي لها حساء ساخن إلى غرفتها ، لاشك أنها جائعة أيضاً
بقيت كاترين في المياه الساخنة ، تستمتع بدفئها ، بعد ذلك الصقيع الذي جمد جسمها ، ولم تخرج منها إلا بعدما أحست بالحرارة تعود إلى أوصالها من جديد ، وتعيد إليها نشاطها وحيويتها
استلقت بارتياح فوق سريرها تبعد عن ذهنها جميع الأحداث الرهيبة التي مرت بها ، ولا تفكر إلا بجيرد ن لا شك أنه يحبها ، وهي بالتأكيد تحبه
ولما رجع إليها بعد حين ، كان بودها أن تسأله عما حدث عندما عادت ليزا بدونها ولكن الخجل من جهة ن وعدم رغبتها بالتدخل في علاقتهما الشخصية من جهة أخرى أسكتها تماماً عن الكلام ، حتى فاجأها جيرد بسؤال دون أن ينظر إليها :
أخبريني ، هل ستتزوجين سيمون ؟ أعني هل هذا ما تريدينه ؟ أم ستكون لدي الفرصة لثنيك عن ذلك ؟
اتسعت عينا كاترين ، ولكنه كان ما يزال لا ينظر إليها وتابع :
في الليلة الماضية أعطيتك مهلة لتجيبي ، أما الليلة فلا
أمسكت كاترين أصابعه بحنان ، وقالت :
جيرد ، كنت أظن أنك تريد الزواج من ليزا ، هذا ما سمعته منذ وصولي إلى شلالات موز
لكن هل سمعت هذا مني ؟ إني أحبك يا كاترين ، فهل تحبينني كما أحبك ؟
همست كاترين بعذوبة :
أنت تعرف لقد أحببتك منذ رأيتك للمرة الأولى ومن ذلك الوقت علمت أن علاقتي بسيمون لن يكتب لها الاستمرار ، ولكن ليزا
دعينا من ليزا ، يكفي أنني أحاول ألا أكرهها لما فعلته بك ، لا بد أنها مجنونة
ولكني أظن أنها تحبك
الواقع أنها تريد المزرعة فقط ، هذا هو كل شيء ، وهي تعلم أنني لو تزوجت من غيرها ، فلن تؤول المزرعة إلى غلين
لكن غلين لا يريدمنتدى ليلاس
أنا أعرف ، غلين لا يريد المزرعة على الإطلاق ، فهو مثل أبيه ، يريد الرحيل عن كندا ، على كل حال لقد انتهى الآن كل شيء ، ومن المؤكد أن ليزا ستقوم برحلة بعيدة عن المزرعة ، وعندما تعود سأشتري لها منزلاً في كالجري ن وفي تلك الحالة ستكون لديها أمور كثيرة ، تشغلها عن إزعاجنا
جيرد ، ماذا عن بن ؟ لا تبعده عن هنا ، أرجوك ، أنا أعلم أنه يزعجك في بعض الأحيان ولكن
لن أفعل ، إنه أبي يا كاترين ، فقد كان من جملة أسباب كرهه لليزا ، ظنه أنه ما إذا أصبحت ليزا هي سيدة هذا المنزل فإنها سترغمني على أن ألقي به خارجاً ، ولكن تأكدي أني لن أفعل هذا أبداً ، يبدو أنك ستجعلينني غيوراً لأنك ستجدي رجلين من حولك يحبانك
ابتسمت كاترين بسرور وقالت :
إن حبك يكفيني يا جيرد ، وأنت تعرف هذا ، متى سنتزوج ؟
أريد التأكد أولاً أنك لا تختفي مثل أختك
لا ، لن أفعل ، لقد ذكرتني فيجب أن أكتب لأبي وأختي ، لا شك أنهما سيتفاجآن عند سماعهما هذا النبأ السعيد
يمكنني أن أقول لو أن
قاطعته كاترين وهي تربت على خده بدلال وحب وقالت :
لو أن فالنتينا لم تقدّ سيارة غلين ، ولو أن غلين لم يصب بتلك الحادثة
تابع جيرد كلامها وهو يضع ذراعه على كتفها بحب عميق :
لما كنا التقينا ، هل تعتقدين ذلك ؟ أنا متأكد أننا كنا سنلتقي بطريقة ما ، لقد كنت في انتظارك طيلة حياتي
آه يا حبيبي ، أريد أن أصدق ذلك ، لأنني لا أستطيع أن أتخيل حياتي من دونك كيف يمكن أن تكون
تمت بحمد الله
|