كاتب الموضوع :
rosi
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
كانت تتوقع أن تجد جيرد ينتظرها عند الباب ، ولكنها هي التي تأخرت عن الموعد المحدد بضعة دقائق ، فالسائق لفّ بها كثيراً في الطرقات ، حتى اهتدى إلى المكان الذي أشارت إليه
تقدم نحوها أحد العاملين في المطعم ، فسألته على الفور عن السيد جيرد فريزر
أحنى رأسه دلالة على وجوده ، وعلى شفتيه ابتسامة لطيفة
سارت كاترين في رواق مظلل باللون الأخضر الجميل إلى صالة حديثة تضيئها قناديل مختلفة الأشكال والألوان ، مما زادها رونقاً وجمالاً ، فوجدت نفسها تقف إلى جانب طاولة رئيس القائمين على خدمة الرواد ، وعند ظهورها وقف بأدب ، سألته عن جيرد ، ولكن قبل أن تسمع الجواب ، كان رجل يشق طريقة نحوها تحت الأضواء الخافتة ، رجل طويل القامة ، داكن اللون لا يمكن أن تخطئه أبداً ، أنه جيرد
شكراً لوجي ، الآنسة معي
أحنى لوجي رأسه بأدب وصمت
آسفة لأني تأخرت ، حسبتك ذهبت
قاطعها جيرد :
من المستحيل أن أفعل ذلك ، تعالي إلى طاولتنا هناك ، يمكننا تناول بعض الشراب ، قبل اختيار ما نريد أن نأكل
بدا الارتباك على كاترين وهي تبتسم له ، وتسير حيث يقودها ، إنها تدرك أنه يراقب كل حركة من حركاتها ، فكانت تحاول أن تهدئ عواطفها ، لقد بعثت رؤيته مرة ثانية القلق في نفسها ، وتحولت عيناها إلى وجهه بافتتان لم تتمكن من إخفائه
لكن يبدو أنه لم يكن ينظر إليها ، لقد كانت نظراته تتجاوزها إلى الطاولة التي يقودها إليها ، كانت هناك امرأة شابة ، تبدو أنها تكبرها ببضع سنوات فقط ، نحيلة ، سمراء ، ناعمة الملامح
التفتت إلى جيرد ، ظنت أنا مخطئة ، وليس هذه طاولتهما ، ولكن تبدد شكها عندما سمعت جيرد يقول وقد أحنى رأسه بأدب :
اسمحي لي أن أقدم لك أرملة أخي ، ليزا ، هذه كاترين شقيقة فالنتينا
مدت ليزا يدها نحوها وهي تقول :
أنا سعيدة بلقائك كاترين ، أخبرني جيرد عن كل ما فعلته من أجل ابني ، وأنا حقاً شاكرة لك فضلك
تناولت كاترين اليد الممدودة إليها مصافحة ، وقالت :
ليس هناك ما يستحق الشكر
منتدى ليلاس
جلست كاترين على الكرسي الذي سحبه جيرد لها ، وهي لا تكاد تصدق أن هذه المرأة يمكن أن تكون والدة غلين ، فهي تبدو أصغر من ذلك بكثير ، وأصغر من أن تكون أرملة أيضاً ، ولهذا خالجها نظرة شك في نظرة ليزا إلى جيرد ، وشعرت أنها لا يمكن أن تكون نظرة أرملة إلى شقيق زوجها فقط ، ثم سألتها كاترين :
هل رأيت غلين سيدة ليزا ؟
نعم ذهبنا إليه من المطار مباشرة
كيف حاله؟
ومن قبل أن تستطيع ليزا الإجابة أجاب جيرد :
رأيناه كئيباً جداً
تدخلت ليزا قائلة :
لا تقل هذا يا عزيزي ، ستظن كاترين أن غلين بم يكن سعيداً برؤيتي ، وأنت تعلم العكس
رد جيرد بسرعة :
كاترين ليست سخيفة ، فهي تعرف حاله أكثر من أي شخص آخر , ليزا يجب أن نواجه الحقيقة أن نقدّر غلين وحالته شيء وأن تفاءل خيراٍ هو شيء آخر
أمسكت ليزا ذراع جيرد بشيء من الدلال وهي تقول :
لا شك عندما يعود إلى المزرعة ، عندما يستطيع السير على قدميه ويشعر بالهواء العليل يداعب وجهه
قاطعها جيرد بصراحة :
أتراني ألاعب أطفالاً ؟ لم لا تكوني واقعية ، ليزا ؟ أنت تعرفين أن غلين غادر موزباي ، لأنه لم يكن مغرماً بالمزرعة ولا بأعمال المزارع
تغاضت ليزا عن الإهانة التي لحق بها ، وقالت :
جيرد ، هذا ليس حقيقياً ، على أية حال فإن غلين يحتاج لقضاء بعض الوقت هناك ، ليتمتع بالهواء الطلق على الأقل ، وسوف يعود إليه بصره عندما يعود إلى بيته
أحنت كاترين رأسها لئلا تنظر إلى المرأة الأخرى عندما كان جيرد يجيب بجدية :
ليزا ، إن غلين سوف لا يرى شيئاً قبل مرور بضعة أسابيع ، أو بضعة شهور ، ولكننا سنأخذه معنا بأية حال ، لأن ليس لدينا فكرة أخرى ، ومع ذلك فعلينا معرفة رأيه أولاً
تمنت كاترين لو أنها كانت بعيدة عدة أميال عن هذا المكان ، عندما التفت إليها جيرد ، وبان الارتباك على وجهها تحت نظراته الثاقبة ، وجه إليها كلامه :
كاترين ، غلين يريد أن تذهبي معنا إلى المزرعة ، ولما أخبرته أنه لا يمكنك ترك الوظيفة ، أصرّ ، وقال أنه بحث معك الأمر ، ولم يكم لديك أي اعتراض
أنا أنا
لم تستطع كاترين قول أي شيء ، وحبست الكلمات في صدرها ، حقاً أن غلين لمّح إلى أنه يتمنى أن ترافقه إلى المزرعة ، ولكنهما لم يبحثا الأمر جدياً ، وسمعت ليزا تقول باختصار :
من الواضح أن كاترين لا تعرف شيئاً عن الموضوع ، في أية حال ، فالفكرة من أصلها سخيفة ، غلين يحتاج إلى ممرضة وليس إلى صديقة
لكنك نسيت أن غلين يعرف أن فالنتينا ممرضة ، وليست الفكرة سخيفة كما تظنين ، فإن غلين يحتاج إلى الراحة ، والنقاهة ، ولكن هل يتحقق له هذا برفقتنا أنا وأنت فقط ؟
قالت ليزا باحتجاج :
هناك أبوك
وعند هذه النقطة تدخلت كاترين :
أنا أنا لا أعرف ماذا قال لك غلين سيد جيرد
جيرد ، من فضلك
قال ذلك بإصرار ، أما كاترين فقد أحمر وجهها وتابعت :
حسناً أنا لا أستطيع مرافقته إلى كندا ، لا يمكنني الفكرة مضحكة
ارتعشت شفتا جيرد وهو ينظر إليها قائلاً :
هل هي مضحكة فعلاً ؟ حتى ولو كانت تضع حداً بين شقاء غلين أو عدمه ؟
نظرت ليزا إلى كاترين نظرة غامضة وتدخلت :
جيرد ، لا تكن مأساوياً إلى هذا الحد ، ماذا يمكنها أن تفعل أكثر مما نفعله نحن ؟
قال جير بوضوح :
حسناً ، إنها الجسر الذي يربط بين حياته هنا والحياة التي نجبره عليها في المزرعة ، ألا تعرفين أنه يعلّق على فالنتينا آماله ومستقبله ؟
تدخلت كاترين :
ولكني لست فالنتينا
غلين يظن أنك فالنتينا ، وهذا هو المهم في الأمر
أخذت كاترين تفكر ، هل يمكن أن يخطر ببال جيرد ، أنها من الممكن أن تتنازل عن وظيفتها بهذه البساطة ، لترافقهم إلى مكان مجهول في أواسط كندا ؟!! الموضوع بأكمله يتنافى مع المنطق ، إلى جانب ذلك ماذا سيكون رأي سيمون ؟
وكأن جيرد طالع أفكارها فقال :
أنا لا أطلب منك أن تتركي حياتك هنا وعملك ، وما يهمك فيها من أمور ولكن ما أطلبه منك هو فقط أن تحصلي على إجازتك السنوية وترافقينا وتأكدي انك ستعجبين كثيراً بالمزرعة ، ولن تندمي مطلقاً على قيامك بهذه الرحلة ، خصوصا وأننا هيئنا لك جميع أسباب الراحة الممكنة هناك
قلبت كاترين شفتيها وقالت :
جيرد غلين وقف على قدميه ، ويمكنه الآن أن يتحرك،أنت تقول أنه يعيش مأساته ولن يكتشف حقيقتي،ولكن متى عاد إلى بيته, وابتدأ يستعيد ثقته بنفسه، فإنه عاجلاً سيكتشف أنني لست فالنتينا
كيف ؟
أولاً ، وهو الأهم شعري ، شعر فالنتينا قصير وأجعد ، وأنت تعرف أن شعري ليس كذلك
تدخلت ليزا :
يمكنك أن تقصي شعرك ، إنها فعلاً أمور سخيفة ، وأنا لا أفهم كيف تعالجان المسألة ، أنا لا أظن أن الشعر القصير المتموج فيه حل للمشكلة
ولكني لا أريد أن أقص شعري
تجاهل جيرد أرملة أخيه ووجه كلامه إلى كاترين ، وقال بهدوء :
يمكنك أن تلبسي شعر مستعار ، ولا أظن أن هناك مانعاً عندما يكون ارتداؤه ضرورياً ، في أي حال دعونا الآن نتناول طعامنا ، ويمكننا إكمال مناقشتنا فيما بعد
كان الطعام شهياً ، ولكن لم يكن لدى كاترين أي قابلية لتناوله ، فقد شعرت بشيء من الخوف من الجو المشحون الذي يخيم على المائدة
تناولت كاترين فنجاناً من القهوة بدل الحلوى ، وهي تنتظر بفارغ الصبر أن يستكمل جيرد المشاحنة ، ولكنه لم يفعل ، بينما أخذت ليزا تتحدث بكل لطف وأدب مع كاترين بأمور لا علاقة لها بالمشكلة الأساسية على الإطلاق
كانت الساعة الثالثة بعد الظهر تقريباً ، عندما غادروا المطعم ، وجيرد كما في المطعم لم يتحدث في السيارة إلا قليلاً
اخترقت ليزا صمته ، وهي تضع يدها على كتفه من غير كلفة ، وسألت :
عزيزي جيرد ، ألا تشعر أنك كنت غير لطيف معي ؟ أنا أظن أن كاترين قامت بمجهود جبّار من أجل غلين ، وآن لها أن تعيش حياتها كما تريد
أحنى جيرد رأسه من غير أن يجيب بشيء ، بل كانت نظراته تنصب على كاترين ، نظرات لوم وعتاب ، وجعلها تشعر بشيء من الخوف وعدم الارتياح
كان غلين في انتظارهم ، وكم كان مزعجاً لكاترين عندما أحاطها بذراعيه ، لكنها عملت جاهدة على التخلص منه بلطف ، وبقي ممسكاً بيدها وهو يحدث والدته
أماه ، قولي الحقيقة ؟ أليست جميلة ؟ إنني مجنون بها ، ولولاها ما كنت أدري ما كان سيحل بي في تلك الأسابيع الماضية
تصنعت ليزا ابتسامة باهتة ، وهي تجلس إلى جانب ابنها ، مما اضطره أن يترك يد كاترين ، ثم قالت :
ولدي ، سوف تعود معنا إلى البيت ، بيتك ، وكل ما مرّ بك سيبدو ككابوس مخيف مضى ، وسوف تتغير جميع مشاعرك هناك ، وأنا متأكدة
منتدى ليلاس
سحب غلين نفسه بعيداً عنها ، وأخذ يمشي بخطوات غير ثابتة عبر الغرفة ن رأت كاترين طاولة طعامه في طريقه ، ولكن قبل أن تتمكن من الوصول إليها لتبعدها ، كان قد تعثر بها
تطلعت كاترين إلى جيرد في ألم ، وهي تعيده إلى كرسيه ، ثم رد على كلام أمه :
نعم ، سوف أشعر بالاختلاف ، فالاختلاف الوحيد الذي سأشعر به ، هو أن هناك مساحات شاسعة يمكن أن أقع فوقها وأشياء كثيرة يمكن أن أتعثر بها!
وقفت كاترين بجانب كرسيه ، وسمحت له أن يمسك يدها ، وقالت :
غلين ، لن تقع ، صدقني سوف تتحسن ، ولكن يحتاج ذلك إلى بعض الوقت وإلى بعض الصبر وأظن أنك قادر على ذلك
حرّك غلين رأسه وتتطلع نحوها بعينيه الزرقاوان غير المبصرتين ، وقال :
فالنتينا ، إني خائف
أحست فالنتينا أن قلبها يكاد ينفطر لآلامه ، ولم تعد تحتمل ، وقالت :
أريد الذهاب إلى البيت
أعاد غلين كلماتها :
أريد الذهاب إلى البيت ، ولكن ليس وحدي
قالت الأم :
لن تكون وحدك يا بني
لكن هذه المرّة نظرة واحدة من جيرد كانت كافية لإسكاتها
أما غلين فقد أضاف :
أريدك أن تأتـي معي فالنتينا ، سوف تأتي ، أليس كذلك ؟ إذا لم تفعلي ، فلن أذهب أنا أيضاً
نهاية الفصل الخامس
|