كاتب الموضوع :
♫ معزوفة حنين ♫
المنتدى :
القصص المكتمله
(وشاء القدر)
الجــزء/الأول
(لا تلمسني) صرخت "أريج" بكل قوتها مبتعدة عن ابن عمها كفرس
ها ئجة وقد بدأت دموعها بالتساقط على وجنتيها الجميلتين
وما لبثت ان أجهشت بالبكاء وقد غطت وجهها بكلتا يديها مسندة
رأسها على جدار غرفتها الصغيرة. حاول "عماد" تهدأتها مقتربا
؛ غير انها صرخت صرخة اقوى من سابقتها مما اجبره على الوقوف
مكانه مدهوشا (ابتعد عني! ولا تتوقع ان أخر ساجدة كحمل وديع
بمجرد ارسال صورتك المصونة؛ وسامتك لا تعني لي شيئا البتة)
تطلع اليها بنظرات غريبة وكأنه قد بدأ باستيعاب الأمور رويدا
رويدا؛ وقبل ان ينطق بحرف واحد؛ كانت قد فجرت قنبلتها
الموقوتة (لا أحبك؛ أحب شخصا آخر)
ساد صمت عميق لعدة دقائق؛ تمتم "عماد" بعدها (لم تزوجتني اذا
؟) أجابت برعونة وقد تملكها الألم (أحقا لا تدري؟ عمك العزيز
هو السبب؛ والدي أرغمني على ذلك؛ وأنت تعرف السبب) بدت
تقطيبة جبينه واضحة وهو يقول ببرود خمنت انه من ضمن الأشياء
التي اكتسبها من عيشه بأمريكا طوال السنين الفائتة التي لم
يتقابلان فيها وجها لوجه ولو لمرة واحدة (اسمعي "أريج"؛ ان
كنت تهدفين من وراء هذه المسرحية دفعي للطلاق فانسي الأمر
برمته؛ ليس لدي الوقت لتطليقك والبحث عن امرأة أخرى وكل هذه
الأمور السخيفة؛ ثم ان هذا الأمر سيزعج عمي وأنا...) قاطعته
بحدة وقد تملكها الذهول مما تفوه به؛ فقد توقعت كل شيْ من ابن
عمها المتحرر الا انعدام الكرامة لديه بهذا الشكل المقزز
(كما توقعت؛ لقد تزوجتني فقط ارضاء له؛ ولتتقرب من اسرة
عمك ؛ لتثبت لهم انك "عماد" الشرقيّ المسكين الذي لم ينسى
أصله واسرة والده بالرغم من معيشته بقرب والدته بأمريكا) صفق
لها بحرارة لا تخلو من السخرية (انك لرائعة! ذكاءك هذا
سيدفعني لاغراءك بالعمل برفقتي حال وصولنا للولايات المتحدة
مساء الغد) وقبل ان تتفوه بكلمة؛ كان قد عاد لسريرها الواسع
متدثرا بغطاءها وقد غطى وجهه معلنا انتهاء النقاش؛ مما
أشعرها بيأس كبير؛ فلم يكن منها الا ان سحبت غطاءها ومخدتها
وارتمت على الكنبة الطويلة القابعة قرب الباب؛ غير ان النوم
قد جافاها فانتفضت جالسة وتطلعت الى المرآة المقابلة له
ا بحزن شديد سارحة بخيالها لذكرى اليوم الذي دخلت فيه
اختها "سهام" الى غرفة مكتبها المنزلية وقد علت وجهها
ابتسامة عريضة.. وبرغم ان زيارتها كانت مفاجئة؛ لضروف عمل
زوجها "علي" بشركة الاتصالات؛ الا ان "اريج" لم تلمح الى ذلك؛
فقد اندفعت اختها الكبرى لتقول بحماس (ألف مبروك "أريج"؛
لقد اتصل لي والدي منذ قليل ليخبرني ان "عماد" قد تقدم
لخطبتك؛وهذه آخر صورة له؛أرسلها بالفاكس هذا الصباح) وقد
توقعت "سهام" كل شيْ بتلك اللحظة؛ الا انتفاض اختها الصغرى وهي
تصرخ باعتراض (مستحيل؛ لن أتزوج "عماد") وتحول المستحيل الى
حقيقة بفضل والدها المتعسف ؛ الذي عاملها كفتاة صغيرة لايحق
لها الرفض أو الاعتراض؛ أجبرها على ابن عمها الذي لم تره لعشر
سنين؛ والذي أرجعها بدوره الى الخمسينات؛ حيث لا يحق للزوجة
رؤية زوجها والجلوس معه الا بليلة الزفاف؛ والتي تمت بسرعة
البرق بمجرد ارسال صورته"الملعونة" لتتسنى له العودة
لمملكته الأمريكية بأسرع وقت ممكن.. (اللعنة عليك يا"عماد")
هكذا تمتمت "أريج" قبل أن تستسلم لنوم عميق من دون ان تخلع
فستان زفافها الذي صار "مشؤما" عندها؛ بعد ان كان حلمها
المنتظر مع حبيب قلبها "وحيد"....
--------------------------------------------------------------------------------
---------------------------------
استيقضت "أريج" في الصباح الباكر وتثائبت بانهاك شديد عائدة بذاكرتها لأحداث ليلتها البائسة؛ حدقت لبرهة
بالشاب الوسيم النائم ؛ لتتأكد من انها لم تفقد الذاكرة.. نعم؛ انه "عماد" زوجها ؛ انه القدر المشؤوم الذي فرضه
والدها عليها وكأنها لا تملك تصريف أمورها بحرية ؛ عاملها كطفلة تتلقى الأوامر ؛ ونسيّ انها امراة راشدة في
الخامسة والعشرين بوسعها اتخاذ قراراتها المصيرية بمفردها .. نعم؛ لقد خسرت القضية؛ خسرت قضية حياتها؛
خسرت حبها؛ وكان والدها_وللأسف_ هو القاضي الظالم الذي حكم عليها بالتعاسة التي لا تعرف لها نهاية مؤكدة
. نهضت من فراشها وهيّ تتنهد بعمق محاولة تخفيف مقدار الألم الذي تحس به ؛متوجهة لدولاب ملابسها لتبدل
فستانها وهي تحاول عدم التسبب بأي ضجة حتى لا يستيقظ "عماد" . ولما كادت تنتهي؛ تفاجئت به وهو يفتح
عينيه ببطء محاولا التثاءب ؛غير انه توقف فورا" عن التلويح بيديه عندما أبصر "أريج" وقد تجمدت دماءها؛
وأمسكت بجاكيتها كتمثال صخري محدقة فيه بمنتهى الخوف والخجل ؛ فحدق فيها باستغراب؛ ابتداء بشعرها
البني الحريري المتناثر على كتفيها ومرورا" بقميصها الأبيض عديم الأكمام وانتهاء ببنطالها الأسود؛ فما كان
منها الا ان أسرعت في ارتداء جاكيتها الأسود صارخة فيه (لا تنظر اليّ هكذا!) فأسرع بدوره بتهدئتها وقد
أشاح بعينيه الزرقاء بعيدا" عنها واعتدل في جلسته ليحاول ارتداء قميصه الأبيض(بالله عليك؛ لم أكن أنوي
اغتصابك لتصرخي بهذه الطريقة!! ثم الى أين أنت ذاهبة بهذا الصباح الباكر؟ أنسيتي اننا مسافران هذا
المساء؟!)..(لا لم أنس؛ ولذا أنا ذاهبة لتوديع "وحيد") ضم "عماد" حاجباه الشقراوان باستفسار وقد نهض
متوجها" الى الحمام("وحيد"؟ من هذا؟) تنهدت "أريج" بعمق قبل ان تجيب وهي في طريقها للانصراف(انه
حبيبي الذي أخبرتك عنه البارحة؛ عن اذنك) وأمسكت بمقبض الباب محاولة الاسراع في المغادرة بعد ان تملكها
الشوق لرؤية "وحيد" مجددا"؛ غير ان صرخة "عماد" وهو يقترب منها جعلتها تجفل في مكانها(مهلا"!!)
وأسرع في جرها الى الأريكة مستطردا" وهو يعود الى الحمام(ماذا تضنين نفسك فاعلة؟ هل جننت؟!!) ووجدت
نفسها تقف باندفاع متوجهة الى الحمام لتقف عند بابه المفتوح قائلة باعتراض(ماذا هناك؟ قل فأنا متعجلة)تناول
"عماد" المنشفة وقام بمسح وجهه جيدا" مغادرا" الحمام(ألا ترين ان خروجك بمفردك بهذا اليوم وبدون زوجك
وبهذه الثياب السوداء وكأنك بجنازة سيثير التساؤلات؟!) حدقت به بتفهم .. هكذا اذن؟؟ انه لا يرغب في تشويه
سمعته وصورته أمام والدها .. قاطع "عماد" أفكارها مواصلا حديثه وهو يتناول ربطة عنقه ويعقدها بهدوء ( أنا
مستعد لمرافقتك؛ سأدعي اننا خارجان للتسوق؛ هذا سيسهل الأمر أكثر) حدقت به باستنكار وكراهية شديدة و
بتعجب كبير دون ان تنبس ببنت شفة. ولعله لاحظ نظراتها اذ قال لها ضاحكا" وهو يتناول جاكيته الأسود من
على السرير ويرافقها لخارج الغرفة موصدا الباب من خلفه( اعرف ان تصرفاتي تسمى" بلادة" بلغة الشرقيين ؛
ولكنها في أمريكا تسمى "د يمقراطية") . نزلت "أريج" الى الطابق السفلي برفقة "عماد" الذي أمسك بيدها حال
بروزهما بالصالة وابصاره لوجود عمه وابن عمه "قاسم" محاولا ابراز تحابهما وتوافقهما التام والذي لم يكن
موجودا" على الاطلاق وحين أدركت "أريج" مقصده بهذا التصرف؛ حاولت ابعاد يدها عن قبضته بسرعة؛
ولكن كان ذلك مستحيلا " امام احكام قبضته. تقدما معا الى مائدة الافطار ؛ فبادر " قاسم" بالترحيب بهما قائلا
(صباح الخير أيها العريسان؛ تعالا وشاركانا الافطار؛ لابد انكما جائعان ولم تأكلا شيئا منذ الأمس) ابتسم "عماد"
محاولا رفض دعوته بتهذيب وبغاية الرقة (صباح الخير؛ اننا جائعان حقا ولكن " أريج" تفضل ان نتناول
فطورنا بالخارج؛ لأننا ذاهبان للتسوق على كل حال) كانت " أريج " تتوقع رفضا قاطعا من ابيها تكهنا منها
بقراراته الصارمة المعتادة عليها بهذا الشأن. ولكن على ما يبدوا؛ فأن اباها قد سلم لجام الفرس إلى "عماد " بنفس
مطمأنة؛ فقد قال بسعادة وارتياح شديدين وهو يتناول نظارته الطبية ويضعها على عينيه العسلية ( جولة موفقة؛
توكلوا على الله) استدار "عماد" إلى " أريج" التي بادلته بسمته الخبيثة؛ وسارعا بعدها في الانصراف خشية
منهما أن يغير والدها قراره بين لحظة وأخرى؛ واندفعا يطويان الأرصفة بالسيارة " وعماد " يحاول الثرثرة بعدة
امور قائلا وهو يشير إلى الحديقة التى استقرا امامها ( هل تذكرين عندما اوسعت اولئك الشبان ضربا حين
تحرشوا بك قبل عشر سنوات بهذه الحديقة؟ عندما انتصرت عليهم اعتقدت نفسي السوبرمان ) لوت " أريج"
شفتيها باستخفاف ( ألا زلت تذكر؟ لقد كنت مراهقا كبيرا في التاسعة عشر من العمر يريد ان يجتذب إليه أنظار
الفتيات؛ لم يعجبني فيك شيئا عندها إلا تلك الدماء الشرقية الساخنة التي لم تعد تجري في عروقك على الاطلاق
في الوقت الحالي) انكس " عماد" رأسه مفكرا لبرهة قبل ان يرفع رأسه إليها مغيرا الموضوع ( اين ستقابلين
فارس احلامك الشرقي الهمام ؟! هل حددتما موعدا او انك تضيعين وقتي سدى ) أرادت "أريج" اغاضته ؛
فقالت بلهجة مستفزة (نحن لسنا في أمريكا بلد المواعيد ؛ هنا القلب من يحدد لنا مواعيد لقاءاتنا؛ لأنه قلب مشتعل
بالحب؛ لا تغطيه ثلوج ولا يكسوه الجليد؛ بكم تراهنني بانه ينتظرني هنا الان؟) ضحك "عماد" بخفة ضحكة
ليست صادقة بالقدر الكافي قائلا بسخرية(الامر ليس بحاجة لاي رهان؛واضح انكما كنتما تلتقيان في هذا المكان
باستمرار وبذات التوقيت؛ لا قلوب محروقة ولا قلوب مجمدة!!) ارتفع غيظ "أريج" عاليا؛ وكادت أن تهم بصفعه
حنقا؛ لولا انها أبصرت "وحيد" جالسا على مقعدهما المعتاد بجوار أزهار البنفسج .. نسيت الشاب الساخر الذي
يضن نفسه ظريفا ؛ نسيت كل شيّ؛ ماعدا انها أبصرت "وحيد" مجددا ؛ وشعرت وكأن دهورا قد مرت دون ان
تراه؛ بالرغم من انها لا تتعدى الايام القليلة .. لاحظ "عماد" جمودها وشرودها التام وأدرك مسار نظراتها؛
فعرف ببد يهته ان الشاب القابع بالكرسيّ المقابل لوقوفهما ما هو الا حبيب زوجته "وحيد".......
|