3- الأمسية المملة




بعد ثلاثة أيام وبينما كانت روث تتناول طعام الأفطار في غرفة نومها , حضرت السيدة لوسون لتخبرها أن هناك من يسأل عنها على الهاتف.
نظرت روث الى ساعتها متسائلة:

" ومن يكون في هذا الصباح الباكر , الساعة ما زالت التاسعة؟".
" يقول أنه السيد هاردي . هل تودين أن تتكلمي معه؟".
وضعت روث صينية الطعام جانبا وقفزت من السرير قائلة:منتديات ليلاس

" هل قلت السيد هاردي؟".
" نعم , هل أطلب منه أن يتصل بك بعد قليل؟".
" لا , لا أنا قادمة حالا لأتكلم معه , شكرا سيدة لوسون".

وأرتدت روث الروب دي شامبر ونزلت الدرج مسرعة لتجيب على الهاتف , مما أثار أستغراب السيدة لوسون , وجعلها تتساءل , من يا ترى يكون هذا السيد هاردي الذي أسرعت روث لتكلمه مع العلم أنها ترفض أية مكالمة هاتفية قبل الساعة العاشرة صباحا رفعت روث سماعة الهاتف قائلة:

" نعم , أنا روث , من الداعي؟".
" مرحبا روث, هل أيقظتك من النوم؟".
" في الحقيقة أنني نهضت لتوي من النوم".
منتديات ليلاس

" أليس هناك خط للهاتف في غرفتك؟".
" لا , فأن والدي يعتبر صوت رنين الهاتف في غرفة النوم مزعجا جدا".
" لعله على صواب , أرجو أن تعذريني أذا أزعجتك في هذه الساعة المبكرة ولكنني وددت أن أدعوك للغداء".
" متى ؟ اليوم؟".
منتديات ليلاس
" نعم , هل ستتمكنين من تلبية الدعوة؟".
تمهلت روث قليلا محاولة أسترجاع مواعيدها لهذا اليوم , وتذكرت أنها على موعد مع زوجة أحد المدراء في مكتب والدها , ولكنها فكرت بألغائه وأجابت بتردد:
" نعم , أعتقد أنه يناسبني , من أين تتكلم؟".

" من شقتي".
" شقتك؟ لم أعرف أن لديك شقة".
" لقد أستأجرتها أخيرا ,يوم الأثنين فقط".
" حسنا , هل هي في لندن؟".
" بالطبع , أنها في ساحة كوين آن".

" أعرف المكان جيدا , أنه قريب من شارع مليبورن , أليس كذلك؟".
" نعم , هذا صحيح, أفهم من ذلك أنك تعرفين لندن بشكل جيد".

كان صوته هازئا ولذلك أجابت روث بلهجة دفاعية :
" عشت فيها ثلاث عشرة سنة".
" هل هذا صحيح؟ لم يظهر عليك ذلك العدد من السنين".منتديات ليلاس

" لن تقول ذلك لو رأيتني الآن".
" ولكن مخيلتي فورية".
وشعرت روث فجأة بوهن في جسمها فجلست على الكرسي القريب من الهاتف ثم سألته محاولة تغيير الموضوع:

" أي ساعة تقترح موعدا للغداء؟".
" الساعة الثانية عشرة , هل لي بعنوانك؟".
" حسنا".

وأعطته روث العنوان وودعته قائلة:
" مع السلامة , سأراك في الثانية عشرة".

أعادت روث السماعة الى مكانها , وعادت الى غرفتها تفكر بهذا الأنسان الذي لم يبرح مخيلتها منذ أن قابلته في الأسبوع الماضي حتى أن صوته لا تزال تذكره جيدا , ولم تكن تصدق أذنيها أنها حادثته لتوها وستذهب معه لتناول الغداء , يا للمفاجأة , عليها الأتصال الآن بالسيدة فيلدينغ للأعتذار لها عن موعد ظهر اليوم , وحفت بها السيدة لوسون ولاحظت عليها الأسهام فسألتها:

" هل أنت خارجة يا آنسة؟".
" نعم , عند الظهر , أعتقد أن والدي ذهب الى المكتب".
" نعم , قبل قليل".

فتحت روث خزانة الملبس محاولة أختيار ما ترتدي للخروج , وقالت لها السيدة لوسون:
" أنك على موعد مع السيدة فيلدينغ , أليس كذلك يا آنسة؟".
" كنت على موعد معها , ولكنني غيرت رأيي , وسأذهب للغداء مع السيد هاردي فأرجو أن تتصلي بها هاتفيا وتخبريها أنني أشع بتوعك , وما زلت في الفراش".

ورمقتها السيدة لوسون بعين متفحصة وسألتها:
" ماذا هنالك يا آنسة؟".
" ولكن هذه ليست عادتك".
منتديات ليلاس
" هي لا تعلم بذلك , أرجو أن تعتذري لها فقط".
" لا , ولكن هذا لا يعجبني , من هذا السيد هاردي ؟ وهل يعرفه والدك؟".
" لا , ولكن لا تخافي أنه أنسان محترم".

وأجابتها السيدة لوسون بجفاء:
" هل أنت متأكدة؟".
" سترينه عندما يحضر في الساعة الثانية عشرة ليصطحبني الى الغداء , أرجو أن تدخليه الى الصالة لدى حضوره".
" سأفعل ذلك يا آنسة , ولكن هل ستعودين للعشاء؟".
" نعم , سأكون هنا في المساء".

أرتدت روث ثيابها ووضعت الماكياج اللازم , وكانت تحدق بنفسها في المرآة عندما دخلت السيدة لوسون لتخبرها بوصول باتريك قائلة:
" هل تريدين شيئا آخر يا آنسة؟".

" لا أعتقد ذلك , شكرا".
وغادرت السيدة لوسون الغرفة متسائلة , كيف ألتقت روث بهذا السيد هاردي.
ودخلت روث مرحبة بباتريك:
" هل ترغب بفنجان من القهوة قبل أن نخرج؟".منتديات ليلاس

كان باتريك مرتديا سترته الكحلية ومعطفه البيج , مما أظهر أناقته الرفيعة ووقاره وجعل روث تشعر بالرهبة وأجابها قائلا:
" لا ’ لا , شكرا , لا أرغب بتناول أي شيء".
" حسنا , أنا جاهزة , ولكن ظننت أنك ربما تريد أن تشرب شيئا قبل خروجنا".

" هل تريدين أنت أي شيء؟".
كانت روث تشعر بالعطش ولكنها تجاهلت ذلك مجيبة:
" لا , دعنا نذهب الى الغداء , فأنا جائعة".

خرجا ليركبا سيارته الميني , وبينما كانت روث تفتح باب السيارة , لاحظت السيدة لوسون تسترق النظر بأندهاش , ربما لأنها فوجئت بسيارته الصغيرة .
أوقف باتريك سيارته بقرب أحد المطاعم في سوهو , ولاحظ نظرات الأستغراب على روث فأخبرها أنه يعرف مدير المطعم منذ زمن , فهو صديقه وسيهتم بهما كثيرا .

كانت أضواء المطعم خافتة جدا ألا من بعض الشموع على الطاولات , ولكنه يوحي بالنظافة والترتيب , قدمها باتريك الى المدير ووقفا يتحدثان عن غيبته الطويلة , وأخذ باتريك يشرح له عن عمله والبلاد التي يعمل فيها , وتعجبت روث لقوة شخصيته وجاذبيته مما جعله شخصية مميزة , يذكره الناس لمجرد رؤيته حتى بعد غياب طويل , لا بد أن ذكي يحسن التكيف مع مختلف الظروف والمجتمعات.

وأحست روث بفراغ حياتها وتمنت لو أن لديها عملا ما أو هدفا تعمل من أجله وخطر لها في الوقت نفسه أنه لو كانت فتاة عاملة ربما لما كانت قابلته ولما دعاها الى الغداء.
جلسا الى المائدة في ركن المطعم وتوجه باتريك بحديثه الى المضيف قائلا:

" ماذا لديك اليوم لتقدمه لنا يا ماركو؟".
أحضر ماركو قائمة الطعام وأخذ يتباحث بشأنها مع باتريك , ولاحظت روث أنه أختار بعض أنواع السمك والخضار ولما سألها عما تفضل أختارت الوجبة نفسها , ومن ثم تركهما المضيف وذهب لتحضير الجبة.
وبادرها باتريك بالديث قائلا:
منتديات ليلاس
" أرجو المعذرة لأنني أطلت الحديث مع ماركو ولكن في الحقيقة لم أره منذ خمس سنوات والطليان بطبيعتهم أجتماعيون".
" لا داعي للأعتذار أبدا".

وشعرت روث ببعض اليأس حتى أن أعتذراه لم يعن شيئا لها.
وبادرها بالسؤال:
" هل أعجبك المكان؟".
" لم يسبق لي أن حضرت هنا من قبل".منتديات ليلاس

" الطعام هنا ممتاز".
" حسنا".
" ما الأمر؟ تبدين صامتة ,هل تشعرين بالندم لأنك خرجت معي , قد كنت منشرحة أكثر عندما أتصلت بك في الصباح".

" على العكس , أنا سعيدة جدا , ولو أنني لم أكن راغبة بالخروج معك فما من شيء يجبرني".
" أذن , دعينا نتصرف وكأننا بالفعل مسرورين , هل ترغبين بشيء من العصير أو الكولا؟".
" سأشرب أي شيء تختاره أنت".

أدركت روث مدى تصرفاتها السلبية مع باتريك , ولكنها لم تكن قادرة أن تسيطر على تصرفاتها والتحكم بمشاعرها , ثم فكرت- أنه لو كان مع فتاة أخرى لكان أسعد مما هو عليه الآن- ولكن فكرة وجوده مع فتاة أخرى لم ترق لها أبدا فأستدارت اليه قائلة:
" أنا آسفة".

" هل حقا أنك آسفة؟".
" لا أدري لماذا أتصرف كالأطفال".
" أذن , أنت مدركة لما تفعلين ,والآن هل لك أن تبتسمي؟".

كان الطعام جيدا , وسرت روث بصحبة باتريك الذي حدثها عن حياته في الغربة وعمله في فنزويللا , تركا المطعم حوالي الساعة الثالثة متوجهين الى السيارة , كان الجو قارسا ينذر بهبوط الثلج , وأسهبت روث متسائلة عما سيحدث فيما يلي والى أين سيذهبان وأذا بباتريك يقول لها:

" سأوصلك الى المنزل أذ لدي موعد في الساعة الرابعة".
" بأستطاعتي أن أستقل سيارة تاكسي أذا كنت على عجلة من أمرك".
" لا , سأوصلك الى البيت , فلا يزال لدي الوقت الكافي".منتديات ليلاس


وعندما نزلت روث من السيارة ودعته قائلة:
"أشكرك على هذه الدعوة اللطيفة , لقد سررت كثيرا".
وأجابها غير مصدق لما تقول:

" هل حقا أنك سررت؟ وأنا كذلك".
" مع السلامة".
وأومأ برأسه محييا وأنطلق بسيارته , بينما كانت روث تراقبه حتى أختفى , ثم صعدت الى غرفتها وأرتمت على السرير مجهشة بالبكاء , وحضرت السيدة لوسون اليها مستفهمة:
منتديات ليلاس
" آنسة روث ماذا حدث؟".
ورفعت روث رأسها مجيبة:
" لا شيء , لا شيء , أرجو أن تتركيني وحدي قليلا".

وأذا كانت السيدة لوسون قد أخبرت والد روث أن أبنته عادت من الغداء بحالة يرثى لها لكنه ما سألها مما أشعرها بالأرتياح , فلم تكن لترغب بمناقشة ظهر ذلك اليوم.