كانت روث تعلم أنه غير متزوج فقد أخبرتها بولين بذلك , أما جون فقد توردت وجنتاه وبدا صغير السن وأجابها:
" لا , لست متزوجا بعد".

" ألا تشعر بالوحدة؟".
" تجدين كثيرا من الرجال أمثالي غير متزوجين , وبعضهم متزوج وزوجاتهم يعشن في مدن أخرى , فهن لا يقبلن العيش في هذا الجو".

" لماذا لا يقبلن السكن هنا؟".
" لأن الحرارة مرتفعة عدا عن الذباب والأمراض التي تنتشر بسرعة ,ولذلك يجب أن تغلي كل قطرة من المياه قبل أستعمالها , الحياة ليست جميلة كما تبدو في هذه الأمسية".

" أعلم هذا , ولكن كل شيء يعود للزوجة التي عليها أن ترافق زوجها أينما يعمل ".
" أذا تحدثت مع أحدى الزوجات فسوف تجيبك بأنها أمرأة حساسة لا عبدة , ولا تستطيع أن تدفن نفسها في هذا الجو المرهق , بل أنها تستحق أن تعيش حياة مرفهة رفيعة , والزوجات يطلبن من أزواجهن أن يحضروا الى البيت في ساعات منتديات ليلاس

معينة وأن يتهندموا بآخر صيحات الموضة والأناقة في حين أن الرجل هنا يعود الى البيت منهك القوى ذهنيا وجسديا , لا يستطيع مجاملة أحد , ويصبح عمليا , فالمجاملة تتطلب منه بعض الجهد".
" ولكن في هذا الوقت يحتاج الرجل لزوجته أكثر".
منتديات ليلاس

" هذا صحيح, ولكن قليل من النساء يفهمن ذلك".
" أظن أنك تبالغ يا جون فهذه بولين تعيش مع زوجها".
" لا شك أن هناك شواذ لكل قاعدة , ولكن لا تنسي أن بولين تحب زوجها لا نقوده".

تعجبت روث من أجابته هذه ثم قالت:
" يبدو أن فكرتك عن النساء ليست حسنة , أليس كذلك , يا جون؟".
" الأمر يعتمد على المرأة ".

وفي هذه اللحظة وصل باتريك وقال بخبث:
" أنك تستفرد بالحديث مع زوجتي يا جون؟".
شعرت روث أنه لا يمزح بل كانت لهجته جادة أكثر منها مازحة فهي تفهم زوجها جيدا , فرد عليه جون:

" آسف".
" لا تأسف , لقد أستمتعت بالتحدث معك".
ثم أدارت وجهها الى باتريك وقالت:
"هل أردت مني شيئا يا حبيبي؟".
منتديات ليلاس
" نعم , أردتك أن تقابلي البروفسور راندال مديري في العمل وزوجته اللذين وصلا لتوهما".
" بالطبع , بالطبع".
ثم نظرت بأتجاه جون وقالت :
"عن أذنك , سأراك في وقت آخر".

أحنى جون رأسه مودعا وروث التي ذهبت مع زوجها لتقابل الضيوف ,كان الأستاذ راندال شخصية جذابة في الستين من عمره وشعره أبيض مما جعله ذا هيبة وجلال , كان يسير بنشاط لا يدل على عمره , وأذا صافح أحدا شد على يده بحرارة , أما زوجته فلا بد أنها تصغره بعشر سنوات على الأقل , كانت نحيلة الجسم وطويلة

ترتدي فستانا من التفتا السواريه , كانت أنيقة جدا وكأنها متأهبة لحفلة في أحد الفنادق الفخمة في لندن لا في الغابات الماطرة في فنزويللا , سرّت روث بمقابلتهما حتى أنها قبلت الدعوة لتناول الشاي مع السيدة راندال التي أحبت روث بدورها , ونظرت روث الى باتريك مبتسمة بفخر لأنها نالت رضا الزوجين.منتديات ليلاس

عادا الى المنزل بعد هذه الأمسية الجميلة لم يتكلم باتريك طوال رحلة العودة , مما أكد لروث بأنه يجب أن يبقيا مع الناس معظم وقتهما ليصبح باتريك أجتماعيا ولطيفا معها , وأخذت روث تفكر بما سيحصا عندما يدخلان البيت , وكما ظنت أختفى باتريك بعد دقائق من دخولهما الى غرفة الجلوس , وأخذت روث تبحث عنه في أرجاء البيت حتى وجدته في غرفة النوم المخصصة للضيوف يخلع ملابسه أستعدادا للنوم في هذه الغرفة , فسألته:

" لماذا تخلع ملابسك في هذه الغرفة؟".
" لأنني أنوي النوم فيها".
" لا أظن أنك تعني هذا , كيف سنعيش منفصلين؟".

" لم أقل أننا سنعيش منفصلين , ولكننا سننام منفصلين , كل في غرفة".
دمعت عينا روث ونادته بصوت ملؤه الرجاء:
"باتريك !".

" أرجوك يا روث أن تذهبي الى غرفتك".
" ولكن كم ستبقى على هذه الحالة؟".
" مدى الدهر.......؟".
منتديات ليلاس
حملقت روث في زوجها لبضع ثوان ثم خرجت وصفعت الباب خلفها متجهة الى غرفتها وهي تفكر كم هو قاس ولئيم , لقد حسبت بأنه لن يكتشف خدعتها ليتزوجها لأنها كانت ساذجة بالنسبة الى العلاقات الزوجية , فهي لم تعرف أنه بأمكانه أكتشاف عدم النوم معه أو مع أي رجل آخر.

وبالرغم من كل هذا فأن روث لا تزال تحبه بكل جوارحها , وتحزن لأنه لا يعاملها برقة وحنان , فهي محرومة من عطفه ومحبته , وأخذت تبكي حتى غفت.....منتديات ليلاس

دهشت روث كيف يمكن للأنسان أن يتكيف مع الظروف فلو أن أحدا أخبرها بأنه يمكن لشخصين متزوجين أن يتشاركا في معيشتهما ويناما في غرفتين منفصلتين لما صدقت , أما الآن فكل شيء معقول.

كان سكان المنطقة ودودين معها وبادلتهم هي المودة والمحبة , ولكن كل هذا لا يزال غير كاف ليحجب باتريك عن تفكيرها بالرغم من قلة أنفرادها به , فهو يذهب للعمل في الساعة السادسة صباحا ما عدا يوم الأحد ويعود في الساعة الثانية بعد الظهر حيث يرتاح لمدة ساعتين ثم يأخذ دوشا ويرتدي ملابسه ويذهب الى النادي أو يلعب التنس ولقد أعتاد الناس على أن روث لا تصطحبه في هذه الأوقات لأنها تأتي الى النادي في الصباح عندما يكون هو في العمل.

أصبحت روث وبولين صديقتين حميمتين , كانتا تأتيان الى النادي في الصباح لتناول القهوة أو السباحة أو لتلعب التنس بعض الأحيان , وكذلك زوج بولين كان شابا وسيما ولطيفا , وكان صديقا لروث وزوجها ويعمل الساعات نفسها مثل باتريك , لذلك كان وقت الفراغ لدى روث وبولين متشابها وبأمكانهما أن يستأنسا معا , ولكن لا بد أن بولين شعرت بتوتر العلاقة بين روث
منتديات ليلاس

وباتريك لأن بولين تحدثها عن زوجها بينما تبقى روث صامتة ولكنها لم تسألها أي شيء ولم تحدثها روث من تلقاء نفسها.
نجحت روث بأدارة البيت وترتيبه , لقد صنعت المساند الملونة الجميلة لغرفة الجلوس وقد كان باتريك يساعدها ببعض الحاجات من آن لآخر , وفي أحد الأيام تأخرت المرأة التي تساعدها في تنظيف البيت وقررت روث أن تنظم الخزانة التي

تحتفظ فيها بالمعلبات , وبينما كانت تخرج العلب من الخزانة وجدت بعض الحشرات الصغيرة تسرح هناك , وأخذت ترشها بالمبيدات وتنظف الخزانة حتى رأت عنكبوتا أسود اللون , أرتعدت روث من الخوف , فهي لا تعرف ماذا تفعل به ولم تستطع أن تقتله فأغلقت الخزانة جيدا وجلست تراقبها حتى لا يخرج من الخزانة , ولم تعرف ماذا تفعل؟ نظرت الى ساعتها وأذا

هي الواحدة بعد الظهر , وأدركت أن باتريك سيصل للغداء , ولكن فكرة بقائها في المطبخ كل هذا الوقت لتنتظر باتريك أرعبتها , ففكرت بأن تنسى ما في الخزانة وتبدأ بتحضير طعام الغداء لها ولزوجها , ولكنها لم تستطع , وأخذت تفكر , هل تذهب وتطلب مساعدة بولين , فهي تسكن قريبا من بيتها ولها خبرة أكثر منها , ولكن فكرة طلب مساعدة الآخرين
منتديات ليلاس
أزعجتها , فهي ليست طفلة ويجب عليها أن تتعلم بنفسها , خاصة وأن بولين تعلم بأن باتريك سيحضر للبيت قريبا.
فهو يعود في الوقت الذي يأتي زوجها ولذلك فكرت روث أن تنتظر لحين عودة باتريك حيث سيساعدها ومضت نصف ساعة ولا تزال روث تنتظر عودة باتريك وهي ترتعش , وتحاشت دخول المطبخ أو فتح باب الخزانة لئلا يخرج العنكبوت.

كانت لينا لا تحب روث وعلمت روث بأنها فنزويلية أبنة أحد مراقبيالحفر الذين يعملون مع باتريك , وتسكن مع والدها وتعتني به وتعمل أحيانا في المستشفى في أوقات فراغها , أخبرتها بولين أيضا بأن والدة لينا توفيت عند ولادتها ووالدها هو الذي رباها , وفي أحد الأيام عندما وصل باتريك الى المدينة وخلصها من براثن عصابة ولذلك

فهي متعلقة به وتحمل له هذا الجميل والآن وقد غدت فتاة يافعة في السابعة عشرة من عمرها فهي تتخيل أنها تحبه.
وبينما مانت روث وبولين تجلسان حول بركة السباحة في النادي تتحدثان قالت بولين:منتديات ليلاس

" أتعرفين يا روث , أن الأطفال يصبحون مخلصين جدا أذا أظهر الأنسان عطفه ومحبته لهم , حتى أنهم أحيانا يصبحون غيورين , فخذي مثلا لينا أنها تحب باتريك وتغار عليه ولسوء الحظ فأن باتريك لا يزال يعتقد بأنها طفلة".
أجابت روث وهي تضع بعض الكريم على جسمها ليساعدها على أحتمال الحرارة:

"بالتأكيد أن هذه الفتاة لا تطيقني".
أجابتها بولين:
" لا تدعي هذه المسألة تقلقك أبدا , فهي لا تزال طفلة بالنسبة الى باتريك , أما أنت , فأنك كل شيء بالنسبة اليه , الناظر يعرف توا كم أن باتريك يحبك ومتعلق بك عندما يلاحظ نظراته اليك".

" لماذا تقولين هذا؟".
" ألا تدرين , مسكين باتريك , فأنا أشفق عليه عندما ينظر اليك ويرى جون يحوم حولك فأن الغيرة تكاد تقتله , ألم تلاحظي هذا؟".
منتديات ليلاس

" لا تكوني سخيفة يا بولين".
" لا أمزح أبدا بل أقول الحق , فأنا لا أصدق عيني عندما أرى باتريك مولها هكذا أذ لم يخطر لي أن يغرم باتريك بأنسانة كما هو مغرم بك".

تمنت روث أن يكون كلام بولين حقيقة , تمنت أن يكون باتريك بافعل يحبها ويغار عليها , ولكن لم تشعر بحبه وغيرته بل بغضبه وجفائه , وما صداقتها مع جون ألا لملء الفراغ ومعالجة الجراح الذي تركه باتريك لها .

يأتي جون الى النادي للسباحة في الصباح حيث تلتقي به ويتحدثان حديثا عابرا لا أكثر , ولم يكن بنيتها أن تثير غيرة باتريك ولكن هل هذا صحيح أنها تثير غيرته , أنها فكرة.... أرادت روث أن تجرب أذا كان باتريك يغار عليها بالفعل , وبعد عشرة أيام من هذه الحادث , نهضت روث في الصباح بعد أن ذهب باتريك الى عمله في المصفاة , وبالتالي فلن تراه حتى الظهر , في العادة تنهض روث في الساعة الثامنة صباحا , تشرب القهوة ثم ترتدي ملابسها حيث تأتي مانيللا ثم تؤدي أعمالها

اليومية , ولكنها في الأيام القليلة الماضية كانت تنهض منهكة القوى وبحاجة الى راحة أكثر , واليوم أفاقت في الصباح وهي تشعر بصداع شديد على غير العادة , حتى أنها شعرت بالتعب عندما أرادت أن تعمل الشاي لنفسها وتساءلت أذا كان هذا الصداع من كثرة جلوسها في الشمس , ثم شعرت بالغثيان وتقيأت , تناولت روث حبتين من الأسبرين وذهبت الى
منتديات ليلاس
النادي حيث وعدت بولين أن تلتقيها في الساعة العاشرة صباحا . ووصلت في وقت مبكر ففكرت روث بالجلوس في الظل حتى تأتي بولين وبعد عشر دقائق جاء جوت هيوارد وجلس بجانبها قائلا:
" وأخيرا رأيتك وحدك , هل أطلب لك شيئا , ليموناضة ؟ أو قهوة؟".

" لا , لا شيء , شكرا , هل ستسبح؟".
" ربما بعد قليل , هل ستسبحين؟".منتديات ليلاس

كان جون ينظر اليها بأعجاب وكان أحيانا يطيل النظر لكنها لم تشعر بأي شيء نحوه كما تشعر نحو باتريك , ثم أجابته:
" لا أدري أذا كنت سأسبح أم لا , هذا يعتمد كيف أحس بعد قليل".
فسألها جون بأهتمام:

" لماذا؟ ما هنالك؟".
" لا أدري , لقد شعرت بالتعب هذا الصباح".
" هل يعلم باتريك بهذا؟".

شعرت روث بالذنب لخديعتها أذ ما زال جون يفكر أنها حامل , فأجابته:
"لا , ليس كما تفكر , أنه فقط من حرارة الشمس على ما أعتقد؟".
" يجب أن تعتني بصحتك جيدا".

كان كلام جون مليئا بالمودة والعطف والأهتمام ,وأكثر مما يظهره باتريك لها ثم قالت له:
" أنني على ما يرام , ماذا تفعل هنا , أليس لديك عمل هذا اليوم؟".
" لا , فدوامي اليوم يبدأ بعد الظهر هل ترغبين في أن أساعدك بعمل شيء ما؟".

" أنك مخلص ولطيف يا جون".
كان رد فعل جون سريعا وعفويا , أذ أمسك يدها بين يديه الأثنتين وسألها:
" هل أنت حقا سعيدة لوجودك هنا يا روث؟ أنني أشعر أن باتريك لا يحسن الأعتناء بك؟".
منتديات ليلاس

" يا ألهي يا جون".
" هذا ما أشعر به في الواقع , فهو يمضي معظم أوقاته في المساء هنا في النادي بصحبة أصدقائه الشبان , وماذا عنك؟ متى يصطحبك الى أي مكان , أشعر بأنه لا يهتم بمشاعرك كثيرا!".

سحبت روث يدها بسرعة من بين يديه قائلة:
" أرجوك يا جون , لا تقل أي شيء آخر".
" أعلم أن هذا ليس من شأني , ولكن عندما رأيتك هذا الصباح مرهقة بادية الأعياء شعرت بأنك بحاجة الى الهواء الطلق , هل تقبلين دعوتي غدا الى شلالات القمر؟".

" شلالات القمر؟ يبدو لي أسما رومنطقيا".
" أنها الشلالات التي على سفح تل في كوربليرا , أنها تبعد عن هنا مدة ساعتين بالسيارة , تقع في منطقة هادئة وادعة جميلة جدا تجري فيها الأنهار التي تصب على علو خمسة وسبعين قدما , أنها من أجمل البقاع ولكن قلما يفكر الناس بزيارتها".
منتديات ليلاس
" أحب أن أزورها , ولكنني لا أدري أذا كان باتريك سيوافق على ذلك".
" لا تخبريه".