انتهى الفصل السادس

7- اللحظات الفاصلة




كان مطار ماكيتي عبارة عن شريط من الأرض اليابسة المحاطة بمياه البحر الكاريبي الأزرق , وخلفه الجبال الوردية اللون على طول الشاطىء , وعندما هبطت الطائرة على أرض المطار جمعت روث أغراضها بعصبية ويدين مرتجفتين أستعدادا للنزول , ها قد وصلت فنزويللا , ولكنها أحست بغرابة لفكرة لقاء زوجها بعد دقائق , فلم منتديات ليلاس

تشعر أنها متزوجة بعد , ولم يختلف شعورها عما كان عليه يوم تقدم باتريك لطلب يدها , لم تصدق أنه مضى أربعة أسابيع على زواجها , بل أدركت الآن أن باتريك أذا عزم على عمل ما لا بد أن ينفذه , فبينما كانت روث مشغولة بالأتصال بوالدها لتعلمه أنهما يريدان الزواج كان باتريك يقوم بكل الترتيبات لمراسيم الزواج والحصول على أجازة , وساعدها على أستخراج

أوراق التلقيح والفحوصات الطبية وصور الأشعة اللازمة , ومن حظها أنه لم يكن حاضرا أثناء أي من الفحوصات ولذلك لم يكن هناك خطر من معرفة الحقية , ولم تره روث كثيرا في الأسبوعين الأخيرين اللذين تبقيا له في أنكلترا , أذ كانت مشغولة بتحضير نفسها للسفر , وكان مشغولا بأنهاء بعض الأعمال قبل سفره , ولم تتح الفرصة لروث كي تحدثه بصراحة أو لتطلب

منه الصفح , وكانت روث تنتظر قدوم والدها لحضور حفلة الزواج بفارغ الصبر لتشرح له الأمر ولكن عندما قدم فعلا وجدت نفسها عاجزة عن أخباره , وأزداد لديها شعورها بالذنب وأحست بأنها خدعت الجميع ولكنها كانت تمني نفسها بأن الأمور ستتحسن عندما يتزوجان.

كانت جوليا وحدها التي أدركت بأن هناك سرا يقلق روث ولم تستطع أن تبوح به , وجاءت جوليا الى لندن لتقضي معها بضعة أيام قبل الزواج, وحاولت جاهدة أن تعرف منها السر , ولكن روث لم تفسح لها فرصة للمناقشة.منتديات ليلاس

وكما توقع باتريك فلم تستطع روث مرافقته الى فنزويللا لأن معاملات التلقيح والفحوصات الطبية لم تنته خلال الوقت المحدد ومرت الأيام الأخيرة ببطء وصعوبة لخوفها من أن يكتشف باتريك أنها غير حامل , وبالرغم من خوفها وقلقها كانت أحيانا تقنع نفسها بأن باتريك يريد الزواج بها لنفسها لا من أجل الطفل الذي تحمله , ومن ثم تعود الى مخاوفها وما قد يخبئه لها الواقع والأيام.

حددا يوم الزواج ليكون قبل يومين من سفر باتريك حيث يقضيان ليلة الزواج والليلة التي تليها في منزل والد روث , لم يكن هناك مجال لشهر عسل في ظل هذه الظروف , وقرر والدها اببقاء في النادي حتى عودته الى الولايات المتحدة , حتى تتاح لهما فرصة البقاء بمفردهما , ولكن الظروف لم تكن مؤاتية فقبل العرس بيوم واحد عرف باتريك أن شركات الطيران

سوف تضرب في اليوم الذي حدّده للسفر ومن الممكن أن يدوم الأضراب طويلا , ونصحه بعضهم أن يسافر في اليوم التالي , أي حالا بعد الزواج وبما أنه لم يستطع أن يغامر في التأخر عن عمله فقد قرر السفر بعد ساعات من حفلة الزواج ,ولم تدر روث ما أذا كان هذا نعمة أم نقمة فمن ناحية أرتاحت روث لسفر باتريك قبل أن يكتشف أنها غير حامل ومن
منتديات ليلاس
ناحية أخرى كانت تتوق للسفر مع باتريك , فلم تدر كم ستطول الأيام قبل الألتحاق به , وماذا عن مشاعرها طيلة هذه المدة؟ وماذا لو حصل شيء منعها من السفر للألتحاق به في فنزويللا ؟ وماذا ستفعل لو لم تحمل مباشرة بعد سفرها؟ كانت كل هذه الأسئلة والأستفهامات تقلقها وترهق أعصابها وخاصة أنها لم تكن قادرة على البوح لأي أنسان بمشاعرها وعلى العكس كان عليها أن تتظاهر بأن كل شيء على ما يرام.

وفي الليلة الأخيرة قبل حفل الزواج أتيحت لها فرصة البقاء بمفردها فترة قصيرة مع باتريكالذي عبّر لها عن خيبة أمله وقال:

"آسف جدا لعدم تمكنك من مرافقتي في هذه الرحلة ,حتى أتمكن من الأعتناء بك والسهر على راحتك وراحة الطفل".
أحمرت وجنتا روث وأجابته:
" أنا آسفة أيضا لزجك في هذه الظروف وكن على يقين أنني أقاسمك مشاعر الخيبة , وهذه الظروف تقلقني الى حد كبير وأرجو من الله أن تؤاتينا الظروف لنبدأ من جديد وكأن شيئا لم يكن".منتديات ليلاس

" أذا كنت تقصدين أن نتظاهر بأن ليلتنا الأولى هي بالفعل أول ليلة نقضيها سويا كأمرأة ورجل؟ فأنا أوافقك ".
أفاقت روث من تأملاتها على صوت مضيفة الطائرة تعلن أنتهاء الرحلة , وشعرت بالضعف .... ماذا ستكون ردة فعل باتريك عندما يعلم أن هذه البداية ستكون حقيقية؟

أنفتح باب الطائرة ووقفت روث بالباب أستعدادا للنزول ولفحت وجهها موجة من الحر اللاهب , عندما غادرت لندن كانت تلبس بدلة من الجورسيه ومعطفا من الصوف ولكنها الآن شعرت بالحر لمجرد حمله على يدها , فقد كان الحر قاتلا والرطوبة مرتفعة جدا.

كان المطار في الداخل مكيفا ومع ذلك أحست روث بشدة الحر الحانق , وما أن وصلت الى قاعة الأستقبال في المطار حتى بدأت تبحث عن وجه باتريك الداكن الجذاب , وأحست بخيبة كبيرة لأنها لم تجده بين المستقبلين , لكنها لن تستطيع مغادرة القاعة قبل مجيء باتريك , فألى أين تذهب؟ ولذا رفضت الخروج من المطار ,ولم تقبل مساعدة أي ممن عرضوا

عليها المساعدة وبدأت تتساءل عما جرى له , لماذا لم يأت وهو يعلم بأنها حامل وأنها بحاجة له عند وصولها وخاصة في هذا الحر القاتل , هو الذي أصر على ملاقاتها في كاراكاس في حين أنها أظهرت أستعدادها لأن تلقاه في مراكيبو , وهو اللذي أقترح عليها النزول في المطار القريب من كاراكاس للعودة في السيارة ليريها الطريق وليتمتعا معا بالمناظر الجميلة

الممتدة على جانبي الطريق , وهو الذي أخبرها أن الطريق سهلة ومعبدة , وليس هناك من خطر عليها أو على الطفل , ووافقت هي على ذلك لأنها أعتبرت فرصة جيدة لتخبره بالحقيقة , لم يأت , وبدأت تراودها الشكوك , ماذا لو غيّر رأيه؟ ماذا لو حصل له حادث؟ ومن سيخبرها بذلك؟ نظرت روث حولها لتجد نفسها وحيدة في القاعة لأن جميع المسافرين غادروا ,
منتديات ليلاس
وأخذت تحاول ايجاد مكان ترتاح فيه بعيدا عن العيون , ريثما يأتي باتريك , وفجأة سمعت أحدهم يكلمها بلهجة أميركية:
" أعتقد أنك السيدة هاردي , كيف حالك؟ أسمي جون هيوارد , باتريك لم يتمكن من الحضور لأستقبالك وأرسلني بدلا عنه".
وكان لكلمة السيدة هاردي على سماعها وقع غريب.

كان جون طويل القامة وله عينان بنيتان وشعره بني اللون , كان وسيما جذابا حتى أنها شعرت بالفخر لنظرات الأعجاب في عينيه , ومع ذلك أحست خيبة الأمل لأنها لم تجد باتريك بأنتظارها , حتى أنها أجبرت نفسها رغما عنها لتبتسم محيية الرجل الذي جاء لأستقبالها قائلة:

" نعم , أنا روث هاردي , كيف حالك؟".
" أهلا وسهلا بك في فنزويللا يا سيدة هاردي , آسف لتأخري".
" هل تعلم أين زوجي يا سيد هيوارد؟".منتديات ليلاس

" أرجو أن تناديني بجون يا سيدتي عاد باتريك الى الختبر بناء على دعوة من رئيسه لأجتماع طارىء بعد الظهر ألزمه البقاء وهو يأسف لعدم حضوره لأستقبالك أذ لم يتوقع أنعقاد هذا الأجتماع الطارىء".
" حسنا , وماذا علينا أن نعمل الآن؟".

" سنذهب الى كاراكاس , لقد حجزت لك جناحا في الفندق".
" جناح في الفندق؟".
" نعم يا سيدتي , فكر باتريك أن السفر متعب لك في اليوم نفسه الى بورتوريكو ولذلك حجز لك في الفندق لترتاحي الليلة هنا ثم تسافر غدا ال بورتوريكو".

فهمت روث الوضع ووافقت على مرافقة جون الى الفندق وسارا بأتجاه مخرج المطار.
لم تكن روث راضية عن الوضع ولكن ليس باليد حيلة , خاصة أن كل الظروف جاءت معاكسة لما خططاه , وعليها أن تذعن بصمت , متمنية أن يأتي الغد بظروف أفضل من هذه.
منتديات ليلاس

كانت سيارة جون هيوارد واحدة من تلك السيارات الأميركية الكبيرة , وضع جون جقائب السيدة هاردي في المقعد الخلفي ثم قاد السيارة بأتجاه الطريق الجبلي , كانت الحرارة مرتفعة جدا بالأضافة الى رطوبة عالية في الجو لم يسبق لروث أن عرفتها من قبل , وما كان عليها الا أن تؤمل نفسها بالأعتياد على هذا الجو , فتحت روث نافذة السيارة وأذا بنسمة حارة تلفح وجهها فأخذت تستعمل يدها كمروحة , شعر جون بالأشفاق عليها وقال لها مؤاسيا:

" أصبري قليلا فسنصل الى منطقة الجبال قريبا حيث الجو أبرد , فالجو جميل في كاراكاس في معظم الأيام بينما الساحل هو المنطقة التي ترتفع فيها درجة الحرارة غالبا مع نسبة الرطوبة العالية".
" وكيف الطقس في بورتوريكو؟".
منتديات ليلاس
" أنه حار جدا في بورتوريكو ولكن ستعتادين عليه بسرعة".
" آمل أن أعتاد عليه".
ورأت أمامها بوابة كبيرة فسألته:
" وما هذه البوابة التي أمامنا؟".

" هذا مدخل الطريق الى كاراكاس لربما سمعت به؟".
"لا , لم أسمع به من قبل".
" أنه فخر الهندسة المعمارية الفنزويلية , سترين ذلك بنفسك حيث كان الطريق القديم يستغرق من المسافر حوال ساعتين , هذه الطريق التي شقت أخيرا أختصرت الوقت الى عشرين دقيقة".منتديات ليلاس

كانت الطريق عريضة تتسع لستة سيارات مرتفعة في الجبال , كانا يمران أحيانا بمنحدر سحيق وأحيانا أخرى في الجبال ولكنهما لم يشاهدا أي أخضرار , السيارة تعبر أنفاقا عب الجبل مما جعل الهواء فيها باردا , وبالفعل وبوقت قصير وصلا الى أعلى الجبل الذي أرتفع حوالي ثلاثة ألاف قدم عن سطح البحر.

أعجبتها مدينة كاراكاس بمنظرها الجميل وناطحات السحاب والميادين الخضراء والمباني التجارية في قلب المدينة في حين أنها أمتلأت بالمباني السكنية في أطرافها على سفوح الجبال مما أعطاها طابعا خاصا.
منتديات ليلاس

دخلا المدينة من المنطقة الصناعية الكبيرة المكتظة بالمارة والسيارات كن معظم الناس يستعملون القبعات على رؤوسهم أتقاء للحر , حتى أن روث فكرت بشراء قبعة لنفسها , ولفت نظرها تفاوت ألوان البشر فهناك الأبيض والأسود والبني وكذلك تفاوت الأزياء والثياب , حتى أنها رأت أيضا النساء الهنديات اللواتي يلبسن الزي الوطني وقد حملن أطفالهن على
منتديات ليلاس
ظهورهن , ورأت طالبات المدارس الأسبانيات يرتدين الملابس الأوروبية وهن يسرن مرحات فرحات ومن ثم تجاوز جون وسط المدينة متجها الى أحد الفنادق , وحالما ترجلت روث من السيارة أحست بالحرارة تلفح وجهها فأتقت بأحدى الشجيرات في ساحة الفندق , وتقدم منهما أحد العاملين ليأخذ حقائب روث.