كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
لم تجد متسعاً من الوقت لتفتح الباب وتهرب ألى الخارج ، فقد أمتدت ذراعه نحوها بسرعة مذهلة لتطوقها وتجذبها بيسر وسهولة . أمسك بكتفيها ، فحبست انفاسها وانتظرت خطوته التالية ، دونما أي اعتراض أو ممانعة. هذا هو السهم الأخير في جعبتها !لن تضربه أو تصفعه ......لن تقاومه أو تحرك ساكناً ! ستكون كقطعة ثلج بين يديه ...أو كجثة هامدة ، فحتى الحيوانات الضارية تأنف من الجثث ولاتقترب منها ! سيفقد حماسته ورغبته ، أن لم يواجه بقتال او مقاومة !أين فرح الأنتصار ، إذا واجه المعتدي استسلاما فورياً وتاماً ؟
سيتراجع .....قال لها :
" ما بك ؟".
فلم تجبه بل ظلت تنظر إليه بخوف ، وغصّه تحرق حلقها .ضمها إلى صدره فأحست وكأنها هرة تبحث عن الدفء وسط صحراء من الثلج . لم تعد تفكر بالهرب منه .....لم تعد تفكر بأي شيء عقلي أو منطقي ! نسيت خوفها منه وكرهها له......وتحول خوفها إلى سكينة غريبة .
تصورته قاسياً عنيفاً ، اللعنة عليه .....لقد أوحت لها تصرفاته بأنه يكرهها ويحتقرها .ولكن الآن في هذه اللحظات تشعر بحنانه وخوفه عليها وقدرته على حمايتها . لماذا تتمنى أن يتوقف الزمن لتظل معه ؟أي سبب يشعرها برغبة في البكاء .. ..في الضحك . لماذذا تتمنى عدم مواصلة الرحلة ألى حوض التماسيح ؟ جون خطيبها , هل نسيته ؟ ألا تريد الذهاب أليه ؟ أنها تحبه منذ الطفولة . تحبه ، بلى ....لا .... بل هي .....
رفع أندريه رأسه عنها ، فأحست بخيبة أمل مريرة . كانت ترتعش كطائر مذبوح ، وصدرها يعلو ويهبط كزورق صغير في بحر هائج. حدقت به وهي زائغة العينين وغير قادرة على الكلام أو الحركة .قال لها بصوت عادي جداً أذهلها وصدمها :
" والآن ، أيتها الهرة الصغيرة ، هل أصبحت تعرفين ماذا تريدين ؟".
شعرت بالمهانة ، وبطعنة نجلاء في صميم كرامتها وعزة نفسها . لم تغظها لهجته بقدر ما أغضبها حوارها مع نفسها ومشاعرها المتضاربة فابتعدت عنه قائلة
": نعم ! أريدك إلا تقترب مني أبداً ! إذا كنت تتصور أنني ضعيفة أو مستسلمة فأنت مخطئ إلى درجة لا تصدق". !".
منتدى ليلاس
ضحك بصوت مرتفع ، وقال لها بلهجته الساخرة المعهودة :
" أعرف ما تريدين يا عزيزتي . ولو توفرت لنا ظروف مختلفة لكنت أخذت المسألة بعين الإعتبار ,أما أن أقدم على ذلك مع طفلة . وفي شاحنة ، فهذا ليس من شيمتي أو من عاداتي " .
جن جنونها ، فقالت له وقد استشاطت غضباً :
"لن يجمعنا أبداً شيء واحد ، يا أندريه كونورز ، والأفضل لك أن تقنع نفسك بذلك ".
" أنا مقتنع على الأقل بأنك أصبحت تعرفين الآن ماذا تريدين " .
رفع الغطاء الذي أدخله معه إلى الشاحنة . وأضاف قائلاً :
" ستكون ليلة طويلة وباردة . آسف لأنه ليس لديّ سوى غطاء واحد ، ولكنه يكفينا معاً " .
تسمرت في مكانها ، فيما كان يضع قسماً من الغطاء حول كتفيها والقسم الآخر فوق جسمه ، ثم قال لها :
" تصبحين على خير " .
لم تمض لحظات وجيزة ، إلا وكان أندريه كونورز يغط في نوم عميق .اللعنه عليه! أزعجتها صورته في الليلة السابقة ، وها هو الآن يفعل الشيء نفسه.. .. وبطريقة أكثر خطورة .فرأسها لا يزال مشتعلاً بالإحاسيس التي أثارها فيه ، وعقلها لا يزال غارقاً في بحر من الغيظ والغضب .
اذا تحركت قليلاً نحوه ....سيحدث أحتكاك .....أنه نائم ولن يعرف شيئاً،ولكن .....من الضروري جداً ألا يحدث هذا الأمر إطلاقاً ، يجب إلاّ يحدث ..
نظراً لما تشعر به أتجاه هذا الرجل . إنها تريد ملامسة وجهه ، وشعره الأسود الكث ، ولكنها خائفة من النتائج . لا . الأفضل لها أن تنسى كل شيء وتترك هذه اللية تمر على خير .
عليها أن تقاوم أوهامها وتخيلاتها وتفكر فقط بحياتها مع جون خطيبها . أما هذا الرجل النائم بجانبها فسوف تنساه في أقرب وقت . أبعدت سالي نظراتها عنه بصعوبة بالغة ، وحدقت إلى الظلام الدامس الذي تغرق فيه الشاحنة وعادت الأسئلة تضج في رأسها ,يجب أن تكون ، كعادتها ، صادقة وأمينة مع نفسها وضميرها . ألم تكن مشاعرها حقيقية نابعة من الصميم ، وليست نتيجة لحظات عابرة ؟ لم تعرف أبداً من قبل مثل هذه العاطفة المجنونة ، أنه لأمر مخيف جداً أن يكتشف الإنسان الواثق من نفسه . وبصورة مفاجئة ، أنه لا يعرف حقيقة ذاته وكيانه .......وعواطفة !
ما هو سرّ هذا الرجل الطويل القامة ، القاسي الملامح والبرونزي الوجه ؟ لكي يتمكن فجأة من قلب حياتها رأسها على عقب ؟ لماذا أصبحت عواطفها الجياشة قادرة على التحكم بعقلها الراجح ؟ لا يعجبها هذا الرجل ، ولا يعجبها فقط ? بل تكرهه ......فهو متغطرس ومعتد بنفسه ، ولا يبالي بها ابداً . وتكرهه أيضاُ ، لانه يجعلها تنساق وراء أوهام وأحلام ....رغماً عنها .....وهي في طريقها للزواج من حبيبها . تكرهه ، لأنه حول رحلتها ألى مغامرة مأساوية . هل يعقل أن تحب المرأة رجلاً بقلبها .....وتتجاوب مع رجل آخر باحاسيسها ؟ كانت متأكدة من الجواب.... ..حتى يوم أمس ، أما اليوم فلم تعد متأكدة من أي شيء .
تنهدت بقوة وانفعال شديدين ، لن تتمكن الليلة من النوم ، ولكنها ستحاول ......ستحاول !
|