1- من ينام في المكتب؟
للمرة الثانية خلال عشرين دقيقة , أغلق باب المنزل رقم 3 في (بايرن سكوير) بعنف كدر سلم الميدان الذي تحف به الأشجار.
أرتعد الباب في أطاره , وتوقفت قطة رمادية مخططة عن لعق وجهها , لتنظر فيما يشبه اللوم الى الرجل الطويل المضطرب الذي ينزل الدرجات الست المؤدية الى الرصيف ,ثم ما لبثت أن أستأنفت تنظيف فرائها الناعم لكن ما أن أنقضت ثوان أخرى
حتى دوى صوت أصطفاق ثالث معدني هذه المرة , أذ ركب الرجل السيارة المرسيدس الحمراء التي كانت تقف قرب الحاجز الحجري للطريق وأغلق بابها بعنف ثم أنطلق بها بسرعة مزعجة.
منتديات ليلاس
أنغمس جاسون ستيل في طوفان المرور المتدفق مقتنعا في قرارة نفسه بأن لديه كل المبررات ليفقد أعصابه
فقد جعلوه يبدو مغفلا طوال الوقت , نعم , بدد وقته , وفقد البقية القليلة الباقية من ايمانه بالطبيعة الأنسانية , كان أعمى مسلوب العقل أحمق لينفق كل هذا المال على تلك المرأة ...
يا للنساء , وقلوبهن الفولاذية وعقولهن الصغيرة التي تختفي وراء وجوه بريئة وأجسام مستسلمة , كالحيات السامة , لن يتكرر ذلك , قال هذا من قبل لكنه هذه المرة يعني حقا ما يقول , أستغفلته المرأة مرتين في حياته , لكن هذه المرة أكثر حرصا.
وأوقفته أشارات المرور ثلاث مرات فزمجر صائحا في المرة الثالثة:
": يا ألهي!"
أنه يريد صحبة الرجال الطيبة , فمع الرجل تعرف على الأقل أين أنت وتستطيع أن ترد الهجوم بمثله
وتقلصت أصابعه على عجلة القيادة , كان في أمكانه أن يتهور ويخنق (مايك فريزر) الرجل التالي له في العمل والذي يثق فيه... غير أنه كان طوال هذا الوقت هو وكاترينا...
وبعد أن رشف قدحين من الشراب شعر جاسون أنه أكثر هدوءا لكن مزاجه لم يزل معتلا , فخرج وحدق في السماء المليئة بالسحب , ثم نظر الى ساعته فوجد أنها تجاوزت الثامنة مساء بقليل
وقرر فجأة أن يذهب الى مكتبه ليأخذ مذكراته عن الأتفاقية الأضافية مع شركة سترانجكو , لقد فسدت أمسيته في أية حال , وأصدقاؤه غير موجودين الليلة وفقد شهيته , فضلا عن أنه مكبل بأعمال كثيرة متأخرة , أذ أضاع وقته في الأسابيع القليلة الماضية على تلك المرأة وتراخى في عمله.
كان المقر الرئيسي للشركة (كارونا ستيل) يشغل برجا من الأسمنت والزجاج أرتفاعه 24 دورا ويطل على التايمز قرب محطة بلاك فرايارز
وكان مكتب الأستقبال فيه ما يزال مضاء بنور خافت , ولمح في جزء مرتفع من المبنى ضوءا دل على أنه ليس خاليا تماما , كما أعتقد جايسون وهو يوقف سيارته.
صعد الى الطابق الواحد والعشرين وسار الى مكتبه على سجاد سميك يمتص صوت وقع الأقدام مهما علا , لكنه توقف بغتة , فقد أدرك بغريزته أن هناك شيئا ما غير طبيعي , وأن الضوء الذي لمحه من الخارج كان منبثقا من مكتبه
عبس وجهه وأكفهر , فقد ترك مكتبه منذ ما يزيد على ساعتين وهو بالتأكيد لم يترك النور مضاء , سار وهو حريص ألا يحدث صوتا وتوقف قليلا أمام الباب ليندفع اليه فينفتح له , بدا المكتب خاليا للوهلة الأولى
لكن النظرة المدققة أوضحت أنه لم يكن كذلك , فقد رأى قمة رأس تظهر من ظهر الكرسي الضخم الذي يواجه الباب
منتديات ليلاس
فتقدم ليضغط على جرس الأنذار مزمجرا:
" أخرج...".
لكن الكلام تجمد على شفتيه عندما ألتفتت اليه فتاة عيناها مملؤتان رعبا ويداها الصغيرتان تتشبثان بعنف بظهر المقعد , وفمها يستدير في تعبير عن الفزع والأضطراب , وحاولت أن تقول شيئا لكن الأضطراب غلبها
وأستعاد جايسون رباطة جأشه ووصل الى الكرسي في ثلاث خطوات مسرعة , وأنكمشت الفتاة من منظر الغضب البادي على سحنته محاولة الأفلات من نظرته
كانت نصف جاثية على ركبتيها في الكرسي فأمسك بذراعها ورفعها بعنف وصاح:
" أي شيطان أنت؟ أي جحيم أتى بك؟".
ولم تحر جوابا فقد بدت وكأنما الصدمة جمدتها , أخذ يهزها بقوة آلمتها فقالت:
" أنا... أنا ... ألا تعرفني يا سيد ستيل ؟ أنا أعمل هنا".
" كلا أنت لا تعملين هنا , هناك نحو 500 موظف في هذا القسم , وربما أكثر ولم يتح لي وقت للتعرف اليهم جميعا".
مرت بيدها على العلامات التي غرستها أصابعه في جلدها الرقيق وقالت:
" أنا أعرف ذلك , أنا آسفة أن أفزعتك يا سيد ستيل".
رأى تقلص حلقها وهي تزدرد لعابها لكن نظرته لم تلن وقال لها:
" حسنا , أنني أنتظر تفسيرك يا آنسة ... أيا كان أسمك".
خامرته بشأنها عدة ظنون لم يكن أي منها سارا , وأضاف بعبوس ونفاذ صبر:
" فسري الأمر , ام هل تودين أنتظار الشرطة ؟ أجيبي من أنت؟".