4- الهدية
وقالت السيدة وارين وهي ترفع صينية العشاء لتضعها على خزانة الملابس :
" أحسست بالقلق عليك تماما يا حبيبتي برغم أن بنيامين أكد لي أنك كنت في مأمن تام مع السيد لورنس , وأقترح هذا الشاب دومنيك أن يخرج ليستطلع أخباركما- هل أحضر لك مزيدا من الطعام؟".
كانتا تجلسان في غرفة النوم المخصصة لتوني بعد أن صمم العم بنيامين على أن تأوي ألى الفراش وكان قد رحب بها قائلا:
" يبدو على أثر الأرهاق يا أنطونيا ..... أخلدي ألى الراحة لتتمكني من المشاركة في الأحتفالات غدا".
منتديات ليلاس
وشكرته توني وكان آخر ما يخطر لها أن تجد نفسها في صحبة غراي لورنس بعد ذلك , فلقد لقيت منه ما يكفي ......... منذ أن صعد الدرج وكاد يصطدم بها وهي تلبس رداء الحمام الرقيق منذ أربع ساعات فقط بدت كأربعة أيام حافلة بالأحداث .... ولكن كان عليها أن تنسى ذلك .
وألتفتت ألى أمها التي كانت تعلق ملابسها في الخزانة المبنية في الحائط تقول :
"ضعيني في الصورة يا أمي ...... هل هناك آخرون يعيشون هنا؟ ومن هو دومنيك هذا الذي خرج يبحث عنا ؟".
كان غراي قد فتح باب السيارة وخاض ألى ركبتيه في الماء ثم أنحنى وحملها بعيدا عن البلل ثم ركبا سيارة لاندوفر نقلتهما ألى البيت , ولم يكن هناك مجال عندئذ للتعارف وبعدها عاد الرجلان ألى السيارة المحاصرة.
وقالت أمها :
" لا يوجد سوانا يا عزيزتي .. لكننا سنكون ستة أشخاص على العشاء غدا , بنيامين وأنت وأنا السيد لورنس ودومنيك فتش وأخته آن , ودومنيك هو مدير المزرعة ويسكن مع أخته في الأكواخ القريبة , لم أقابل أخته بعد وهي تعمل معلمة في المدرسة القريبة , أنه شخص جذاب يذكرني بشخص عرفته يوما ما لا أتذكر أسمه الآن ".
وأبتسمت توني أذ لم تضيع أمها وقتا في التعرف ألى الموجودين وتمنت لو كانت لها القدرة نفسها على كسب الصداقات , وسألت في لهجة رقيقة:
" ولكن لماذا تعجلت الحضور وتركتني هكذا؟".
" أنني آسفة ! حدث كل شيء عفوا ...... سافر بنيامين هذا الصباح ألى برمنغهام وترك لسكرتيرته السيدة جينيز تدبير الأمر وأتصلت بي جينيز هذا الصباح لتخبرني أن مدبرة المنزل نقلت ألى المستشفى لأجراء عملية عاجلة , وأستأذنتني في الحضور مبكرة بعض الشيء لأعنى بشؤون المنزل لأن الخادمتين الصغيرتين جديدتان لم تتدربا على العمل وطمأنتني السكرتيرة ألى أن السائق سيحضرك في تمام السادسة والنصف ويبدو أنني لم أسمع جيدا لأن السائق كان مع بنيامين ...... آسفة يا عزيزتي فقد سببت لك بعض العناء ".
" لا داعي للأسف .... فقد كنت مشغولة , وأنتظرت السائق ولكن جاءني ذلك السيد لورنس!".
ونظرت أليها أمها نظرة حادة , وسألتها :
" ما الخبر يا عزيزتي ؟ ألا تحبين السيد لورنس؟".
" لا! لا أحبه.... أنه أبغض رجل رأيته".
وأنحنت السيدة وارين , وأخذت تربت على أبنتها في أسترخاء :
" لا تتسرعي في الحكم يا عزيزتي! حدثني بنيامين عن السيد لورنس .......... كان زوج حفيدته .... التي قتلت في ذلك الحادث و.....".
" أعرف! شبيهتي على ما يبدو أن كل من يعرفها لا يصدق عينيه عندما يراني , أحس لو كنت شبحا ......".
وبدت الدهشة على السيدة وارين وقالت :
" لم أكن أعرف ذلك , ولعله يفسر , من الواضح أن لورنس كان يحب زوجته بدرجة كبيرة , ولقد تغير بعد وفاتها , كان فيما قبل شخصا أيجابيا , كما يقول بنيامين , ولكنه الآن صار شخصا معقدا وساخرا بل وعصبيا , هذا يقلق بنيامين كثيرا وخاصة أنه يعتمد عليه في العمل , بعد أن أحس بالكبر ويريد أن تمضي الأمور في يسر ".
ونهضت وقالت :
" والآن , نامي وأستريحي ليكون يومنا غدا يوما بهيجا ".
وتنهدت جذلة ,وقالت :
" تخيلي أننا نمضي عيد الميلاد في منزل جميل كهذا ......... أحب أن تتجولي في أرجائه ".
وأنحنت وقبّلتها قائلة :
" أسعدت مساء يا حبيبتي , أحس أن فصلا جديدا يبدأ في حياتنا".
وأبتسمت أمها وأنصرفت .
منتديات ليلاس
وجلست توني في الفراش وأستندت ألى غطاء الوسادة المطرز , وأخذ بصرها يتجول في الغرفة بأمعان , غرفة صغيرة مؤثثة أثاثا بسيطا , ولكن كل شيء ينبىء بالثراء , جدران خضراء تتناغم مع ستائر مزخرفة وفرش سرير يزدان بنقوش زهور البنفسج والسوسن والخشب الذي صنع منه المكتب وخزانة الملابس والأبواب المنزلقة والسقف المرتفع والسجاد الفخم على الأرضية , وقع بصرها على وعاء البسكويت المصنوع من الخزف النفيس على النضد الجانبي وعلى الترموس بجانبه وعلى كومة المجلات الصقيلة والمزهرية البيضاء الصغيرة المزدانة بنتوءات صغيرة..
لم يكن قد مضى على وجود أمها في المكان ألا ساعات قليلة ومع ذلك حدث تغيير كبير في سلوكها وبدت عليها مظاهر الثقة بالنفس في شيء من الأبتهاج , وكانت تتصرف كأنها المضيفة وأنها أعتادت هذا النمط من الحياة المترفة طوال حياتها , وخشيت توني ألا ترضى أمها بعد ذلك بحياتها في مسكنهما المتواضع بحي هورنس , وتنهدت وحاولت أن تنسى , كانت منهمكة تماما , وأطفأت المصباح , وسكنت ألى الفراش الوثير , وأستغرقت في النوم خلال لحظات , وأستيقظت لترى فتاة في الرابعة عشرة من عمرها تميل ألى الطول قليلة الخبرة , تلبس مريلة زرقاء من النايلون , كانت ترفع الستائر , وتسللت شمس الشتاء الباهتة ألى الغرفة من خلال أغصان شجرة جرداء خارج النافذة ونظرت بعينين طارفتين ودفعت بشعرها الذهبي ألى مؤخرة عنقها وجلست وقالت :
" أهلا! من أنت؟".
وأستدارت الفتاة في أبتسامة عريضة , وقالت :
" أنا شيرلي , أحضرت لك الفطور , وتعتذر السيدة وارين عن عدم مجيئها الآن فهي تحشو الديك الرومي وتنتظرك عندما تكملين أستعدادك ولكن لا تتعجلي!".
وأتجهت شيرلي ألى الباب بعد أن أبلغت الرسالة , ثم توقفت لتقول :
" أتمنى أن يكون لشعري لون شعرك , أنك تشبهين الصورة الفوتوغرافية التي في غرفة الجلوس , وكنت أظن أن المصور أعطى الشعر ذلك اللون , ولكنني أراه الآن بعيني لونا طبيعيا ".
وخرجت وأغلقت الباب خلفها.