كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
7- حب أم كراهية؟
أحيانا كان الجنود في عربات الجيش يسرعون بجوار القافلة , وفي أول الأمر كانت ماريل تموت خوفا وهي تتصور نفسها وقد سحبها الجنود من العربة وأدخلوها السجن , لكن مخاوفها هدأت تدريجيا وهي تطمئن نفسها بأن سيرجي أيفانوف لا يعرف شيئا عن علاقتها بالغجر , كان روم معروفا بأختفائه المتكرر المعتاد من المجتمع , ومصادفة أختفاها من وارسو في الوقت نفسه مع أختفاء روم قد يحتاج ألى بعض الوقت حتى يصل ألى فهم سيرجي الذي يتصف بالقسوة وليس بالذكاء , وتضايقت كعادتها دائما عندما تفكر في ذلك الرجل الروسي وبدأت تراودها الشكوك والحيرة من جهة خالتها .
رفض روم أن يتكلم عن الأحداث التي أدّت ألى قرارها , ولكن كلما ذكر أسم الخالة لاح على جبينه عبوس ظاهر , وبان على فمه الغضب مما يدل على أنه هو الآخر كان قلقا على صوفي التي لولا مجهوداتها لصالح أبنة أختها لأضطرت أن تشرح الكثير لذلك الروسي ذي العيينين النفاذتين .
وبدا على روم كأنه يقرأ أفكارها , لذا أشار أليها أن تجلس بجانبه في المقعد الأمامي الذي يقود منه العربة , وبعد تردد أطاعته وهي تتساءل أذا كان سيصب عليها جام غضبه لخطأ أرتكبته ,أم سيسلط عليها مزيدا من جاذبيته , التي تؤثر في أعصابها أكثر من كلماته الصارمة.
وأشار ألى شيء بعيد , وعندما تابعت أشارته بعينيها رأت قصرا بعيدا وقال لها روم بأختصار شارحا ما رأته :
" هذا هو قصر براتيسلافا الذي يشرف على المدينة التي تحمل أسمه وسنذهب أليها الليلة".
ولم يفته ملاحظة البريق الذي بدا في عينيها , وعلق على ذلك قائلا:
" بالرغم من أنك لا تجرؤين على مقابلة أهل المدينة أو التحدث أليهم ألا أنك ستشعرين على الأقل بأنك قريبة من المثقفين الذين تتوقين لصحبتهم ".منتدى ليلاس
وكانت مارييل قد نسيت محاولاتها اليائسة في أخفاء مشاعرها وراء تظاهرها بأحتقار عشيرته , لكن الواضح أنها لم تفلح في ذلك ".
فقالت :
" أنني لم أقصد شيئا يا روم".
غير أنه قرر الذهاب , فقال مقاطعا محاولاتها الأعتذار :
" سنذهب بمفردنا , فأن براتيسلافا هي آخر مدينة نمر عليها قبل أن نعبر الحدود وندخل النمسا , يجب أن نغتنم الفرصة لنعرف الأخبار , قد تكون هناك أخبار عن صوفي".
أذا سيدخلان المدينة خلسة ويعرضان نفسيهما لأعين البوليس الساهرة لأنه لا يستطيع الصبر على جهله بأخبار صوفي! برزت لها كل النقائص التي نسيتها وأستنتجتها مارييل غن خالتها .وهي أنانيتها وغيرتها وأستخفافها بالعلاقات الأسرية ,والأكثر من ذلك كله صداقتها الخائنة لسيرجي أيفانوف , ودفعت مشاعرها الدم ألى وجنتيها وأرتعدت يداها ومنعت نفسها من توجيه عبارات الأتهام التي أرادت بها أن ترفع الغشاوة عن عيني روم ليرى مساوىء خالتها فهي لا تستحقه بل تستحق من هي أفضل منها , لكنها لم تجرؤ على التصريح برأيها , فبالرغم من أضطرابها وغضبها فأنها شعرت بغريزتها أن من يسمعها تقول ذلك سيتهمها بالغيرة.
وكان قلبها يدق عندما أقتربت عربتهما من المدينة في ساعة متأخرة من تلك الليلة , أما بقية أفراد القبيلة فكانوا يتجهون نحو الحدود , تاركين وراءهم أشارات وعلامات ليلتقطها روم بعد الأنتهاء من مهمته في المدينة ويلحق بالقافلة في محطتها التالية , وكانت هناك نقطة تفتيش عند حدود المدينة , فعندما وصل بثقة وثبات ألى الحاجز الممدود عبرها , طلب الحارس الواقف عليها أن يرى أوراقهما , فأستجاب روم وجلس في هدوء وهو يصفر بينما أخذ الحارس الروسي يقلب صفحات البطاقة التي قدمها له روم , ولا بد أن مظهر مارييل الأشعث كان مقنعا للحارس , فقد كان لونها المسمر من الشمس وتنورتها الزاهية وبلوزتها المفتوحة تضفي عليها شكل الغجريات الأصيلات , أما شعرها الأشقر فكانت تغطيه تماما بعصبة سوداء , كما خبأت بأهدابها المسبلة عينيها الرماديتين اللتين لا يمكن أن تظهر فيهما جرأة الغجر أما روم المرتدي ملابس رجال الغجر كانت أسنانه البيضاء تلمع في أبتسامة كلها ثقة وجرأة وهو يقول للحارس :
" لا بد يا صديقي أنك رأيت جواز سفر دوليا قبل الآن!".
وقبل أن ينتظر جوابا أستطرد يقول وهو يتعمد شغل الرجل بكثرة كلامه:
" أنا وزوجتي من الغجر ويتيح لنا جواز السفر هذا , المرور في جميع بلاد أوروبا , ولا شك أن كل دولة لها نظامها الخاص , ففي فرنسا مثلا يطالبوننا بتسجيل أسمائنا في قسم البوليس كل أربع وعشرين ساعة , ومع ذلك ستجد هذه الأوراق سليمة , أما أذا كنت تشك في شيء , فنحن على أستعداد للأنتظار حتى ترجع في الأمر ألى رؤسائك".
وشعرت مارييل أن الدهشة بدت على الحارس لفترة وجيزة ثم قال :
" غجر! لا أفهم لماذا يسمحون لأمثالكما بالتجول في أوروبا! هيا مرا وحذار من تفوهكما بألفاظ بذيئة".
وأشار بيده ليرفع الحارس الحاجز عن طريقهما , وأندفع روم في طريقه في زوبعة من التراب الذي أثارته العربة والحصان.
|