وظهرت مياه بحيرة ماكونوي وهي تلمع من خلف التلال الرملية التي تحد وادي نهر بلات ,ووجدت كايسي نفسها تفكر في المكان الذي كانا يقصدانه , كما وجدت أنها تعرف القليل عن السيدة التي ستقيم معها : مجرد أسمها كابرييل وسنها , وهو أربعة وعشرون عاما , وعملها , وهو الكتابة الحرة والتأليف , وتاقت الى سؤال فلينت عنها ألا أنها كانت تكبح هذه الرغبة وتبعدها عن ذهنها , وشعرت أن من الخطأ التمادي في مخالطة أسرته طالما أن شعورها نحوه بالصورة التي هي عليها , فكم هي الأيام التي ستتصوره فيها وكأنه بينهم , وأرتسمت على شفتيها أبتسامة مريرة عندما تذكرت أنها قالت لوالدها أن رحلتها ستكون بمثابة أجازة , وهي حقيقة بعيدة عن الواقع و أذ ستكون تجربة مريرة لأعصابها , وشعرت أنها لن تتحملها.
وأنحرف فلينت بالسيارة عن الطريق العام الى البحيرة , وفي ضوء الغروب الخافت , لفت نظر كايسي كابين حديث الطراز ذو شرفة واسعة خلف المبنى , ويطل على مياه البحيرة البراقة , ودل الطراز البسيط على أصالة وذوق رفيع , وهو السبب الذي جعل كايسي ترتجف حين أوقف فلينت السيارة عندها , فقد بعث يراؤها في نفسها شعورا بالخوف وجعلها أكثر حساسية بسبب تواضع أصلها وخلفية أسرتها.
منتديات ليلاس
وتوقفت السيارة في نفس الوقت الذي هدأت فيه دقات قلبها , وأوقف فلينت المحرك وأنتظرت كايسي بتلهف فتحه لباب السيارة معلنا أنتهاء الرحلة , ألا أنه تمهل ولم يفتحه , بل ألتفت اليها في ظلام السيارة , فعادت دقات قلبها تسرع من جديد , وكانت المسافة بينهما صغيرة بحيث يمكنها أن تصبح بين ذراعيه في لحظة واحدة , وأندهشت لبرودة مشاعرها المفاجئة , رغم أنها أستعادت في مخيلتها ذكرى اللحظات الدافئة وهو يقترب منها.
وقال فلينت بصوت حنون أثار أعصابها أكثر من أي شعور بالغضب:
" قلت في المستشفى أنك ستقومين بأجازة , فأرجو أن تكوني جادة في ذلك ,فقد حدثت أشياء كثيرة في الأسابيع القليلة الماضية تحتاجين للراحة منها , لذا فأن حياة الهدوء ستتيح لك فرصة التفكير بأمعان وتعطيك مهلة للتعرف على حقيقة مشاعرك بشأن أشياء كثيرة".
فردت عليه بحدة:
" كف عن التمثيل , فأنت تعلم جيدا أنني قلت ذلك لأطمئن أبي , لذا وفر شفقتك للفتيات البائسات اللواتي يقعن في حب الرجال المنافقين المحبين لأنفسهم مثلك".
وأندلع الغضب في عينيه ثانية , قبل أن يعود اليهما جمودهما.
" يجب أن ترشدك حاستك الى الأعتراف بأن ما أقوله هو الواقع".
" قالت لي حاستي أنه ما كان يجب أن أدعك تطأ أنكوربار بقدميك , وأكبر غلطة أقترفتها هي أنني لم أستمع لحاستي هذه".
فمال فلينت وقال:
"تقترفين غلطة أذا أستمريت في مقاومتي".
فردت عليه قائلة , وهي ترفض الأعتراف بأنها كانت خائفة من تهديده:
" لا فائدة من الكلام معك".
ثم فتحت باب السيارة ونزلت منه قبل أن تتيح له فرصة منعها , وشعرت كأن ساقيها ى تقويان على حملها لكنها نظرت اليه بكبرياء وهو يغلق باب السيارة الذي خرج منه وحمل حقيبتها من مؤخرة السيارة , وأحدثت نظرة الأحتقار المرتسمة على وجهه غصّة في حلق كايسي , فكل ما تمنته في هذه الساعة هو أن تبتعد عنه وتطلق العنان لدموعها التي حبستها طيلة الرحلة , فلم ترد أن يعرف أن في أستطاعته أثارة بكائها , وأشار اليها فلينت بأن تتقدمه الى الكابين , وكان من الصعب عليها أن تحتفظ بأستقامة هامتها ورفعة رأسها وثبات مشيتها وهي تعلم أن نظرته مصوبة الى ظهرها , وهدأت مشاعرها قليلا عندما أنفتح باب الكابين الأمامي وغمرهما فيض من النور .
" كنت أخشى أنكما لن تصلا أبدا".
هكذا رحّبت بهما , بصوت يفيض سعادة , الفتاة الفارعة القوام ذات الشعر الداكن الواقفة في فتحة الباب.