9- الأميرة النائمة
كانت كايسي فرحة لأنها تجلس في المقعد الخلفي من السيارة , بينما أمها تجلس في المقعد الأمامي بجوار فلينت , وكانت حواسها المرهقة تشعر أمها بالحيز الضيق الذي يضمها في تقارب محب , فالقوة الجذابة التي تنبعث من فلينت كانت تشدها طوال الأسبوع حتى عندما كانت تريد أن تبتعد عنه , وكان الجانب العاقل منها يريد الأبتعاد , بينما الجانب المتهور يتمنى أن يشجعها على الأقتراب منه , وشعرت كايسي كأنها طفل يلعب بالنار مبهورا بلهيبها , ولم تكن خائفة من الحريق ذاته بل من ألتهام النار له.
ولم تستطع كايسي أيقاف موجة الفرح التي غمرتها عندما فكرت في حفل اليلة الذي كان ينتظرها بما يحمله من مباهج ومفاجأت تتوق أليها , وكانت واثقة من أن فلينت سيطلب منها مراقصتها , وتذكرت دفء يديه حول خصرها وملمس جسده وهو بقرب جسمها , كما أيقنت أنها لن ترقص بل ستستمتع بكل لحظة من قربه وكل كلمة أو حركة تصدر منه.
وسمعت وهي تعتدل في جلستها حفيف الطيات العديدة للقمصان التي ترتديها تحت ثوبها الأحمر اللامع , وألتفت فلينت أليها , وأنهارت تحت تأثير نظرته الرمادية آخر آثار مقاومتها وهي تبتسم له بدلال وسعادة .
وقال وكأنه يفسر سبب ألتفاتاته أليها :
" أوشكنا على الوصول ألى مكان الحفل ".
ورأت المصابيح اليابانية وهي مدلاة من الأعمدة المقامة في حديقة غوردون الخلفية وقد وضعوا ألواحا كبيرة من الخشب فوق الحشائش لتصبح حلبة واسعة للرقص , كما وضعت عربات التين ألى جانب الحلبة لتكون منصة يجلس فوقها الموسيقيون , وكانت الموسيقى خليطا من الغيتار والكمنجات والأوكورديون والطبول ألحانها المرحة تملأ نسيم الليل وتبعث البهجة في أرجاء المكان , بينما مشت كايسي مع مارك وهما يتبعان فلينت وأمها في طريقهم من السيارة ألى مكان الحفل , وكان جيم كينجستون يقف أمام الميكروفون ويدق بقدمه على وقع الطبول , بينما هو يدعو الراقصين ألى طريقة الرقص شأن التقليد المتبع في الرقص التربيعي الأميركي.
منتديات ليلاس
وفي خارج حلبة الرقص أخذ المدعوون يصفقون بأيديهم على النغم بينما أخذت تنانير الراقصات متعددة الألوان تلف وتدور في مربّعين كبيرين , والراقصات يضحكن في مرح , بينما الراقصون يقودونهن في الرقص الذي أتقنوه بحكم الخبرة الطويلة , ووجدت كايسي نفسها تدق بقدمها بلا وعي , وأمتد نظرها ألى فلينت ألذي أستجاب أليها بأبتسامته الساحرة.
" أنك تحبين الرقص؟".
وكانت حقيقة يعلنها , أكثر منها سؤالا.
" هذه هي صفة الأنوثة الوحيدة في شخصيتي ".
وكأن جو الحفل جعلها أكثر جرأة مما كانت , فلمعت عيناها وهي ترفعهما أليه ضاحكة.
وكانت أمها قد أنشغلت بالسيدة غوردون بينما لمح مارك صديقيه التوأمين ,في الناحية الأخرى من حلبة الرقص , لذا وجدت كايسي نفسها بجانب فلينت وهو موقف أستهواها بسحره وجاذبيته , لكنها شعرت بأنه لا يخلو من الخطر.
" هل غضب سميتي لأنك لم تحضري بصحبته؟".
ولم تتوقع كايسي هذا السؤال من فلينت فأجابت ببساطة , وقد أرتاحت لمرور عينيه على وجهها ليثير النار التي في داخلها.
" نعم , وهو يلومك على ذلك ويعتبرك السبب فيما حدث".
فظلّ يحدق فيها, وخافت من حدة نظرته التي أثارتها في الوقت نفسه و وشعرت كايسي بضآلتها , ليس فقط بسبب طوله الفارع بالنسبة لها , بل لتأثيره الجارف عليها , وقدرته على أثارة رغبة فيها لم تتوقعها في نفسها من قبل.
" ولا بد أنه حذّرك مني".
قالها فلينت بهدوء وهو يرقبها بأمعان ليعرف أثر كلامه عليها .
" وقال لك أنني أكثر أنغماسا في الأمور الدنيوية وأكثر خبرة منك بالشرون العاطفية , وأن بأمكاني أيلامك".
فأومأت له كايسي برأسها :
" هذا صحيح يا كايسي , فكل كلمة قالها سميتي كانت في محلها".
فأرتجفت أهدابها لتخفي الألم الذي طعن صدرها كالسكسن , قبل أن تبتسم أبتسامة عريضة وتقول:
"وما الضرر من ذلك؟ ففي هذا الزمن تتعرض المرأة لتجربة أو تجربتين خطرتين ولكل رجل الحق في بعض المغامرات قبل أن يستقر بالزواج".
فضحك ضحكة هادئة , آسرة وقال:
" أنك ساحرة وجذابة وتضعين ثقتك في الناس".
وبعثت اليد التي لمستها ألسنة اللهب فيها وهو يجذبها ألى الحلبة , أنها كالمسحورة , بل كالأميرة النائمة التي أفاقها الأمير من نومها , ولم تستطع نظرة سميتي الغاضبة ,وهو واقف بجانب حلبة الرقص أن تفتت السعادة التي كانت تشع من وجهها , وراقصها رجال آخرون كل بدوره , حسب قواعد خطوات الرقص الأميركي التقليدي الجماعي , ألا أنهم كانوا جميعا كالأشباح , بحيث لم يجذبوا أنتباهها.
وأنتهت الرقصة وسط الضحك والصياح والمرح , وأستبقى يد كايسي في يده , وأستقرت عيناه الباسمتان على وجنتيها المتوردتين , وتعرّف كثير من الناس عليه , وتقدموا أليه ليقدموا أنفسهم له , وتقبل فلينت صدلقتهم بينما وقفت كايسي تتعجب من طريقته المهيبة التي توحي بالألفة , شأن سكان غرب أمريكا , وأمتلأ قلب كايسي بالفخر به , بينما أخذت بنات أصحاب المزارع ينظرن ألى يدها وهي في يد فلينت وفي أعينهن الحقد والحسد.