8- الجار في سلة المهملات
عرفت كايسي الكثير عن فلينت في تلك الليلة أثناء نزهتهما حول فورت روبنسون , وأثناء رحلة العودة تحدث فلينت عن والديه وأجداده وأخوته الثلاثة وأخته الصغرى , وشعرت كايسي أن تقاربهما يزداد شيئا فشيئا , ألا أن وصولهما الى أنكور بار قد أوقف تقاربهما , وكان سميتي في أنتظار كايسي وقد بدا عليه الغضب , ولم يحاول أخفاء أعتراضه على مصاحبتها فلينت للعشاء بالرغم من أن الدعوة بدأت في الواقع لثلاثتهم , أذ كان مارك معهما , ولأول مرة شعرت كايسي من موقف سميتي الذي يدل على أنانيته ورغبته في الأستئثار بها .
ومما زاد الطين بلة أن فلينت سلّم بأحقيّة سميتي في صحبة كايسي , وأنسحب بهدوء الى مكتبه ,فالأمسية التي كانت ممتعة , أنتهت نهاية سيئة , فصداقة كايسي لسميتي كانت حقيقة واقعية , ألا أن كايسي لم تتبين شعور فلينت الحقيقي نحو تلك العلاقة أو أهتمامه بها.
وحاولت أن ترغم نفسها على الأعتقاد بأنها مجرد تسلية بالنسبة لفلينت , أما شعورها نحو فلينت فكان من أصعب الأمور التي واجهتها في الأيام الثلاثة التي أنقضت منذ تلك الليلة.
وكان هذا هو السبب الذي دعا كايسي الى أمتطاء صهوة جوادها وذهابها بمفردها الى بوكاميدو , لأنها كانت بحاجة الى فترة تتفهم فيها مشاعرها وتضع الأحداث الأخيرة في أوضاعها الحقيقية , أما الهدف الثاني من رحلتها فكان لتفقد العجول الجديدة التي ولدت في نفس السنة , وصعدت كايسي الى قمة التل وأوقفت حصانها تالي على بعد أقدام من حافة المنحد لتمتّع عينيها بمنظر التلال المترامية الجميلة , ولفت نظرها شيء بني اللون يقاوم في أسفل المنحدر ويبدو أنه تقلص من الألم , وحمل اليها النسيم صوت أنة أستغاثة خافتة.
ولم تكن كايسي بحاجة لأن تنبهها أذنا حصانها المتوترتان الى أن الصوت كان آتيا من الشيء البني الذي رأته , وأدارت حصانها نحو المنحدر وتركته يختار طريقه الى العجل الجريح القابع في السفح , وكانت عينا كايسي تجوبان التلال بحثا عن البقرة الأم , مدركة أنه لا يوجد أخطر من بقرة تحمي عجلها , والغريب أنه لم يكن هناك حيوان آخر في المنطقة كلها , ولم تجد كايسي غير تفسير واحد أن العجل هو وليد بقرة عمرها سنة واحدة بحيث لم تكتمل فيها بعد غريزة الأمومة.
منتديات ليلاس
وأوقفت كايسي حصانها على بعد مائة قدم من العجل ورأت حلقة من الأسلاك الشائكة قد ألتفت حول أقدامه بحيث سال الدم على الجزء الأبيض منها , وشعرت كايسي أن عليها التصرف قبل فوات الأوان , فالرمل الداكن عند أقدام العجل , وعدم قدرته على المقاومة , دلا على أن الحيوان الصغير نزف كثيرا , وكان كل همها تخلصه من الأسلاك الشائكة وتحمله الى مبنى المزرعة فوق سرج حصانها.
نزلت كايسي عن ظهر حصانها , وأقتربت منه وفي يدها مقص الأسلاك الذي تحتفظ به دائما في جراب سرج حصانها , ونظر العجل الى كايسي بعينين كبيرتين يملأهما الألم , وهي تقص الأسلاك الشائكة وتخلص أقدامه منها , محاولة تفادي الشوك , وتمنت لو أنها أحضرت معها القفاز الجلدي السميك الذي تركته على رف المطبخ , وأخيرا خلصت العجل من قيده , لكنه كان خائر القوى بحيث لم يستطع التمتع بحريته.
حاولت كايسي حمل العجل الثقيل بين ذراعيها , وبعد جهد كبير أمكنها النهوض على قدميها , لكن العجل صدرت منه صرخة واحدة وخطت كايسي نحو حصانها الذي تركته على بعد خمسين قدما , وفجأة رأت رأس الحصان يلتفت نحو التل الواقع على يسار كايسي وفي الوقت الذي حولت فيه نظرها الى تلك الجهة , سمعت خوارا قادما من جهة التل.
وأنتاب كايسي الخوف وغاص قلبها الى قدميها وهي ترى البقرة الأم , تعدو من فوق التل بكل سرعتها , في المزرعة بقرة واحدة لها قرون طويلة ملتوية مثل قرون هذه البقرة المتجهة نحوها في هجوم ينذر بالخطر , أنها من نوع ينتسب الى صنف بقر ولاية تكساس ذي القرون الكبيرة ,وكان والدها يستخدم ذلك الصنف منذ سنوات عندما كان يقوم ببعض أبحاث تهجين الأجناس , وكان مارك قد أطلق عليها أسم المرأة المجنونة لشراسة طبعها , وبنظرة سريعة عرفت كايسي أن المسافة بينها وبين البقرة لا تدع لها فرصة الوصول للحصان , وهي تحمل العجل في حضنها.
ومع ذلك أسرعت كايسي نحو الحصان والعجل ما زال بين ذراعيها , لكن صوت حوافر البقرة وهي تدوس على الأعشاب أختلط مع أصوات قرقعة جلد سرج وحوافر جواد يقترب منها فتطلعت بطرف عينها , وبقلب كاد يقفز من حلقها من شدة الفرح , رأت جواد فلينت المنقط وهو يسرع نازلا من التل في أتجاه البقرة , وأمتد حبل من يد فلينت في آخرة خيّة كبيرة أستقرت بمهارة فوق القرنين المتفرعين , وبجرة واحدة من يده دفعها بعيدا عن طريقها وهي تتجه مسرعة نحو كايسي وصرخ فلينت يقول:
"السيارة والمقطورة بجانب الباب الغربي".
وكان حصانه يحاول جاهدا أن يسيطر على البقرة التي أخذت تخور وتقاوم .
ولم تضع كايسي وقتا في وضع العجل على سرج حصانها الذي أمتطته وأسرعت به بعيدا , وعندما وصلت الى السيارة أعدت للعجل مكانا في مؤخرتها ,وأنزلته برفق فيه ووضعت حصانها في المقطورة , وبمجرد أنتهائها , وصل فلينت اليها وهو يعدو بحصانه من فوق التل.
وجالت عيناه المضطربتان فوقها بسرعة , ولم تساعد نظراته العاصفة في تهدئة الرجفة التي أصابت ركبتيها بالضعف والهزال , وأدخل فلينت حصانه الى المقطورة وأغلق بابها ثم عاد الى كايسي وبدت النظرة الشرسة المرتسمة على وجهه كأنها منقوشة على صخر بخطوطها العميقة الفاترة .
قالت كايسي لتنقذ نفسها من وقع العاصفة التي يهددها بها فلينت :
" سأركب في الخلف مع العجل".
وركب فلينت في مقدمة السيارة وأغلق بابها بعنف شديد , وقفزت السيارة عندما أدارها وأنسابت فوق الطريق الوعر في طريقها الى المنزل.