5_- لقاء على غسل الصحون
بعد أن تركت كايسي مسافة بينها وبين السيارة ذات المقطورة , هدأت من سرعتها وسارت بسرعة معتدلة , فلم يعجبها أن تعترف لراعي البقر الذي أثار غضبها أن أنفجار الأطار قد أفزعها ولو قليلا , وشعرت كأن الدنيا ضدها لمجرد أنها أنثى , حتى هو... فقد ألقى عبارة مهينة عن الفتيات الغبيّات ,لا عجب أذن أن تقوم المرأة بتلك الحركة التحررية لترد بها على عداوة الرجال.
وعندما وصلت الى المزرعة كانت كايسي تقود سيارتها بسرعة أقل من السرعة التي تركتها بها , وتوقفت عند محطة للوقود لتملأ خزان السيارة , الذي كاد يكون فارغا , ورأت سام وهو يحاول تهدئة أحد العجول الصغيرة وبدا كأنه أنتهى من معاونة والدتها في نقل الأثاث أستعدادا لوصول فلينت ماكاليستر , وبعد ملء خزان السيارة قادتها كايسي الى الشجرة الوحيدة الوارقة الموجودة في الفناء وأوقفتها تحتها , وجاء الكلب شيب يرحب بها بعودتها بحماس شديد عبّر عنه بحركاته الفرحة بها.
منتديات ليلاس
وبمجرد أن وطئت قدما كايسي درج الشرفة في طريقها الى المنزل , سمعت صوت سيارة أخرى تسير في الطريق المؤدي الى البيت , ولأول وهلة , حجبت الأتربة التي أثارتها السيارة القادمة الرؤية , بحيث لم تتبينها جيدا وهي تدور حول منحدر التل , ولم يستطع شيب بحاسة سمعه الحادة , أن يتعرف على صوت السيارة المقتربة من المنزل , لذا وقف شعر شيب على ظهره ترقبا , وهو يتقدم بشجاعة متحديا المتطفل الجديد القادم اليهم.
وعندما تعرّفت كايسي على السيارة والمقطورة حاملة الجواد , وضعت يدها على خصرها في حركة كلّها تقزز وغضب , بينما ضغطت على شفتيها بحركة تدل على الصرامة ,وتوقفت السيارة أمام المنزل , ونزل منها الرجل الغريب الطويل الذي سبق له أن عاونها في تغيير الأطار ولم يهتم الرجل بتهديدات شيب الشرسة وقالت كايسي بأستهزاء:
" لم تكن هناك حاجة لأن تتبعني , فأنا قادرة على العودة للمنزل بدون مساعدة ".
فقال الرجل بصوت أجش عميق , لكنه هادىء مع ما فيه من لهجة الآمر :
" أليست هذه مزرعة غيلمور؟".
فردت عليه كايسي بحدّة وتبرم:
" نعم ,ولكن أذا كنت تبحث عن عمل فيمكنك أن تعود من حيث أتيت , لأننا لا نحتاج الى عمال , وأذا أحتجنا اليهم فلا نريد أستخدام رعاة بقر من النوع الرخيص".
وألتقت نظراتهما في تحد صامت بينما ظل شيب يزمجر لوجود الرجل الغريب , وبالرغم من تأجج الغضب الواضح في عيني الرجل الرماديتين , ألا أن كايسي عجبت من رؤية بريق من الدهشة في عينيه ممزوج بنظرة كلّها أهتمام وتسلية ,وشعرت كايسي كأنها زهرة تحاول أن تمنع أسدا مفترسا من التعرض لطريقها , بكل ما يحمل هذا الشعور من يأس لا طائل من ورائه , فهذا الغريب ليس ألا متطفلا تسلّل الى مزرعتهم , وسمعت كايسي والدتها وهي تسأل :
" هل سمعت صوت سيارة تقف هنا؟".
وجاء السؤال من الداخل قبل أن تفتح الأم الباب وقبل أن تجيبها كايسي , رأت لوسيل غيلمور الرجل الغريب واقفا أمام الكلب المزمجر , فصفّقت الأم بيديها لتدعو الكلب اليها حتى يترك الرجل , كما ألقت على أبنتها نظرة تأنيب وعقاب , وبأدب رفع الغريب قبعته تحية للوالدة وتقدم نحوها وهو يسأل :
" هل أنت السيدة غيلمور؟".
" نعم , أنا هي , هل من خدمة تسديها اليك؟".
وكان صوت الأم يدل على ترحيب ودود وكرم طبيعي وهو أمر عادي بالنسبة اليها.
" أسمي ماكاليستر .....فلينت ماكاليستر".
أندهشت الأم وأبنتها أشد الدهشة لكلامه , وكان فلينت يرقب ردة فعل كشفه عن شخصيته بالنسبة الى كايسي بالذات , فقد أنزلت يديها عن خصرها , بينما خفّضت من كتفيها الشامختين بكبرياء , بحركة تدل على عدم تصديقها لما تسمع , ولو كانت فتحت فمها من الدهشة لما عبّرت عما بنفسها أكثر مما فعلت , فقد أنتابها ذهول فجائي لم تعرف كيف تواجهه , وتنبهت الى أمها وهي تقول للقادم الغريب:
" أننا لم نتوقع حضورك قبل منتصف الأسبوع".
منتديات ليلاس
أما كايسي فظلت تحملق في الرجل الذي لم يشبه تصوّرها السابق لفلينت ماكاليستر , الذي بدأ يقول:
" أرجو ألا أكون تسبّبت في مضايقتكم".
فأبتسمت لوسيل غيلمور وهي تقول مرحبة به:
" كلا , لقد أنتهيت لتوي من أعداد بعض الفطائر , أما القهوة فهي دائما على الموقد , هلا تفضّلت بالدخول؟".
فأشار نحو المقطورة وقال:
"يسرني ذلك , لكن يجب أن أعنى بأمر جوادي أولا".
" ستريك أبنتي كاسندرا مكانا تتركه فيه".
ومما أغضب كايسي أن والدتها نادتها بذلك الأسم الذي لا تحبه , كما أنها لا ترحب بأطلاع ذلك الرجل على أي شيء خاص بالمزرعة , ألا أنها لم تكن في مركز يسمح لها بعدم أطاعة والدتها , فقد نفّذت أمرها وهي مرغمة.
وألتقت نظراتها الثائرة بنظرات الرجل المتهكّمة برهة قبل أن تتجه كايسي نحوه , وقد عرفت من صوت أغلاق الباب أن الأم دخلت الى المنزل , وظلّت نظرات كايسي متجهة الى الأرض لفترة , ثم ذهبت الى خلف المقطورة حيث سبقها فلينت ماكاليستر , وكان العداء الذي شعرت به نحوه قبل أن تقابله , والعداء الذي شعرت به نحو الغريب الذي فرض عليها مساعدته بغطرسة وكبرياء قد تجمعا معا في شعور هائل من الكراهية , وكانت عيناها مثل قطعتين من الفحم المتوهج وهما تلتهبان بالشرر الداكن , بينما أخذ الرجل يسحب جواده من المقطورة.
ولو كانت الظروف مختلفة لوقعت كايسي في حب ذلك الحصان الذي رأته , فقد كان من نوع الأبالوشا الأسود النادر المحلّى باللون الأبيض في بعض أجزاء جسمه , وكل ما جال في خاطرها وقتئذ هو أن في مقدور أي شخص أن يقتني جوادا كهذا أذا كان لديه القدرة المالية على شرائه , ولو فكرت كايسي في ذلك قبل الآن , لما أختارت في مخيلتها غير هذا الحصان ليقتنيه فلينت ماكاليستر ويركبه ويجذب به الأنظار الى نفسه , وسرعان ما قالت:
" أتريد أصطبلا لحصانك ؟ أن جياد مزرعتنا تنطلق في الأحراش وتحتمي تحت تعريشة بسيطة".
فردّ عليها قائلا:
" أنه فحل جواد , وأفضل أن يكون منفصلا عن غيره , ولا داعي للأصطبل".