3- مجيء الرجل المتعجرف
[FONT="Arial Black"]
لوّحت كايسي مودعة مارك وهو يمتطي حصانه الى حيث يستقل سيارة المدرسة , وكان مبدأ مار ألا يمشي أذا كان بمقدوره الركوب , كما كان يحصي الأيام حتى يصل الى سن السادسة عشرة , حيث يسمح له بأستخراج رخصة القيادة حتى لا يضطر لركوب سيارة المدرسة , وتنهدت كايسي وهي تفكر بأن ذلك اليوم ليس ببعيد.
سام وولفر العامل المساعد في المزرعة منذ عشر سنوات بدأ في تثبيت حدوة للحصان , ورغما عنها نظرت كايسي الى الجواد المربوط في عامود قريب.
كان هو الحصان أيتغان جو الذي أسقط والدها من فوق ظهره , وأخذت كايسي تراقب الجواد من زاوية خلفية وقد أعجبت بكمال تكوينه وجمال عضلاته , وكان جلده البني الغامق يلمع في شمس الصباح , بينما أخذ يهز ذيله الأسود ليهش به الذباب من حوله , وعند سماع وقع حذائها الطويل على الأرض المغطاة بخليط من الرمل والحصى , أدار الحصان وجهه في أتجاهها , ولم تستطع أن تسيطر على الرجفة التي سرت في جسمها عندما نظرت الى وجهه الأبيض الذي يتخلله قليل من اللون البني على الصدغين , وكان والدها يسميه المتقلب وهي تسمية وافقت هي عليها خاصة عندما نظرت الى عينيه ووجدت أن أحداهما بنية والأخرى زرقاء.
ثارت أعصابها عندما ألتقت نظراتها بنظرات الحصان , فطالما ناقشت أباها في أمر بيعه ولكنه عارضها بحجة أنه حصان ممتاز لرعاية قطيع المواشي , وهي حقيقة لم تنكرها كايسي , فقد كان أينغان جو أحسن جواد في المزرعة , وكان الجلوس فوق سرجه متعة وهو يقوم بعمله , أما فيما عدا ذلك فلم تكت كايسي ترتاح اليه , أذ لم يكن من السهل التنبؤ بما قد يصدر عنه , ولا يمكن الأعتماد عليه في القيام بأبسط الأعمال.
وفي يوم الحادث حاولت كايسي أقناع والدها بأخذ جوادها للأطمئنان على حال البئر القريب من المنزل , أذ أن جواده المفضل كان يشكو من العرج , ومع ذلك صمم على أعتلاء أينغان جو الذي تسبب بوقوع الحادث الأليم.
منتديات ليلاس
وبصعوبة نفضت كايسي عنها تلك الذكرى الأليمة وأسرعت نحو جوادها الواقف على أهبة الأنطلاق , وكان لون جلده الأصفر الغامق يبرز سواد عرفه وذيله وأسفل أقدامه , وتبعها الجواد وهي تمسك لجامه وتقوده خارج الحظائر نحو مقطورة الخيول وكان الكلب شيب جالسا بجانب السيارة وهو يدق بأقدامه بحركة رتيبة متلهفة للأنطلاق , وبمجرد أن ربطت الجواد بعناية في المقطورة أعطت كايسي الأشارة للكلب لكي يركب في الجزء الخلفي من السيارة , وبسرعة لبى أمرها بدون حاجة لأن تكرره.
وعندما قفزت كايسي داخل السيارة أطلقت آلة تنبيهها مرتين لتخبر سام بأنها ستخرج.
كان مارك يسمس سام , سام الصامت , ولم يكن أحد يعرف الكثير عنه , فلم يظهر أي أهتمام بأسرته , وكان قد رفض أقتراح الأسرة بمبيته في الكشك الصغير ,وفضّل النوم في مقطورة شبه محطمة وضعها بجوار أحدى البحيرات الموجودة في المزرعة , والتي يمكن وصفها بأنها مستنقع كبير ,ولم يكن سام يتكلم كثيرا , ومن هنا جاء أسمه ,غير أنه عندما يتكلم كان لا بد أن يقول شيئا هاما أو مفيدا , وكان رأيه في النساء يتفق مع رأي أهل غرب أمريكا الأولين , لذا كان يعاملهم بمنتهى الأحترام والأدب , وكثيرا ما شعرت كايسي أن سلوك سام نحو والدتها كان يقرب من ,كما شعرت أنه من بقايا فئة من الرجال الذين تركوا بصماتهم على الحدود الغربية للولايات المتحدة , وكان سام مديد القامة , نحيل الجسم , خجول بالطبع , كما كان ملما ألماما تاما بكل خفايا الطبيعة من نبات وحيوان , لذا علّم كايسي أسماء النباتات التي كانت تنمو في ساندهيلز , كما عرّفها بفوائد هذه النباتات بالنسبة الى الهنود الذين جابوا تلك المناطق في وقت من الأوقات , وقصّ عليها كل ما يعرفه عن سيطرة الثيران البرية على هذه البراري بفضل عددها الكبير الذي كان يقرب من الملايين.
تذكرت كايسي كيف كان سميتي وجوني يداعبانها وهي صغيرة ويقولان لها أن سام يتيم من أبناء القبائل الرحل التي هاجمها الهنود وأنهم ربّوه كأحد أبناء الهنود.
وقد ساعد شكل سام المهيب ووجهه الذي لا يدل على سنه , ساعد كايسي على تصديق هذه القصة حتى قال لها والدها أنها قصة لا يمكن أن تحدث , ومع ذلك كانت تلك هي الصورة التي بدا بها سام وولفر لكايسي وسيبدو دائما بها , أنه ينتمي الى عهد مضى والى نوع آخر من الرجال.
وكادت كايسي أن تصل الى بوابة تدعى بيرنت هولو عندما شاهدت التراب المنبعث من سيارة سميتي وهي تقترب , وعندما أوقف سيارته بجانب سيارتها , كانت كايسي قد حلّت جوادها ثالي وأنزلته من المقطورة وأخذت تفتح البوابة , ومثل كايسي لم يضيع سميتي وقتا في أنزال حصانه وقيادته عبر البوابة , فقد آمن كل منهما بأن للعمل أولويته ثم يليه الحديث , وبمجرد قفل البوابة أعتلى كل منهما صهوة جواده وأخذ الجوادان يطويان الأرض بينما هز شيب ذيله وهو يمرح أمامهما.
وبعد أن سارا بمحاذاة السور لمسافة معينة , بدّد سميتي الصمت بينهما متسائلا :
" ماذا قال مارك عندما علم بمجيء الرجل الجديد؟".
" أنت تعرف مارك جيدا , فأن أكبر كارثة في حياته وأهم ما يشغل باله هو أعتقاده بأنه لن يزداد طولا".
وضحكت كايسي , لكن سرعان ما ظهرت على جبينها تقطيبة لا شأن لها بشمس الصباح الساطعة وقالت:
" بدا عليه الأرتياح لأن أعماله ستقل أثناء الصيف بقدوم الرجل , وأعتقد أنه رد فعل طبيعي لفتى في مثل سنه".
وعاد سميتي يقول مداعبا:
" هكذا تتكلم السيدة العجوز , وهي تعبّر عن حكمة الأيام والسنين!".
فأصطبغ وجه كايسي بحمرة الخجل وهي تشعر بما كان في صوتها من نبرات تنم عن السيطرة , وأضفت هذه الحمرة على وجنتيها وهجا جميلا من الأنوثة , وكان شعرها مكشوفا للشمس التي أضفت على اللون البني بريقا ذهبيا , وداعب النسيم شعرها القصير فلامست خصلات منه وجهها وكأنها تقبله , وكان حاجباها طبيعيين , لم تمس قوسيهما معدات التجميل , أما عيناها اللتان كانتا أحيانا تعكسان أمارات الغضب فقد بدتا اليوم دافئتين يغلب عليهما الخجل ,وقد زاد من مظهر البراءة البادية عليها نقط النمش المرتسمة على أنفها ووجنتيها , وبالرغم من صغر فمها الذي يتناسب مع حجم بقية قسماتها , فقد كانت شفتاها مكتنزتين , وأشارت كايسي بيدها قائلة:
" ها هي الفتحة الموجودة في السور".
وكانت أمامها تماما شجرة جرّدها برد الشتاء , وحر الصيف الجاف , من أوراقها وقشور جذعها الذي أصبح بلونه الكالح يبرز لون البراري الأخضر وقد سقط فرع من الشجرة فجذب معه جزءا من السور أثناء سقوطه.
وبسرعة ثبّت كل من كايسي وسميتي حبالهما حول الفرع وجذباه بعيدا عن السور , ثم نظّفا المكان من بقايا الأسلاك الشائكة المحطمة , وعندما أمتطيا جواديهما ودخلا من فتحة السور أشار سميتي الى الجهة التي رأى فيها ماشية أنكور بار.
وكانت التلال ممتدة أمامهما توحي لمن يراها أنها منبسطة , ألا أن المنخفضات التي تتخللها كانت غائرة بحيث يمكنها أخفاء أي بقرة كبيرة أو حتى أي جواد براكبه , وفي أماكن متفرقة كان عشب البراري قد تآكل من جانب التل بحيث تعرّت الأرض الصفراء , وكانت الطيور تشدو وتحلق حولهما.
وكثيرا ما سمعت كايسي بعض الناس يصفون المكان بأنه مهجوز بسبب السماء المفتوحة , والتلال الممتدة عبر الأفق , ألا أن كايسي سمعت بفرح همس الرياح , وتغريد الطيور , ووطء حوافر جوادها وهو يخطو بين الأعشاب والرمال , وكانت كايسي تحب الأستيقاظ مبكرة لترقب الشمس وهي تبرز من بين السحاب , كما ترقبها وراء الأفق , كان هذا موطنها الذي لم تشعر فيه بالوحدة , وكيف تشعر بالوحدة وحولها أشخاص تحبهم ومناظر جميلة من صنع الخالق!
منتديات ليلاس
وعندما وصل الفارسان الى قمة التل رأيا قطيع البقر الصغير وهو يرعى في الوادي الخصيب , ورفعت الماشية رؤوسها ببطء عندما أقترب كل من كايسي وسميتي منها , بينما مشى شيب وراءهما في صمت فاتحا فمه فيما يشبه الأبتسامة السعيدة وأخذ يلهث , وجال بعينيه البراقتين ليفحص الماشية منتظرا أشارة من سيدته لجمع القطيع , وقالت كايسي برفق.
" أرى سبع بقرات عليها علامة أنكور بار".
وأومأ سميتي لها بموافقته , بينما هما يطوفان حول القطيع ورأيا ثلاث بقرات أخرى ترعي بعيدا عن المجموعة الكبيرة , وأشارت كايسي بيدها نحوها فأندفع شيب مسرعا ليقوم بجمع البقر , وكان الكلب كالدوامة الهوائية وهو يجري ويقفز من بقرة الى أخرى حتى تجمعت معا في دائرة واسعة , فوخز كل من كايسي وسميتي جواده ليندفع الى الأمام لكي يفصلا بين بقر أنكور بار والبقر الآخر , وظل شيب جالسا في سكون على الأعشاب بلا حركة ألا عندما يشعر أن أحدى بقرات أنكور بار تحاول أن تنضم للبقر الآخر.
" أقسم بأن هذا الكلب يستطيع قراءة علامات البقر".
قالها سميتي عندما أنتهى الكلب من فصل آخر بقرة عن القطيع الآخر , وصحب الجميع البقرات العشر نحو الفتحة الموجودة في السور .
وقالت كايسي مبتسمة للكلب وهو يجري بجوار الماشية:
" أحيانا أشعر بشيء غريب عندما أنظر اليه".[/FONT]