وأنتهزت كايسي الفرصة لتنظر مليا ألى الشخص الذي أصابها ثم أصبح منقذها , ووجدت أنه لا يكبرها بكثير , فربما كان في الثانية أو الثالثة والعشرين من عمره , وقدّرت طوله , عندما يقف بست أقدام , أما شعره فلقد لفحته أشعة الشمس حتى حوّلته ألى لون يكاد يكون أبيض وكان معقوصا بطريقة تتميز بالخصلات الطويلة المشعثة , أما ما بدا من جسمه من خلال سترته البحرية الزرقاء ومن أسفل لباس البحر فقد كان شديد السمرة من لفح الشمس , وعندما أستدار أليها رأت أن لعينيه لونا أزرق والشيء الغريب هو ما أنطبع في ذهن كايسي عنه , لم تكن جاذبيته , رغم شعورها بها , لكن عدم وجود أي شبه بينه وبين فلينت كلّية , بل كان في الواقع نقيضه تماما.
منتديات ليلاس
وأبتسم لها فظهرت أسنانه البيضاء وهو يقدم لها القدح البلاستيك المليء بالقهوة الساخنة وأنتظر وهو يرقبها حتى تحتسيها ببطء وقد أخذت سخونة الشراب تغلب على شعورها بالبرد , وشكرته وهي تبتسم في وجهه قائلة:
"أنها رائعة ".
وعاد يسألها :
" هل أرتطمت رأسك بالمركب بشدّة ؟ وهل أصبت بأرتجاج بسيط أو بشيء من هذا القبيل ؟".
وجرت عيناه الزرقاوان على وجهها وشعرها كما لو كان يتوقع وجود شيء ظاهر خارجي يثبت مخاوفه .
" لا أدري........".
وضحكت بعصبية ورفعت يدها لتتحسس الجزء المصاب تحت شعرها , ولم يكن هناك شك في أن الجزء كان يؤلمها , لكنها كانت متأكدة أنه مجرد ورم طفيف لا يلبث أن يزول , وعادت تقول :
" لا أظن ذلك , مجرد كدمة بسيطة".
" حمدا لله".
وأبتسم الشاب وتنهد معربا عن أرتياحه , وهز رأسه ومد يده أليها وقد جلس القرفصاء بجانبها وقال:
" أسمي سين سورنيسون , وقد أسعدني أرتطامي برأسك يا آنسة ........".
" كايسي غيلمور".
وفجأة أهتزت الأشرعة الحمراء الذهبية وأنتفخت بعد أن ملأها الهواء الذي أخذ يشتد قليلا , وزاد نشاط سين وحركته , وأخذ يجذب الحبال ويدير الدفة أما كايسي التي لم يسبق لها أن ركبت سفينة شراعية قبل ذلك , فقد أخذت ترقبه بأهتمام وشغف , وسرعان ما كانت تقفز فوق سطح الماء , وقال سين :
" ما رأيك في نزهة حول البحيرة ؟ أعني كنوع من التعويض عن ضربة رأسك؟".
فترددت كايسي بعض الشيء أذ لم تكن تعرفه بالقدر الذي يسمح لها بذلك ألا أنه أعجبها ولكنها قالت في نفسها أنه لا يمكن للأنسان أن يأمن أحدا .
وعندما لاحظ ترددها قال مداعبا:
"أنني لن أخدعك أو أغرر بك , وسأظل قريبا من الشاطىء حتى أذا بدأت في مغازلتك , يمكنك القفز من المركب والسباحة ألى الشاطىء".
فضحكت كايسي وقالت:
" تحلو لي النزهة البحرية تحت هذه الظروف , فلم يسبق لي ركوب السفن , وكنت أتصور دائما أنها ممتعة".
فقال سين وكل أنتباهه ينصب على الشراع وحبال السفينة :
" أعدك أنك ستستمتعين بالنزهة البحرية".
وفعلا أستمتعت كايسي بها , فقد أنسابت السفينة في هدوء ويسر وبلا عناء عبر المياه مثل البجعة الرشيقة وهي تسبح في البحيرة , ونفذ سين وعده , فأحتفظ بالسفينة قرب الشاطىء , وشعرت كايسي كأنها تطير فوق بساط الريح , فقد كانت نزهة هادئة لا يعكر صفوها صوت أي محرك.
وكانت تحيط بالحيرة تشكيلات من الصخور , ولكل منها شكل فريد في تكوينه وجماله , وترامت الشواطىء متتابعة بيضاء بينما كانت المياه التي تنساب على حرافيها تعكس زرقة السماء ,وكان السيّاح بملابس السباحة والشاطىء الزاهية يضفون ألوانا خلاّبة على تلك الجنة الغنية بالشمس والرمال , التي يرتادها السياح وطلاب المتعة والراحة , وكانت البحيرة , وكل ما يحيط بها من جمال , مثل الواحة وسط الوديان , أما الرحلة فكانت منعشة لكايسي حتى أنها كادت تنسى فلينت ولو أن الفكرة نفسها ذكرتها به ثانية , وتمنت لو كان معها الآن خاصة وأنها رأت زهرة خشخاش بيضاء يحف بها الشوك وقد نبتت على أحدى الصخور القريبة من الشاطىء , وبدت كمنارة تهتدي بها السفن , وخيّل لها كأن الزهرة تضحك لها من بعيد , لذا لم تسمع سين وهو يسألها رأيها في الرحلة .
منتديات ليلاس
وعاد ينادي عليها فألتفت أليه تزيح الدمع التي غطت عينيها , ثم قامت بأشارة فهم منها سين أنها سمعت نداءه رغم قرقعة الشراع.
" يوجد مرفأ في الخليج القادم به مطعم يقدم طعاما شهيا , فهل تريدين تناول شيء ؟".
فأبتسمت وهي توافق على أقتراحه , ثم أستدارت للتطلع ألى البحيرة ثانية , حتى لا تضطر للكلام معه , وبعد دقائق كان يقترب بالمركب من الرصيف , وبمهارة وكفاءة كبيرين قفز ألى الممر الخشبي وربط المركب فيه , ومدت كايسي يدها له ليساعدها على النهوض من مكانه لتصاحبه خارج المركب , لكنه عاد يقول:
" أنتظري لحظة".
وقفز ألى المركب ثانية حيث خلع سترته الخاصة بالملاحة ولبس بدلا منها قميصا أصفر وألقى بالسترة ألى كايسي قائلا لها .
" أرتديها , وأرتدي هذا أيضا".
وألقى أليها سين على الرصيف بزوج من الصندل.
" كلها كبيرة , لكن شعار المنطقة هو لا قميص ولا حذاء ولا خدمة!".