8- عودة الغريم الآخر
وسافر ديفيد يوم الأثنين ألى لندن , من دون أن يودّع موراغ التي كانت منشغلة بأقامة الزينة والأستعداد لحفلة زواج كايتي , وسرّها أن غضبها الذي أثارته في وجه ديفيد أسفر عن النتيجة المتوخاة , ذلك أنه تجاهلها تماما , والآن بعد أن رحل شعرت أنها تحررت من كابوسه الذي عانته طوال الأسابيع الأخيرة .
وسرّها أن تعود الحياة ألى رتابتها , وأن قلبها لم يعد يخفق كلما رأت ديفيد يصعد الدرج قافزا أو يختفي خارجا من الباب , نعم , سرّها ذلك , ولو أنها لم تزل تشعر بالغصة , ففي محاولتها الأساءة أليه أساءت ألى نفسها أكثر , ثم أنها لامت نفسها على ما صدر منها من تصرف فظا نحوه , وهو الذي لم يظهر لها ألا اللطف والتفهم.
ووصل آندي ألى الفندق . مساء يوم الثلاثاء , ببزته الرسمية وشعره الكستنائي المرتب , كان قصير القامة رقيقها , بحيث ظهرت موراغ أطول منه مع أنه يزيدها ببضعة سنتيمترات , ألا أنه من النواحي الأخرى لم يتغيّر , بل بقي ذلك الولد الذي رافقها في المدرسة.
وأدركت موراغ أن آندي لن يفاتحها بالزواج في الحال , وأنما يفضّل أن يتريث بعض الوقت , ولم يزعجها ذلك , لأن وجوده لم يثر فيها أية بهجة , وحين ودّعها ليذهب ألى أهله لم تأسف لوداعه , بل نسيته حالما خرج من الباب .
وكان يوم الأربعاء , يوم العرس , مشمسا على رطوبة وأعتدال , وفيما العروسان , كايتي وجوني , يستعدان للذهاب في شهر العسل , فكرت موراغ أنه ليس من الضروري أن يكون أثنان في غرام عنيف حتى يتزوجا , وأذن , فلعل الصداقة غير المثيرة التي تربطها بآندي كافية لتكون أساسا لزواج سعيد.
منتديات ليلاس
وحين صعد العروسان ألى السيارة رمت كايتي بباقة الزهور ألى موراغ قائلة:
" خذيها يا موراغ .... أنت العروس المقبلة!".
فأمسكت موراغ باقة الزهور , وآندي ألى جانبها , وهي تشعر أنها كانت محط أنظار الحاضرين وتمنياتهم لها بزواج سعيد من آندي .
وهكذا وجدت نفسها أمام الأمر الواقع الذي لا غرام فيه , ولكن أي شأن للغرام في مجرى الحياة العادية ؟ فهي في الأيام القليلة اتالية , بعد أن عادت ألى علاقتها الماضية مع آندي , بدأت ترافقه ألى حفلات الرقص , وتتحدث أليه عن عن ناقلة النفط التي كان يعمل على متنها , وتضع معه الخطط للذهاب ألى التزلج على الثلج وما ألى ذلك , حتى أنها دعته ألى تناول الغداء يوم العيد مع بيتر وجين.
وكانت موراغ في كل هذا تراقب آندي عن كثب , فلاحقت وجهه الفتي من أية تجاعيد , وآراءه الفجة بعض الشيء , وموقفه الساذج نحو العمل في الحياة , فكل ما كان يهمه هو أدخار المال والحصول على ما أمكن من أوقات الفراغ , ومع مرور الأيام تناقص شغفها به , حتى كادت لا تجيبه أو تصغي ألى كلامه.
وفي آخر الأمر , وكان ذلك يوم أحد , لاحظ آندي ما أصبحت عليه حال موراغ معه , ففيما هما يتسامران , خامره شعور بأن شيئا ما قد أنطفأ في قلبها وأنها لم تعد تتجاوب معه كالعادة , فأنتفض ونظر أليها بعينين رماديتين وقال لها:
" ما بك؟ تغيرت كثيرا عما مضى!".
فأجابت موراغ :
" لا شيء ...... ثوبي هذا جديد , ولكن شعري لا يزال كما كان!".
فقال لها آندي:
" لا أعني ذلك , أعني أنك تتصرفين كما لو كنت أمرأة ناضجة , فلا يعجبك ما كان يعجبك من قبل , تذكري كيف كنت , مثلا , ترقصين بحماسة كدت تفقدينها أخيرا........".
فضحكت موراغ قائلة:
" وهل هذا مهم؟".
فأجاب آندي:
"كان يهمك من قبل , أما الآن فماذا جرى ؟ أشعر كأنني لم أعد أعرفك , وكلما جلسنا معا يخيّل ألي أنك على بعد أميال مني!".
ولم تكن موراغ تظن أنه شديد الملاحظة ألى هذا الحد , فبات عليها أن تبذل مزيدا من الجهد لتظهر أكثر أهتماما به , يكفي أن يكون في نظرها شابا وسيما ومخلصا , وأن يوفر لها السياج الذي يحميها من ديفيد , ولذلك لبست قناع الخفة والمرح وقالت له:
" كفاك يا آندي ......كلانا تغيّر قليلا نحو النضوج ...أفلا تظن أن هذا أمر طبيعي؟".
وأبتسمت قليلا في وجهه , فسرّها أنه بادلها الأبتسامة وقال لها:
" الحق معك , ولكن شيئا واحدا لم يتغير , وهو أنك تبدين رائعة الجمال حين تبتسمين هكذا".
وجاء يوم الأثنين , وأخذ الناس يستعدون للأحتفال برأس السنة , وعاد مهندسو المحطة ألى عملهم ونزلوا في الفندق , وكان ديفيد آخر العائدين , فيما كانت موراغ تتأهب للخروج مع آندي برفقة آن وفرانك , فما أن سمعت وقع خطواته وهو يدخل البهو حتى خفق قلبها وألتهب خدّاها , فقالت في نفسها : أذا كانت هذه رد فعلي قبل أن أراه , فكيف ستكون , أذن , بعد أن أقف أمامه وجها لوجه؟
وقررت موراغ أن تمتحن شعورها غدا صباحا , بالعودة ألى تقديم طعام الفطور , وحين فعلت , لم تحظ من ديفيد ألا بنظرة حادة قاسية وصمت مطبق , وبدا ديفيد في صحة جيدة بعد العطلة , فزال الشحوب الذي كان يعلو وجهه بتأثير السهر والعمل الشاق , وزاد لمعان شعره الذهبي , وعلى العموم , كان يزخر بحيوية وتّرت أعصاب موراغ الطرية.