فقالت موراغ:
" لا يمكن الأعتماد على المرصد الجوي دائما . ..... ولكن , ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.....".
وجاء شهر كانون الأول وأستمر الطقس في برودته , وكانت أخبار سقوط الثلج تتوارد , حتى أنه أصبح واضحا على سفوح الجبال , وكان لونه أبيض لامعا في وضح النهار , وبرتقالي اللون عند المساء وعند الصباح.
وبعث الطقس البارد نشاطا ملحوظا في موراغ , فبدأت تعد أدوات التزلج في ساعات فراغها القليلة , ذلك أن بيتر وزملاءه كانوا لا يزالون يعالجون الأزمة التي وقعت في المحطة , فيعملون بجهد ولساعات طويلة , آملين أن ينتهوا من ذلك قريبا ليعودوا الى نمط عملهم العادي.
وكانت موراغ تتوق الى مجيء ذلك اليوم , لأنها كانت تتهيأ للذهاب الى تلال هوايت كراكز , حيث أعتادت على التزلج كل سنة , منذ كانت في الحادية عشرة ,وكان المكان متواضعا , جهّزه أيان على أرضه , وهو أحد المزارعين الذين حازوا شهرة عالمية في التزلج , فبنى عددا من الأكواخ كان في وسع المتزلجين أن يبيتوا فيها , شرط أن يجلبوا طعامهم معهم.
وصحّ ما توقعه بيتر , فبعد بضعة أيام عادت الحياة في المحطة الى طبيعتها , وأصبح لدى موراغ متسع من الوقت لقضاء عطلة آخر الأسبوع في التزلج , وأتصلت آن لتقول لها أنها وأخاها داني وخطيبها فرانك سيأتون في سيارة صباح السبت لأصطحابها الى مكان التزلج , لأن أيان أخبرها أن الثلج سقط بما فيه الكفاية.
فشرعت موراغ تتهيأ حتى أذا ما جاء صباح السبت كانت على أتم الأستعداد , فتركت أدوات التزلج على البهو ودخلت المطبخ لجلب الزادلذي أعدته من قبل , فوجدت أمها جين هناك تهيء طعام الغداء , فقالت لها موراغ , وهي تحمل كيس الطعام :
"هذا الطعام يكفينا كلنا .....هل أنت متأكدة أنك قادرة على تدبير شؤون الفندق وحدك؟".
فأجابتها جين:
"أما قلت لك ذائما أن تطمئني ؟ أذهبي وأقضي وقتا ممتعا مع أبناء جيلك... .... أريدك أن تعاشريهم من حين الى آخر".
فوعدت موراغ أمها , على أن تعود مساء الأحد.
وفيما هي تعبر البهو شاهدت ديفيد واقفا قرب الطاولة التي يوضع عليها بريد النزلاء , وكان يقرأ رسالة وردت اليه , وبدا من ملامح وجهه العابسة أن ما جاء في الرسالة لم يرق له , وأحس بمرور موراغ فنظر اليها وقال:
" أين وعدك لي ؟ لا شيء أعمله في نهاية هذا الأسبوع , فلماذا لا تدعينني الى مرافقتك؟".
منتديات ليلاس
ووقفت سبارة أمام الباب وتعالى نداء راكبيها , فقالت موراغ:
" ها هم ينادونني ..... وعلي أن أسرع".
قالت هذا على أمل أن تتخلص منه , ولكنه أستوقفها ملحا عليها أن تأخذه معها , وكان يقول ذلك وهو يبتسم محاولا أقناعها , فقالت له:
" لكن آن وداني بأنتظاري في السيارة .... فأرجوك يا ديفيد أن تحيد من طريقي , لئلا يحسبا أنني عدلت عن الذهاب معهما".
فقال لها ديفيد:
" أخبريني الى أين أنتم ذاهبون للتزلج ,وأنا ألحق بكم بعد الغداء , ألا أذا أردتم أن تنتظروني!".
فهزت رأسها قائلة:
" لا , لا تفعل..... لا أعتقد أنك تحب ذلك المكان".
ولكن ديفيد أصر وبقي واقفا في طريقها يمنعها من السير بأتجاه الباب , ما لم تخبره الى أين هم ذاهبون.
فقالت له موراغ:
" المكان متواضع جدا , هنالك بضعة أكواخ , وعلينا نحن أن نهيء الطعام".
ثم أخذت تشرح له بالتفصيل أين المكان وكيف الوصول اليه , بينما هو يمزق الرسالة التي بين يديه , وأشارت عليه أن يخبر أمها جين بذهابه , ويطلب اليها أن تعطيه بعض الزاد أضافة الى ما كانت تحمله معها.
ثم أسرعت الى السيارة , وأما ديفيد فراح يقفز الدرج صاعدا الى غرفته لأعداد أغراضه واللحاق بها.
كانت شمس الشتاء الصفراء البلورية تنحدر عبر سفوح التلال البيضاء , فيما أخذت موراغ تتزلج نزولا فوق أحداها , كان الثلج رائعا , وكان التزلج عليه ممتعا للغاية.
وحانت منها ألتفاتة , فأذا بها تلمح سيارة حمراء صغيرة تقف بين السيارات قرب الأكواخ , فخفق قلبها وهي تحدق باحثة عن رجل ذي قامة طويلة مميّزة .
وأقتربت آن منها , وكانت ترتدي قبعة صوف حمراء , وقالت لها :
" ما لك واقفة؟ كنت أحسب أنك جئت للتزلج!".
ونظرت الى حيث تنظر موراغ , فلما رأت ديفيد تابعت كلامها قائلة:
" ها ها..... الفتى الذهبي!".
فصاحت بها موراغ:
" لا تصفيه بهذا الوصف........ أرجوك!".
فأجابت آن:
" لماذا لا؟ عليك أن تعترفي أنه كذلك.... والآن الى أين أنت ذاهبة؟".
دعتها موراغ الى السباق , فقبلت دعوتها , وفيما هما تنحدران الى أسفل السفح , كان ديفيد قد وصل الى هناك بقامته المديدة وهندامه الخاص بالتزلج , فلما أقتربت منه لم تتمالك من أظهار فرحها بقدومه.
فقال لها :
" يا لك من متزلجة ماهرة , كيف لي أن أنافسك؟".
أعجبها مديحه , فقالت وهي تنفي نظرات التقدير في عينيه :
" هل وجدت صعوبة في الطريق؟".
أجابها:
" كلا , كانت سهلة , ووجدت المكان من دون عناء , يا له من مكان رائع! كيف ظننت أنني لن أحبه؟ ربما لأنك لم تريدي أن أرافقك..........".
فقالت له:
" خيّل الي أن هذا النوع من الأمكنة لا يروق لك , فأسباب الراحة فيه ضئيلة كما ترى , وصاحبه أيان جهزه لمن كان مثلنا لا يتحمل نفقات التزلج هناك في الشمال , فلا لهو ولا تسلية ........ والأسرّة قاسية كالخشب".
فأجابها ديفيد:
" ما الذي جعلك تعتقدين أنني أبالي كثيرا بالرفاهية في مثل هذه الأحوال؟ وكيف أخذت أنطباعا كهذا عني؟".
وحين لاحظ الأحراج الذي أثاره فيها كلامه , تابع قائلا:
" ربما تمكنت أن أمحو هذا الأنطباع في نهاية هذا الأسبوع..... والآن دعينا نصعد الى أعلى السفح لنتزلج بعض الوقت , قبل أن يخيّم الظلام..... فأنا لا أحسن التزلج كما يجب!".
ومن تلك اللحظة أخذ الوقت يمر سريعا , فكان بالنسبة الى موراغ وقتا مليئا بالدعابة والمرح والشمس الساطعة , وكان القمر في الليل يلقي ضوءه على السفوح , فينعكس بياضا فضيا هنا , وظلالا ساحرة هناك.
وليلة السبت أحيا المتزلجون سهرة أختلط فيها الغناء الشعبي بأنغام قيثارة داني ومزمار أحد الحاضرين , وكان ديفيد جالسا الى جانب موراغ وذراعه تطوقها , وأنامله تداعب شعرها الأسود الطويل , وحين جاء وقت النوم تفرّق الجمع , فذهب كل واحد الى فراشه.
وطلع صباح الأحد مشمسا ورائقا كالثلج المضطجع على تلك السفوح البهية , فراح ديفيد وموراغ يتزلجان ببهجة ما بعدها بهجة ,حتى أن موراغ تغلبت على شعورها العدائي نحو ديفيد عندما تلاقيا لأول مرة , وبدأت تنعم وهي الى جانبه بسعادة تنعكس على وجهها الساحر الفتيّ.
وفي آخر النهار قالت آن لموراغ , وهما تخلعان ثياب التزلج وتستعدان للعودة مع الآخرين:
" تعالي معنا الى البيت الآن , ما رأيك؟".
فأجابت موراغ:
" كلا , أشكرك".
فقالت آن :
" لا ألومك على رفض!".