فقال لها ديفيد
" لا بد أن يكون هناك نشاط ما تساهمين فيه خلال فصل الشتاء!".
فأجابت :
" نعم , خصوصا أذا سقط الثلج , ولكن ليس هنا على الشاطىء , وأنما هناك في الجبال , حيث يمكننا أن نتزلج".
فقال ديفيد :
" نعم , التزلج! فكيف سها عن بالي ؟ أرجو أن تأخذيني معك عندما يسقط الثلج , فأنا أحسن اتزلج , ولكن لا أعدّ نفسي من أبطاله".
وتثاءب ديفيد فجأة وفرك عينيه , كان تعبا جدا , فالأفضل له أن يذهب الى النوم بدل أن يتابع الحوار مع موراغ من دون جدوى.
وهذا ما خطر ببال موراغ , وقد أخذت تشعر نحوه بشيء من التقدير , فقالت له:
" ألا تعتقد أنك يجب أن تأوي الى فراشك يا سيد هاكيت؟".
فهز رأسه موافقا وقال:
" نعم , وسأستغني عن تناول طعام الفطور وأذهب الى النوم , ولكن شرط أن تناديني ديفيد , وأن تأخذيني معك الى التزلج على الثلج عند أول فرصة".
فلم يسع موراغ ألا الأبتسام , وهي تقول :
" يا لك من رجل ملحاج! حسنا , أعدك يا ....... ديفيد , والآن أذهب عني!".
ومر الأسبوع مرورا خاطفا , وكان من عادته أن يتباطأ ويجري على وتيرة واحدة , وذلك بفضل وجود ديفيد .
وكان ديفيد يروح ويجيء الى الفندق على هواه , فيحضر لتناول طعام الفطور في التاسعة أو العاشرة صباحا وهو ناعس العينين , من دون أن يفارقه المرح ,وكانت موراغ تخجل في بادىء الأمر أن تدخل غرفته لتوقظه من قيلولة بعد الظهر , ولكنها أعتادت على ذلك .ووجدت أنها , مهما صرخت ونادته بأسمه , لم يكن ليستيقظ من سباته العمق , فكان عليها أن تهزه بكتفه , حتى أذا فتح عينيه هربت مسرعة من الغرفة قبل أن يبادر الى التحدث اليها.
فما أن ينهض ويلبس ثيابه حتى يندفع الى المطبخ , وعبثا قالت له موراغ بلباقة أن في الفندق غرفة خاصة بالنزلاء , وعليه أن ينتظر فيها الى أن يتم تهيئة الطعام في الغرفة المعدة له , ولكنه لم يقبل بكلامها , بل أصرّ على الحضور الى المطبخ الدافىء حيث كان يتجاذب أطراف الحديث مع جين عن أسفاره ومغاماته , وكان يلمّح ألى أنه طاه ماهر , فيصف بعض الأطعمة الغريبة , وكانت جين. كعادتها في حسن الضيافة , ترضى بجلوسه في المطبخ , على أن موراغ بذلت جهدها لتجاهل وجوده هناك , لا لأنه كان يوجه الكلام اليها كثيرا , بل لأنها كانت , بينها وبين نفسها , تؤخذ بطريقة أقاصيصه وحكاياته , ذلك أنه شاهد كثيرا في أسفاره ولقي عديدا من الناس الذين يثيرون الفضول والأهتمام , وكانت موراغ, في كل يوم , تعزم على مغادرة الغرفة حالما يدخلها ,ولكنها كانت تجد نفسها مسمرة في مكانها , بفعل الأثر الذي كانت تتركه في نفسها أحاديثه الشيقة عن أقطار غريبة كم كانت تود أن تتاح لها فرصة زيارتها , للتعرف اليها عن كثب.
وفي مساء يوم الجمعة ذهبت موراغ لزيارة صديقتها كايتي , في الجانب الآخر من دارليغ ,وكانت النجوم قد بدأت تشع في السماء مع الأنوار التي كانت تنطلق من المحطة عبر الخليج , وكان المنظر ساحرا حقا , فتذكر موراغ كيف أن الأهلين عارضوا أنشاء المحطة خوفا من أن تشوه جمال تلك المنطقة , ولكن معارضتهم هذه لم تنجح , نظرا الى الفوائد التي كانت ستسفر عنها , ومن ذلك ما نعمت به المنطقة من أزدهار نتج عن كثرة المهندسين والخبراء القادمين اليها لبناء المحطة , وعن تشغيل الأيدي المحلية العاملة فكانت أن زالت كل معارضة , خصوصا بعدما تبيّن أن المحطة لم تكن تظهر بأزاء التلال الخضراء وراءها , على أنها في الليل كانت تبدو كقصر سحري تتلألأ أضواؤه فوق مياه البحر الداكنة .
منتديات ليلاس
كانت كايتي فتاة سمراء صغيرة القامة طليقة اللسان , فما كادت موراغ وصديقتها الأخرى آن روس تجلسان في غرفة الأستقبال حتى بادرت كايتي الى سؤال موراغ عن رأيها في ديفيد , فتعجبت موراغ كيف علمت كايتي بمجيئه , ولما أستخبرتها أجابت بأن جوني قال لها أن ديفيد جاء بديلا عن مديره الذي أقعده المرض , وأنه رجل قدير جدا , فضلا عن أن الفتيات كلهن يقعن في غرامه.
فقالت آن :
" لا أستغرب ذلك".
وأزاحت جدائل شعرها الأسود الطويل عن وجهها , أجابت موراغ:
"كيف تقولين ذلك؟ هل تلاقيتما؟".
" نعم , كنت في الطريق أنتظر الباص , فنقلني في سيارته وهو عائد من المحطة , ما أسعد حظك يا موراغ , لأنه عندك في الفندق, لو كنت مكانك لترنحت غراما كلما دخل من الباب!".
وقطبت موراغ جبينها وهي منكبة على تطريز ثوب العرس الذي بين يديها ,وفكرت في نفسها أن آن مثال الفتاة التي تقبل بأن ينقلها رجل غريب في سيارته ,وخيّل اليها أن ديفيد المحدث البارع , وآن الجريئة الوقحة , وجدا الكثير مما يجمع بينهما.
وقالت آن :
" هيا يا موراغ! أخبرينا عن ذلك الفتى الرائع الذهبي الشعر".
فأجابت موراغ:
" لا شيء أخبركما به عنه سوى أنه لا يروق لي".
فقهقهت آن ضاحكة وقالت:
" هذه صراحة عرفت عنك ,ولكن , لماذا لا يروق لك؟ هل حاول أن يغازلك؟".
فلمعت عينا موراغ أحتجاجا على طريقة التعبير وأجابت:
" أنا أفضل الرجال الصادقين الذين لا يستخدمون المبالغة في المديح ولا النفاق في الأطراء!".
فقالت آن ساخرة:
"ها ها ! أذن , فهو يحاول معك هذا الأسلوب في الأغراء! وهو أسلوب غير ما تعودته من آندي , فلا عجب أن تضطربي وتستنكري , وأسمحي لي أن أسألك : هل آندي قادر على الكلام؟ فأنا لم أسمع منه سوى الجعير".
وهنا صاحت كايتي في وجه آن قائلة:
"" كفى يا آن , أنت تزعجين موراغ بهذا الكلام".
فقالت آن :
" آسفة , قد أكون محسودة منك يا موراغ , فالفتى الذهبي لم ينطق ألا بالقول بي : ( أين تريدينأن تنزلي؟) هذا مع العلم أنني حاولت الفوز بأعجابه ,ولكن أظن أنه صياد نساء ماهر , فخذي حذرك منه!".
ورأت كايتي أن الحديث عن هذا الموضوع قد طال وحان تغييره , فأقترحت أن تسمع صديقتيها أغنية جديدة صدرت حديثا.
وأنقضى ما تبقى من السهرة على خير ما يرام , فكن يخطن ويصغين الى الموسيقى , وأنضمت اليهن السيدة بار , والدة كايتي , فقدمت اليهن القهوة والفطائر ,وعند الساعة العاشرة والنصف نهضت موراغ مودعة وأسرعت الى الشارع عائدة الى الفندق مشيا على قدميها.
وكان وقع خطواتها يسمع في تلك الطريق الخالية , وهي تستعيد كلام آن الساخر عن آندي , وعبثا تمكنت أن تبعث آندي في ذاكرتها , فبقي طيفا لا شكل له ولا رسم ,ومالت الى الأعتقاد أنه يفتقر الى فن المحادثة والحوار , ولكنها لم تتوقع منه غير ذلك يوما من الأيام , فالكلام يقل بين أثنين تصاحبا منذ أيام الدراسة الأبتدائية , فضلا عن أن الأسكتلنديين قوم طبعوا على الخجل وصعوبة التعبير .
على أن بينها وبين آندي كثيرا مما يجمع ولا يفرق , فكلاهما يحب السير على الأقدام , وركوب الزوارق الشراعية , والسباحة , والتزلج على الثلج , وكانت علاقتهما صميمة ,ولو لم يطلب يدها للزواج منه , غير أنه سيفعل حين يعود في العيد , وستجيبه الى طلبه , وكل شيء سيجري على ما يرام , وسيعيشان في بيتهما الصغير في دارليغ , وحين يسافر للعمل , من وقت الى آخر , تبقى وحدها بأنتظار عودته .
هكذا كانت موراغ تفكر وهي تسير نحو البيت , ولم يقطع عليها حبل تفكيرها غير وقوف سيارة بجانبها وصوت ديفيد يقول لها :
" أصعدي".
فترددت موراغ في القبول , لم تكن تريد صحبته ,ولكنها كانت من جه أخرى ترغب في التخلص من التفكير في آندي ومستقبلها معه , ولم يخف على ديفيد ترددها , فقال لها ساخرا:
" أذا كنت تفضلين السير على قدميك فلا بأس , لن يزعجني رفضك!".
وأدركت موراغ أنها أساءت التصرف معه مرة أخرى , فما كان منها ألا أن أنحنت وصعدت الى السيارة وهي تقول له:
"كيف عرفتني في هذه العتمة؟".
فأجابها ديفيد:
" عرفتك من ساقيك!".
وحين أبدت أستنكارها , قال لها ديفيد :
" ما الخطأ في ذلك؟ فساقاك جميلتان جدا , وهذا نادر في هذه الأيام , وأنا أتمنى أن لا تغطيهما دائما بالسروال".
ولم تكن موراغ معتادة على سماع مثل هذه الملاحظات الخصوصية , فألتزمت الصمت , مما دفع ديفيد الى مزيد من المداعبة ,فقال:
" أرى أنك أضطربت من كلامي , وهذا نادر أيضا..... وأريد أن أسألك: لماذا تكرهينني؟".
وحارت موراغ بماذا تجيب , وكيف تكافح رجلا كهذا.