وفي ضوء القمر رأته يرفع يده الى خده الأيمن ويمر بأصابعه فوق الندبة دون وعي , رفعت يدها بسرعة وأمسكت بيده من الرسغ وجرتها الى جانبه بعيدا عن وجهه وقالت:
" لا تفعل ذلك!".
هناك مشكلة ضمن المفاجأة , أبعد رسغه من قبضتها كأن لمستها قد أحرقته:
" عفوك!".
" هذه الندبة اللعينة هي المشكلة . رجل في مثل ذكائك.... ألا تعتقد أنك تتصرف بجنون ؟ أنها ندبة بسيطة وهي لا تشوهك كما تظن".
هزت رأسها وهي ترى أمامها شابا طائشا لا يصدق ما يسمع , كان وجهه الأسمر مشدودا مقابل وجهها , ثم أكملت:
" أنا لا أتظاهر ولا أكذب .... أن الندبة لا تشوهك أبدا ربما أنت رجل من مليون تزيده الندبة وسامة , وأعتقد أنك كنت أقل وسامة قبل الحادث , أنت اليوم تشفق على نفسك وتحتقرها......".
" أنا أشفق على نفسي؟".
" أليس كذلك؟ هل من المعقول أن تسمح لهذه الندبة أن تجعلك مسخا كريها يرتعد كل أنسان ينظر اليك ويبتعد عنك".
أعتقدت لأول وهلة أنها تخطت حدود اللياقة , نظرت اليه في ضوء القمر ,كأنه تلقى ضربة على رأسه , أبيض وجهه وشحب ثم أمتدت يداه النحيلتان القويتان وأمسكتا بذراعيها من جديد , لكنه لم يهزها هزا عنيفا كما توقعت, لم يفعل أي شيء , أمسك بها بدون وعي ووقف ينظر اليها مستغربا.
أفلتت يدا واحدة ومرّت بأصابعها بلطف فوق الندبة وقالت بلطف:
" أنها ليست بشعة ".
أكدت له مرة ثانية , ثم أفلتت من قبضته المتوترة وركضت مسرعة تنزل السلالم الخشبية وهي تقول لنفسها( لقد أنتهت مدة بقائك في براكيه حتما .... عندما يستفيق من صدمته سيطردك).
منتديات ليلاس
قامت ترينا بأسوأ ما يمكنها , لكنها ليست آسفة لما قالت , حان الوقت كي يعرف الحقيقة التي لا يجرؤ أحد على مفاتحته بها.... كان ينتظر ردة فعلها أو على الأقل شيئا من التقريظ الشفهي أو ما شابه , ربما كلامها معه كان على خلاف ما أنتظر.
حين وصلت غرفتها كان شعورها بالذنب يتضاعف , من غير المعقول أن تنسى ما حدث أو أن تركن الى مطالعة كتابها كالليلة الماضية , أطفأت النور وجلست قرب النافذة تفكر بأضطراب تحت ضوء القمر.
هل ما زال أندرو واقفا مكانه على السطح.... ربما كان يمطرها بوابل من شتائمه , راقصة حقيرة لها الجرأة لتتكلم معه على هذا النحو
ربما يكون الآن في مكتبه يوقع لها شيكا بأتعابها لتغادر براكيه ويضمنه رسالة قاسية يأمرها بالرحيل في أول قطار , عندما تركته لم يظهر عليه الغضب بل الجمود , لقد صدم , ربما ستتبع الصدمة موجة الغضب والثورة.
وفي الصباح الباكر ,ومع فنجان الشاي الصباحي وصلتها رسالة مغلفة مع الخادمة , أنتظرت قليلا حتى أنفردت بنفسها وفتحت الرسالة بأصابع ترتجف , كانت ورقة بيضاء مكتوب عليها الكلمات التالية بخط واضح:
" أرجو أن تعذريني , أنني صادق فيما أقول".
صعقت ترينا هذه المرة من دهشتها , قرأت الرسالة مرتين لتتأكد من مضمونها , قرصت نفسها لتتحقق بأنها ليست في حلم أو أنها تتخيل هذه الكلمات , أرتاحت فوق وسائدها وأبتسمت لنفسها أبتسامة رضى وقد داهمها شعور غريب وأحاسيس متضاربة.
( كم هو أنساني) , قرأت رسالته من جديد وقد غمرها أحساس لذيذ بأنها ستبقى في براكيه .... لن يطردها بالرغم من كل ما قامت أو تفوهت به.
أنهت فنجان الشاي بسرعة وقفزت من سريرها بدون أن تتلهى , كانت تحس ببعض الخجل لأنها ستقابله , لقد أعتادت أن تتناول فطورها مع الأولاد
نظرت حولها ولكنها لم تره , خاب أملها , ذهبت برفقة الأولاد الى الكنيسة , هذا يوم الأحد , وحين عادوا لم تره أيضا ولم تشعر بوجوده مع أنه كان فوق السطح حيث ألتقته البارحة ليلا
كان يراقب خروجهم جميعا من السيارة التي عادت بهم من دلثروب , كان الأولاد يتصايحون ويتراكضون الى غرفهم ليبدلوا ثياب الأحد الرسمية بلباس اللعب في الحديقة , ستختفي أناقتهم المصطنعة بعد خمس دقائق.
الطقس دافىء وجيد , صعدت ترينا الى غرفتها وبدلت ثيابها , لبست بنطلونا أبيض قصيرا وفوقه بلوزة قطنية خفيفة وخرجت بصحبة الأولاد الى الحديقة ,جولي ورود يتسلقان شجرة بينما الصغيرتان لينت وغايل تجلسان على جذع شجرة فوق الأرض تراقبانهما بأهتمام
كانت غايل تمسك بالجرو بقوة وحزم حتى لا يفلت منها , دعت جولي ترينا لتسلق الشجرة ولكنها رفضت وأعتذرت , أصبحت أكثر أنتباها لنفسها وتفضل أن تتجنب الأخطار قدر الأمكان وهي تخاف أن تسقط من فوق الشجرة فتكسر رجلها أو تلوي كاحلها
أنها ليست مسؤولة عن مراقبتهم خارج ساعات التدريس ومع ذلك كانت تحب أن ترافقهم , وبعد أن تأكدت من سلامتهم تركتهم ومشت في الحديقة الى مكانها المفضل , كانت تحب الجلوس على حائط البركة تراقب أنسياب الماء من النافورة الصغيرة في وسطها , يحيط بالبركة جدارا من الحجارة
جلست ترينا توازن نفسها فوق طرفها الضيق وتحمل بيدها بعض الحصى الصغيرة تتسلى برميها في بركة الماء , هنا جلستها المفضلة في أوقات فراغها , تجلس وتحلم....
وهناك شجرة مرتفعة تتمايل بفعل النسيم وتساقط أزهارها الزرقاء فوق شعرها وعلى سطح الماء في البركة.
رسالة أعتذار أندرو لها سحرتها , كانت تعتقد أنه رجل قاس لا تسمح له عزة نفسه بالأعتذار , ومع ذلك كان صادقا في أعتذاره , لقد أثرت فيه محاضرتها الأخلاقية على عكس ما توقعت.
رمت حصوة أخرى في البركة وعلى الفور أنهمرت الحصى من خلفها
نظرت بسرعة لتجد أندرو واقفا خلفها
قال بسرعة:
" قال لي الأولاد أنك هنا".
نظرت اليه ترينا ولم تدر ما تقول..... فبقت صامتة كأن لسانها قد عقد :
" حضرت لأعتذر لك بنفسي ".
أكمل وكأنه يجد صعوبة في الكلام .
" عملي لا مبرر له أبدا".
" لا بأس".
كان صوتها متهدجا :
" أعرف لماذا تفعل ذلك".
منتديات ليلاس
راقبته وهو يرفع يده مرة ثانية الى خده بدون وعي:
" أرجوك لا تفعل".
نظر أندرو الى يده المرتفعة وتعجب , كيف وصلت الى وجهه بدون أرادته
هزت ترينا رأسها:
" أنت تفعل ذلك بدون وعي أليس كذلك؟".
" أعتقد ذلك".
أعترف لها , ألتقت عيناه السوداوان فجأة بعينيها , كانت نظرة أسف تطل منهما , ركز بصره بعد ذلك على كتلة صمغ فوق جذع الشجرة
ثم بدأ يدهس برجله نبتة صغيرة من العشب الأخضر كانت تنبت قرب جدار البركة.
" هل كنت تعنين ما قلت ليلة البارحة .... أنها ليست.... بشعة ولا تشوه وجهي؟".