طيلة اليومين التاليين لم تلحظ أي نشاط في ما يتعلق بالممر , بأستثناء وصول شاحنة صغيرة تحمل بعض النباتات للسيدة كيندال , ولكن في اليوم الثالث , وبينما كانت تحاول أصلاح ماكينة الخياطة الموضوعة في الكوخ , لمحت شخصا طويل القامة يغادر البيت , لم تكن متأكدة من هويته , لكنه عندما دخل بوابة الفيللا تبين أنه فرانسيسكة كافانيلاس .
أستنفرت جانيت كل قوتها وأسرعت عائدة ألى ابيت وهي تفكر في أسباب الزارة .
فوجدت أمها تجهز أدوات الشاي في الباحة الخلفية كعادتها كل يوم في مثل هذا الوقت.
قالت وهي تجلس في كرسيها:
" هل شاهدت زائرا في بيتنا قبل قليل".
" أجل , أنه المحامي الأسباني اللطيف الذي ألتقيناه في المدينة قبل يومين ".
لم ترفع السيدة كيندال عينيها عن الصينية وعلبة البسكويت...... لكن من الواضح أن لديها الكثير من الأنباء , وأنتظرت جانيت , حتى كشفت الأم عن كامل التفاصيل.
قالت السيدة كيندال:
" أصحاب الفيللا , آل فورد , دعونا لقضاء بعد ظهر الغد معهم , وهم يقولون أن الجيرة الحسنة ضرورية , والواضح أن الدعوة موجهة ألى عدد من الأصدقاء أيضا".
أحست جانيت وكأن شلال ماء بارد صبّ عليها فجأة وهي تستمع ألى كلام أمها .
هل تدخل ألى معسكر العداء ؟ مجرد التفكير بالأمر يجعلها تشمئز وتنفر. أنها لا تستطيع تصور أي فائدة من لقاء أصحاب الفيللا , وفي الوقت نفسه سيبدو موقفهما ضعيفا ومهتزا أذا ما رفضتا الدعوة , أتخذت الأم موقفا مماثلا لموقف الأبنة , ولكن لأسباب مختلفة , قالت وهي تصب الشاي في الكوبين :
" سأرتدي فستاني المصنوع من الحرير الدمشقي الذي لم تتح لي المناسبة بعد كي أرتديه , طيلة السنة لا نجري ألا حفلة واحدة تقيمها جمعية السكان الأجانب ....... وهي تقام على شاطىء البحر , دائما كنت أتمنى السهر في الفيللا , ولا بأس من أن يلامس الفرو المخبأ في الخزانة منذ سنوات كتفي في هذه السهرة".منتديات ليلاس
ومع أن جانيت متأكدة من أن موقف أمها ليس سليما , ألا أنها عاجزة عن فعل أي شيء لتغييره , وهكذا وجدت نفسها في اليوم التالي تتزين تمهيدا للدعوة , وقررت أن لا تبالغ في التجميل , بلأختارت ثوبا عاديا بلون أخضر فاتح مزين بعدة ورود بيضاء , ثم أكتفت بلمسات خفيفة من الماكياج , وتركت شعرها البني ينسدل بحرية على كتفيها..... وأخيرا أنتعلت صندلا أبيض وتوجهت لترى كيف أستعدت أمها , لم تكن السيدة كيندال جاهزة فحسب , بل هي على أحر من الجمر للذهاب ألى الفيللا ,وما أن رأت جانيت حتى أبلغتها أن السيارات بدأت تصل منذ عشرين دقيقة , وألحّت عليها بالسير فورا , راقبت جانيت السيارات الفاخرة التي توقفت أمام الفيللا , وراحت تشرح بصبر وأناة الحكمة من الأنتظار حتى تكون الحفلة قد أكتملت.
بعد الثالثة بقليل تحركت جانيت والسيدة كيندال ألى الباب الرئيسي.
وهناك أعترضهما الكلب دال الذي راح يدور قرب الباب وذيله لا يكف عن الحراك وكأنه يعبر عن أنزعاجه لأنهما ستتركانه وحيدا في البيت , ربتت السيدة كيندال على رأس الكلب وكأنها ترفّه عنه , ثم غادرتا معا بعد أحكام أغلاق الباب وقطعتا الطريق الفاصل بين البيت والفيللا في لحظات قليلة .
لاحظت جانيت أولا أن السيارات بمعظمها كانت فاخرة وغالية الثمن ,ولا يمكن أن يمتلكها ألا أصحاب الثروات والمناصب , كان الباب الخارجي مفتوحا , والشمس الساطعة تنعكس على السلم الرخامي الذي تسلقته جانيت وأمها وولا ألى الحديقة الخلفية حيث كان الحضور مجتمعين.
وما أن أجتازتا نهاية السلم الرخامي حتى ألتقتا بأحد الخدم وهو يحمل مجموعة من الأقداح والمرطبات المنعشة , حيّاهما الخادم بأبتسامة مؤدبة , ثم دلّهما ألى مصدر الأصوات والضحكات التي كانت تملأ المكان .
سارت جانيت وأمها في الأتجاه الذي أشار أليه الخادم فعبرتا الجهة اليمنى نحو الحدائق التي تمتد ألى الطريق الزراعي , ولفت نظر جانيت على الفور حوض السباحة المصنوع من البلاط الأزرق الصافي , والذي أتخذ شكلا بيضاويا , على أحد طرفي الحوض توزعت مقاعد سباحة مريحة , بينما أصطفت على الطرف الآخر طاولات أزدحمت بأنواع الطعام المختلفة.
أنتبهت جانيت ألى أن الجو العام لم يكن ذا طابع رسمي , فالناس موزعون جماعات وأفرادا حول الحوض وفي الحديقة الملحقة به .
وحتى السيد فورد كان طبيعيا عندما نهض من كرسيه لأستقبال السيدة كيندال وأبنتها , ثم نادى زوجته قائلا:
" أيمالينا , تعالي أستقبلي ضيوفك".
كان رالف فورد يرتدي ثوبا حريريا يظهر أمتلآء جسمه وطوله قامته , ومع أن عينيه تبدوان حادتي النظرة للوهلة الأولى , ألا أنه صاحب وجه طيب تحت شعر رمادي دلّ على الخمسين سنة التي عاشها.
وضع رالف فورد ذراعا في يد كل من جانيت والسيدة كيندال وقادهما ألى أحدى الطاولات عارضا عليهما الطعام والشراب , وما هي ألا لحظات حتى أنضمت أليه السيدة فورد التي كانت مشغولة مع ضيوفها في مكان آخر , صافحت السيدة فورد جانيت وأمها وهي ترحب بهما بحرارة...... لكن جانيت لاحظت أن فكر أيمالينا بالرغم من تعابيرها المرحبة , كان يحلّق في أجواء مختلفة تماما, واصل السيد فورد عملية تقديم السيدة كيندال وأبنتها ألى الضيوف الذين كانوا بالقرب منهم , ولم تستطع جانيت أن تستوعب كل الأسماء التي قيلت أمامها , ألتقت أناسا عديدين منهم رجل طويل القامة شعره طويل منسدل , وآخر معتدل البنية يبرز في في وجهه شاربان كثيفان وأقتربت منها أمرأة غريبة وصافحتها مبتسمة , ولمحت أبتسامات لطيفة على وجوه عدد من النسوة........ بحيث لم تمض دقائق حتى كانت قد أندمجت مع المجموعة بشكل طبيعي.