3- العدو اللدود
كانت السيدة كيندال منشغلة بتوزيع أبتسامتها على الرجل الذي يسير على مقربة منها بحيث لم تقدّم لأبنتها الأجوبة التي تريدها , والحقيقة أن جانيت لم تكن تنتظر أي جواب , فقد أحست منذ أن رأته في مطار لندن أنها أمام عدو لدود , وها هي أحاسيسها تتأكد الآن , ومرة أخرى سمعت الصوت العميق الهادىء الذي سمعته في الطائرة , عندما حيّا الرجل أمها قائلا:
" صباح الخير , أنه يوم دافىء وجميل ".
ردت السيدة كيندال :
" أهلا وسهلا , فعلا أنه نهار جميل ".
أما جانيت التي لم تكن متأثرة بأدب ولطافة هذا الرجل , فقد أستطاعت التسلل من المكان بحجة أخذ الكلب في نزهة قصيرة عن طريق الحقل الصغير المحيط بالبيت.
في منتصف الحقل , كان هناك ممر يؤدي ألى شجرة اللوز العتيقة التي تشكل حدود البيت , ركزت جانيت نظرها على الشجرة البعيدة وأنشغلت بملاعبة الكلب كي تخفي خجلها وأضطرابها من لقاء شخص تمنت قبل يوم واحد فقط أن لا تراه أبدا , وأزداد أضطرابها الآن لأنها أدركت كم كانت جاهلة عندما لم تفطن لنواياه منذ اللحظة الأولى , أذ لا يكفي أنها مضطرة لأحتمال وجوده في الغرفة المجاورة , بل هو هنا للعمل على نزع حق والدتها في الممر وأعطاه لأصحاب الفيللا .
أزدادت مشاعر الغضب في نفسها وحثّت خطاها مبتعدة عن البيت واللتمنيات التي تبودلت قبل لحظات بين الرجل وأمها , فهي لا تريده أن يفكر بأنها ستتصرف كما لو أن حادث الطائرة لم يقع أبدا .
وصلت جانيت ألى أطراف الحقل وهي غارقة في أفكارها لتخوض في مساكب من الخضار التي زرعتها أمها لأستعمالها البيتي , وألى جانب المساكب سياج حديدي صغير يخص عدة دجاجات وبطات ومجموعة من الأرانب , بل وعنزة أيضا.
فتحت جانيت باب السياج الحديدي ودخلت لتبحث عما أذا كان هناك بيض طازج , بعد أن تركت الكلب في الخارج , وجدت بالقرب منها سلة من القصب ,فحملتها وراحت تبحث تحت الدجاجات التي تراكضت في كل أتجاه , وجدت ثلاث بيضات وضعتها في السلة وتركتها في مكان أمين قبل أن تواصل جولتها .منتديات ليلاس
في نهاية الحفل كان هناك كوخ صغير وضعت فيه الأم كل الأغراض التي لا تريد رؤيتها في البيت , وفي الوقت نفسه لا تريد التفريط فيها , شاهدت جانيت ساعة حائط قديمة , مكنسة كهربائية معطلة ,والعديد من الأشياء التي غطاها الغبار.
وقعت عينا جانيت على الدراجة الهوائية التي كانت الأم تستعملها للتسوق في أنكلترا , ثم أحضرتها معها ألى الجزيرة للهدف نفسه ........ لكن من الواضح أنها لم تفعل.
بعد جولة قصيرة , غادرت جانيت الكوخ حاملة سلة البيض وأخذت تبحث عن الكلب , كانت قد تركته للحظات فقط , لكنه أختفى الآن بدون أن يترك أثرا , خفق قلبها خوفا عندما خطر في بالها أن يكون قد غادر الحفل غير المسيج , ولم تطل حيرتها , أذ ظهر دال ألى جانبها خارجا من خلف الكوخ .....حيث كان يلعب مع الرجل غير المرغوب فيه السيد والبروك.
" دال , تعال ألى هنا فورا".
صرخت بصوت مكتوم وهي تحاول أ تركض خوفا من أن تكسر البيضات , لكن الكلب تجاهل أوامرها كليا ومضى يلاعب اليد الممتدة أليه بعطف , حثت جانيت خطواتها أكثر وهي تتميز غضبا لعصيان الكل أوامرها ,ولعل الكلب أحس طبيعة مزاجها المتعكر , فأستدار تاركا الرجل .
لكن رفض الكلب لأوامرها للوهلة الأولى أصابها بصدمة جمدتها في مكانها ,وكانت على وشك أن تتجاهل الشخص الواقف قبالتها عندما ألتقت عيناه الزرقاوان بعينيها وسمعت صوته العميق يقول :
" أرى أن طبعك لم تتحسن بعد!".
تضرج خداها بالدم , ولاحظت أنها كانتفظّة معه في أكثر من مناسبة , ولكنها لم تكن قادرة على الأعتراف بهذا الأمر :
" أذا كنت تقصد أنني لم أقف صباحا لتحيتك عندما ظهرت أمامنا خاصة أنني أعرف لماذا أنت هنا , فأن طباعي لن تحسن".
كان من الواضح أنه خرج هذا الصباح ليدرس وضع المر بالنسبة ألى البيت والفيللا , لكنه أخذ أطراف الحديث متجاهلا عبارتها الأخيرة وقال :
" من الأفضل أن نتعارف , أنا بروس والبروك , وكما قلت , فأنت تعرفين سبب وجودي هنا".
عدلت جانيت من وقفتها وردّت عليه بهدوء :
" أنا جانيت كيندال , وأظنك تعرف أنني هنا للسبب نفسه , فأنا لا أنوي الوقوف مكتوفة اليدين وأراقب والدتي وهي تتعرض للأحتيال ".
" أعتقد أنا سنترك تعابير الأحتيال خارج قاموسنا , أليس كذلك يا آنسة كيندال؟".
كان صوته باردا وكأنه تكسر الجليد تحت تدفق مياه قوية.
أحست جانيت برعشة خوف بسيطة عندما تصورته بزي المحاماة الرصين , لكنها أستردت رباطة جأشها وتذكّرت أنها ليست في قفص الأتهام الآن.
" ماذا يمكن أن تقول أذن؟ لعلك لا تعرف أن أمي سبقت الجميع في المكالبة بهذا الممر طيلة السنتين الماضيتين , بينما وصل أصحاب الفيللا قبل أسابيع قليلة , فكيف يمكن أن يطالبوا بحقوقهم في الممر ".
ردّ المحامي بأبتسامة ساخرة:
"من أجل أيضاح الصورة القانونية يا آنسة كيندال , أقول لك أن قطعة الأرض التي قام عليها بيت أمك جزء من الفيللا , والبيت الذي قرر السيد ويستون بناءه على تلك القطعة ليس ألا أضافة حديثة , وهذا يعني تلقائيا أنه بات في المرتبة الثانية من حيث المطالبة بالممر مقارنة مع الفيللا القائمة هنا منذ أكثر من قرن كامل".