أنها تتذكر تفاصيل الغرفة منذ أن أستعملتها هي ونونا في الزيارة السابقة أما الآن فهي وحدها , ولذلك لا بأس من أستعمال كافة الخزائن والأدراج المصنوعة من الخشب الطبيعي ,ليست لديها أية فكرة عن الوقت الذي ستقضيه هنا , ومهما كان الأمر فلا بد أن تعد نفسها لكافة الأحتمالات , سرعان ما أنهت عملية الترتيب لأنها لم تحضر معها ألا بعض الثياب الصيفية الخفيفة , بعد ذلك توجهت ألى الحمام لتغسل وجهها طلبا للأنتعاش , ثم عادت ألى غرفة الجلوس , ومع أن هذه الغرفة مصممة على الطراز الأسباني الذي يبدو جليا في المدفأة الممتدة حتى السقف ألا أن الطابع الأنكليزي , وبالتحديد طابع أمها كان يبدو في صور العائلة المتناثرة على الجدران وفي الأرائك الكبيرة ذات الحياكة اليدوية...... وأيضا في السلة الخاصة بالكلب دال.
وأحست جانيت بأنها في بيتها فعلا وهي تتجول في الغرفة تتأمل الأباجورات المضيئة والعديد من التحف الصغيرة التي عرفتها منذ الطفولة ...... وقالت لنفسها بهدوء وحرارة:
" هذا هو بيتي ........".
نادتها أمها من المطبخ الذي يقع ألى الشمال من غرفة الجلوس , جلست جانيت ألى طاولة صغيرة محاطة بعدّة كراسي وأقبلت على الطعام بنهم ملحوظ , ومع أن الطعام الأسباني الذي أعدّته لها أمها بدا غريبا مقارنة مع الطعام الأنكليزي الذي أعتادت عليه في لندن , ألاّ أنها وجدته لذيذا للغاية.
أنهمكت السيدة كيندال في تقديم كل ما لذّ وطاب من طعام لأبنتها الجائعة بعد أن قررت تأجيل كل الأسئلة التي تختلج على شفتيها حول كافة أفراد العائلة لما بعد العشاء.
" خذي المزيد من الخضار يا حبيبتي , بل يجب أن تنهيها , سأجهّز لك المزيد من الجبنة أذا أردت!".منتديات ليلاس
" أمي الحبيبة , أنا لست حصانا شرها".
ألقت جانيت هذه العبارة ألى أمها مازحة ثم قامت عن الطاولة وأخذت بذراعها وتوجهتا سوية ألى غرفة الجلوس , كان جو الغرفة دافا , وفي المدفأة أشتعلت بعض الأخشاب بألق خفيف في حين كان دال يغط في نوم عميق بعد أن أنتهى دوره في الترحيب بالضيفة العزيزة.
جلست جانيت في كرسي! منفرد وأسندت ذراعها ألى أريكة جلدية كبيرة ومضت تحدث أمها عن كافة شؤون العائلة والعمل في لندن , أخبرتها أن أخاها أيان لن يترك عائلته في لندن بهدف العمل في بروكسل فقد وجدت الشركة شخصا بديلا للذهاب ألى هناك , وهذا يعني أن فرصته في الترقية باتت مضمونة , وأخبرتها أيضا أن أبنة أخيها , الصغيرة أيما أصبحت طفلة جميلة جدا , وأن أدريان حفيدها من أبنها الثاني , سيبدأ الذهاب ألى المدرسة بعد عطلة الربيع الحالية .
وبمشاعر من أشتاقت ألى أبنائها وأحفادها , أستمعت السيدة كيندال بكل خبر حدثتها به أنبتها , كانت سيدة جذابة رغم التجاعيد التي غزت وجهها , والتغضن الذي أصاب جبينها لم يخف لمعان عينيها البرّاقتين , ومن عادتها أن تثرثر في أمور كثيرة حتى عندما لا يكون الآخرون يستمعون أليها , وفي كل الأحيان تختم حديثها بضحكة خافتة , وما عدا ذلك فهي أمرأة طيبة القلب جدا وعلى أتم الأستعداد لمساعدة كل محتاج.
وبعد أن أنتهت أخبار العائلة والوطن , تركت جانيت فاصلا زمنيا من الصمت يمر قبل أن تنتقل ألى المسألة الأساسية وتقول بنبرة جدية رصينة:
" والآن ماذا عن سكان الفيللا؟ أرجو أن تحدثيني بكل شيء عنهم!".
" ليس هناك الشيء الكثير يا عزيزتي".
لكنها مضت في حديث طويل عن أصحاب الشقة السابقين :
" كما تعرفين , أخطر السيد والسيدة ويستون للبيع , لقد كان الزوج تاجر مجوهرات ويملك العديد من المنازل في مختلف أنحاء الجزيرة , وكما تعرفين , بنيا بيتنا هذا كي يشرفا من خلاله على أعمال البناء في الفيللا الأساسية , وعندما باعاني أياع رفضا أن يربحا أي قرش أكثر من التكاليف الأساسية , لقد كانا شخصين رائعين بالرغم من أنني لم أرهما كثيرا".
توقفت الأم قليلا عندما لاحظت على وجهه أبنتها تعبيرا يشير ألى أنها أطالت في مقدمة حديثها , ثم أبتلعت ريقها وبدأت من جديد:
" في كل حال , يظهر أن الزوج المسكين أصيب بأضطرابات قلبية , وقد أبلغه الأطباء بخطورة السفر على حياته , وهكذا باعا كل ممتلكاتهما في الخارج وأستقرتا في لندن نهائيا ".
أرادت جانيت أن تحدد الكلام أكثر فقالت :
" وماذا عن أصحاب الفيللا الجدد , هل ألتقيت بهم؟".
ردت السيدة كيندال بسرعة:
"طبعا , طبعا , أنهما السيد رالف فورد وزوجته أليزابيت أو أزميرالدا أو ما شابه , أنهما غنيان جدا , يقولون أنه يعمل في حقل النقل البحري , في ضيافتهم الآن عدد من الأصدقاء , بالأضافة ألى أناس آخرين يأتون ويذهبون , بسياراتهم الأنيقة الباهظة الثمن , من البر الأسباني على ما أعتقد , ويوقفونها في هذا الممر الضيق".
سألت جانيت بنفاد صبر:
" لكن , لم تحاولي الشكوى؟".
أتسعت حدقتا السيدة كيندال وهي تقول :
" بالطبع , قلت لهم أن هذا العمل سيء للغاية خاصة عندما يأتي موزع الغاز أو عندما يريد سائق صهريج الماء الوصول ألى البئر لملهئا ".