المنتدى :
كتب التاريخ والحضارة و القانون و السياسة
سيسيل البورت , ساعة عدل واحدة
هذا الكتاب اهداء الى الاخ الفاضل معرفتى
سيسيل البورت .. ساعة عدل واحدة
. الكتاب مكون من 32 فصلا أحداثه واقعية، وتدور حول الطبيب الإنجليزى "سيسيل ألبورت" الذى أتى إلى مصر عام 1937 ليدرس الطب، وفى الكتاب يصور لنا الطبيب قدر المعاناة التى وقع فيها الفلاح المصرى والفقراء ويشرح الحالة المزرية التى آلت إليها المستشفيات المصرية فى ذلك الحين، ويستنجد بمواطنيه أن ينظروا بعطف ويمدوا يد العون لهؤلاء أحفاد الفراعنة الذين أرسوا قواعد الحضارة الإنسانية
كما يحكى سلوكيات الشارع المصرى من خلال الطلبة وزملائه فى العمل أيام الملك فاروق والنحاس باشا. المترجم يؤكد فى نهاية الكتاب أن الحال لم يتغير كثيرا عن الماضى، فحال المرضى والفقراء والفلاحين فى هذا الزمان لم يختلف
د. ميشيل حنا
لست سوى طبيب، ولست برجل دولة، وأتحدى أي إنسان أن يوافق على ما تفعله أي حكومة أو طبقة حاكمة بمثل ما يحدث للمرضى الفقراء من المصريين، إنها معاملة غير إنسانية بكل المقاييس للتحكم في مصائر هؤلاء الناس".
هذا الكتاب الرائع المذهل كتبه طبيب إنجليزي كان يعمل في مستشفى القصر العيني (التي كانت تعرف وقتها بمستشفى فؤاد الأول) في أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات. هو طبيب عالم في مجاله، من رعيل الأطباء العظام الذين يرون أن الطب هو أخلاق رفيعة ومسئولية اجتماعية قبل أن يكون علماً؛ لهذا فهذا الرجل منحاز تماماً للفلاحين الفقراء، ومنتقد حاد لحكومة البشوات التي لا تفعل لهم شيئاً وتعاملهم كالبهائم، ومنتقد حاد أيضاً لسياسة بلاده في مصر، ولمواطنيه من الإنجليز، وقد كتب هذا الكتاب خصيصاً ليطلع الرأي العام الغربي على الحالة المزرية التي وصل لها الفلاح المصري، لعل أحداً يفعل له شيئاً.
يتمتع الكاتب بأسلوب شائق سلس، كأنك تقرأ رواية لأديب إنجليزي عظيم؛ فكل الصفحات لا تخلو من طرافة؛ مما يجعله كتاباً فائق الإمتاع، ويزيد من متعتك أن تقرأ لمثل هذا الطبيب النادر الذي يتمتع بنبل الفرسان وأخلاق القديسين، هو دون كيشوت حقيقي يحاول جاهداً -وبكل وسيلة ممكنة- تغيير الواقع من حوله؛ لكنه يصطدم في كل مرة بعوائق مستحيلة؛ لكنه لا ييأس ويستمر في المحاولة، إلى أن يفشل تماماً؛ فيقرر الاستقالة وكتابة هذا الكتاب ليعرض كل الأحداث على الرأي العام الغربي في محاولة أخيرة منه لتغيير الأمور.عندما تقرأ عما كان يحدث في مصر من سبعين عاماً، ستجد -ويا للعجب- أن الأمور لم تختلف كثيراً عن اليوم! بل لعلها لم تختلف إطلاقاً عن اليوم، كل ما اختلف هو شكل العالم من حولنا؛ لكن الأمراض والعلل المصريّة هي هي حتى هذه اللحظة.
في الكتاب (لاحظ مرة أخرى أنه كتب في الأربعينات!) نقرأ عن المحاباة والوساطة في الامتحانات والتعيينات، الأخطاء القاتلة لمعامل التحاليل، كثرة الإجازات بلا مبرر، عن التمرجية الذين يبتزون المرضى ويضربونهم ويسرقون الأدوية وأدوات المستشفى ويحقنون المرضى بالماء بدلاً من البنسلين الذي يسرقونه، انتشار الجهل والخرافة، صعوبة قيادة السيارة في القاهرة، كثرة الحشو في المناهج الدراسية، عن انتشار الدروس الخصوصية في الجامعة، عن التعصب الديني والعرقي، تدخل الحكومة في الشئون الأكاديمية للجامعة مما يفقدها استقلاليتها، البيروقراطية الرهيبة، التجار الذين ينحصر كل همهم في الابتزاز، انتشار النشالين بشكل غير معقول في القاهرة؛ حتى أنهم يرسلون البيانات أحياناً إلى الصحف!
في الكتاب أيضاً نعرف أن الملك فاروق لم يكن فاسداً جداً بالشكل الذي نتخيله، وإن كان المؤلف بحكم جنسيته، لديه الكثير من التحفظات عليه بسبب عدائه الواضح للإنجليز وميله للإيطاليين، كما نعرف أن النحاس باشا لم يكن رجلاً نزيهاً جداً كما نعتقد الآن؛ حيث يورد المؤلف عنه الكثير من الحكايات التي تشي بتسلطه وتمكن كل أمراض السلطة منه، من تزوير انتخابات إلى اختلاط مصالحه الشخصية بالقرارات التي يصدرها، إلى تدبير المظاهرات المؤيدة له! باختصار كل ما كانت توصم به حكومات ما بعد الثورة كان يقوم به النحاس وأكثر!
نعود إلى طبيبنا الإنجليزي الذي حاول إصلاح حال المستشفيات بكل طريقة؛ لكنه لم يفلح، حاول أن يصل إلى رئيس الوزراء لكنه تجاهله، وحاول تصعيد الأمور إلى الملك لكنه لم يصل إليه؛ بل إنه قام بطباعة منشور كلفه الكثير من المال في المطابع السرية ووزّعه بنفسه فيما يشبه قصص المغامرات البوليسية ليؤدي إلى خلق رأي عام مصري يسانده في قضيته، وقد نصحه كثيرون بالعدول عن أفكاره؛ لأن البوليس السياسي يعتقل كل من يناقش الأمور التي تخص الدولة أمام العامة؛ فيكتب الرجل هذه الجملة المؤسفة: "إنني أرتعش كلما فكرت فيما كان يحدث لي لو كنت مصرياً
|