كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
السلام عليكم
كل عام وأنتم بخيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــر
*************************************************
ذاكرة الغد (16).. الغد الدكتور نبيل فاروق كل شيء كان يسير على خير ما يرام..
السيارات الصاروخية تنطلق، عبر الشوارع الواسعة، والجسور الهوائية المعلّقة، وفي نظام وانسيابية واضحين، و.....
وفجأة، انحرفت تلك السيارة..
كانت هذه أوّل مرة تتجاوز فيها إحدى السيارات خطوط السير، منذ عدة عقود..
وانطلقت نحوه مباشرة..
ومن داخلها، بدا وجه قائدها في وضوح..
وجه وحشي..
بارد..
قاسٍ..
جامد..
وجه يحمل انطباعا واحدا..
الموت..
وأدرك هو الأمر على الفور..
أدرك أن قائد تلك السيارة يستهدفه..
مباشرة..
وفي حركة سريعة، وثب جانبا، متفاديا اندفاعة السيارة القوية، وألقى نفسه أرضا، وهو يستلّ مسدس الطاقة من حزامه..
وبلا تردّد.. أطلقه..
أصابت كرات طاقته تلك السيارة مباشرة، ودوى انفجار عنيف، لم يعرف ذلك الزمن مثله، منذ فترة طويلة..
ولكن سيارة ثانية انحرفت نحوه..
وثالثة..
ورابعة..
كان من الواضح أنها مؤامرة لاغتياله..
مؤامرة لإيقاف برنامجه الثوري الإصلاحي..
وعلى الرغم من مهاراته وخبراته، وتلك التدريبات الطويلة التي تلقّاها، لم يكن باستطاعته أبدا، مواجهة ثلاث سيارات، في آن واحد..
كان هناك وجه مماثل، يقود كلا منها..
وجه له نفس السمات..
الوحشية.. والبرود.. والقسوة.. والجمود..
وكلهم كانت لهم الملامح نفسها..
وبمنتهى الدقة..
لم يكن هناك مكان، يمكنه أن يذهب إليه، وتلك السيارات الصاروخية الثلاث تنقضّ عليه، من ثلاث زوايا مختلفة، في حصار محكم، و....
وفجأة، دوى انفجار..
وثان..
انفجرت سيارتان، بكرتي طاقة، أتتا من قريب..
وبقيت سيارة واحدة، واصلت انطلاقها نحوه في قوة..
وبوثبة مدهشة، أطلق هو مسدسه..
ودوى الانفجار الرابع والأخير..
ودوت معه صفارات الإنذار القوية..
"أأنت بخير؟!"
هتف بها حارسه الخاص في لهفة، وهو يندفع مع رجاله نحوه، لاهثا في انفعال، فنهض هو، وتطلّع في توتر إلى السيارات الأربع المحترقة، وشاهد حوامات الإطفاء والإسعاف، وهي تنطلق في سماء المكان، وتهبط حول النيران، وحارسه الخاص يضيف بنفس الانفعال:
- أخبرتك أن خروجك منفردا أمر في غاية الخطورة.
نظر إليه لحظة في خواء، قبل أن يعيد مسدسه إلى غمده، قائلا:
- كيف يمكنني إجراء الإصلاحات المنشودة دون أن أرصد أحوال مصر عن قرب.
هزّ حارسه الخاص رأسه في عصبية، وهو يقول:
- يمكننا أن ننقل لك الصورة كاملة، وثلاثية الأبعاد، بحيث تشعر وكأنك تسير وسط طرقات المدينة بالفعل.
انعقد حاجباه، وهو يجيب في صرامة:
- خطأ.. لقد فشلت النظم السابقة، وانتشر فيها الفساد؛ لأن حكامها اكتفوا بالتقارير المكتوبة والمصوّرة، وعزلوا أنفسهم عن هذا الشعب تماما.
قال حارسه، وهو يقوده إلى سيارة الرياسة، حاملا مسدسه لحمايته، من أي هجوم إضافي محتمل:
- ولكنهم عاشوا طويلا.
أجابه في صرامة، وهو يدسّ جسده داخل السيارة.
- لو أنك تسمي هذه حياة.
ركب حارسه الخاص إلى جواره، وهو يقول في حزم:
- ما زال خروجك منفردا بالغ الخطورة، على الرغم من كل نظم التنكّر التكنولوجية؛ فمن الواضح أن للمستنسخين جاسوسا نشطا، في مقر الرياسة.
قال في حزم:
- هذا مؤكّد.
وصمت لحظات مفكرا، قبل أن يعتدل، مضيفا في حزم:
- ولكن لديّ خطة مدهشة؛ لكشف ذلك الجاسوس.
التفت إليه حارسه الخاص، متسائلا في لهفة:
- وما هي؟!
ظل السؤال يدوّي في رأسه، وهو يزيح الأنقاض عن جسده في سهولة، وينهض في زمننا الحاضر، ويستعيد لهجته القيادية الحازمة، قائلا:
- هل كشفتم أمره؟!
أجابه بابتسامة باهتة:
- هو كشف نفسه، عندما أجرى اتصاله بالمستنسخين؛ ليخبرهم أين أخفيناك.
ثم مال نحوه، مضيفا في حزم متوتر:
- ولكن ينبغي أن نعود إلى زمننا فورا.. لن نفسد هذا الزمن، عندما يدركون ماهيتنا.
كان وقع أقدام رجال أمن الدولة يتصاعد، وهم يعدون نحو المكان بأعداد غفيرة، فشدّ هو قامته، وقال:
- نعم.. دعنا نعود.
أمسك حارسه الخاص بيده، وضغط زرا كبيرا في حزامه..
ودوّت في مبنى أمن الدولة فرقعة قوية..
وارتجّ المبنى كله مرة أخرى..
وعندما وصل فريق أمن الدولة بأسلحته، إلى حجرة اللواء "سامي" المدمّرة، كانت جثة هذا الأخير شبه المحترقة ترقد هناك..
وحدها..
فلم يكن هناك أثر لـ"حاتم" أو حارسه الخاص..
لم يكن هناك أدنى أثر..
على الإطلاق..
* * * ارتجف صوت زوجة "حاتم" مع جسدها في قوة، وارتبكت الكلمات على لسانها، وهي تقول في ارتياع:
- ما حدث لم يكن طبيعيا.. لم يكن كذلك قط.
احتضنتها أمها، في محاولة لتهدئة روعها، وهي تقول ملتاعة:
- اهدئي يا بنيتي.. اهدئي.. أخبريني بكل ما حدث.
راحت زوجة "حاتم" تلّوح بذراعيها، هاتفة:
- شيء لا يمكنني أن أصفه.. فقاعات عجيبة، تتكّون في الهواء، وانفجارات، واضطراب عنيف في مقر أمن الدولة.. هناك شيء غير طبيعي حدث هناك يا أمي.. شيء لا يمكنني وصفه؛ لأنني لم أر مثله من قبل قط.
تسرّب الخوف إلى أمها، وهي تغمغم:
- أهو سلاح جديد؟!
"هذا لا يهم"..
ألقى "هشام حمزة" العبارة، في اللحظة نفسها، وهو يتحدّث إلى ذلك المسئول عبر هاتفه المحمول، قبل أن يتابع في حزم:
- أيا كانت ماهية ما حدث، فهو في صالحنا تماما.
سأله المسئول في توتر:
- وكيف هذا؟! ألم تتولّ الأمور هناك.. في المشرحة؟!
أجابه "هشام" في ثقة:
- اطمئنّ يا سيّدي.. كل شيء يسير وفقا للخطة.. جثة "أمين ضياء" احترقت بالكامل، وتم دفنها وسط الجير الحي، ولن يتبقى منها سنتيمتر واحد صالح للفحص، أما ذلك الطبيب الشرعي الشاب هناك، فلست أظنه سيجرؤ على البوح بحرف واحد مما لديه، ولكن الأهم هو أن ما حدث في مقر مدينة نصر، سيصرف الأنظار عن قضية "أمين ضياء" كلها.
صمت المسئول لحظة، ثم قال في توتر:
- لا يمكنك الاعتماد على هذا.. عندما تهدأ الأمور سيعاودون بحث الأمر، و"رشدي" هذا لن يتوّقف عن نبشه.. ملفه يؤكّد أنه عنيد ومثابر إلى أقصى حد.
أجابه "هشام" في استهتار:
- وماذا سيكون بيده أن يفعل؟!
قال المسئول في حدة:
- يمكنه أن يلجأ إلى الصحافة، وأنت تعلم مثلي أن هذا سيثير قضية صحفية طويلة، وخاصة بين صحف المعارضة، وهذا قد يغرس الشك في قلوب بعض المسئولين القياديين.
انعقد حاجبا "هشام"، وهو يدرس هذا الاحتمال، الذي بدا له منطقيا وممكنا، فقال في حزم:
- لكي تكتمل الخطة إذن، لا بد من اتخاذ خطوة، تحسم كل الأمور، وتغلق ملف "أمين ضياء" نهائيا.
سأله المسئول في لهفة:
- وما هي؟!
ازداد انعقاد حاجبي "هشام"، واكتسب صوته الصارم رنّة قاسية، وهو يجيب:
- القضاء على "رشدي عبد الهادي".. فورا.
وارتجف المسئول..
بقوة. يتبع
|