السلام عليكم
الفصل الثالث عشر من الرواية
ذاكرة الغد(13)...المؤامرة
***********************************
ذاكرة الغد(13).. المؤامرة
الدكتور نبيل فاروق رمضان
لم يكن جسد الطبيب الشرعي الشاب، قد توقّف بعد عن الارتجاف، عندما وصل "رشدي عبد الهادي" مندفعاً إلى المشرحة، وهو يهتف به:
- كيف حدث هذا؟!
رفع الطبيب عينيه إليه في بؤس عجيب، وهو يجيب:
- لست أدري!! لقد هاجمني شخص مقنّع، وأفقدني الوعي، و..
قاطعه "رشدي" في عصبية:
- هل بلغوا هذا الحد؟!
بدا صوت الطبيب الشاب أقرب إلى البكاء، وهو يقول:
- لقد حذّرتك.
انعقد حاجبا "رشدي" في ضيق، وهو يقول:
- هل سرقوا جثة "أمين ضياء" وحدها؟!
أومأ الطبيب برأسه إيجاباً في يأس؛ فقال "رشدي" في غضب:
- من الواضح أنهم كانوا من العجلة، بحيث لم يهتمّوا حتى بإخفاء أو تمويه هدفهم الحقيقي.
" ماذا تفعل هنا؟!"
اخترق ذلك الصوت الصارم الموقف فجأة؛ فاتسعت عينا الطبيب الشاب في ذعر، في حين التفت "رشدي" إلى مصدره في حركة حادة، ليقع بصره على "هشام حمزة"، الذي تألقت عيناه في ظفر شامتاً، وهو يضيف:
- هذا التحقيق يخصني وحدي.
ثم عقد ساعديه أمام صدره في تحدٍّ، مكملاً:
- القيادة السياسية كلفتني إياه.
رمقه "رشدي" بنظرة مقت، لم يحاول تجميلها وهو يقول:
- تسلسل طبيعي للمؤامرة.
هــّز "هشام" كتفيه، في استهتار واثق، قائلاً:
- هذا ما يصوّره لك خيالك المريض، ولكن حتى هذا، لا يمنحك حق التواجد هنا.
اقترب "رشدي" منه، وبادله نظرة التحدي، قائلاً:
- كلانا يعلم أن جثة "أمين ضياء" تمّت سرقتها، لإخفاء اغتياله المتعمّد.
عاد "هشام" يهزّ كتفيه، قائلاً:
- التحقيقات لم تسفر عن شيء بعد.
قال "رشدي" في حدة:
- أية تحقيقات؟! التي تجريها أنت؟!
انعقد حاجبا "هشام" في غضب واضح، وقال في حدّة مماثلة:
- قلت لك.. إنه لا يحقّ لك التواجد هنا، خلال هذا التحقيق، الذي يهمّ أعلى مستويات القيادة السياسية، وإن لم ترحل فوراً، فسأضطر إلى اتخاذ إجراء، يتنافي وكرامة رجال الشرطة.
ساد الصمت لحظات، وكل منهما ينظر إلى عيني الآخر، في تحدٍّ سافر، قبل أن يقول "رشدي" في بطء:
- سأبلغ النائب العام بما لديّ.
ابتسم "هشام" في سخرية، وهو يقول:
- بدون جثة؟! أشك أن يستمع إليك أحد.
مضت لحظة أخرى من الصمت، ثم قال "رشدي" في صرامة:
- سنرى.
قالها، والتفت يُلقي نظرة أخيرة، على ذلك الطبيب الشرعي الشاب، قبل أن يندفع مغادراً المكان..
وبعينين متألقتين، تَبِعه "هشام" ببصره، ثم التفت إلى الطبيب الشاب، وقال في صرامة قاسية مخيفة:
- والآن استعدّ، فستقصّ عليّ قصة حياتك، منذ أن عملت في هذا المضمار، وحتى هذه اللحظة، دون أن تهمل تفصيلاً واحداً، وإلا..
وانكمش الطبيب الشاب في مقعده في خوف..
خوف شديد..
للغاية..
* * *
كل شيء كان يسير على ما يرام..
السيارات الصاروخية تقطع الطرقات في انتظام..
الدوريات الطائرة تحفظ النظام والأمن، وتراقب انسياب الحركة المرورية..
وفجأة، انحرفت تلك السيارة، دون سابق إنذار..
انحرافها المباغت أربك الحركة المرورية كلها، مما تسبّب في أوّل حادثة مرورية داخل المدينة، منذ عقد كامل على الأقل..
ولكن تلك السيارة لم تبالِ بما حدث..
لقد انحرفت؛ لتندفع نحو سيارته مباشرة..
ولقد رآها تقترب..
وتقترب..
وتقترب..
ثم اندفعت تلك السيارة القوية، بين سيارته وتلك المهاجمة..
و..
"أين ذهبْتَ؟!"
ألقى اللواء "سامي" سؤاله في عصبية، وهو يهزّ "حاتم" في قوة، فانتفض هذا الأخير، واندهش لاستغراقه في أحلامه، في مثل هذه الظروف، وهتف في صوت عصبي:
- ماذا حدث؟!
صاح فيه اللواء "سامي" في حدة:
- ماذا حدث؟! يا له من سؤال! أُخبرك أن جثة "أمين ضياء" قد سُرقت من المشرحة، فتستغرق في النوم!!
هــّز "حاتم" رأسه في قوة، وهو يقول:
- لم يكن نوماً.
سأله في غضب:
- ماذا كان إذن؟!
أطلّت حيرة واضحة، من عيني "حاتم" وملامحه، وهو يجيب:
- لست أدري.
انعقد حاجبا اللواء "سامي" في غضب، فاستطرد "حاتم" في توتر:
- أقسم أنني لست أدري؟!
وعاودته تلك الحيرة الشاردة، وهو يكمل:
- إنها تبدو أشبه برؤيا، تهاجم عقلي فجأة، أو كذاكرة من زمن آخر، أرسلها أحدهم إلى عقلي بوسيلة ما.
قال اللواء "سامي" في حدة:
- أخبرتك أنني لا أؤمن بهذا.
قلب "حاتم" كفيه في حيرة، قائلاً:
- ومن أخبرَكَ أنني أؤمن به؟! إنني أصف لك ما يحدث لي فحسب، ولست أحاول إقناعك به.
انعقد حاجبا اللواء "سامي" أكثر، وهو يتأمله في دهشة..
أمجنون هو؟!
أم واهم؟!
أم هيستيري؟!
أم..
ترددّ كثيراً، عند تلك النقطة، قبل أن يهتف بها عقله..
أم أنه صادق؟! وأنه هناك رؤيا تأتيه لسبب ما؟!
احتمال ليس عملياً أو منطقياً.. ولكنه وارد..
لقد كشف حقيقة غامضة، تؤيدها كل الأحداث التي تلتها، وظهوره على الساحة قد يعني أن..
ولكن لا..
ماذا عن بطاقة الرقم القومي، المزيّفة بإتقان؟!
ماذا عن تاريخه الغامض؟!
وماذا عن..
قبل أن يُتمّ تساؤله الأخير، دوى ذلك الانفجار فجأة..
انفجار نسف جزءاً من جدار مكتب اللواء، ودفعه إلى الأمام، ليرتطم بـ"حاتم" ويسقط كلاهما أرضاً..
وفي اللحظة التالية، وقبل حتى أن يطرح أحدهما تساؤلاً واحداً، حدث أمر مذهل..
إلى أقصى الحدود..
* * *
"أريد رؤية زوجي"
نطقتها زوجة "حاتم" في صرامة عصبية، وهي تقف أمام ضابط أمن الدولة، في ذلك المبنى الرئيسي في "مدينة نصر"؛ فنظر إليها الضابط في دهشة، قبل أن يسألها، في صرامة اعتادها:
- ومن أخبرك أن زوجك هنا؟!
أجابته في حزم شديد العصبية:
- إنه هنا.
تراجع الضابط في دهشة، وتطلّع إليها بضع لحظات قبل أن يسألها:
- سيّدتي.. هل تعلمين أين أنت بالضبط؟!
أجابته في حدة، لم تخلُ من التوتر الشديد:
- في مبنى أمن الدولة، الذي يخشاه كل فرد في "مصر"؛ لأن ما يحدث فيه ليس قانونياً، ولأنه صورة حديثة من البوليس السياسي القديم، الذي لم يكن يعترف بحقّ، أو حرية، أو قانون، أو دستور.. أعلم جيداً أين أنا، وعلى الرغم من أنني أتمتع بكامل قواي العقلية؛ فإنني لا أخشاكم.
ارتفع حاجبا الضابط في دهشة عارمة، وتراجع كالمصدوم؛ في حين انخفض صوتها، وهي تتابع في مرارة شديدة:
- ولكن خوفي على مصير زوجي، يفوق خوفي منكم ألف مرة.
لم تكد تنتهي من حديثها، حتى بدأ جسدها ينتفض في عنف؛ فمال الضابط نحوها في إشفاق، قائلاً:
- ما اسم زوجك يا سيّدتي؟!
أجابته في لهفة:
- "حاتم الـ.."
قبل أن تُتمّ عبارتها، دوى ذلك الانفجار..
ومع دويّه، حدثت تلك الظاهرة الخارقة..
وعلى نحو مباغت..
يتبع