كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
ذاكرة الغد(11).....اختفاء
السلام عليكم
لمحبي القراءة في كل مكان مع جديد الدكتور نبيل فاروق
ذاكرة الغد الفصل الحادي عشر ................... اختفاء
**********************************************
ذاكرة الغد (11).. اختفاء
الدكتور نبيل فاروق
بدت زوجة "حاتم" شديدة العصبية، وهي تقف في مواجهة ضابط شرطة القسم، قائلة:
- زوجي لم يعُد إلى منزله، منذ أتى إلى هنا؛ للإبلاغ عن.. عن..
ترددَّت طويلاً، حائرة فيمَ تُسمي سبب البلاغ، حتى سألها الضابط في ضجر:
- ما اسم زوجك هذا.
أجابته في سرعة وعصبية:
- المهندس "حاتم الـ.."
قاطعها هاتفاً:
- المجنون؟!
تراجعت كالمصعوقة، ورددَّت خلفه، في ذهول مستنكر:
- مجنون؟!
بدا شديد الانفعال، وهو يقول:
- لقد أتى إلى هنا بالفعل، ليبلغ عن حادث جنوني تماماً، ولقد صعد به "رشدي" باشا إلى مكتبه، و..
حان دورها لتقاطعه هي، مستفسرة في توتر:
- "رشدي" باشا؟!
أشار بسبَّابته إلى أعلى، قائلاً:
- المقدَّم "رشدي عبد الهادي".. ضابط أمن الدولة.. لقد صعد به إلى مكتبه، حتى جاء العقيد "هشام حمزة"، وتسلّمه منه.
هوى قلبها بين قدميها، وهي تغمغم، في صوت شديد الارتجاف:
- أمن دولة؟!.. لماذا؟!.. ماذا فعل "حاتم" بالضبط؟!
مال الضابط نحوها، وانعقد حاجباه في صرامة شديدة، وهو يجيب:
- زوجك يا سيدّتي متهم بتهمة بالغة الخطورة.
كاد قلبها يتوقف، وهي تسأله بصوت مبحوح، في صعوبة شديدة:
- أية تهمة.
مال نحوها أكثر، وحمل صوته صرامة قاسية، وهو يجيب، بلهجة من يوجّه إليها الاتهام شخصياً:
- الإرهاب.
انطلقت من حلقها، على الرغم منها، شهقة قوية، وهي تتراجع في حركة حادة عنيفة، هاتفة في ذعر مستنكر:
- إرهاب؟!.. "حاتم"؟!
اعتدل الضابط في صرامة أكثر قسوة، وهو يقول:
- أظنهم الآن يجبرونه على الاعتراف هناك.. في أمن الدولة.
امتقع وجهها في شدة، وتراجعت أكثر، وبدت لحظات وكأنها ستفقد الوعي، من شدة الذعر؛ إلا أنها لم تلبث أن اعتدلت، واستعادت حزمها في سرعة، وتنحنحت؛ لتطرد عنها بعض توترها، وهي تقول:
- وأين مبنى أمن الدولة هذا؟!
حدَّق فيها الضابط لحظة في دهشة، وتبخَّرت صرامته كلها دفعة واحدة، وهو يغمغم:
- هل ستذهبين..
قاطعته في حزم، يشفّ عن قوة شخصيتها:
- أين هو؟!
بدا صوته أكثر خضوعاً، وهو يجيبها:
- في مدينة "نصر".
ثم عاد يسألها، في قلق ليس له ما يبرره:
- هل ستذهبين إليه؟!
شدَّت قامتها في اعتداد، وهي تجيب في حزم:
- بالطبع.
قالتها، واستدارت لتنصرف؛ ولكنها توقفَّت لحظة، التفتت خلالها إلى الضابط؛ لتُكمل:
- إنه زوجي.
نطقتها بكل الحزم..
كل كل الحزم..
* * *
دقائق طويلة مضت، واللواء "سامي" متراجع في مقعده، يتطلّع إلى "حاتم" في صمت؛ حتى إن هذا الأخير شعر بالتوتّر يكاد يلتهمه؛ فهتف في عصبية:
- وماذا بعد؟!
واصل اللواء "سامي" صمته بضع لحظات، قبل أن يعتدل في حركة مفاجئة، ويقول في اهتمام مباغت:
- حالتك كلها عجيبة أيها المهندس.
زفر "حاتم" في عصبية، وتراجع بدوره في مقعده، وهو يغمغم:
- أعلم هذا.
واصل اللواء، وكأنه لم يسمعه:
- لقد بدأت ببلاغ عجيب، تؤكّد فيه، وبمنتهي الثقة، أن ما أعلنَتْه الدولة في بيان رسمي، عن حادث القطار، ليس صحيحاً، وأن هناك جريمة اغتيال سياسي خلف هذا، وبعدها راحت المفاجأت تتوالى.
غمغم "حاتم" في عصبية:
- لم يكن هذا بإرادتي.
مرة أخرى، تابع اللواء، متجاهلاً تعليقه:
- بطاقة رقم قومي مزوّرة بإتقان مذهل، يتجاوز حدود قدرات أي مزوّر منفرد، مهما بلغت براعته، وبيانات لا وجود لها عبر شبكة المعلومات كلها.. بصمات غير مسجّلة، وجه غير معروف.. وهذا ليس كل شيء.
صمت "حاتم" هذه المرة، وكأنما أدرك عدم جدوى الحديث؛ في حين استطرد اللواء، في مزيج من الاهتمام والحيرة:
- أضف إلى هذا تلك التطوّرات غير الطبيعية، في التعامل مع حالتك بالذات.. من القسم، إلى المقدّم "رشدي عبد الهادي"، وهو أحد أكفأ وأنزه ضباط أمن الدولة، ثم التدخّل المفاجئ للعقيد "هشام حمزة"، وهو ضابط ليس فوق مستوى الشبهات، وعنفه الشديد مع عصبيته البالغة، يشيران إلى وقوع ضغط شديد عليه، من جهة أعلى.
صمت عند هذه اللحظة، ومال نحو "حاتم"، قائلاً في لهجة مختلّة:
- وهي ذلك المسئول على الأرجح.
تطلّع إليه "حاتم" لحظة في توتر، و..
وفجأة، تقمّص تلك الحالة العجيبة..
فجأة، شعر أنه في مكان آخر..
وزمن آخر..
كان يجلس أمام "هولوفيزيون" كبير، في صالة منزله، يتابع تلك الأخبار ثلاثية الأبعاد، التي تروي تفاصيل المؤامرة، عبر برنامج "ذاكرة التاريخ" الأسبوعي، و..
" لماذا لم يَرِد اسمك في القضية؟!.."..
ألقى السؤال فجأة على اللواء "سامي"؛ فتراجع هذا الأخير في دهشة بالغة، وهو يتساءل:
- أية قضية؟!..
اعتدل "حاتم"، وشمله حماس مباغت، وهو يجيب:
- قضية حادث القطار.. لقد صار "رشدي عبد الهادي" بعدها شخصية شهيرة، وبعد سنوات قليلة، تولّى منصب وزير الأمن؛ وذلك المسئول حوكم وأُدين، مع عدد كبير من صغار المسئولين والمعاونين ورجال الأمن؛ فيما عرف بأنه أكبر مؤامرة سياسية جنائية، في تاريخ "مصر" كلها، حتى إن نُظُم الأمن ومفاهيمه، وحتى القوانين التي تحكمه، تغيّرت كلها بعدها.
صمت لحظة، بدا خلالها شديد الحيرة، وكأنه لم يفهم حرفاً واحداً مما قاله، ثم غمغم:
- ولكن اسمك لم يرد.
كان اللواء "سامي" يحدّق فيه بدهشة لا محدودة، وقد ارتفع حاجباه عن آخرهما، على نحو منح وجهه سحنة عجيبة، أصابت "حاتم" بشيء من التوتر، جعله يضيف، وهو ينكمش في مقعده:
- ماذا قلت؟!
أجابه اللواء، في بطء شديد:
- كنت سأُلقي عليك السؤال نفسه.
امتزجت حيرة "حاتم" بحالة من الذعر والاضطراب، وهو يتمتم:
- ولكنني لست أدري؟.. هذا يقفز إلى ذهني بغتة.. كأنني.. كأنني..
اتسعت عيناه في ذعر عجيب، وهو يضيف، في صوت بالغ الخفوت:
- كأنني على اتصال بروح، من زمن آخر.
حدّق فيه اللواء لحظات، في دهشة بلا حدود، ثم لم يلبث أن هزّ رأسه في قوة، وكأنما ينفض عنه دهشته، واعتدل يقول في حزم:
- أية روح، من أي زمن، لم يكن بإمكانها أن تمنحك هذه البطاقة المزوّرة.
قالها، ونهض من خلف مكتبه في حركة حادة، أصابت "حاتم" برجفة محدودة، واتجه نحو نافذة حجرته، وأزاح ستائرها، وتطلّع إلى المباني عبر الشارع، وإلى ألوان الشفق خلفها، وبدا من الواضح أن الفجر ينبلج؛ فراقبه في صمت استغرق ما يقرب من دقيقة، قبل أن يقول:
- اسمع أيها المهندس.. هذا لو أنك بالفعل مهندس.. أنا رجل واقعي، لا يؤمن بالخرافات والخزعبلات، والاتصال بالأرواح ليس جزءاً من اهتمامي أو قناعاتي.
صمت لحظة أخرى، ثم التفت إليه في حدة، مستطرداً في صرامة، هي أقرب إلى الغضب:
- هناك حتماً تفسير منطقي لكل هذا.
في الظروف الطبيعية، كان المتهم سيرتعد، أو يفزع، أو يضطرب، أو حتى يعترف..
ولكن "حاتم" لم يمرّ بأي من هذا...
لقد سأل، بكل الاهتمام والتوتر واللهفة:
- مثل ماذا؟!
وفي نفس اللحظة، التي حدّق فيها اللواء فيه، في دهشة مستنكرة متسائلة، كان هناك أمر شديد الخطورة، يحدث مع نسمات الفجر الأولى..
هناك..
في المشرحة..
يتبع
|