كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
ذاكرة الغد(10)....كيف؟
السلام عليكم
الفصل العاشر من الرواية المشوقة ذاكرة الغد......كيف؟
*****************************************
ذاكرة الغد (10).. كيف؟! تراجع ذلك الطبيب الشرعي الشاب في توتر بالغ، مع الانفعال الغاضب، الذي كسا وجه "رشدي"، وهو يسأله في حدة:
- لماذا مستحيل؟!
لوَّح الطبيب الشاب بيده، قائلاً في عصبية:
- لأن هذا ليس من حقي.
هبَّ "رشدي" من مقعده، وهو يقول في حدة:
- أنت تعلم أنها جريمة اغتيال سياسي.
هتف الطبيب الشاب:
- وهذا يجعل موقفي أكثر صعوبة.
بدا "رشدي" وكأنه سيهاجمه، وهو يصيح فيه، في غضب مستنكر:
- أكثر صعوبة؟!
تراجع الطبيب الشاب في خوف، وهو يقول، ملوّحاً بذراعيه:
- اهدأ يا سيد "رشدي".. أرجوك.. دعني أوضّح لك.
بدا وجه "رشدي" المحتقن، وبدت قبضته المضمومة، وكأنهما تحملان تهديداً عنيفاً؛ إلا أنه لم يلبث أن سيطر على أعصابه، وعاود الجلوس، وهو يقول في عصبية:
- كلي آذان مصغية.
ازدرد الطبيب الشاب لعابه، قبل أن يقول، والتوتر يتقاطر من كل حرف من كلماته:
- أوَّلاً: تقرير وفاة "أمين ضياء" صدر بالفعل، وبتوقيع كبير خبراء الطب الشرعي.
قال "رشدي"، محاولاً تمالك أعصابه:
- ولكنك كشفت أمراً جديداً.
هتف الطبيب الشاب، في لهجة أقرب إلى البكاء:
- بأية صفة؟!
لم يفهم "رشدي" ما يعنيه، ولقد بدا هذا واضحاً، في نظرة التساؤل العصبية المُطِلّة من عينيه الحائرتين، فتابع الطبيب الشاب مفسراً:
- كل ما فعلناه هنا تمّ على نحو ودي تماماً، دون أية مكاتبات رسمية، أو تكليف من النائب العام، وهذا لا يمنح ما فعلناه أية صفة رسمية؛ فكيف -والحال هكذا- يمكنني أن أُصدر تقريراً رسمياً.
بدا كلامه شديد الإقناع، حتى إن "رشدي" تراجع في مقعده، وبدا حائراً بعض الوقت، قبل أن يقول في حماس مفاجئ:
- وماذا لو أنك أبديت بعض الشكوك؟!
اتّسعت عينا الطبيب الشاب في هلع، وهو يهتف مستنكراً:
- شكوك في ماذا وفي من؟! هل تريد تدمير مستقبلي؟!
انعقد حاجبا "رشدي" في صرامة، وهو يقول:
- بل أريد أن أصنع مستقبلك.
ثم مال نحوه، مستطرداً في حزم:
- ستكون الطبيب الشرعي، الذي كشف أكبر مؤامرة سياسية في "مصر".
اتسعت عينا الطبيب الشاب، وهو يحدَّق فيه بدهشة، قبل أن يقول في تردد:
- هل تظن هذا؟!
عاد "رشدي" يعتدل، وهو يقول بنفس الحزم:
- بل أنا واثق منه.
بدت علامات تفكير متوتر، على وجه الطبيب الشاب لبضع لحظات، قبل أن يهزّ رأسه في قوة، قائلاً:
- لا.. لست أظنني أستطيع هذا.
بدا الغضب على وجه "رشدي"، فاستدرك الطبيب الشاب في سرعة:
- ولكن هناك وسيلة أخرى.
سأله "رشدي" في سرعة ولهفة:
- وما هي؟!
مال الطبيب الشاب نحوه، وهو يقول في خفوت، وكأنه يخشى أن يسمعه أحد:
- بلاغ.
اندهش "رشدي" للفكرة، وتساءل في أعماقه، كيف لم يخطر هذا بباله، في حين تابع الطبيب الشاب في حماس هامساً:
- بلاغ من مجهول، إلى النائب العام، يشير إلى أن "أمين ضياء" تمّ اغتياله، قبل حادث القطار.. هذا سيدفعهم إلى طلب إعادة فحص الجثة على الأقل، و...
قاطعه "رشدي"، وهو يهبّ من مقعده، صائحاً في حماس:
- بالضبط!
وتألقت عيناه في شدة..
فقد كان هذا يعني أنه قد التقط بالفعل طرف الخيط..
الخيط الذي سيقوده إلى كشف الحقيقة..
حتماً..
* * * "ماذا حدث بالضبط؟!"
ألقى "هشام حمزة" السؤال نفسه، الذي لم يجرؤ "حاتم" على نطقه، وهو يحدَّق في اللواء "سامى" في توتر؛ فانعقد حاجبا هذا الأخير، وهو يقول عبر الهاتف، في صرامة تتناقض مع دهشته الأولى:
- وكيف علمت سيادتكم بهذا الأمر؟!
ازداد انعقاد حاجبيه، وهو يستمع إلى محدّثه في غضب واضح، قبل أن يقول، وقد تضاعفت صرامته:
- معذرة يا سيدَّي، مع احترامي لرفيع منصبكم؛ إلا أنه ليس من المفترض أن أتلقى أوامري منكم.
ارتفع صوت محدثه الغاضب، دون أن يتبيَّن "حاتم" أو "هشام" ما يقال، وإن بدت ملامح "هشام" أكثر فضولاً منها قلقاً؛ ولكن اللواء "سامي" بدا فقط غاضباً صارماً، وهو يقول:
- إنني أتلقى أوامري فقط من وزير الداخلية، وأعلم جيداً مدى علاقتكم به؛ فلو أمرني، سأتنحى عن الموقف كله، وربما أتقدَّم باستقالتي أيضاً، وحتى هذا الحين، سيسير كل شيء كما يسير.
قالها، وأنهى المحادثة في عنف واضح، قبل أن يلتفت إلى "هشام"، قائلاً في صرامة شديدة الغضب:
- كيف علم؟!
بدا صوت "هشام" شديد التوتر، وهو يتساءل في خفوت:
- علم بماذا؟!
صاح فيه اللواء "سامي" في حدة:
- كيف علم المسئول بما يدور هنا؟!
امتقع وجه "هشام"، وارتبك على نحو ملحوظ، وهو يقول:
- رباه! هل..
اندفع اللواء فجأة نحو "هشام"، وجذبه من سترته في عنف، وهو يصرخ في وجهه، مكرراً:
- كيف علم؟!
هتف "هشام" محاولاً التملَّص منه:
- وكيف لي أن أعلم؟
انكمش "حاتم" في مقعده، وهو يتابع ما يحدث في توتر؛ في حين واصل اللواء صراخه، قائلاً:
- لقد دخلت مكتبك هذا، دون أي ترتيب مسبق.. فقط مع صرخاتك وأنت تطالب طاقم الأمن بالقضاء على هذا الرجل، ولم يمضِ على دخولي هنا دقائق؛ ولكن ذلك المسئول يتصل بهاتفي مباشرة، ويطالبني بعدم التدخّل في هذه القضية، مع أنه -مع كامل الاحترام لمنصبه- ليست له أية صلاحيات أمنية، على أي مستوى؛ فكيف علم، ولماذا يُقدِم على هذه الحماقة، التي تشفّ عن توتر شديد؟
انفرجت شفتا "هشام" ليقول شيئاً ما، لولا أن اندفع "حاتم" قائلاً في توتر:
- أنه قتل "أمين ضياء".
اتسعت عينا "هشام" في ارتياع؛ في حين انعقد حاجبا اللواء "سامي" في شدة، ومضت لحظات، قبل أن يلتفت إلى "حاتم" في بطء؛ متسائلاً فيما يشبه الصدمة:
- قتل من؟!
كان "حاتم" يدرك أن ما يفعله هو قمة الحماقة، وعلى الرغم من هذا، لم يمكنه كبح نفسه من أن يندفع، قائلاً:
- لقد أصدر أوامره باغتيال "أمين ضياء"، قبل أن يُعلن تلك المستندات، التي حصل عليها، والتي ستدمّر مستقبله السياسي تماماً، و..
تلك النظرة الذاهلة، المستنكرة، التي حدجه بها "سامي"، جعلته يبتر عبارته دفعة واحدة، ويعاود الانكماش في مقعده، قائلاً:
- ولست أعلم كيف عرفت كل هذا!!!
تنفّس "هشام" الصعداء، مع العبارة الأخيرة، ثم هتف في عصبية شديدة:
- هل رأيت يا سيادة اللواء؟! هذا الجنون يتكرر منذ وصوله إلى هنا!!
التفت إليه اللواء، وقال في صرامة قاسية:
- ولهذا أردت أن تقتله؟!
ارتبك "هشام"، واضطرب، وامتقع وجهه في شدة، وبدا كتلميذ خائب، ضبطه أستاذه في وضع مُخلّ..
ولم يفُت هذا عن عينيْ اللواء، الذي رمقه في بطء، ثم قال في صرامة:
- سأتولى هذه القضية، من هذه النقطة.
اتسعت عينا "هشام" في هلع، وهتف:
- ولكن..
قاطعه اللواء، في صرامة شديدة:
- ما لم أتلقَّ أوامر أخرى.
ثم التفت إلى "حاتم"، وقال في لهجة هادئة، لا تتفق مع صرامته السابقة:
- اصحبني يا سيد "حاتم".
ألقى "حاتم" نظرة متوترة على "هشام"، ثم لحق باللواء "سامي"، ولم يكد يغلق الباب خلفه، حتى اختطف "هشام" هاتفه اختطافاً، وطلب رقماً بأصابع مرتجفة، ولم يكد يسمع صوت محدثه، حتى هتف بكل انفعاله وشحوبه:
- سيدي.. الأمور تُفلت من أيدينا، وعلينا أن نتحرَّك في سرعة، وإلا خسرنا كل شيء.. ولديّ حل سريع.. خطير ومجازف؛ ولكنه سريع، وحاسم.. تماماً.
وعندما نطق عبارته الأخيرة، كان جسده كله ينتفض بالغضب..
كل الغضب. يتبع
|