كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
السلام عليكم
إليكم الفصل الثالث من ذاكرة الغد......... جنون
معذرة على الصور معرفتش أعملها لو ممكن حد يقول لي بعد كده تمام
*****************************************************
لهثت زوجة (حاتم) على نحو ملحوظ، وبدت زائغة العينين، أشبه بمن عانى صدمة عنيفة، وهي تقول لأمها، التي تحدَّق فيها مذعورة:
- إنه مجنون.. أنا واثقة من هذا.حاولت أمها تهدئتها، وهي تربِت عليها بيد مرتجفة، قائلة:
- تمالكي أعصابك، واروي لي ما حدث.لوّحت الزوجة بيديها، في عصبية بالغة، وهي تُجيب:
- يزعم أنه يستطيع معرفة ما سيحدث.. وفي كل مرة يسمع فيها خبراً ما، يؤكّد أنه كان يعرفه من قبل.اتسعت عينا أمها، وهي تغمغم في صوت مبحوح:
- حقاً؟!..
هزّت الزوجة رأسها في قوة، قائلة:
- كنت أحتمله في البداية، متصوّرة أنه توتر عصبي، من إجهاد العمل، فقد مروا في شركته بفترة عصيبة، إثر الأزمة الاقتصادية الماضية، ورأيت أنه من واجبي كزوجة أن أحتمله، حتى تمرّ الأزمة، وينصلح الأمر، إلا أنه تمادى، إلى حد أعجز عن احتماله.
سألتها أمها في جزع:
- هل أساء إليك؟!..
هتفت في عصبية:
- ليس بدنياً، ولكن..
لم تتم عبارتها..
بل ولم تحاول حتى هذا..
لقد عادت تهزّ رأسها في قوة، وكأنها تحاول أن تنفض الأمر كله، ثم نهضت بحركة حادة، أفزعت أمها، وراحت تدور في المكان، في عصبية بالغة، قائلة:
- مع حادث القطار هذا الصباح، تحوّلت حالته إلى جنون حقيقي.. إنه يصرّ على أنه ليس مجرّد حادث، بل جريمة قتل.
شهقت أمها، هاتفة في ذعر:
- قُتل.. يا ستّار!
أكملت الزوجة، وكأنها لم تسمعها:
- بل جريمة اغتيال سياسي.
أطلقت الأم شهقة أكبر، ونهضت من مقعدها، تضرب صدرها براحتها، هاتفة:
- الرحمة يا إلهي!..
التفتت إليها الزوجة، وهي تُكمل في عصبية:
- على الرغم من البيان الحكومي الرسمي، يؤكّد في هستيريا أنها جريمة اغتيال مدبّرة؛ لافتعال حادث قطار، يودي بحياة زعيم سياسي معارض، قُبَيل الانتخابات الرئاسية القادمة.
ارتجف جسد الأم، من قمة رأسها، وحتى أخمص قدميها، وهي تقول:
- لقد جُنّ.. من المؤكد أنه جُنّ.
مالت الزوجة نحوها، وبدت عيناها زائغتين، وهي تقول:
- ولم يكتف هذه المرة بهستيريته.
بدا صوت أمها منفعلاً مبحوحاً، وهي تقول:
- ماذا فعل أيضاً؟!..
اتسعت عينا الزوجة، وهي تجيب، وكل حرف من كلماتها يرتجف على شفتيها:
- ذهب لإبلاغ الشرطة.
انتفض جسد الأم في عنف، من ذهول الصدمة، ونافست عيناها عيني ابنتها في اتساعهما، وكل منهما تحدّق في وجه الأخرى ذاهلة، قبل أن ينتفض جسد الأم مرة أخرى، هاتفة بكل الانفعال:
- الطلاق.. ليس هناك من حل سوى الطلاق.
تراجعت الزوجة في بطء، وبدا على ملامحها أن ذلك الحل لم يدُر بخلدها قط؛ على الرغم من كل ما حدث، ورددّت في بطء مذعور مستنكر:
- الطلاق؟!
هتفت أمها:
- لا يوجد حل سوى هذا.. جنونه ليس من النوع الشخصي، الذي يمكن احتماله، أو حتى السعي لعلاجه.. إنه جنون شديد الخطورة، سيورّطه، وربما يورّطك معه، في مشاكل سياسية وأمنية، نحن في غنى عنها.
على الرغم من تحديق ابنتها فيها، بعينين شديدتي الاتساع، بدا وكأنها لم تسمع حرفاً واحداً من عباراتها الأخيرة، وهي تردّد في خفوت:
- الطلاق؟!
سألتها أمها في عصبية:
- ألديك حلّ آخر؟!
مرة أخرى، حدّقت فيها الزوجة، بعينين زائغتين ذاهلتين، ولم تنطق بحرف واحد..
أي حرف..
على الإطلاق.. " خبرتي علّمتني أن الصمت نوع من الاعتراف.."
حدّق (حاتم) في ضابط أمن الدولة أمامه في حيرة، وأدهشته ابتسامته الهادئة الواثقة، التي لا تتفق مع عبارته؛ فسأله في شيء من الحذر:
- اعتراف بماذا؟!..
مال الرجل نحوه، وقال، دون أن يتخلى عن ابتسامته:
- كنت تعرف ما حدث.. أليس كذلك؟!..
تطلّع إليه (حاتم) لحظات في دهشة، قبل أن يهّز رأسه، قائلاً:
- (رشدي) بك..
قاطعه الرجل، وقد اكتسب صوته لمحة من الصرامة:
- كنت تعرف الحقيقة، وليس ما أعلنه البيان الرسمي.
سَرَت قشعريرة باردة في جسد (حاتم)، وهو يحدّق فيه، مغمغماً في انفعال واضح:
- الحقيقة!!.. تقول الحقيقة!.. إذن فلم يكن حادثاً.
تراجع (رشدي) في بطء، دون أن يرفع عينيه عنه، ولاذ بالصمت بضع لحظات، فيما بدا وكأنه يتفحّصه في اهتمام، قبل أن يسأله:
- إنه أمر يتعلّق بأمن الدولة؛ فكيف أمكنك معرفته؟!..
لم يبدُ أن (حاتم) قد استوعب السؤال، أو حتى سمعه، وهو يسأله بدوره في انفعال:
- كان اغتيالاً سياسياً.. أليس كذلك؟!
صمت (رشدي) لحظات، وهو يتطلّع إليه، ثم لم يلبث أن هزّ كتفيه، وأجاب في بطء:
- ربما هذا ما تُطلقونه عليه.
ثم مال نحوه بحركة مباغتة، وبدا صارماً قاسياً، وهو يضيف:
- أما نحن؛ فنطلق عليه اسم (العمل الإرهابي).
تراجع (حاتم) بحركة حادة، واتسعت عيناه في دهشة مستنكرة، وهو يقول:
- عمل إرهابي؟!.. نحن؟!.. أين ذهب تفكيرك بالضبط؟!
بدا (رشدي) أكثر قساوة، وهو يقول:
- بل أين ذهب تفكيركم أنتم، عندما خطّطتم لهذا؟!
انتفض (حاتم)، وهو يهتف في عصبية:
- ماذا تقصد بصيغة الجمع هذه؟!
لم يُجبه الضابط، وهو يتطلّع إليه في صرامة؛ فسأله في حدة:
- ولماذا قلت: إنك كنت تنتظرني؟!
صمت الضابط لحظات أخرى، ثم اعتدل يجيب في صرامة:
- لم أكن أنتظرك بالتحديد؛ ولكنني كنت أنتظر من سيأتي؛ ليعترف بما فعله الباقون.
هتف (حاتم) في حدة:
- أيّ باقين؟!
صاح (رشدي) في وجهه، في غضب صارم:
- لا تحاول إقناعي بأنك علمت فحسب.. مثل تلك الأمور لا يمكن أن نعلمها فحسب؛ إلا لو كنا جزءاً منها.
هتف (حاتم)، وهو يلّوح بيده:
- ولكن هذا بالفعل ما..
قاطعه (رشدي) بحركة مباغتة، قبض بها على معصمه بأصابع من فولاذ، وهو يميل نحوه بشدة، قائلاً في غضب:
- هل تفضّل الأسلوب الأصعب؟!
حدّق فيه (حاتم)، في مزيج من الدهشة والذعر، وغمغم في صوت مبحوح:
- تصوّرت في أسف أنك أكثر تحضراً.
قال الضابط في صرامة:
- إننا نتحّدث عن أمن الدولة، لا عن علاقة ودية.
هزّ (حاتم) رأسه، قائلاً في عصبية:
- ولكنكم ستدركون فيما بعد، أن هذا الأسلوب يستحيل أن يوصلكم، إلى الحقائق التي تنشدونها؛ لأنكم بالعنف ستحصلون على ما تريدون سماعه فحسب.
صرخ (رشدي)، في غضب هادر:
- لست هنا لتلقّنني محاضرة في فن الاستجواب، أنت هنا لتجيب أسئلتي فحسب.
شعر (حاتم) بتوتر شديد يسري في كيانه، وبعصبية تسيطر على مشاعره، وهو ينكمش في مقعده..
لقد كانت زوجته على حق..
لا أحد سيستمع إليه..
لا أحد..
لقد كانت تخشى أن يظنوه مجنوناً..
وليس أبداً إرهابياً..
ويا ليته استمع إليها!!..
إنه يجلس الآن في مواجهة الوزير، الذي..
تجمّد ذهنه كله دفعة واحدة، وحدّق في وجه ذلك الضابط، واتسعت عيناه عن آخرهما..
الوزير.. نعم.. لقد أدرك الآن فقط لماذا شعر بالمودّة، مع أوّل لقاء بينهما؟!..
ولكنه لا يستطيع الإفصاح؛ فلو فعل، سيبدو للجميع أكثر جنوناً..
ألف مرة..
فما أدركه الآن أمر مذهل..
وبكل المقاييس. *****************************
شكرا على المتابعة أشوفكم في الفصل القادم..............إن شاء الله
|