كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
السلام عليكم
كل عام و أنتم بألف خير و عافية
*******************************
ذاكرة الغد (17).. النفق الدكتور نبيل فاروق رمضان " لماذا كل هذا؟!"..
نطقها الحارس الخاص لـ"حاتم" في توتر، وهو يتطلّع في قلق إلى هذا الأخير، الذي جلس على مقعد هوائي بسيط، وقد ارتكن بوجهه على كفيه في أسى، ولقد رفع رأسه إلى حارسه الخاص، استجابة للسؤال، وهو يكررّه في استنكار حزين:
- لماذا كل هذا؟! تسألني لماذا كل هذا؟! بل أخبرني أنت لمَ كان كل هذا؟! لماذا انتزعتموني من زمني، وعدتم بي نصف قرن إلى الوراء، متخلّياً عن مهامي، وعن خطتي الإصلاحية الجديدة، التي مات الآلاف في سبيلها؟! لماذا؟!
أجابه حارسه الخاص في توتر:
- لأنها كانت الوسيلة الوحيدة لإنقاذك يا سيّدي.. الحرس القديم، المعارض للإصلاح، يحاول اغتيالك بشتى الطرق، منذ تولّيت منصبك هذا، وكدنا نكشف أمرهم، ونُحبط مخططاتهم طوال الوقت، حتى توصّلوا إلى استنساخ جيش صغير من بشر، تمّ إمدادهم بهندسة وراثية؛ بحيث يفقدون المشاعر والعواطف تماماً، ويطيعون الأوامر طاعة عمياء، ويمتلكون في الوقت ذاته قدرات خرافية.. ولقد كادوا بواسطة جيشهم هذا، ينجحون في اغتيالك مرتين، ولما كنا نحتاج إلى تركيزنا بالكامل، حتى نكشف أمرهم، ونقضي على خطتهم؛ فقد رأينا أن حمايتك تفسد هذا التركيز، وأن أفضل وسيلة، لـتأمين الحماية لك، هي إبعادك عن هنا.
قال في غضب:
- إلى زمن ماضٍ.
هزّ الحارس الخاص رأسه، وقال:
- لم تكن هذه هي الخطة في البداية؛ ولكن أستاذك ومستشارك رأى أنك، بعنادك وإصرارك، لن تتوقّف عن ممارسة مهامك الرئاسية أبداً، حتى ولو أيقنت أنك تواجه خطة لاغتيالك، مما سيكشف أمرك، ويحبط كل خطتنا، ولهذا كان اقتراحه باستخدام تقنية نفق الزمن، في نقلك إلى زمن ماضٍ، لا يمكنهم الوصول إليك فيه، حتى نتمّ عملنا.
سأله في حيرة:
- ولكنني لم أكن أذكر شيئاً عن زمني الفعلي.
أجابه حارسه الخاص في اهتمام، وقد لاحظ تغيّر انفعاله:
- محو ذاكرتك مؤقتاً، كان وسيلة حتمية لحمايتك؛ فمنذ أن استقرّت تكنولوجيا السفر عبر الزمن، وهم يراقبون التاريخ مثلنا، ولو أنك، في الزمن الماضي، قد قمت بتصرّف ما، يشفّ عن هويّتك، وسجّل التاريخ هذا، ولو في صفحة حوادث، ولو نُشرت صورتك مرة واحدة، كانوا سيكشفون الأمر، ويرسلون من يسعى للقضاء عليك.
بدا من الواضح أن "حاتم" يدرس الأمر في ذهنه، وأنه يشرحه لنفسه، وهو يغمغم:
- لهذا تمّ تزوير بطاقة الرقم القومي، بتكنولوجيا عصرنا، ولهذا كنت أرى أعمالهم الهندسية بالغة البساطة؛ لأنني درستها بالفعل في المرحلة الأولية.
ابتسم حارسه الخاص، وهو يقول:
- ولهذا بدوت لهم دوماً عبقرياً.
بدت علامات تفكير شارد بضع لحظات، على وجه "حاتم"، قبل أن يلتفت إليه، متسائلاً:
- كم بقيت هناك؟!
أشار إليه حارسه الخاص، مجيباً:
- عشرة أيام، بمقياس زمننا.
سأله في اهتمام صارم:
-وبمقياس زمانهم؟!
صمت حارسه الخاص لحظات، ثم أجاب في خفوت، وكأنما يخشى ردّ الفعل:
- بقيت عامين تقريباً.
انعقد حاجبا "حاتم" في شدة، والأفكار تتداعى في ذهنه بسرعة البرق..
عامان..
زوجته..
اللواء "سامي"..
"هشام حمزة"..
"رشدي عبد الهادي"..
وقضية اغتيال "أمين ضياء"..
و..
" أريد أن أعود.."..
نطقها في حسم صارم، وبلهجة آمرة قوية، وهو ينهض من مقعده؛ فارتجف حارسه الخاص، على الرغم منه، وهو يقول:
- تعود؟! إلى أين؟!
أجابه في صرامة:
- إلى الزمن الذي وضعتموني فيه.
تراجع حارسه الخاص، في دهشة كبيرة، وهو يقول:
- ولماذا؟!
أجابه بمنتهى الحزم:
- هناك أمور، تحتاج إلى تعديل.
بدا حارسه الخاص مذعوراً، وهو يقول:
- لا يا سيّدي... لا.. تعديل الزمن محظور تماماً، وبالغ الخطورة أيضاً.. ألم تدرس في طفولتك ما يسمى بتأثير الفراشة؟! إننا لو عدّلنا لمحة واحدة من الماضي، لاختلف حاضرنا كله، وربما انهار أيضاً.
قال "حاتم" في صرامة:
- ولكننا قمنا بهذا التعديل بالفعل، عندما أعدتموني لأحيا في الماضي.
لوّح بذراعه كلها، هاتفاً:
- هذا لم يكن جزءاً من التاريخ؛ ولكنك لا تستطيع منع اغتيال "أمين ضياء" مثلاً؛ لأن اغتياله كان شرارة التغيير، الذي أوصلك إلى خطتك الإصلاحية الشاملة.
انعقد حاجبا "حاتم"، وهو يفكّر في عمق، قبل أن يغمغم:
- ولكنني أظن أننا قد تدخّلنا في التاريخ بالفعل.
سأله حارسه الخاص في دهشة:
- وكيف؟!
ابتسم، قائلاً:
- "رشدي عبد الهادي" كشف المؤامرة؛ ولكنه لم يعلن أبداً، من أين أتى بأدلة الإدانة الدامغة.
سأله حارسه الخاص، في حذر متوتر:
- ماذا تعني يا سيّدي؟!
تجاهل "حاتم" سؤاله تماماً، وهو يشدّ قامته، مكرراً بلهجة قوية آمرة:
- أريد أن أعود..
وفي هذه المرة، لم يعترض حارسه الخاص..
أبداً.. * * *
تطلّع النائب العام إلى وجه "رشدي عبد الهادي"، في تشكّك واضح، قبل أن يعتدل، ويسأله:
- أنت ضابط أمن دولة، أليس كذلك؟!
أجابه "رشدي" في توتر واضح:
- بلى يا سيّدي.
سأله النائب العام، وهو يحاول أن يستشفّ انفعالاته جيداً:
- لماذا لم تُبلغ رؤساءك بشكوكك إذن؟!
صمت "رشدي" لحظات، زفر خلالها في توتر ملحوظ، قبل أن يجيب:
- أشكّ في تورّط بعضهم في الأمر.
ارتفع حاجبا النائب العام، في دهشة مستنكرة، ثم تراجع في مقعده، وقضى ما يقرب من دقيقة كاملة، في التحديق في وجه "رشدي"، قبل أن يقول في صرامة:
- ما تقوله بالغ الخطورة للغاية أيها المقدّم.. أنت تتحّدث عن مؤامرة كبرى بكل المقاييس.. مؤامرة تورّط فيها عدد من كبار مسئولي الدولة، ولست تملك حتى الأدلة المادية، التي تؤيد روايتك.
قال "رشدي"، وتوتّره يتصاعد:
- لقد قمنا بإعادة تشريح جثة "أمين ضياء"، و..
قاطعه النائب العام في صرامة:
- على نحو رسمي؟!.
تراجع "رشدي" في عصبية، وهو يجيب:
- بل ودّي.
قال النائب العام، في صرامة أكثر:
- ألم تدرس قانون الإجراءات أيها المقدّم؟!
صمت "رشدي" لحظات، ثم اندفع قائلاً في انفعال:
- سيّدي.. أنا أعمل في أمن الدولة منذ سنوات، وتقاريري كلها تؤكّد أنني ضابط كفء، ولقد تعلمت أن المؤامرات الكبيرة يصعب فيها الحصول على الأدلة.. لقد نفّذوا جريمتهم بلا رحمة، وحطموا قطاراً كاملاً، بكل من فيه؛ فقط لإخفائها، ثم لم يتوّرعوا عن سرقة جثة "أمين ضياء"؛ عندما أوشكت مؤامرتهم أن تنكشف.
قال النائب العام:
- وأنا تعلمت، في نصف قرن، أن قضية بلا أدلة، هي قضية فاشلة.
ثم مال نحوه، مضيفاً:
- احصل على الأدلة، وسنفتح التحقيق فوراً.
وعاد يتراجع في مقعده، مكملاً بكل صرامة:
- وأمامك أربع وعشرون ساعة.. أربع وعشرون ساعة فقط لا غير.
وأُسقط في يد "رشدي"..
وفي عقله..
في أعمق أعماق عقله.. يتبع
|