لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات > القصص المكتمله
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله خاص بالقصص المنقوله المكتمله


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-09-10, 03:32 PM   المشاركة رقم: 31
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 164090
المشاركات: 216
الجنس أنثى
معدل التقييم: سنديان عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سنديان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سنديان المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

الفصل 28

أمطرت سماء عينيها العسليتين وهي مستلقية على سريرها وناصر بجانبها . نام بعد أن أرهبها بصراخه واتهاماته بأنها السبب في فشله ، وتجرأ وضربها هذه المرة . بكت بمرارة وتذكرت عماد وقسوته عليها يوم ذهبت لزيارته . ليتها لم تذهب ولم تذل نفسها أمامه .أحست بالندم والألم وهو يأكل روحها ويتعبها وأثر الضربة القوية التي وجهها ناصر تؤلم كتفها تمنت لو تخنقه وهو نائم وتتخلص منه لكنها لم ترد ارتباك حماقة فخرجت من الغرفة بدموعها وبكائها . جلست على إحدى الكنبات تعبث بجهاز الكمبيوتر المحمول الذي تستخدمه نادرا وهي تفكر بترك المنزل بعدما حدث والذهاب لمنزل والديها ولكنها أيقنت بأن والدها سيعيدها رغما عنها . لم تكن تذهب لمنزل والدها كثيرا لإحساسها بأنه خرجت منه بإذلال وذهبت لتعيش مع ناصر رغما عنها . شعرت بكآبة وحزن عميقين ، وفكرت بزيارة طبيب نفسي أو استخدام أي دواء قد يريحها مما تعانيه وأخيرا غفت على الكنبة بعد أن قضت ليلة حزينة واستيقظت وهي تفكر به .

*********

كان عماد يقود سيارته متوجها لمزرعته بعد عودته من الشركة مباشرة فزوجته ستبقى في المستشفى مناوبة لأربع وعشرون ساعة ، كان يسير بسيارته بمحاذاة شاطئ الخليج في سيهات يستمع لفيروز تغني ...

" ع هدير البوسطة الكانت ناقلتنا
من ضيعة حملايا على ضيعة تنورين
تذكرتك يا عليا وتذكرت عيونك
يخرب بيت عيونك يا عليا شو حلوين "

وصل إلى القطيف وسلك الطريق المؤدية إلى المزرعة بسمائها الصافية التي تزينها الطيور البرية . دخل إلى الاستراحة بدل ملابسه ووضع القبعة على رأسه واتجه مباشرة إلى إسطبل الخيول . سرج خيله وركبها وراح يمشي ببطء ونسمات الهواء الجافة تداعبه والشمس توشك على الغروب لتأذن بحلول الظلام . صلى المغرب واستلقى على الأرض وهو يشعر بالراحة لوجوده وحده ، لا يعكر صفوه أحد وهو في حالة هدوء وتصالح مع نفسه ، وعندما اتصلت به ريم لم يجبها رغم اتصالها المتكرر .

*******

عادت ريم من المستشفى صباح اليوم التالي منهكة بعد انتهاء مناوبتها الحافلة بالكثير من العمل وعدد كبير من الولادات في الليل . لم تجد عماد في البيت ولا نائما في سريره ، فاستحمت واتصلت به عدة مرات لم يرد عليها . شعرت بالغضب فهي لا تعرف عنه شيئا منذ الأمس وإحساسها يخبرها بأنه يتعمد تجاهلها . ارتدت عباءتها وأمرت السائق بالتوجه لمنزل والديها . ذهبت بدموعها وغضبها واستياءها من زوجها الذي لا يهتم بها وهم في الأشهر الأولى لزواجهما ، كم هي بداية تنبئها بحياة باردة وتعيسة وخالية من الحب والعاطفة . تمنت لو تعرف ما الذي يشغله عنها ولماذا يتجاهلها . لم تعلم بأنه يعيش بأفكاره وذكرياته مع امرأة أخرى . لم تتمنى شيئا كما تمنت أن تفتح قلبه وترى ما فيه فربما تفهم أسباب بعده وبروده . لو فتحت قلبه لوجدت كاميليا مستلقية بأريحية وهدوء . وكما هي تعيش في عذاب من جراء تجاهل زوجها فحبيبته تعيش عذاب أيضا . هم الثلاثة يشتركون في عذاب واحد . وجدت أمها في المطبخ ، وسرعان ما هبت لها عندما رأتها تدخل بدموعها . بكت على كتف أمها بحرقة وهي تقول :
- لا أعرف عنه شيئا منذ الأمس .. هو لا يهتم لأمري ولا يحبني .. اتصلت به عدة مرات ولم يكلف نفسه عناء الإجابة علي كما أنه نام خارج المنزل .
- ألم تتحسن طريقته في التعامل معك .
- هو لا يعرف عني شيئا .. نحن نعيش كغرباء في بيت واحد .. ولا يتذكرني إلا في غرفة النوم .
رن هاتفها الجوال كان المتصل عماد فآثرت عدم الرد عليه لكن أمها طلبت منها إجابته ، فردت على مضض :
- آلو .. أين كنت منذ الأمس .. ولماذا لا ترد على اتصالاتي ؟
- أنا في المزرعة وسأعود بعد آذان المغرب .. هل عدت من المستشفى ؟
- عدت قبل قليل وأنا في منزل والدي .. وعندما تعود من المزرعة تعال هنا لنتفاهم .
أغلقت الهاتف وراحت تمسح دموعها وهي تقول لأمها :
- لماذا تزوجني إذا كان لا يريدني ؟ .. أنا السبب رفضت الذي يحبني وتزوجت من لا يحبني .
اقترحت عليها أمها الذهاب لامرأة مكشوف عنها الحجاب لتعرف سبب جفاء زوجها ، فقالت لها :
- لن أذاهب لأي مكان فهذا ما كان ينقصني .. أذهب للمشعوذين ليحلوا مشاكلي الزوجية .
- أم يوسف ليست مشعوذة .. هي ستقرأ القرآن الكريم وستقول لنا عن السبب الذي يجعل عماد بعيدا عنها .
شعورها باليأس جعلها تردد فقالت :
- أنا الدكتورة ريم أذهب للمشعوذات وأرى لماذا زوجي لا يحبني .

وافقت ريم بعد أن أقنعتها أمها بأنها لن تخسر شيئا ولن يتعرف عليها أحد ، وذهبت معها بالسيارة إلى المنزل تلك المرأة الكائن في أحد أحياء " حلة محيش " القديمة والمتهالكة . توقفت السيارة في بداية الشارع الضيق ومشيا بسرعة متجهين لمنزل أم يوسف . كانت ريم خائفة وهي تنظر إلى البيت القديم الذي توقفت أمها عند بابه ، بدا مخيفا ورائحة كريهة تنبعث منه . رفضت الدخول وأرادت العودة إلى السيارة لكن أمها أمسكت يدها بقوة ودخلت بصحبتها . جلسا في الصالة حيث تجلس عدد من النسوة المنقبات ، وكل واحدة تدخل لغرفة أم يوسف حسب دورها . تفاجئت ريم من وجود عدد من الفتيات الصغيرات يخرجن من غرفة أم يوسف . وجاء دور ريم فدخلت مع أمها إلى الغرفة ووجدت أم يوسف مختلفة عن الصورة التي رسمتها لها . وجدتها امرأة تبدو في الأربعين من العمر ، وتجلس على مكتب وأمامها مصحف كبير وعدد من الأوراق البيضاء ودفتر صغير وجهاز كمبيوتر . قالت أم يوسف :
- أنا لا أستقبل سوى الحالات الطارئة يومي الخميس والجمعة .. من منكما بحاجة للمساعدة .
أجابت أم عصام :
- ابنتي .. تزوجت من قريبها منذ عدة أشهر لكنه لا يهتم بها ويتجاهلها .. هو بعيد عنها ويعيشان كغريبين في بيت واحد .
- ما هو أسم ابنتك ؟.
- ريم بنت نورة .. وزوجها عماد ابن سميرة .
كتبت المرأة الأسماء على الورقة وفتحت القرآن الكريم وقالت :
- سورة الطور .
وسكتت للحظات ومن ثم سألت ريم :
- هل كنت تريدين الزواج بآخر ؟.. أو مترددة بينه وبين آخر .
سكتت ريم مندهشة من الكلام المرآة وأجابت أمها نيابة عنها :
- تقدم لها عماد وشخص آخر في الوقت ذاته .. وابنتي ترددت ومن ثم اختارت عماد .. وهي تشكو من تجاهله لها من خطوبتها وحتى الآن وهو لم يتغير .
- يبدو لي بأن فتاة من عائلة زوجك تريد الزواج به ولذا عملت له عملا ليصده عنك ، وأسمها من أربعة أحرف.
أجابت أم عصام :
- من أين جاءت هذه الفتاة .. في عائلته لا توجد بها فتاة غير متزوجة سوى أخته .
أطرقت المرآة مفكرة ثم قالت :
- إذا عماد يعرف امرأة من خارج البلاد وهي من عملت له العمل .. ولدي علاج مناسب لمثل هذه الحالة .. والعلاج يبدأ بألف وخمسمائة ريال .
أخرجت نورة من حقيبتها ثلاثمائة ريال وأعطتهم للمرأة وعادتا إلى المنزل جلستا في الصالة وقالت ريم لأمها :
- إنها كاذبة .. وغير موضوع ترددي بين عماد وعادل لم تنطق بكلمة صحيحة .. وأي فتاة هذه التي تريد الزواج بعماد؟. كما أنه لا يسافر إلى الخارج وحده .. هذه المرأة محتالة .. كيف وافقتك على الذهاب لها .
بقيت ريم مع أمها تنتظر عودة عماد لترى ما ستفعله معه . أقنعتها أمها أن لا تتحدث معه إلا في بيتهما ، وعندما جاء أصطحبها إلى المنزل وهو يعرف بأن شجارا ينتظره . جلسا في الزاوية الفرنسية . ظلت ريم صامتة ومستاءة وهو لا يعرف كيف يبدأ بالحديث معها ، فقال لها بأنه قضى وقتا ممتعا في المزرعة ودعاها للذهاب عصر الغد ، فردت عليه بحدة بأنها لا تريد الذهاب معه لأي مكان . وسألها ببرود :
- ولماذا أنت غاضبة ؟
اقتربت نحوه وأجابته وقد أغاظتها لا مبالاته :
- لأنك ذهبت إلى المزرعة ونمت هناك ولم تكلف نفسك عناء إخباري .. كنت أتصل بك ولا تجيبني . تأفف وقال لها بضيق :
- لديك مناوبة في المستشفى فماذا تريد مني ؟
فاجأته بسؤالها والدموع أندت عينيها :
- لماذا تزوجتني يا عماد ؟
كررت عليه السؤال مرة أخرى وسكت وهو يتأمل وجهها وهو يحمر . بلع ريقه وقال لها بهدوء محاولا التملص من الإجابة :
- ولماذا يتزوج الناس ؟!
كانت على وشك البكاء عندما صرخت :
- يتزوجون ليحبوا بعضهم ويعيشوا بهناء واستقرار ويكونوا عائلة جديدة .. لا ليتجاهل الزوج زوجته ويدير لها ظهره .. لم أتخيل بأني سأعيش معك حياة زوجية تعيسة كحياتي هذه .
كان مصدوما من كلامها فسألها :
- وهل أنت تعيسة معي ؟
- نعم .. وهذا البيت الكبير ولوحات الرسام الإيطالي الذي أعطيته الآلاف لا تعنيني .. أنا أحب الرفاهية لكني أفضل السعادة عليها .. منذ خطوبتنا وأنا لأشعر بغير الغم والكآبة .
وبكت بقوة وهي تقول له :
- لماذا تتجاهلني .. ولماذا تزوجتني إذا كنت لا تريدني ؟.. لو تزوجت بابن عمي عادل الذي يحبني بصدق لحاول أن يسعدني بأي ثمن .
نهض من مقعده وقال لها بدهشة :
- وهل أنت نادمة على زواجك بي ؟
- الناس يحسدوني على زواجي بك وهم لا يعرفون طبيعة الحياة التي أعيشها معك .
فرك جبينه بأصبعه وقال :
- كلامك قاس جدا .
- وأنا تعبت منك يا عماد .. أنا لا أفهمك أبدا ..أنت دائما ..
أرادت أن تكمل فأشار لها بيده وطلب منها أن تتوقف عن الكلام فيكفيه ما سمعه . صرخت في وجهه مجددا مستنكرة رفضه للحوار معها ، فهو لا يريد مواجهتها أو مصارحتها .. أخذ مفاتيح سيارته وخرج .. تركها تبكي وتندب حظها الذي جعلها تترك عادل الذي تعرف بأنه يحبها منذ سنوات وتحمل رفضها وطلبها للزواج عدة مرات .

أوقف عماد سيارته أمام منزل والديه ، ودخل بخطى بطيئة والتقى بأمه عند الباب وهي بكامل زينتها ، سألها:
- هل أنت خارجة ؟
- نعم سأذهب لاصطحاب ندى وزوجة عمك وسنذهب إلى حفل زواج في الدمام .
قال لها بأنه جاء لرؤية نسرين فأخبرته بأنها خرجت مع صديقاتها . سألها :
- إلى أين ؟
- السوق ثم المطعم ولا أعرف أين ستنتهي سهرتهن .. ربما في منزل عمتك .
تنهد بصمت فسألته :
- ما بك ؟.. هل تشاجرت مع زوجتك ؟
لم يتجرأ على إخبار أمه بحقيقة شجاره مع ريم لأنها ستلقي عليه محاضرة لا يود أن يسمعها ، فكذب وأخبرها بأنها خرجت للقاء صديقتها . عرض عليها أن يوصلها لمكان الحفل لكنها فضلت الذهاب مع سائقها . ركب سيارته مجددا وهو ما يزال يشعر بضيق مما قالته ريم ، وتساءل بداخله هل كانت تقصد الكلام الذي قالته أو دفعها الغضب لذلك ؟ ألم تكن تدري قسوة كلماتها لكونها منفعلة وغاضبة وقالت كل الذي تخبئه في قلبها ؟
اتصل بماجد وأخبره بأنه قادم لزيارته في بيته . جلس معه في مجلسه وأخبره بكل ما جرى بينه وبين زوجته، فوبخه :
- ماذا تظن نفسك يا صديقي ؟ .. لن تتحملك المرأة وأنت بهذه الطباع السيئة .. يجب أن تكون لطيفا معها .
مرر أصابعه في شعره الأسود وقال :
- لست سيئا لهذه الدرجة .
- النساء بحاجة إلى الحب والحنان والاهتمام .. لا إلى التجاهل والسرحان .. أقولها لك للمرة الألف .. المرأة عاطفية بطبعها .
تأفف وقال :
- وماذا أفعل ؟..أنا لا أستطيع أن أحبها كما لا أستطيع نسيان كاميليا فأنا مازلت أفكر بها .. هي تتملكني ومازلت أحبها حتى هذه اللحظة .
سكت ماجد من هول دهشته وهو يرى صاحبه يضع رأسه بين يديه ويتنهد بعد اعترافه ، فسأله :
- ومن تكون كاميليا هذه ؟ .. هل تعرف إحداهن غير زوجتك ؟
تنهد بقوة وأجابه :
- أعرفها منذ سنوات وقبل زواجي .. هي من غيرت رأيي بالزواج وجعلتني أبني المنزل من أجلها على الطريقة التي أرادتها .. ثم كافأتني وتزوجت بآخر .. تزوجت ومازلت تقف عائقا بيني وبين السعادة والراحة ..أنا أحبها من كل قلبي يا ماجد ..أحبها .
سأله ماجد عن هوية كاميليا وكيف عرفها ، فتملص من إجابته :
- وماذا تريد منها الآن .. دعها وشأنها فهي تزوجت وأنا تزوجت وانتهى كل شيء .
هز ماجد كتفه وخاطبه بحدة :
- كلا لم ينتهي الأمر .
وأكمل توبيخه ووضح له بأن تفكيره بها خيانة في حق زوجته ، وأنهى حديثه :
- ما تفعله لا يجوز يا صديقي فزوجتك قريبتك وهي إنسانة محترمة .. يقول الأمام الشافعي .. عفو تعف نسائكم .
قال له بحدة وهو يتذكر ما حدث بينهما الليلة :
- وماذا أفعل معها ؟.. لا أحبها وأعرف نفسي .. تركتها تبكي في المنزل .. زواجي منها كان خاطئا .. ظلمت نفسي وظلمتها معي .
قال ماجد بلين محاولا إقناعه بإخراج كاميليا من فكرة :
- أنسى تلك المرأة التي تركتك وتزوجت بآخر هذه واحدة ممن قال الإمام علي عنهن قبل أربعة عشر قرنا ..
" دع ذكرهن فما لهن وفاء ريح الصبا وعهودهن سواء
يكسرن قلبك ثم لا يجبرنه وقلوبهن من الوفاء خلاء "
سكتت للحظات وهو مغمض العينين فأبيات الشعر تنطبق على كاميليا ثم قال :
- لو يرجع الزمن إلى الوراء لما اندفعت نحوها بجنون .. لقد اندفعت نحوها وأحببتها كالأبله .
دعاه ليكون لطيفا وودودا مع زوجته ، وعرض عليه أن يسافر معها أي مكان فهو لم يسافر معها منذ زواجهما . وأنهى كلامه باقتراح :
- أذهب إلى شرم الشيخ أو دبي فهذا أضعف الإيمان .. دعها تأخذ إجازة من عملها وسافرا ليومين أو ثلاثة .


**********

عادت كاميليا إلى منزلها بعد نهار قضته مع صديقتها في التسوق والعشاء خارجا عن منزلها ومشاكله . أمضت وقتا ممتعا معهما خاصة بعد أن أخبرها ناصر بأن سيسهر مع أصحابه ولن يعود مبكرا . كانت تعرف بأنه لن يعود قبل شروق الشمس كعادته كل ليلة جمعة فهو يجتمع مع أصدقاءه في الخبر كما يخبرها ، وفي الشقة المشبوهة كما أخبرتها ناهد . يقضي وقته معهم في لعب الورق والشرب الذي يصل إلى السكر أحيانا .توجهت مباشرة إلى المطبخ وأخرجت من حقيبتها الدواء العشبي الذي أشترته لمعالجة الكآبة وابتلعت حبة وشربت رشفة من الماء .سكبت لها كأسا من الكولا ووضعت به عدد من مكعبات الثلج وهمت بالخروج عندما سمعت صوت ناصر وهو يضحك بصوت مرتفع وغرفة الخادمة هي مصدر الصوت . شعرت بقلبها ينقبض بقوة فخرجت من المطبخ بخفة وأطلت من النافذة لتتحقق من وجود سيارته ، فوجدتها قابعة تحت المظلة فهي لم تنتبه لوجودها عندما دخلت .عادت إلى المطبخ مرة أخرى ووضعت يدها على مقبض الباب بتردد ، وعندما فتحته وجدت ناصر مستلقي على بطنه والخادمة تدلك ظهره العاري . شهقت ونهض هو أمامها ، ظلت ساكتة للحظات ..ثم بصقت في وجهه وخرجت ودموعها تسيل بحرارة على خديها . لحق بها وهي تستعد للخروج ، أمسك بيدها وقال :
- دعيني أشرح لك ما حدث
صرخت فيه :
- وماذا تشرح ؟ .. رأيتك بعيني ولم يخبرني أحد ..أيها السافل ..أنت لا تتوب ولا يمكن أن تتغير .. لن أبقى في هذا المنزل دقيقة واحدة .. وستطلقني رغما عنك يا نذل يا منحط .
ضحك وقال :
- قبل أن تخرجي عليك أن تعرفي بأني رجل .. وفشلت معك أنت فقط لأنك باردة وحتى العلاج لا ينفع معك .. لكني نجحت مع الخادمة عدة مرات .
بصقت في وجهه وخرجت من المنزل . كانت تبكي وتنتحب بقوة والسائق يتوجه إلى منزل والديها في منتصف الليل . طرقت الباب ودخلت ببكائها ودموعها وصدمتها . ألقت بنفسها بين ذراعي أمها أمام استغراب والدها وأختيها . بكت كما لم تبك من قبل ، كانت تحس بالذل والمهانة رغم كرهها لزوجها الذي تزوجته رغما عنها ، إلا أ الخيانة جارحة . سقطت أرضا وغابت عن الوعي بدون أن يعرف والديها سبب حالتها المريعة .

استفاقت وهي على سرير الطوارئ بالمستشفى . كانت شاحبة ومتعبة والمحلول السائل مغروز في وريدها ، تشعر بالألم من وخز الإبر المهدئة . وجدت والديها حولها يسألانها عما حصل وخصوصا أن ناصر لم يجب عندما حاول والدها الاتصال به . بكت بمرارة أحرقت قلب أمها ، وقالت بألم وانكسار وعينيها تائهتين لا تنظران لشيء :
- هذا من أرغمتني على الزواج به يا أبي .. وجدته عاريا في غرفة الخادمة وهي تدلك ظهره .. وأخبرني بنفسه بأنه أقام علاقة معها عدة مرات .
وانتحبت مجددا وأمها تشاركها دموعها ، فقبلت جبينها وطلبت منها أن تهدأ حتى يجدوا حلا مع ناصر . قالت لوالدها بصوت متهدج معاتبة :
- هذا الذي سيصونني وسيحافظ علي .. لن أرجع إليه وأريده أن يطلقني .
- لا تتعبي نفسك .. فوراءك رجال ليأخذوا حقك .. كوني هادئة وأنا سأتفاهم معه .
عادت كاميليا بصحبة والديها من المستشفى فجرا واستلقت على سريرها الخالي في غرفتها الزهرية ، وأحسته مشتاقا لها ولأحلامها ولذكرياتها . ظلت تبكي بصمت وذكريات الأيام الحزينة التي قضتها في هذه الغرفة تطفو على سطح ذاكرتها . تذكرت كيف اعتصمت عدة أيام لا تخرج ولا تأكل لتعبر عن موقفها من هذا الزواج ، وكيف طرأت فكرة الهروب والاختفاء لثلاثة أيام على بالها وذهبت لعماد وأخبرته ، وكيف أهانها وأذلها وطردها من بيته . تنهدت بحرقة وألم وهي تفكر به .

استيقظت ظهر الجمعة وهي تشعر بوهن وألم في رأسها وعينيها من كثرة البكاء . طلبت من أختها كوبا من الشاي ، فأحضرته لها مع ساندويتشا وطلبت منها أن تأكله . قضمت قضمة صغيرة بلا شهية وشربت الشاي ، جاءت أمها وضمتها إليها وقالت له بحنان بالغ :
- جاء ناصر قبل قليل وهو في المجلس يتحدث مع والدك .. عليك إخباري بكل شيء لأذهب وأواجهه أمام والدك .
التفتت كاميليا لأختها شذى ، فطلبت منها أمها الخروج وبقيتا لوحدهما وقالت بألم ودموعها تسبقها :
- أخبرتني الخادمة مرة أنه طلب الجلوس معها للحديث وهي رفضت .. والبارحة سمعت صوت ضحكاته وفاجأته في غرفتها .. بعدها قال لي بأنه أقام معها علاقة عدة مرات وكان ناجحا .. كما أنني السبب فشله معي واتهمني بالبرود .
- ولماذا يتهمك بالبرود .. ألم يدخل بك منذ زواجكما ؟
هزت رأسها بخجل وقالت :
- لا .. كان يفشل دائما في ..

كانت محرجة فهي لم تتكلم مع أمها في هذه الموضوعات يوما وسكتت للحظات ثم قالت :
- كان يوبخني ويسخر مني كل مرة .. وهددني بأن يقطع لساني إذا تكلمت لأحد .. كنت فرحة بهذا واشكر ربي فأنا أبغضه بشدة .. وفي الآونة الأخير صار يغضب ويعنفني بقسوة وتجرأ وضربني في آخر مرة .. وأنا أتحمل لأني لا أريده أن يمسني .
طرق الباب وكان والدها هو الآتي . دخل وأقفل الباب وقال لزوجته بأن ناصر خرج فسألته بحدة :
- وماذا يريد ؟
- يشرح سوء الفهم الذي حصل بينه وبين كاميليا .. وهو يقول أن الأمر لم يتجاوز تدليك الظهر .. وأنه حاول إغاظة كاميليا فقط بكلامه .
قالت كاميليا لوالدها ودموعها تتدفق بغزارة من عينيها وتغرق وجهها :
- لا أريده وعليه أن يطلقني ... يكفي ما عانيته معه خلال الأشهر الماضية .
أنتفض الأب وقال :
- الطلاق أبغض الحلال وهو ليس حلا أبدا .. أتريدين أن تصبحي مثل ابنة خالك التي تطلقت وها هي تدور على حلّ شعرها .
تهدج صوتها وهي تقول :
- لن أرجع إليه بعد الذي فعله .. أم أنك ترى ما فعله قليل بحقي ؟
- هو لم يرتكب كبيرة ... وبالنسبة للخادمة طلبت منه أن يسفرها .. وعليك أن تسامحي زوجك إذا أخطأ .
ترجته أن لا يجبرها على العودة إليه وأن لا يظلمها مرة أخرى . فخفف من حدة كلامه وقال :
- وهل تعتقدين بأني أقبل بظلمك .. سأجعل ناصر يعتذر منك أمامي وأمام أبوه أيضا .
أجهشت بالبكاء وخبأت رأسها بين ذراعي أمها وهي تقول :
- أريد الطلاق .. لن أرجع إلى ذلك البيت المشئوم .
غضب والدها من تكرارها طلب الطلاق فقال لها بصوت مرتفع :
- الطلاق طعن لنا ولشرفنا ولسمعتنا .. هل ترضين لنا ذلك ؟.. كوني عاقلة وأنا سآخذ منه تعهدا بعدم إغضابك والحياة الزوجية تحتاج إلى الكثير من الصبر .
وتدخلت الأم قائلة :
- وأي علاقة زوجية هذه التي تتحدث عنها .. هو لم يتمكن من الدخول بها حتى الآن .. لا بد أنه مريض .. دعهما يطلقان بالمعروف وكفى ما حصل .
- لا تحلمي بالطلاق مادمت حيا .. لقد قال لي بأنها دلكت ظهره فقط ولم يتطور الأمر .. وسأدعه يعتذر منك وانتهينا وكفى تضخيما للأمور .. وعلى المرأة أن تصبر على زوجها .

 
 

 

عرض البوم صور سنديان   رد مع اقتباس
قديم 15-09-10, 03:34 PM   المشاركة رقم: 32
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 164090
المشاركات: 216
الجنس أنثى
معدل التقييم: سنديان عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سنديان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سنديان المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

الفصل 29


أقلعت الطائرة من مطار دبي مساء الأحد عائدة إلى الدمام . أطفأت الأنوار وأمسك عماد بيد ريم الجالسة بجوار النافذة ومسندة رأسها على كتفه ، قال لها بلطف وهي تتفحص وجهه :
- أتمنى أن تكون هذه الرحلة القصيرة أسعدتك .
ابتسمت وهمست له بأن اهتمامه بها هو ما يسعدها ، فابتسم ووعدها بأن يكرر الرحلة بين وقت وأخر ليشاهدا الأفلام ويتنزها ويتسوقا كما فعلا هذه المرة . وصلا إلى القطيف قبل أن ينتصف الليل . كانت ريم سعيدة لأنها قضت يومين كاملين بصحبة زوجها ، وسرعان ما بدلت ملابسها وارتدت قميص نوم جديد أشترته من دبي ونامت بين ذراعيه .

ذهبت إلى مستشفى القطيف المركزي حيث تعمل وهي ممتلئة بالنشاط والحيوية وتوجهت مباشرة لغرفة الولادة فأخبرتها رئيسة الممرضات بعدم وجود أي مريضة بعد . تناولت إفطارها في الكافتيريا بسرعة ، ثم توجهت للمختبر لإجراء تحليلا لكشف الحمل . كانت متشوقة لتصبح حاملا بسرعة خاصة بعد أن انتظمت علاقتها بزوجها مؤخرا فأصبحت تجري التحليل دوريا . ربطت الممرضة الرباط المطاط حول يدها ومسحت المنطقة بمسحة طبية وغرزت أبرتها في وريدها وملأتها بالدم وطلبت من ريم العودة بعد نصف ساعة لمعرفة النتيجة . وعندما انتهى دوامها الذي أحسته طويلا عادت للبيت تنتظر زوجها على أحر من الجمر .
بدل عماد ملابسه بعد عودته من الشركة وتوجه إلى الصالة مباشرة بناء على طلب ريم ، فهي تريد أن تخبره أمرا هاما . وجدها واقفة أمام الجدار المغطى بالمرايا تنظر لنفسها والابتسامة تعلو وجهها . وضعت يدها على بطنها وقالت والسعادة تغمرها :
- أنا حامل .. لقد أجريت الاختبار اليوم والنتيجة إيجابية .. وسأحجز لي موعدا مع طبيبة مختصة تعمل في مستشفى خاص لأتابع معها .
سكت مندهشا وأصابعه تفرك جبينه ، لم يكن متوقعا بأن اليوم الذي يصبح فيه أبا سيأتي . سيصبح أبا وكاميليا التي حلم بها أما لأولاده ليست أم هذا الطفل ، قال لها بجمود ضايقها :
- مبروك .. لا تجهدي نفسك في العمل .
جلس على أول كنبة صادفته وأمسك الجريدة ليغطي بها وجهه المرتسمة عليه ملامح الصدمة . كان مذهولا ومشتتا بسبب خبر قدوم طفله إلى الحياة . لم يكن مستوعبا للمرحلة القادمة ، فهو سيصبح أبا ومسئولا عن زوجة وطفل . قرأ عناوين الصفحة الرئيسية والسياسية والمحلية ، ووصل إلى الصفحة الثقافية . أحس بألم يعتصر قلبه عندما رأى زاوية همسات من قلبي موجودة هذا الأسبوع ..

" أتذكر ..
أتذكر عندما كان الهوى في القلب سلطانا
وأنا في قلبك الملكة ولا أرضى عن نبضك مكانا
أتذكر . .عندما كنا نتقاسم الأحلام
ووعدتني لن تفرق بيننا الأيام
أتذكر عندما كانت أمواج عينيك تغرقني
أتذكر عندما كنت بالهمس
تحدثني .. تقبلني .. تعانقني
أتذكر أننا يوما تعاهدنا
فأين العهد ؟
و توجتني على قلبك الملكة
فأين التاج ؟.. وأين العرش ؟
أين الحب والأحلام ؟!
ووعود الهوى والكلام ؟
أم أنك لم تعد تذكر ..


كاميليا الناصر
الرسالة الثانية .. والباقية تأتي

****
وقفت كاميليا أمام زوجها والديها بجانبها وعمها جالس يراقب ما يحدث بصمت . كانت تبكي ورأسها منكسة بانكسار وذل . أرغمها والدها على العودة إليه كما أرغمها على الزواج به ، لم ينفعها بكاؤها ولا دموعها ولا اعتراضها . لم يشأ والدها أن تصبح مطلقة الآن وتسيء إلى شرف عائلته . فشرف العائلة بالنسبة له أهم بكثير من سعادة أو شقاء ابنته . اقترب منها ناصر وقبل رأسها واعتذر منها أمام الجميع . قال لها وهي واقفة والدموع تفيض من عينيها :
- أنا آسف .. وأعدك بأن لا يبدر مني ما يزعجك .. دعينا نعود لمنزلنا .
قالت بقهر :
- سأذهب معك مجبرة كما كنت مجبرة على الزواج بك .
خرجت معه وإحساس بالكراهية يعصر قلبها ، تكره نفسها وزوجها والدها الذي يجبرها على الرجوع إليه برغم ما بدر منه وبرغم ما أخبرته عن تصرفاته المشينة . شعورها بالكراهية لنفسها جعلها تعد نفسها أن لا تعود لمنزل والدها مهما حصل بينها وبين ناصر فلن تتحمل الإهانة المريرة كما تتحمل الآن ووالدها يعيدها لناصر ليفعل بها ما يشاء بدون أن يرحمها .

****

خرج عماد من الشركة عائدا لمنزله ولكن اتصال والده جعله يغير مساره فذهب لرؤيته في مكتبه ، وتفاجأ عندما وجد عمه وفيصل موجودين أيضا فهم معتادين على التجمع ليلا . قال له عمه بأنهم يجتمعون من أجل مناقشة انتخابات المجلس البلدي التي ستتم للمرة الأولى في المملكة ، ووجود أحد أفراد عائلة الغانم في المجلس أمر مهم يخدم مصالح العائلة ويحمي وجاهتها . عرض أمر الترشيح على فيصل ورفضه في دورته الأولى وأبدى موافقته للترشيح في دورات قادمة تكون فيها مهام المجلس قد اتضحت قليلا . تفاجأ عماد كثيرا عندما أخبره عمه بأنهم يروه المرشح الأنسب لخوض غمار الانتخابات رغم عدم اختلاطه بالناس ، إلا إنهم سيدعمونه بجميع الوسائل ، فاسم العائلة كفيل بتسهيل نصف المهمة كما أنهم سيعدون له حملة دعائية كبيرة وبرنامج فعال يشرف عليه مسئول مختص .
- لن أترشح في هذه الانتخابات الكوميدية .

رفض عماد فكرة الانتخابات جملة وتفصيلا . لم يكن يريد دخول البيت السياسي رغم اقتناعه بأن مجلس البلدي عتبة خارجية فقط . فند لأبيه وعمه الأسباب التي تمنعه ، فهو لن يترشح مادام التصويت مقتصرا على الرجال ولا أحقية للنساء وكأنهن مواطنات من الدرجة الثانية فهذا به طعن لثقافته التي يفتخر بأنه أسسها ونسجها بطريقة الخاصة ، إضافة لأسباب أخرى بينها حصر صلاحيات المجلس ، الذي سيعين أعضائه والرجال وحدهم سينتخبون النصف الآخر .

 
 

 

عرض البوم صور سنديان   رد مع اقتباس
قديم 15-09-10, 03:37 PM   المشاركة رقم: 33
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 164090
المشاركات: 216
الجنس أنثى
معدل التقييم: سنديان عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سنديان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سنديان المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

الفصل 30



عاد الشتاء من جديد ككل عام .. عاد مثلما كان قبل أن تحبه ويرغمها والدها على الزواج بغيره ، وقبل أن يتزوج هو ويصبح أبا لجنين لم يولد بعد . تقلبت على فراشها وهي تتذكر حديثه لها بأنه يراها شريكة حياته وأما لأولاده . أحست بألم يعتصر روحها وغصة في حلقها ودمعة أحرقت جفنيها وهي تفكر به .
نهضت كاميليا من سريرها ابتلعت حبة من الدواء الخاص بالكآبة وبكت بحسرة وهو تحسب أيام الفراق منذ أن ذهبت إليه في بيته ذلك اليوم . كم كانت غبية ومتسرعة . كيف جاءت فكرت الهروب في بالها وكأنها تعيش أحداث فيلم هندي . تذكرت نظرات عماد لها وهو يطلب منها الخروج من المنزل . لم تصدق بأن تلك القسوة التي كانت في عينيه هو مصدرها ، لابد أنه كان رجلا آخر وليس الرجل الذي وعدت نفسها بأن يكون لها . تنهدت بقوة تعادل الثمانية الشهور الماضية ، سينتهي العام نفسه والعذاب نفسه والليل نفسه بهمومه وأفكاره ودموعه . فكرت به وتساءلت ، ماذا يفعل في هذا الوقت من الليل .

كان عماد مستلقيا على سريره يفكر بطفله القادم إلى الحياة . طفل صغير من ريم وثمرة لعلاقة لا يعرف ماذا يطلق عليها . ليست علاقة حب ، وليست علاقة زوجية سوية ، كانت لحظات من المتعة . كان يشعر بأن هذا الطفل غير فيه شيئا ما في قلبه أو روحه . أصبح متضايقا أكثر ومنزعجا وشارد الفكر باستمرار . منذ أن أخبرته ريم بحملها وحتى الآن وهو حزين لأن طفله سيولد ويرى أبويه متباعدين لا يجمعهما شيء غير السكوت والتجاهل والجفاء . أبوين لا يحبان بعضهما ولا بد أنه يشعر بذلك ويسمع شجارهما وصراخهما فعمره الآن ستة أشهر . فكر بكاميليا وهل يستطيع أن يبعدها عن تفكيره ليلة واحدة ؟
استلقت ريم بجانبه فلم يشعر بها ، كلمته ولم يسمعها ، فسكتت تراقبه وهو يدير لها ظهره . هزت كتفه بقوة وقالت له بنبرة غاضبة :
- ألا تمل من السكوت ؟.. لماذا تدير لي ظهرك وأنا أكلمك ؟.. لماذا تعاملني بهذه الطريقة ؟ .. يكفي إني صابرة ومتحملة لتصرفاتك البغيضة .
بلع ريقه وعينيه تركزان النظر في سقف الغرفة ، قال لها :
- لم أنتبه لك فقد كنت أفكر بأمر ما .
تأففت وسألته بحدة :
- ما بك ؟.. و ما الذي يشغلك عني ؟.. أخبرني لأتفهمك وأعذرك .
- ما أفكر به ليس من شأنك .. فلا تشغلي نفسك بي .
غضبت منه وصرخت فيه :
- لماذا أنت جاف هكذا ؟.. هل تعلم بأنني خدعت فيك .. فلطالما كنت بالنسبة لي الزوج المثالي ومنذ الأيام الأولى لزواجنا اكتشفت صورتك الحقيقة .
تفاجأ مما قالته فلقد ذكرته بكاميليا عندما قالت له ذلك يوم جاءت تطلب منه الهرب . بلع ريقها وسألها :
- ماذا تقصدين ؟
- أنت جاف وقاسي حتى جدي لم يعامل جدتي بالطريقة التي تعاملني بها .. منذ زواجنا وأنت لم تجاملني وتقول لي بأنك تحبني مرة واحدة على الأقل .
حدق بها وقال :
- أنا لا أكرر هذه الكلمة بمناسبة وبدون مناسبة .. فالحب ليس كلمة رخيصة .
غضبت من رده وقالت بانفعال :
- لا أريدك أن ترددها على مسمعي ليلا ونهارا .. مرة واحدة تكفيني .
تنهد وزم شفتيه وقال لها بحدة :
- لا تطلبي من أحد أن يقول بأنه يحبك فهذه الكلمة إذا لم تخرج من قلب الإنسان ستكون كذبا ونفاقا تجدينها لدى السفلة واللعوبين والمراهقين .
غطت نفسها باللحاف وراحت تقول :
- لا فائدة منك وستبقى هكذا على الدوام .. لدي حل قد يناسبك .
أنصت لها فأردفت بسخرية :
- أعرف طبيبا في المستشفى الجامعي وهو مستشار نفسي كبير ربما تفيدك زياراته واستشاراته .
رفع اللحاف عن وجهها وخاطبها بغضب :
- أنت مسكينة وأنا لا أود الرد عليك حتى لا أجرح مشاعرك وأنت حامل .
لم يود إخبارها بأنه يشعر بالندم وتسرعه وتورطه بهذا الزواج الفاشل . نادم بشدة فهما يعانيان وهناك طفل قادم ليعاني معهما . كم يكرهها ويكره هذا الطفل أيضا . نهض من السرير وخرج من الغرفة متوجها لغرفة مكتبه ، وهناك استلقى على الكنبة وأغمض عينيه وتذكر كاميليا عندما قالت له ريم متعجرفة وبغيضة وأخبرته عن الموقف الذي حدث بينهما في زواج أمل . وما أن فتح عينيه حتى وجد ريم أمامه تطلب منه النهوض لينام في غرفتهما . قالت له آمره :
- هيا أنهض ونم في الغرفة .. لا يعجبني أن تنام هنا .
صرخ فيها بقوة :
- أدلفي عن وجهي .. وسأترك لك المنزل بأكمله لترتاحي مني .
أمسكت يده وقالت بأسف :
- لم أقصد ما أقوله .. أعذرني يا ابن خالي .
كان غاضبا منها بعد ما قالته فأبعدها عنه ونهض متوجها لغرفته ولحقت به ، ورأته يبدل ملابسه . سألته باستغراب :
- وإلى أين تذهب في هذا الوقت ؟
نظر لها بازدراء وقال لها بأنه ليس مضطرا للإجابة ، فهددته :
- إذا خرجت الآن فلن تراني حينما تعود .
صرخ فيها بقوة :
- أذهبي إلى أي مكان تريدينه .. أذهبي إلى جهنم الحمراء فأنت لا تعنيني .. لعن الله اليوم الذي فكرت بالزواج بك .
لحقت به وهي تقول :
- لا تجعل من الحبة قبة فأنا لم أكن أقصد .. أنت تتحين الفرصة لنتشاجر فقط .
خرج من المنزل وركب سيارته ، مشى لا يعرف إلى أين يذهب فالليل يوشك أن ينتصف . أحس بثورة الغضب تزداد في نفسه وهو يتذكر ما قالته ريم ، كان وحيدا وضائعا لا يعرف إلى أين يذهب . سار في الطريق المؤدية إلى المزرعة ليبتعد عن ريم وعن قلقه وتفكيره وحيرته وندمه . اتصلت به عدة مرات ولم يجبها وأطفأ هاتفه فلم يرد سماع صوتها . دخل الاستراحة وأشعل الأنوار ودخل أحد غرف النوم واستلقى على الفراش وتغطى . أغمض عينيه فهو يريد أن ينام بدون قلق وتفكير وهموم فمنذ سنوات وهو ينام والهموم تشاركه سريره . حاول أن يتذكر يوما واحد نام فيه هادئا . كان ذلك منذ زمن طويل ، قبل أن يرتكب خطأ الزواج بريم وقبل أن يتعرف على كاميليا ويحبها ، وقبل أن يفسخ خطوبته بسوسن ، وقبل أن يموت علاء وتصر والدته على القصاص من قاتله وعدم العفو عنه بالرغم من وساطة كبار رجال القطيف وشيوخها . نام براحة قبل أكثر من خمسة عشر عاما .

*******

أستيقظ ظهرا من نومه وهو يشعر بالتعب والضيق وبسرعة تذكر شعوره البارحة وهو يخرج من منزله بعد شجاره مع ريم . عاد إلى منزله ولم يجدها فقد نفذت وعدها، لا بد أنها ذهبت تشتكيه لوالديها وسيصل الأمر بسرعة لأمه وستتصل به وتستدعيه لتناقشه فيما حدث . أستحم بسرعة وارتدى ملابسه وهم بالخروج إلى المطعم لتناول طعام الغذاء . أتصل به ماجد ولم يجبه ، ركب سيارته وتوجه إلى المطعم المجمع التجاري ليتناول الطعام وحده ويستعيد بعضا من ذكرياته مع كاميليا ، فهو لا يريد أن يرى أحدا أو يتحدث مع أحد . يريد أن يبقى وحده ليفكر في حياته الرتيبة وأخطاءه وزوجته وطفله القادم والمرأة التي يحبها ورسائلها له في الجريدة . ترجل من سيارته ونظارته الشمسية تخفي عينيه الغاضبتين وهو يتذكر كلام ريم بشأن الطبيب النفسي . وما أن دخل من بوابة المطعم حتى رن هاتفه الجوال كانت أمه المتصلة تطلب منه زيارتها ، قال لها بأنه سيتناول غذاءه أولا لكنها أصرت على قدومه حالا فهي تريد الحديث معه بشأن هام . لم يشأ مجادلتها ورضخ بسرعة لطلبها ومن يستطيع معارضتها ؟
عرف بأن ريم أثارت زوبعة بشأن شجارهما البارحة وأن أمه ستوبخه لخروجه من المنزل في وقت متأخر . دخل إلى البيت ووجدها في الصالة تتحدث عبر الهاتف . أنهت مكالمتها ورحبت به عندما جلس بجانبها . اسند رأسه على الأريكة وقال لها وهو مغمض العينين :
- هل عرفت بأن ريم تركت المنزل ؟
بلعت ريقها وقالت له وهي تحاول إخفاء استياءها منه:
- عرفت بأنك تشاجرت معها وتركت المنزل في وقت متأخر من الليل. وأردفت :
- لماذا تعامل زوجتك وأم طفلك القادم بقسوة ؟
تنهد وقال :
- تشاجرنا و..
قاطعته :
- ولماذا تركت المنزل ؟.. بعلمي أن المرأة تترك بيت زوجها لا الرجل .
أجابها بغضب :
- لم أتحمل تصرفاتها وكلامها البارحة .. لو لم أخرج من البيت لربما فقدت أعصابي وضربتها .. هي متعجرفة وبغيضة ومغرورة وتظن أنها قدمت تضحية لزواجها مني ورفضها لابن عمها .. ليتها تزوجته وتفاديت حدوث أكبر خطأ في حياتي .
سكت للحظات وأكمل يقول لأمه بأنه لا يطيق ريم ولا يتحمل تصرفاتها البتة . كانت أمه تخشى أن يقدم على طلاق زوجته فأمسكت بيده وقالت :
- ريم هي زوجة العمر وكلامك غير مقبول بالمرة وعليك أن تذهب لتصالحها حتى لو كانت هي المخطئة .
رفض الذهاب لمصالحتها فهي خرجت من المنزل وحدها وعليها أن تعود وحدها لكنها حدقت به بعينيها القويتين وقالت له بحدة :
- ريم ليست لعبة لتتركها في بيت والدها ولا تسأل عنها .. أذهب إلى محل المجوهرات وأشتري لها خاتما ماسيا أو ساعة وأذهب لتصالحها ولا تدع الموضوع يكبر .
رن هاتفها الجوال وانزعاج عندما رأى اسم عمته نورة ، فلم يرد عليها وقال لأمه :
- لقد اتصلت عمتي الآن .. وهذا ما كان ينقصني .
طلب منه أن يرد عليها فقال لها بصراحة بأنه لن يذهب لمصالحة ريم وسيدعها تبقى لعدة أيام في منزل والديها ليرتاح منها وتهدأ نفسه ثم يذهب إليها ويتفاهمان . أعادت عمته الاتصال ولم يرد عليها ، وقال لأمه :
- لابد أن ريم هي من تحثها على الاتصال بي وإزعاجي .
أرغمته أمه على الرد فأجاب على مضض وتفاجأ بعمته تبكي وهي تخبره بأن ريم مصابة بآلام شديدة في بطنها وظهرها مشابهة لآلام الولادة وهم في طريقهم إلى المستشفى الخاص بالخبر لأنها تتابع حملها هناك . سكت بجمود وعينيه مفتوحتين وانسحب الدم من وجهه وقال لأمه :
- سينقلونها إلى المستشفى .. كيف تلد الآن وقد أكملت الشهر السادس منذ أسبوع فقط ؟
طمأنته أمه بأنها قد تكون آلام الولادة الكاذبة وأصابتها بسبب التوتر والإرهاق . قاد سيارته بسرعة وهو يفكر بريم وبالطفل وأمه تحاول تهدئته . أحس بالخوف عليهما ودعا الله أن لا يصيبها مكروه . وصل إلى المستشفى ودخل بسرعة من بوابة الطوارئ ووجد عمته وزوجها خارجا . سألهما عن ريم فرد زوج عمته بوجه عابس بأنها في غرفة الطوارئ والطبيبة تفحصها . سكت لا يعرف ماذا يقول ودعا الله أن ينجي ريم وطفله من أي أذى . وبعد لحظات خرجت الممرضة وبيدها ورقة وتسأل :
- من هو زوج ريم ؟
أجاب عماد بقلق :
- أنا .. هل ريم بخير ؟
طلبت منه التوقيع بالموافقة على لإجراء عملية جراحية لزوجته في حال الحاجة فسألها بخوف :
- ما الذي يحدث لها ؟ هل هي بخير ؟
- لديها أعراض ولادة مبكرة .. وسنحاول قدر الإمكان تجنب ذلك فالجنين صغير جدا .
أحس بقلبه ينقبض وهو يرى عمته تبكي ، وزوج عمته يتحسب على من كان السبب بصوت مرتفع ، وأمه تطلب منه التوقيع بسرعة . وقع على الورقة وهو في حالة الذهول ، فالطفل يخرج إلى الدنيا الآن وقبل أوانه وسيرى والديه متباعدين ومتخاصمين . في غصون لحظات خرجت الممرضات ريم من غرفة الطوارئ ووجها أصفر وهي تصرخ من الألم والمحلول السائل يجري في وريدها . أخذوها بسرعة إلى غرفة الولادة وخرجت الطبيبة وراءها بسرعة .
لحقوا بها وجلسوا في المقاعد المقابلة لغرفة الولادة ينتظرون والجو يسوده التوتر والصمت . كانت نظرات عمته تبعث له برسائل نارية صامتة وهو ساكت ويدعو الله أن تكون ريم والطفل بخير . بقيا لساعة دون أن يخبرهما أحد عما يجري في الداخل . كان عماد على أعصابة وهو ينتظر فنهض من على كرسيه ودق جرس باب غرفة الولادة خرجت الممرضة وطلب منها الحديث مع الطبيبة التي جاءت وطلب منها شرحا لما يحدث . سألها بعينين ضيقتين من التوتر :
- كيف تنقلونها لغرفة الولادة وهي لم تتم الحمل بعد ؟
- ريم تعاني من أعرض الولادة المبكرة .. وهي الآن تحت المراقبة .. وسنحاول قدر الإمكان تجنب ولادتها برغم بدء اتساع عنق الرحم .. سنراقب وضعها وحالة الطفل وسنتدخل في الوقت الملائم .
هز رأسه وسألها عن وضع الطفل في حال ولادته ، فأجابته بصراحة :
- نحن خائفون على الطفل فلو ولدته الآن سيكون صغيرا وضعيفا وسيحتاج لوضعه في العناية المركزة الخاصة بالأطفال الخدج .

عاد عماد إلى منزله قبل منتصف الليل وريم بقيت في غرفة الولادة تحت المراقبة .كان يشعر بالتعب والجوع فهو لم يأكل شيئا منذ استيقاظه من النوم . ذهب إلى المطبخ وشرب كوبا من اللبن وأكل تفاحة وتوجه لغرفته . بدل ملابسه ورمى نفسه على سريره وهو يفكر بالطفل القادم إلى الحياة ولأول مرة يشعر بعاطفة حياله . تذكر كلام الطبيبة بأنه سيكون صغيرا وضعيفا . أحس بالذنب لتفكيره به بشكل سيء منذ أن عرف بوجوده في أحشاء ريم . ونام على أفكاره واستيقظ على الساعة الثامنة على صوت رنين الهاتف . وما أن فتح عينيه حتى تذكر بأن ريم في المستشفى ، وتذكر بأن اليوم السبت وهو لم يذهب للشركة أيضا .
رفع سماعة الهاتف وسمع صوت أمه في الطرف الآخر ، سألها عن ريم فأخبرته بأنها بصحة جيدة وقد ولدت قبل قليل طفلا ذكرا وهو في العناية المركزة للخدج . خرج بسرعة متوجها للمستشفى لرؤية ريم فمنذ خروجه من المنزل تلك الليلة وهو لم يقابلها ولم يتحدث معها ، وحتى عندما عرضت عليه الطبيبة رؤيتها في غرفة الولادة رفض ذلك ، فهو لم يكن يريد أن يراها تصرخ من الألم .
صعد إلى الطابق الثاني في المستشفى وسأل عن غرفتها دلته عليها إحدى الممرضات . وقبل أن يطرق الباب تذكر بأنه لم يجلب لها ورودا أو شكولاتة . دخل إلى الغرفة الخاصة بهدوء وخوف وقلق ووجد ريم نائمة على السرير وهي شاحبة ومتعبة . فتحت عينيها الدامعتين وهو يقترب منها ببطء وابتسامه باهتة على وجهه . قال لها :
- حمد الله على سلامتك .
وبنبرة غضب قالت :
- هل عرفت بأن الطفل في العناية المركزة .. أنت السبب في ولادتي المبكرة ولن أسامحك .
أمسك بيدها وقال لها مطمئنا :
- سيكون بخير .. فهو لا ذنب له بمشاكلنا وخلافتنا .
بكت بحرقة وهي تكرر بأنه السبب في ما أصابها وضمها إليه محاولا التخفيف عنها فقالت له وهي بين ذراعيه :
- لم أرى طفلي بجانبي .. أخذه طبيب الأطفال إلى غرفة العناية مباشرة عندما ولد وهو لا يبكي ولا يتنفس .. لم أستطع حتى أن أضعه على صدري وأقبله كأي أم ترى وليدها الذي تعبت بحمله وولادته .. لن أسامحك إذا أصابه مكروه .
قالت كلمتها ونشجت بالبكاء وهي بين ذراعيه ، شعر بأن قلبه يتقطع وعليه أن يبدو متماسكا أمامها فهي نفساء ومتعبة . طبع قبلة على جبينها واستأذنها للخروج ومقابلة طبيب الأطفال ، فرفعت رأسها وقالت له :
- سأذهب معك .. أريد أن أرى طفلي وأطمأن عليه .
بلع ريقه وطلب منها أن ترتاح فهي ولدت منذ ساعات فقط . طرق الباب ودخلت الطبيبة ومعها الممرضة ، فطلبت منها وهي تبكي السماح لها بالذهاب لرؤية طفلها . اقتربت منها الطبيبة وقالت لها بلطف :
- أفضل أن تذهبي في وقت لاحق فأنت مازلت متعبة وربما يصيبك دوار .. أذهبي ليلا بعد أن تأخذي قسطا من النوم والراحة فالممرضات سيسمحن لك ولزوجك بزيارته في أي وقت .
ذهب عماد للعناية المركزة داخل الحضانة بعد أن وعد ريم أن يخبرها عن حالة الطفل بعد عودته وسيذهب معها مرة أخرى . ذهب ودق الجرس ، كان قلبه مقبوضا وخائفا وهو يفكر بالطفل ، جاءت الممرضة وأخبرها بأنه يريد رؤية طفل ريم فهو والده ، طلبت منه أن يرتدي غطاء الرأس والحذاء ، ويرتدي اللباس الأزرق الخاص . ذهب برفقتها مرورا بالحضانة العادية والرضع فيها يصرخون ، وبعضهم نائمون . ومر بغرفة أخرى خاصة بالعناية المتوسطة ، ومن ثم العناية المركزة . وجد عددا متفرقا من الأسرة الصغيرة والحاضنات المغلقة والمرتبطة بشاشات مراقبة وجميع الأطفال صغار في الحجم ومربوطون بالكثير من الأسلاك ولم يكن يعرف أي واحد هو ابنه .
أحس بأنه سيختنق والممرضة تشير له على الطفل الموضوع في سرير خاص مربع الشكل مكشوف من الأعلى تغطيه مدفأة خاصة . كان صغيرا جدا حتى أن حفاظه يغطي معظم جسمه المغطى بالوبر الكثيف . وسلك مدخل في سرته مرتبط بمحلول للتغذية الخاصة وسلك يراقب مستوى الأوكسجين في دمه ، وأسلاك أخرى في ظهره وصدره العاري تراقب العلامات الحيوية . وأنبوب آخر في فمه متصل بجهاز كبير بجانبه من أجل التنفس ، والممرضة المسئولة عنه جالسة بجانبه وأمامها الكثير من الأوراق ، وطلبت منه أن يغسل يديه جيدا قبل أن يلمسه . أقترب من الطفل ووجده مغمض العينين ونائم على ظهره ، وبطنه يرتفع ويهبط بسرعة . مد يده ولمس جلده الرقيق كانت أوردته ظاهرة وكأن جلده مجرد نسيج شفاف . قرب رأسه من أذن الطفل ونطق الآذان في أذنه اليمنى والإقامة في اليسرى . وسأل الممرضة عنه فأحالته إلى الطبيب الأطفال الذي قال له :
- كونه ولد بعد خمسة وعشرون أسبوعا فرئتيه لا تعمل بالشكل المطلوب ولذا بدأنا التنفس الصناعي .. وجهازه الهضمي ليس مؤهلا بعد لذا نغذيه عن طريق السرة .. والطفل ولد قبل أوانه ونحن نحاول أن
نساعده ولكن المشكلة الأساسية هي التنفس فمستوى الأكسجين ينخفض بحدة بين فترة وأخرى .
أحس بالدموع تتجمع في عينيه ، وعاطفة غريبة يشعر بها للمرة الأولى نحو الطفل تنتابه ، فسأل الطبيب :
- وهل سيعيش ؟
كان الطبيب جادا ومتعاطفا معه وهو يقول :
- أتمنى ذلك .. نحن سنقوم بواجبنا والباقي على الله .
عقد حاجبيه وقال :
- وكأنك تقول بأنه لن يعيش .
- هو صغير جدا وجسمه لم ينضج بعد .
وأمامه فتح حفاظ الطفل كاشفا عن أعضائه الصغيرة ، وقال :
- أنت كإنسان عادي ولست طبيبا ربما لا تستطيع التفريق إذا كان هذا الطفل ذكرا أو أنثى .
هز رأسه موافقا ونزلت دموعه من عينيه ومسحهما بيده وقال للطبيب بألم :
- أرجوك يا دكتور أبذل ما في وسعك من أجله .
- هذا واجبنا .. وأنت أدعو الله أن تستقر حالته وينجو .
فرك جبينه وسأل الطبيب :
- وماذا أقول لأمه ؟.. هي تريد أن تراه .
طلب منه الطبيب أن يشرح لزوجته الأمر بشكل مبسط ، فتأفف وقال :
- هي طبيبة وتعرف كل شيء وستطلب شرحا كاملا .
دعاه للقدوم مع زوجته مساءا لرؤية الطفل فشكره وألقى نظرة سريعة على الطفل وخرج من الحضانة وصورة الطفل مازالت أمام عينيه . ذهب إلى غرفة ريم الخاصة وهو يقدم رجل ويؤخر أخرى لا يعرف كيف يواجهها وماذا يقول لها . اصطنع ابتسامه ودخل وجد عمته وزوجها جالسين . سلم عليهما واقترب من ريم وقال لها :
- لقد رأيته .. هو صغير لكن الطبيب طمأنني بأن وضعه مستقر وسيبقى في الحضانة لعدة أيام حتى يكبر .
وسألته بسرعة :
- التنفس ؟
بلع ريقه وقال :
- اصطناعي .. يتنفس من أنبوبة في فمه .
بكت وهي تقول :
- طفلي المسكين مازال غير قادر على التنفس بعد .
أسندت رأسها بيديها وخاطبته من بين دموعها :
- أنت السبب في ولادتي المبكرة.
دمت عيني عماد من جديد وهو يستمع لإتهامات ريم . أحس بأنها صادقة فيما قالته وأنه السبب في ذلك ، فلو لم يتشاجر معها تلك الليلة ، ولم يخرج من المنزل لما حدث ما حدث . نهض من كرسيه بصمت وأدار وجهه للحائط وهو يمسح دموعه وريم مازالت تبكي بحرقة وألم . طرق الباب من جديد ودخلت أمه وعانقت ريم وطمأنتها بان الطفل سيكون بخير وكثيرات ولدن قبل أوانهن وأصبح أطفالهن كبار الآن . بكت ريم مجددا وحاولت النهوض من السرير ومنعها والدها ، فصرخت :
- أريد أن أرى طفلي الآن ولن أنتظر حتى الليل .. أنا بصحة جيدة .
بقي عماد صامتا وريم تدق الجرس لاستدعاء الممرضة وتصرخ بصوت مرتفع . جاءت الطبيبة مع ممرضة أخرى على صوت صراخها القوي . قالت للطبيبة وهي تنتحب من البكاء :
- أريد أن أرى طفلي الآن .
أوصتها الطبيبة بالذهاب مع زوجها والعودة سريعا لترتاح . فأقترب عماد منها وأمسك بيدها وذهبا إلى الحضانة . طرقا الباب وأرتديا الملابس الخاصة وتوجها لغرفة العناية المركزة . أوصلتهما الممرضة إلى الطفل في سريره الخاص . وبسرعة أمسكت به ريم وقبلته وهي تبكي وجاء الطبيب بسرعة وشرح لها حالته . فسكنت قليلا وبقي الطفل بين ذراعيها لدقائق قبل أن يطلب منها الطبيب إعادته إلى سريره الخاص .
***

ودعت كاميليا صديقتيها أمام بوابة المجمع العسكري الطبي وركبت سيارتها وطلبت من السائق التوجه إلى المستشفى الخاص بالدمام . كانت تشعر بالضيق والإنزعاج عندما أخبرتها نسرين بشأن ولادة طفل عماد المبكرة . تضايقت وشعرت بألم في قلبها سرى بسرعة إلى جميع أطرافها . كانت تشعر بالتعب والإرهاق فهي لم تنم البارحة أبدا وظلت مستيقظة تفكر بعماد وبحياتها البائسة ومشاكلها مع زوجها . غطت عينيها ودموعها بنظراتها الشمسية وهي تفكر بالخطوة المقدمة عليها وهي زيارة الطبيبة النفسية . كانت تريد حلا لوجعها وقلقها وعدم قدرتها على النوم ، تريد أن ترتاح من التفكير والأرق فالدواء العشبي الذي استخدمته ضد الكآبة لم يفدها بشيء . دخلت على الدكتورة ليلى . سلمت عليها ونزعت النظارة وبانت عينيها العسليتين الغارقتين بالدموع ، فقالت لها الطبيبة بابتسامة رزينة :
- خير يا كاميليا .. لماذا البكاء ؟.. على فكرة اسمك جميل .
مسحت دموعها بمنديل وقالت :
- أنا تعيسة ومتعبة .. منذ عدة أشهر وأنا أعاني من صعوبة في النوم وكآبة لم أستطع التخلص منها .
حكت للطبيبة عن أحداث السنوات الأخيرة ، منذ لقائها بعماد وعلاقتها به لأربع سنوات مرورا بزواجها الإجباري بناصر وحتى الآن . أخبرتها عن تفاصيل علاقتها الزوجية وعن الفشل والبرودة وكل شيء ، واستمعت لها الطبيبة بإصغاء شديد . أحست براحة بمجرد تفريغ ما في قلبها لأحد يتفهمها وينصت لها بدون أن يلومها أو يعاتبها أو يحملها أدنى مسئولية .
حكت لها عن عماد والحب الذي ينهش قلبها ، وعن ناصر وخيانته الأخيرة وعودتها إليه رغما عنها . طلبت منها الطبيبة قطع العلاج العشبي وأعطتها حبوبا مهدئة بنسبة قليلة جدا . وحبوبا أخرى لتساعدها على النوم ، وموعدا بعد أسبوعين من أجل تقييم وضعها من جديد . اشترت الدواء من الصيدلية وركبت سيارتها . كانت تفكر بعماد وبطفله الصغير وتتمنى أن يكون بخير ووصلت إلى بيتها وهي مازالت على أفكارها .

 
 

 

عرض البوم صور سنديان   رد مع اقتباس
قديم 15-09-10, 03:40 PM   المشاركة رقم: 34
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 164090
المشاركات: 216
الجنس أنثى
معدل التقييم: سنديان عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سنديان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سنديان المنتدى : القصص المكتمله
Creep

 

الفصل 31


خرج عماد من المصنع ظهرا وتوجه للمستشفى حيث ترقد ريم فاليوم موعد خروجها . ستخرج لوحدها وسيبقى الطفل بين يدي الأطباء والممرضات . شعر بالضيق وهو يتذكر اتهامها بأنه السبب في ولادتها المبكرة ، وبأنها لن تسامحه لو أصاب الطفل مكروه . أوقف سيارته ودخل بأفكاره المضطربة . ذهب إلى مكتب شؤون المرضى ودفع فاتورة حساب الخاصة بريم والطفل حتى اليوم وصعد إلى الطابق الثاني وتوجه إلى الحضانة أولا ليرى الطفل . وجد على حاله ، نائم على ظهره ونفس الأسلاك والأنابيب وشاشة المراقبة متصلة به . شعر بالضيق والطبيب يخبره أن مستوى الأكسجين تناقص منذ الصباح . ذهب لغرفة ريم واقترب منها وقبل ما بين عينيها . قالت له وهي على وشك البكاء :
- لا أتخيل نفسي بأني سأخرج من المستشفى وطفلي ليس معي .
ضمها إليه وبكت بحرقة على كتفه . قال لها :
- سيتحسن بمشيئة الله وسيكبر وسيخرج من المستشفى .
خرجا من الغرفة ، ومرا بالحضانة في طريقهما وأخبرتهما الممرضة بأنهما يستطيعان رؤيته في أي وقت يشاءان .

قاد عماد سيارته وريم بجانبه تبكي طوال الطريق من المستشفى إلى منزل والديها . طلبت من زوجها أن يصطحبها لزيارة الطفل مرتين يوميا فوافقها . تناول معها طعام الغذاء ثم جلس في الصالة بعد أن خلدت للراحة في الغرفة التي خصصتها أمها لها . أسند رأسه إلى الوراء وأغمض عينيه وهو يفكر بطفله الراقد في المستشفى . لم يختر له أسما بعد ولم يخطر بباله الأمر فقد كان مشغولا بسلامته وصحته ، لم يفكر كأي أب إذا كان طفله يشبهه أو يشبه أمه . تنبه على دخول أمل وعصام إلى البيت وهما في غاية الانسجام والابتسامة تزين وجهيهما . تنهد وهو يفكر بهما فلم تربطهما علاقة حب قبل زواجهما إلا أنهما سعيدين . جلس عصام بجانبه وسأله عن الطفل وأخبره بما قاله الطبيب اليوم ، وما هي إلا لحظة حتى رن هاتفه الجوال . رد على المتصل وأخبره بأنه الطبيب المشرف على علاج الطفل ويريد أن يراه الآن . شعر بالقلق والخوف فنهض ليذهب إلى المستشفى وذهب عصام معه .
قاد سيارته بسرعة عالية ، وصل إلى المستشفى وقلبه ينبض بقوة .
دخل بخطى سريعة ومر بحضانة الأطفال الأصحاء والعناية المتوسطة وأمام باب العناية المركزة استوقفه الطبيب قائلا :
- أهلا يا سيد عماد .
بلع ريقه وقال :
- خيرا يا دكتور .. هل طفلي بخير ؟
أعتذر منه الطبيب بأسف قبل أن يخبره بأن الطفل قد توفي قبل ساعة تقريبا ، وأحضرته الممرضة في مهد صغير . فغر فاه ونظر للطفل نظرة سريعة والعرق تجمع في جبينه وقال للطبيب :
- لماذا ؟.. ما الذي حصل ؟
- هبطت نسبة الأكسجين في دمه بشكل حاد ولم يستجيب للعلاج أو للإنعاش الرئوي .
أقترب من الطفل ووجده ملفوف في قطعة قماش بيضاء مغمض العينين وهادئ في سلام تام ولم يكن بطنه يعلو ويهبط بسرعة .
أمسك عصام بكتفه وقال له مواسيا :
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. طفل صغير ومثواه الجنة .
ظل عماد يمعن النظر في وجه طفله الساكن كملاك صغير ودموعه تبلل قماطه الأبيض . شعر بأنه يحبه بشكل كبير وكأنه عاش معه لفترة طويلة وليست ثلاثة أيام في المستشفى . مات طفله ولم يلاعبه ولم يسمع بكاؤه ، ولم يراه يشرب الحليب ولم يحمله بين يديه . رفع رأسه والطبيب يطلب منه إنهاء الإجراءات الخاصة باستلام جثة الطفل وكم كان لهذه الكلمة وقع قاسي على مسمعه . عزاه عصام وطلب منه أن يتماسك عندما أحس بأن الدم أنسحب من وجهه وهو يتلقى الخبر . انحنى نحو المهد وراح يحدث الطفل بعتب :
- لماذا لا تريد البقاء معي ومع أمك يا حبيبي .. ألا أستحقك ألهذا رحلت عني .. أبقى معي وسأكون والدا صالحا .
وألتفت لعصام وقال له وعينيه السوداويين غارقتين بالدموع :
- ماذا أقول لريم الآن ؟.. فهي لن تسامحني .. ماذا أقول لها ؟
- هذه مشيئة الله وأنت لا ذنب لك بما حدث .
وأمام عينيه تم إرسال الطفل لثلاجة الموتى وعليه ن يستلمه بعد أن ينتهي الإجراءات الخاصة به ويدفع فاتورة العلاج . أسند ظهره على الجدار وأتصل بوالده وابن عمه وصديقه ليحضروا ويساعدوه في الدفن .
أودع طفله تحت طبقات التراب بجانب قبر شقيقه . بكى على القبر بحرقة وذكريات موت علاء ودفنه تطوف بباله . تذكر كيف بكى بحرقة ذلك اليوم يشعر بالشعور ذاته . يدفن طفله البالغ من العمر ثلاثة أيام والألم يعتصر قلبه وروحه ويفكر بريم وكيف سينتقل لها الخبر . تركها نائمة لا تدري بما حصل ، وأصر أن يدفن الطفل دون أن تراه . دعاه والده للنهوض من القبر الصغير وطلب منه أن يتماسك . عانق والده وبكى على كتفه وهو يخبره بأنه يشعر بمرارة فقدان ابنه كما شعر هو عندما قتل علاء . أمسك به ماجد وأخذه إلى السيارة متوجهين إلى بيت عمته ليخبروا ريم بوفاة طفلها .
لم يبك عماد كما بكى اليوم . بكى عندما مات علاء ، وليلة زفاف كاميليا واليوم ترك طفله تحت التراب ولا يعرف إذا كان جائعا أو مريضا أو يشعر بالبرد أو الحر ، أودعه لرحمة رب العالمين ورحل . أغمض عينيه وهو جالس بجانب عصام الذي قاد سيارته بدلا عنه منذ خروجهما من المستشفى . شعر بمرارة وأخفى وجهه بين كفيه وبكى وعصام يطلب منه أن يتماسك . دخل منزل عمته ورأسه منكس وجسمه منهار وروحه متعبه ووجهه أصفر وبياض عينيه أصبح داميا . دخل الصالة مع والده وفيصل وعصام ووجد أمه وأختيه جالسات مع زوجة عمه وابنتيها يشربن القهوة وريم مستلقية على إحدى الكنبات متدثرة بلحاف خفيف بعد أن رفضت الجلوس في الغرفة التي أعدتها لها أمها وسرعان ما هبت له ريم بذعر وسألته :
- هل حدث لابني شيء .. ما بك ؟
تنهد وهو يقترب منها فعرفت بغريزتها بأن مكروها أصابه فقالت له وهي تبكي :
- لا تقل بأن طفلي مات .
هز رأسه وقال بألم :
- نعم .. توفي الطفل .
وأمام الجميع جلست على الرخام الصالة وهي تنتحب بقوة وتقول بحرقة :
- مات طفلي وأنت السبب .. لم أتمكن حتى من إرضاعه .
أقترب منها وحاول أن يضمها إليه فرفضت وصرخت به طالبة أن لا يقترب منها ولا يلمسها فهو سبب موت الطفل . بلع ريقه وقال لها بانكسار :
- لا ذنب لي فيما حصل يا ريم فهو طفلي أيضا .
شعر بالمرارة والندم لما حدث بينهما تلك الليلة فليته لم يتشاجر معها ولم يترك المنزل . كان مستعدا لفعل أي شيء ليتجنب هذا الموقف الأليم . نهضت أمه وأختيه يواسونه وعمته تحتضن أبنتها وتشاركها دموعها .
اقترب والده من ريم وقال لها :
- الله أخذ أمانته يا ابنتي وتلك مشيئته وحده .. أصبري وسيعوضك الله بأطفال آخرين فأنت صغيرة وتتمتعين بصحة جيدة .
كانت تبكي بشكل موجع وهي مكانها في وسط الصالة وعماد بعيد عنها لا يستطيع أن ينظر لها . تكلمت من بين دموعها وسألت خالها :
- أين طفلي الآن ؟
- لقد دفناه يا ابنتي هو حوري صغير ومثواه الجنة .. وسيكون هذا الطفل رحمة لك ولوالده يوم القيامة .

 
 

 

عرض البوم صور سنديان   رد مع اقتباس
قديم 15-09-10, 03:42 PM   المشاركة رقم: 35
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 164090
المشاركات: 216
الجنس أنثى
معدل التقييم: سنديان عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سنديان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سنديان المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 


الفصل 32




دخل منزله الخالي ورمى بحقيبته الجلدية على إحدى الطاولات ، وطلب من الخادمة أن تجلب له العصير في الحديقة . توجه إلى مكتبه وتفحص بسرعة بريده الذي لم يفتحه منذ مرض ريم وولادتها أخذ جريدة اليوم وذهب للحديقة . جلس على الطاولة يشرب العصير واسترسل في القراءة إلى أن وصل إلى الصفحة الثقافية وهمسات من قلبي ..

" أنت تشغل تفكيري وأفكر بك رغما عني
وجهك أمامي وعينيك السوداويين تحاصرني
لماذا تضيق بي الدنيا إذا مسك مكروه ؟
لماذا أغضب إذا غضبت ؟
ولماذا يبكيني ما يبكيك
ويزعجني ما يزعجك ؟
أنت تشغل تفكيري ولا أدري لماذا ؟
لماذا أراك في كل مكان ؟
وأفكر بك في جميع الأحوال
وإذا وضعت رأسي ليلا على الوسادة
أراك مستلقيا بجانبي .. هادئا ونائما
وظل أراقبك وأنظر لجبينك المضي
وأتمعن في عينيك وحاجبيك
وأردد اسمك في قلبي
لكنك لست هنا ..
وهذا هو حالي وأنت لا تعلم
أفكر بك دائما .. ولا أدري لماذا ؟


كاميليا الناصر
الرسالة الثالثة .. والبقية تأتي
...............................


تنهد ووضع الجريدة جانبا وهو يشعر بأن شيئا ما يجثم فوق صدره ويمنعه من أخذ النفس وبراحة . خلع ملابسه وقفز في بركة السباحة . سبح فيها وهو يفكر في حياته وكاميليا وريم والطفل الذي لم يرد البقاء معه غطس في الماء وهو يفكر برسائل كاميليا الموجهة إليه في الجريدة ، هو الوحيد المعني بهذه الرسائل أو الهمسات كما تسميها . سأل نفسه كيف يطرأ على بالها عندما تفكر به ؟ . هل مازالت تحترمه وتقدره ، ولماذا تستمر بإرسال حتى الآن ؟ كانت تحبه وصدمت به كما صدمت به ريم عندما أصبحا زوجين يعيشان في بيت واحد .
أخرج رأسه وأخذ نفسا عميقا وعاد للغطس وهو يفكر . ماذا يفعل مع هاجسه بكاميليا ، هذا الجرح الأصيل الذي لا يبتعد عنه ولا يفارقه ، والوجع المزروع في قلبه منذ ما يزيد على الأربعة أعوام حتى اليوم . قضى أسبوعان وحده في البيت ، يصحو ويذهب إلى الشركة ويعود ويقرأ الجريدة وينام . وليلا يستقبل ماجد وفيصل أو يبقى وحده . لم يكن يذهب إلى المزرعة ولا يسهر في المقهى ولا يستمع لفيروز . أسبوعان وهو دائم التفكير بكاميليا والطفل الذي فقده وبشقيقه الراحل . دائما يفقد من يحبهم ، وإذا لم يأخذهم الموت يضيعهم بعناده وغروره وغباءه . رفع رأسه من تحت الماء وتنفس بعمق وهو يتذكر حبه الجامح لكاميليا الذي دفعه إلى السفر وراءها إلى باريس قبل سنتين . كان مندفعا نحوها كمراهق صغير مبهور بامرأة .

**********

خرجت كاميليا من الحمام وهي تلف منشفة زهرية اللون على جسدها المبلل ، ووضعت قطرات العطر الزيتي في أنحاء متفرقة منه ، وارتدت ملابسها المكشوفة كما يسميها ناصر . كان يعنفها إذا ارتدت ملابس تظهر مفاتنها وخصوصا عند خروجها من البيت . رشت عطر : " ألور " خلف أذنيها وفي معصميها وأعلى صدرها وجففت شعرها ورسمت الكحل الأسود حول عينيها وبدأت تعد الضيافة قبل أن تأتي صديقتيها لزيارتها .
جاءت أمل وحدها على أن تأتي نسرين لاحقا .
وسألتها أمل :
- وأختك شذى ألن تأتي ؟
تنهدت وأجابت :
- لديها امتحانات .. يبدو أن دراسة الحاسب الآلي صعبة في الكلية .
بدت كاميليا متعبة فسألتها أمل عن السبب وأخبرتها بأن ناصر غادر صباح اليوم إلى رأس تنورة بعد أن قضى معها ثلاثة أيام أتعب فيها أعصابها . ابتسمت أمل وسألتها :
- وكيف هي أموركما ؟
رفعت حاجبها بلا مبالاة وهي تتحدث عنه :
- أسوأ عما قبل .. فكرت بترك البيت ولكن والدي سيعيدني رغما عني لذا بقيت .
- وهل مازال يستخدم العلاج ؟
- لقد عرفت بالصدفة أنه مصاب بارتفاع ضغط الدم أيضا .. لقد نسي بعض الأوراق في ثوبه المتسخة ورأيت فيها وصفة طبية لأدوية ارتفاع ضغط الدم والكولسترول .
اتصلت نسرين بكاميليا تعتذر عن القدوم فهي ستخرج مع عماد ، فاستغلت الفرصة وسألت صديقتها بمكر :
- عماد سيخرج مع نسرين .. ولماذا لا يخرج مع زوجته ؟
وبعفوية أجابتها :
- ريم مازالت معنا في المنزل وتحمله مسؤولية ولادتها المبكرة .. وابن عمي حزين منذ وفاة الطفل .. يبقى في منزله وحده ولا يخرج إلا للعمل فقط .
رجف قلبها وسألت أمل :
- أليس سعيدا مع المتعجرفة ؟
هزت رأسها نافية وقالت :
- لا يبدو ذلك .
سكتت للحظة ثم أردفت تكمل حديثها عن عماد :
- شخصيته غريبة بها خليط من القوة والرصانة ويميل إلى الهدوء وكثرة التفكير وعدم البوح بشيء .. وعينيه السوداويين متكتمتين وقويتين .
سألته بفضول عن علاقة بزوجته ، فهزت كتفيها وقالت :
- لا أعرف .. فهو جاف معها وهي بدأت تمل من طباعه وبروده .. ربما لأنهما لم يعرفا بعضهما جيدا قبل الزواج فهي قضت سبع سنوات في كندا ولم تكن قريبة منه قبل زواجهما.
لوت كاميليا فمها وقالت بانزعاج :
- لا أستسيغها أبدا منذ الموقف الذي حدث يوم زفافك .
- هي تفكر بالسفر إلى لندن أو كندا من أجل التدريب لعدة أشهر .. وراسلت العديد من المستشفيات الجامعية وتنتظر الرد .
ابتسمت عينيها العسليتين وسألتها :
- وهل واقف عماد ؟
- سيوافق .. أشعر وكأنه يريد الابتعاد عنها .
ابتسمت كاميليا لما قالته أمل وشعرت بالقليل من السعادة لأن عماد ليس سعيدا مع زوجته وهو بالتأكيد مازال يفكر بها ويحبها ، وهمساتها تجد صدى لديه .

********
عادت ريم إلى زوجها بعد شهر ونصف من ولادتها . وافقت بصعوبة فقد كانت تريد قضاء المزيد من الوقت مع والديها لكن أمها أقنعتها بضرورة العودة . عادت مع عماد الذي ضمها إليه دون رغبة سوى لتخفيف عنها لتتوقف عن ترديد أنه السبب في ولادتها المبكرة . كان يشعر بأن حواجز جلدية تراكمت بينهما أكثر مما مضى ، فبينهما طفل غائب ومشاعر بادرة وجمود ولا مبالاة . جلست في الركن الفرنسي صامتة ولم يستطيع أن يفتح معها أي موضوع ، وعندما ذهبت لغرفتها ذهب إلى غرفة المكتب وجلس يطالع الأوراق التي جلبها معه من الشركة . جاءته بعد مدة وجيزة وجلست قبالته وهي تلف الروب الأبيض على جسدها وقالت له :
- لقد راسلت عددا من المستشفيات الجامعية في كندا ولندن من أجل قضاء فترة تدريبية هناك .. ومازالت أنتظر الرد .
زم شفتيه وعينيه تتأملان جسدها الممشوق وسألها :
- تريدين السفر لوحدك .. أنت لم تخبرني بهذا الأمر مسبقا .. وكم ستغيبين هناك ؟
- بين الأربعة والستة أشهر .
- وأنا ؟
تنهدت وقالت بلهجة لم تخلو من السخرية :
- أبقى هنا .. أعمل وأقرأ الجرائد وأذهب مع ماجد إلى المقهى ونهاية الأسبوع أقضي وقت فراغك في المزرعة .. لا أظن وجودي سيفرق معك .. عادي .
أطال النظر إليها وسألها :
- ولماذا تكلمني بهذه الطريقة ؟
تغيرت نبرة صوتها وهي تقول :
- وبأي طريقة تريدني أن أكلمك .. فأنت لا تهتم بي ولا بوجودي .
سألها بلهفة :
- ألا تريدين الإنجاب مجددا .. أبقي معي ودعينا ننجب طفلا .
استغربت من طلبه فهي تتذكر ردة فعله وبروده عندما أخبرته بأنها حامل فهو لم يبالي وكان مصدوما ومتضايقا ، لكنه أعاد ما قال :
- أتمنى أن يكون لي طفل .. وأفضل أن تبقي معي وتكتفي بالعمل والتدريب هنا .
تنهدت وقالت له :
- أحتاج إلى التفكير بعمق قيل خوض التجربة من جديد .. حملي وولادتي وموت طفلي تركوا في روحي جروحا عميقة .
أنهت حديثها وعادت لغرفتها ، وضع أوراقه جانبا وتبعها . رمقته بنظرة باردة عندما دخل الغرفة ، ولم تكترث له وبسرعة اختبأت تحت لحافها . أقترب منها وأمسك يدها وطبع عليها قبلة وهي تنظر له بعينين لا ترمشان . اقترب منها وعنقها بشفتيه فقالت له بأنها متعبة ومزاجها سيء واستدارت للجانب الآخر . تضايق لرفضها فهذه المرة الأولى التي تفعلها منذ زواجهما ، كانت دائما تنتظره والآن تصده .

*****

خرج عماد من الشركة وتوجه إلى منزل والديه مباشرة لأن ريم لديها مناوبة في المستشفى وستعود صباح الغد . جلس مع أمه يشرب شاي النعناع حاولت أن تقنعه للمرة الأخيرة بخوض الانتخابات البلدية فوالده سيدعمه بقوة فأكد لها بأن الأمر لا يعنيه . تحدثا بشأن ريم وسفرها فقد وصلتها الموافقة من لندن لقضاء أربعة أشهر في أحد أهم وأكبر مستشفياتها وهي مصرة على السفر بعد شهر . قالت له أمه بحزم :
- أنت زوجها وتستطيع منعها من السفر إذا أردت .
قال باستخفاف :
- هي مصرة على السفر .. سأدعها تسافر لأرتاح منها بعض الوقت .
سكت للحظات وسألها عن نسرين فأجابته :
- مع كاميليا وأمل .. تزوجتا ومازالتا تتصرفان كالسابق .. واحدة لا يمانع زوجها بخروجها والأخرى زوجها يعمل بعيدا .
مازال يريد معرفة المزيد عن كاميليا وأخبارها ، واستغل الفرصة فسأل أمه :
- ومن هي من يغيب عنها زوجها .. كاميليا أم سماح .
- كاميليا طبعا فسماح ليست هنا .. هي في أمريكا .
وسألها بلهفة :
- وكاميليا ؟
- زوجها يغيب أربعة أيام .. وخلالها تخرج وتفعل ما تريد .
وسكتت للحظة ثم طلبت منه أن يحجز لها مع زوجة عمه تذاكر للسفر إلى إيران .
رفع حاجبيه وهز رأسه موافقا وقال :
- الليلة سأذهب لكتب السفريات وأحجز لكما.

 
 

 

عرض البوم صور سنديان   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
للكاتبه اميرة المضحي, ليلاس, الملعونه, اميرة المضحي, القسم العام للقصص و الروايات, روايات و قصص, روايات كاملة, روايه الملعونه كاملة, روايه خليجيه, قصه مكتملة
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 03:42 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية