كاتب الموضوع :
سنديان
المنتدى :
القصص المكتمله
الفصل 26
وقفت أمام المرآة تلقي على نفسها النظرة الأخيرة قبل أن تخرج من البيت متجهة إلى الفندق حيث يقام زفاف عماد . رشت المزيد من نفحات عطر " ألور" الذي استخدمته للمرة الأولى عندما أهداها إياه ، ومن يومها أصبح عطرها المفضل . وضعت اللمسات الأخيرة على شعرها وماكياجها وهي تشعر بألم يعتصر قلبها وتتخيله مع زوجته المتعجرفة . أحست بالألم يصل إلى رأسها وفكرت بالتراجع عن الذهاب فهي تخشى أن يغمى عليها إذا رأته ، ولكنها لا تستطيع فنسرين وأمل صديقتيها ولا تستطيع التخلف عن الذهاب . كانت على وشك البكاء عندما أحست بدوار فجلست على الأريكة المجاورة لسريرها وناصر يفتح عليها باب الغرفة ويقول لها بلهجة غير موزونة عرفت من خلالها بأنه أسرف في الشرب قليلا :
- تتأنقين من أجل الزفاف وأنا تتجاهليني .
تأففت وراحت ترتدي عباءتها بصمت ، فقال لها :
- لا تخلعي عباءتك في الفندق ففستانك يكشف أكثر مما يستر .. ألم تجدي غيره .. سيصورونكِ في الفندق وعندها تكون الفضيحة فلقد رأيت بنفسي نصف فتيات البلد .
نفذ صبرها فقالت له بغضب :
- أولا الملابس المكشوفة والتي تظهرني مثيرة تعجبني وأحب ارتداءها .. وثانيا لا شأن لك بي فمن تظن نفسك ؟
ضحك وهو يقترب منها وقال :
- أنا زوجك ولي الحق بمنعك من لبس هذا الفستان العاري .
صرخت به قائلة :
- وأنت تعرف بأني تزوجتك رغما عني .. فعلت المستحيل لتلافي هذه المصيبة ولكن دون جدوى ..أنا أكرهك ولا أتحمل البقاء معك ..أنت لا تحترمني وأصبحت تأتي إلى المنزل والسكر أفقدك توازنك .. طلقني ودعني أعيش بهدوء .. عليك أن تفهم بأنك تعيش مع امرأة أجبرها أبوها على الزواج بك بالإكراه .
غضب ناصر لكلامها واقترب منها وأمسك بذراعها بيد ، وجهها باليد الأخرى وقال لها وعينيه ستخرجان من محجرهما :
- لا تحسبي فشلي في معاشرتك دليلا على ضعفي .. لن أطلقك يا غبية .. ولو علم أحد بما جرى بيننا سأقطع لسانك .
وتغيرت نبرة صوته وهو يعيد على مسامعها بتهديد بأن ما يحدث في غرفة النوم يبقى فيها . شعرت بالخوف أكثر وهو يقول لها :
- أذهبي مع أهلك إلى العرس وعودي معهم .. والليلة لنا موعد جديد .
وطلب منها أن تعطي وجهها المزين عندما تخرج ، فردت عليه بحدة :
- لا شأنك لك بي .
جلست تنتظر أمها وأختيها لتذهب معهن إلى زفاف حبيبها ، شعرت بالحاجة ماسة للبكاء بقوة ، ولكن وصول أمها وأختها أنقذها.
دخلت القاعة المزينة بالورود والشموع ، وصوت الموسيقى يصدح بفرح وطرب ، ورائحة البخور تعطر المكان . خلعت عباءتها ونظرت إلى نفسها في المرآة . بدت جميلة ومثيرة وتعيسة وتشعر بغصة تكتمها في قلبها رغما عنها ، فلقد أوصت قلبها بالصبر والتحمل . فهذا الحفل الذي تحضره ليس كباقي الحفلات ، هذا حفل زفاف عماد . سلمت وباركت على أمه وعمته ، وندى ونسرين وبقية أفراد العائلة واختارت لها مقعدا مع أمها وأختيها على إحدى الطاولات الأمامية . كان كل شيء يدل على الرفاهية والترف ، الطاولات مزينة بمفارش راقية وورود ملونة وشموع ، والمضيفات يوزعن الهدايا التذكارية والشوكلاتة الفاخرة على المدعوات .
جلست تراقب نسرين وأمل وهما ترقصان ، وجاءت أم عماد تدعوها إلى الرقص معهما ، فاعتذرت منها بحجة كونها عروس جديدة أيضا . ظلت شاردة حتى جاءت من تحمل أسم حبيبها الآن ، جاءت من ستكون زوجته وستعيش معه تحت سقف واحد ابتداء من الليلة . ستسكن في البيت التي هي صممته وفرضت ذوقها في الأثاث والألوان . هي زوجته الآن وستعطيه كل شيء لتكسب حبه فهو يستحق . تنهدت بأسى والمتعجرفة ريم تقترب أكثر وتجلس على المنصة الفخمة ، والجميع يعانقها ويهنئها .
رقص الجميع على أنغام الموسيقى والغناء ورقصت ريم بسرور مع صديقاتها وقريباتها . لم تتحرك كاميليا من مكانها وظلت تشرب العصير وتراقبهن بألم ، فهن يرقصون فرحا لزواج عماد وريم ، ونهاية سعادتها هي . يرقصن على جرحها وألمها وتعاستها . أحست بأن نار تعتمل في قلبها وكلما مر الوقت زاد الجمر اشتعالا . في الواحدة والنصف فجرا أعلن بأن عماد سيدخل القاعة .إرتعشت أوصالها ورجف قلبها .إرتدت عباءتها ولفت على رأسها حجابها وتنقبت ولم تظهر غير عينيها . لم تكن تريده أن يراها في حفل زواجه فيتجاهلها . وستكتفي برؤيته مع عروسه دون أن يراها أو يميزها . دقائق وعماد بكل وسامته وجاذبيته وثقته بنفسه يقف عند البوابة وأمه وأختيه وقريباته خلفه ، لم تصدق عينيها فهو يبدو أنيقا وهو يرتدي الثوب والغترة ويضع البشت الأسود على كتفيه . كان يمشي الهوينى وريم واقفة على المنصة تنتظره وعينيها عليه وابتسامة السعادة تعلو وجهها .
انحدرت الدموع من عيني كاميليا العسليتين ، ولم تستطيع التحمل أكثر وحبيبها يقترب من زوجته ويقبل رأسها أمام الناس ويجلس بجانبها . الرجل الذي كانت تحلم به والذي وعدت نفسها بأن يكون لها ، أصبح لغيرها الآن ناسيا كل شيء كان بينهما . كانت قريبه منه ، وبعيدة في نفس الوقت . لمحت خاتمه الفضي بفصه الياقوتي الجميل وتحسست خاتمها الذي أهداها إياه ليوصل مشاعرها به والدموع تتساقط من عينيها العسليتين بكل حسرة . كان الرقص دائر على أشده نهضت من مقعدها وطلبت من السائق الذي ينتظرهن بالخارج إعادتها إلى المنزل . لم تكن قادرة على الصمود أكثر وعينيها تدمع وقلبها يعتصر من الألم . وطوال الطريق من الخبر إلى حي الجزيرة كانت تبكي بحسرة وألم وتتذكر كلام عماد ووعوده ، وورود الكاميليا البيضاء وزجاجات عطر "ألور " المتراكمة في خزانتها . كيف تمكن من نسيان حبها بسهولة وكأنه لم يحبها ولم يعرفها يوما .
دخلت المنزل بدموعها ، ارتمت على سريرها وبكت بحرقة بالغة ، وصورة عماد ووعوده وكلامه تمر في ذاكرتها وتعذبها . رائحة " ألور " والياقوت الأحمر جعلاها تبكي كما لم تبك قبلا في حياتها . أفرغت ما في قلبها من ألم ودموع وقهر . لابد أنه نسيها ليتمكن من الابتسام أمام زوجته بكل الفرح الظاهر عليه. هو لم يحبه أصلا لكي يتذكرها ، كان كاذبا ووغدا وسافلا كبقية الشباب . دخلت إلى الحمام وملأت المغطس بالماء الدافئ وسكبت فيه علبة الرغوة بكاملها . بقيت لبعض الوقت حتى هدأت نفسها قليلا وهي تحاول منع نفسها من التفكير بعماد وما يفعله الآن مع زوجته .
شعرت بالقليل من الراحة وهي تمسح زيت الشاي الأخضر على بشرة جسمها . ارتدت ملابسها وجلست على الأريكة وهي مازالت تفكر به .كانت تشعر بيأس كبير لذا نهضت لتخرج علبة سجائر خاصة بناصر . كانت مستعدة لفعل أي شيء لترتاح وتنسى عماد . أشعلت سيجارة وبدأت تسحب نفسا قويا تلو الآخر وبالمقابل تسعل بقوة . كانت تفكر بعماد وكيف سيقضي ليلته مع زوجته . شعرت بأنها ستختنق فأطفأت السيجارة ونهضت إلى المطبخ . ابتلعت قرصين مسكنين وعادت لغرفتها استلقت على السرير لتفكير بعماد من جديد .
********
استيقظت ريم من نومها ظهرا بينما لا يزال عماد نائما . استحمت وهي تفكر بتصرفه معها البارحة ، لماذا تصرف معها بلا مبالاة ؟ . تجاهلها في ليلة زفافها ، لم يقترب منها ولم يبح لها بحبه وأشواقه ولهفته ولو كاذبا ، لم يجاملها ولم يداعبها ولم يقبلها كأي عروسين ، كانت ليلتهما باردة . إرتدت ثوبا قصيرا ومكشوفا ، واقتربت منه وأريج عطرها يسبقها . أيقظته من نومه ، فنهض بصمت واستحم بسرعة وارتدى ملابسه ، وعندما خرج من غرفة النوم وجدها جالسة في الحديقة الداخلية أمام بركة السباحة . جلس بقربها وسألها :
- هل أنت جائعة ؟
- ليس كثيرا .
دعاها لتناول الغذاء في المطعم اللبناني وبعدها يذهبا لمنزل والديه فوافقته وطلبت منه أن تذهب لمنزل والديها أيضا . نهض ومد لها يده ، كانت سعيدة لأنه أمسك بيدها ومشى معها لغرفتهما وانتظرها حتى ترتدي عباءتها وتأخذ حقيبتها ، فهذه أول مرة يفعل ذلك منذ عقد قرانهما ، حتى عندما خرجا من الفندق بعد نهاية الزفاف لم يمسك بيدها كأي عروسين .
وصلا إلى المطعم بعد ساعة من الصمت ، قضياها في السيارة من القطيف إلى الخبر . جلسا متقابلين واختار ما سيأكلان . وأثناء انتظارهما للطعام ، تذكر كاميليا وصوتها وضحكاتها وعينيها وحبة الخال في زاوية فمها . أحس بأنه يحبها أكثر من الماضي ، ربما لأنها بعيدة عنه ومتزوجة من أخر . تذكر ليلة البارحة بكل رفاهيتها وبهجتها بالنسبة للجميع سواه . تنبه على آهة حزينة أطلقتها ريم من قلبها ، قالت له :
- ما بك ؟.. ولماذا هذا الضيق البادي على وجهك المتجهم .
سكت للحظات وهو يستشعر غضبها منه وكأنها تقرأ بحدسها بأنه مشغول عنها ويفكر بامرأة أخرى في اليوم الثاني لزفافها ، قال لها :
- أشعر بالإرهاق .
وسكت للحظة ثم سألها :
- متى ستعودين إلى العمل في المستشفى ؟
تضايقت أكثر لسؤاله فقالت له :
- ألم تجد ما تحدثني به غير العمل .. أنا في أجازة لمدة شهر .
وقطع صوت النادل كلامها عندما جاء يطلب الأذن بوضع الطعام .
****************
جلست ريم مع أمها في المطبخ بعيدا عن عماد الجالس في الصالة مع عصام وأمل ، واستشفت ضيق ابنتها ، فسألتها بقلق :
- لم تبدين حزينة ؟.. هل ضايقك عماد بشيء ؟
نزلت دموعها من عينيها وقالت :
- تجاهلني البارحة .. أحسه حزينا وشاردا ومهموما .. لقد تعودت على قلة كلامه وجديته الزائدة منذ عقد قراننا .. ولكنه أزعجني بعدم اهتمامه بي .
وسألته أمها :
ألم يقترب منك ؟
سكتت وهي تشعر بالإحراج ، فعاودت أمها الكلام :
- لا تكوني محرجة ... هل أقترب منك البارحة أو اليوم كزوج ؟
هزت رأسها نافية ، وقالت :
- هو لم يبارك لي الزواج كحد أدنى .. ذهبت لغرفة الملابس لأخلع فستاني وعندما عدت للغرفة وجدته مستلقيا على السرير يتظاهر بالنوم .
طلبت منها أن تنتظره ليومين ودعتها لشد انتباهه :
- تدللي عليه وارتدي الملابس المثيرة وحاولي أن تكوني قريبه منه .
وسكتت للحظة ثم قالت :
- عصام كان منسجما مع أمل في فترة الخطوبة وأنهيا أمورهما منذ الليلة الأولى .
أنهت ريم حديثها مع أمها وتوجهتا للصالة حيث يجلس عماد مع عصام وأمل ، واندهشت عندما رأت زوجها يضحك مع أمل بتلقائية وراحة دون تكلف كما يتحدث معها . جلست مع أمل تتحدثان في ترتيبات احتفال اليوم الثالث للزواج الذي ستقيمه سميرة ، وستقيم عشاءا دعت إليه النساء اللاتي لم تدعوهن في الفندق لأنهن لم يكن بالمستوى النخبوي المطلوب .
|