كاتب الموضوع :
سنديان
المنتدى :
القصص المكتمله
الفصل 20
غسلت كاميليا وجهها وهي تفكر بعماد الذي لم يتصل بها منذ خمسة أيام وهي لم تتصل به أيضا فهي لا تريد أن تذل نفسها أمام من تحب .
بدأت تجفف وجهها المتعب وعينيها المرهقتين من السهر والبكاء .وضعت كريما رقيقا على جفنيها ، ولبست خاتمها الياقوتي بيدها وهي تتذكره يوم جاء ووضعه على باب منزلها فجرا مع باقة ورود بيضاء . خلعت الخاتم من أصبعها وقبلته بحب وأعادته إلى مكانه في خنصرها .سألته عن عماد ، ماذا يفعل وكيف يعيش خمسة أيام دون أن يسمع صوتها ،لكن الياقوت بقي صامتا . ظلت تتأمل وجهها في المرآة وهي تتذكر كلام عماد وغزله بها ، كان مفتونا بها والآن يهجرها .
جاءت شذى ممسكة بصينية بها طبق من السلطة وكوبا من اللبن، ووضعتهما على المكتب وقالت لأختها :
-أرجوك يا أختي .. لا تعاقبي نفسك بهذه الطريقة.. تناولي طعامك فأنت منذ أسبوع تعيشين على الماء والتفاح وهذا لا يجوز .
جلست على سريرها وتنهدت قائلة :
-لا أشعر بالرغبة في الأكل ..أكلت قهر.
- أف .. قطع الحب وسنينه.
قالت لأختها وهي تشرب اللبن :
-لست مصدقة بأن خمسة أيام مرت ولم أسمع فيها صوت عماد .. عمادي الذي أحببته تخلى عني بسهولة وتركني .
اقتربت منها شذى وطلبت منها أن تنساه وتخفف على نفسها ، فتنهدت بغصة وهي تشعر بأنها هشة و ضعيفة بعدما تخلى عنها . مازال حبه يوجع قلبها بعدما أدار ظهره لها ولم يترك سوى عينيه السوداويين لتزيد من عذابها . هبت بسرعة لهاتفها الجوال عندما رن فربما يكون عماد هو المتصل ، ولكنها شعرت بالخيبة سريعا لأن نسرين هي المتصلة تدعوها للخروج والذهاب إلى السوق ومن ثم تناول العشاء في أحد المطاعم . اعتذرت منها ودعتها بدلا من ذلك إلى زيارتها بصحبة أمل ، وقامت لتغير ملابسها وتستعد لقدوم صديقتها .
جاءت نسرين لوحدها لأن أمل ذهبت إلى السوق مع أمها ، ولم تستطيعا إبعاد مجرى الحديث عن الموضوع المهم وهو زواج كاميليا التي قالت :
-والدي يجبرني على الزواج بالزفت ناصر بلا أي احترام لي أو لرأيي....والمشكلة بأني أمقته .. أنا الآن أنتظر حكم الإعدام .. ولا أعرف متى سيصدره القاضي .
كانت نسرين جادة عندما قالت:
-تبا لهذا الوضع وهذا التخلف الذي نعيشه .. كيف تتزوج فتاة رغما عنها .. أين حقوق الإنسان وحقوق المرأة الضائعة.
طرأت ببال نسرين فكرة فاقترحت على كاميليا أن توسط أحد أقاربها للتفاهم معه لكنها قالت لها بأن أخوالها يكنون الجبيل ماعدا سعيد وهو على خلاف معه.
ابتسمت نسرين وسألت صديقتها هل يوجد حبيب من حيرتها ويعزز رفضها لابن عمها ، وحاصرتها قائلة :
-أنت تبدين عاشقة وترفضين الاعتراف . إلى متى ستنكرين وعينيك تقول ذلك ؟.. اعترفي وبلا نحاسة.
تنهدت كاميليا بألم اثبت لنسرين شكها ، وقالت وهي تغالب دموعها:
-لا وجود لهذا الحبيب .. يوجد فارس أحلامي الذي أحبه منذ ولادتي وشعوري بأني أنثى تبحث عن نصفها الأخر في هذه الحياة .. وهو ليس ناصر بالتأكيد.
قضت نسرين وقتا مع صديقتها واستطاعت أن تخفف عنها قليلا ، ثم عادت إلى منزلها كانت أمها جالسة مع عماد يتحدثان بصوت منخفض في أحد أركان الصالة الواسعة . اقتربت منهما وتنبهت لوجه أخيها العابس وأمه تتحدث معه عن ريم ، فقاطعتها بمرح وسألتهما عم يتحدثان .
سكت عماد بينما أجابت أمها بتذمر :
-عن القضية الأزلية ذاتها .. زواج عماد .. أنا أفكر برفعها إلى الأمم المتحدة فربما يساعدني "كوفي عنان "
ضغط عماد على شفتيه وهو يستشعر سخرية أمه التي عرضت عليه أن تتحدث مع عمته بشأن ريم، فتأفف ونهض متجها لغرفته تاركا أمه تتذمر من تصرفاته، وتقول لابنتها:
-منذ أن عاد من دبي وهو بمزاج سيء ولا يتجمل الحديث معي .. في اليوم الذي سافر فيه أخبرني وسعادة الدنيا كلها تشع من عينيه بأنه يريد الزواج .. لا أعرف ما به وهو يقلقني كثيرا .. سأقوم لأبخره باللبان والحرمل .
أومأت نسرين موافقة وقالت :
- بات يحيرني أيضا ..أمس جاء ماجد لزيارته وتهرب من لقاءه وطلب مني أن أقول له بأنه نائم.
تنهدت الأم وسألت ابنتها عن كاميليا إذا ما سيزوجها والدها من ابن عمها رغما عنها . هزت نسرين برأسها وقالت :
-سيعقد قرانها خلال أيام .. المسكينة بدت متعبة وشاحبة فهي تحبس نفسها في غرفتها لا تخرج ولا تأكل وبدون فائدة.
-يؤسفني زواجها بهذه الطريقة .. ولكن لا شيء بيدنا وربما تسعد مع ابن عمها .
وأكملت مستدركة تخبر ابنتها بأنهم سيذهبون إلى البحرين من أجل التسوق قبل زفاف أما وسيبيتون هناك ليلة واحدة .
صعدت نسرين لغرفتها وبدلت ملابسها ثم ذهبت لتتحدث مع عماد علها تخفف من توتره . وجدته على سريره يشاهد برنامجا في التلفزيون لكنه أغلقه حالما دخلت أخته وجلست بجانبه.
سألته بابتسامة :
-ألا تستمع لفيروز ؟
لم ينطق بحرف فأردفت تخبره بأنهم سيذهبون إلى البحرين ودعته للذهاب معهم ، لكنه لوى فمه وقال لها بأنه لا يريد الذهاب لأي مكان.يريد البقاء وحده لمراجعة حساباته وإعادة النظر في مسار حياته . سألته:
-هل أنت منزعج من أمي ؟
هز رأسه نافيا فقد تعود على كلامها وعلى سخريتها . تنهد بقوة وأحست بأن وراء تنهيدته هم كبيرة ، فأمسكت بيده بعطف وطلبت منه أن يفتح لها قلبه فهما أصدقاء برغم الفارق في السن . كانت تنظر إلى وجهه وهي تتحدث ورأته وهو يغمض عينيه السوداويين للحظات وعندما فتحهما رأت الدموع الحارة تغلفهما . أخرج من صدره آهات حزينة . عانقته وهو يقول بأنه عاجز عن فتح قلبه لها . قالت له بتفهم كبير :
-عندما تشعر بأنك بحاجة للحديث والبوح عما تخفيه في قلبك .. لا تتردد فقلبي يتسع دائما.
شكرها وتنهد بحيرة فهو غارق في بحر لا يعرف فيه شاطئ ولا مرسى ولا يعرف بدايته أو نهايته . خرجت نسرين تاركة أخاها لوحدته ولتفكيره المحصور بكاميليا ، تارة يتذكارها وهي في السيارة وعينيه تسترقان النظر لها عبر المرآة . يتذكر أحاديثها وضحكاتها وعينيها والكحل الأسود وحجابها الملون وهي تمشي في شوارع باريس بملابسها الأنيقة تذكر تلك القبلة الوحيدة في منتصف ليل باريس عندما أهداها ورورد الكاميليا وكم أحبها
****
ظلت كاميليا جالسة في غرفتها وتتحدث مع شذى في جو هادئ نسبيا حتى جاءت أمها بابتسامة مصطنعه ، تخبرها بأن قرانها سيعقد غدا. هزت رأسها والدموع تتدفق من عينيها :
-لا أريده .. ساعديني يا أمي .
بلغت الأم ريقها والدموع تنحدر من عينيها فزوجها هددها بالطلاق لو تدخلت . قالت لابنتها بانكسار :
-أرى رضوخك أمرا لا مفر منه .
بكت كاميليا بحرقة كبيرة على صدر أمها وهي ترى كل أحلامها تتكسر أمام رغبات والدها وعناده وتسلطه وجوره . بكت أكثر وهي تفكر بحياتها مستقبلا وحب عماد يغفي في قلبها بكل هناء وراحة . ظلت تبكي وهي تفكر بالاستسلام تارة وبالتمرد على والدها والرفض تارة أخرى . بكت بنجيب وهي تتذكر كلمات عماد الأخيرة عندما طلب منها الاتصال به فقط عندما تخبر والدها بأمر علاقتهما . ومن بين الدموع والبكاء ورياح اليأس التي تعصف بها طرأت ببالها فكرة قد تنقدها من هذا الزواج الإجباري ، ولكن عواقب هذه الفكرة وخيمة ونتيجتها غير مضمونة.أسرعت تقفل باب غرفتها بالمفتاح وأمسكت بهاتفها الجوال للتحدث مع عماد الذي لم يرد على اتصالاتها المتكررة ، وبسرعة كتبت له رسالة نصية وأرسلتها ، تخبره بأنها تريد الحديث معه لأمر هام . ظلت حتى شروق الشمس وهي تترجى اتصاله بدون جدوى . نامت على مخدتها المبللة بالدموع واستيقظت ظهرا وشذى تطرق بابها المغلق وقد جلبت معها وجبة خفيفة لتأكلها . فتحت لها الباب وعينيها متورمين من البكاء، وبسرعة طلبت منها الدخول . رن هاتفها الجوال فهبت له مسرعة فربما حن عماد عليها وقرر الاتصال ، إلا أن ظنونها خابت مجددا كانت نسرين هي المتصلة تخبرها بذهابها مع والديها إلى البحرين عصرا وتسألها إذا ما كانت تريد أن تشتري لها شيئا من هناك ، شكرتها فلا مزاج لها لأي شيء ، ونهضت لقفل الباب بالمفتاح وقالت لأختها :
- منذ البارح وأنا أفكر بطريقة ما لمنع هذا الزواج البائس .. ولأني أحتاج مساعدة عماد اتصلت به مرارا ولم يرد علي .. سأذهب إليه في منزله وأتحدث معه .
عضت شذى شفتها وقالت :
- لابد أنك جننت .. لقد فقدت عقلك بكل تأكيد لتفكيرك بالذهاب لمنزله .
أخبرت أختها بأن نسرين ووالديها سيذهبون إلى البحرين بعد ساعة وعماد سيعود في الخامسة إلى المنزل كالمعتاد وستذهب لتعرض فكرتها عليه .
حذرتها شذى وطلبت منها أن تتعقل فلو عرف والدهما سيذبحهما معا كدجاجتين وينتف ريشها ، ولكن كاميليا مستعدة لكل شيء فقالت لأختها :
- كيف سيعرف ؟ ..أنا سأتحدث مع عماد وأنت أبقي في السيارة لانتظاري.
ترددت شذى لكنها لم تشأ أن تدع أختها تذهب له وحدها . بسرعة استأذنت كاميليا وشذى أمهما في الخروج لزيارة أمل لبعض الوقت للترفية عن نفسيهما . ركبت كاميليا السيارة وطلبت من السائق التوجه إلى منزل نسرين واتصلت بها لتتأكد من ذهابها إلى البحرين مع والديها ، واطمأنت لسير خطتها بالطريقة الصحيحة . أحست برعشة وكأنها تتركب جريمة وخائفة أن يراها أحد وقلبها ينبض بقوة ظنت أن جميع سكان القطيف يسمعونه . كانت خائفة وهي تفكر بعماد وكيف سيستقبلها ، وهل سيوافق على فكرتها الرهيبة . أوقف السائق السيارة أمام المدخل الرئيسي . بقيت شذى تنتظر أختها بخوف ووجل وترجلت كاميليا وهي تحس برجليها ستتجمدان ودقات قلبها العنيفة تزعجها . بيد مرتعشة ضغطت على جرس الباب والأفكار تزيد من توترها . ظلت تنتظر للحظات ولم يجبها أحد ، فضربت الجرس مرة أخرى وقلبها يكاد أن يتوقف ، وبعد لحظات فتح الباب ورأت عماد أمامها . نزعت نظارتها الشمسية والتقت عينيها بعينيه المندهشتين والمشتاقتين لها ، كان الحب والشوق ظاهر في سواد عينيه ولا يستطيع إخفاءه مهما فعل . بلع ريقه وقال لها برقة وكأن شيئا لم يكدر صفوهما أبدا :
- لماذا أنت هنا يا كميليا .. نسرين غير موجودة .
هزت رأسها وهي تتلفت خلفها وقالت له :
- أعلم بأن عائلتك في البحرين .. ولكني أريد التحدث معك بأمر هام ولهذا اتصلت بك ..ولأنك لم تجبني اضطررت للقدوم .
وأكملت تعاتبه :
- لماذا تعاقبني بهذه القسوة وكأنني مذنبة ؟.. أنا لا أستطيع فعل شيء وعليك أن تصدقني .. وجئت لأبرهن ذلك.
دخلت كاميليا داخل المنزل ووقفت قرب الباب المفتوح على مصراعيه وقالت له بأن قرانها سيعقد غدا ولديها حل مناسب ووحيد لمنع إتمام هذا الزواج ، وطلبت مساعدته ، سكتت للحظة وهي تراقب عينيه السوداويين وهما تتفحصان وجهها بشوق ، وقالت لها :
- أنا متعبة وأشعر بأني على حافة الجنون.
بلع ريقه وسألها عن الحل الذي جاءت من أجله ، فأغمضت عينيها للحظات وقالت له :
- سأذهب إلى منزل خالي سعيد وسأبقى لثلاثة أيام حيث والدي لا يستطيع أن يفكر بوجدي هناك فهما على خلاف كما تعلم .. بينما أخبره لاحقا بأنني كنت معك في أي مكان .. سأوهمه بأني هربت معك وبعدها سنتزوج رغما عنه .
ظل عماد ساكتا للحظات وعينيه ستخرجان من محجرهما من شدة اندهاشه من فكرة كاميليا الجهنمية ، قال لها بهدوء :
- كيف تفكرين بهذا الحل ؟ .. نهرب معا لثلاثة أيام .. تخيلي الفضيحة وما سيحصل .
حاولت إقناعه بفكرتها :
- نحن سنوهمهم بذلك والله شاهد علينا .. وبعد الزواج نخبرهم بالحقيقة .
ارتفع صوته قليلا :
- لن يصدقنا أحد وقتها .. والدك سيقتلك حتما .. كما أن أمي سترفض زواجي بك.
قال جملته وبتعد عنها . جلس على أول مقعد صادفه وأسند رأسه على يديه . شعر بالحيرة ويريدها فهو يحبها ويريدها زوجة له ولكن ليس بهذه الطريقة ، قال لها :
- إن الأمر ليس سهلا كما تتصورين ونحن لا نستطيع تقدير عواقب
شعرت كاميليا بالخيبة مجددا وقالت له والدموع تنحدر من عينيها :
- أنا فتاة من أسرة محترمة وسأضحي بسمعتي ومستعدة لكل ما سيحدث .. وأنت رجل وتخاف من الفضيحة !؟
سكت لثوان قليلة وأردفت :
- غدا يعقد قراني .. كيف يطاوعك قلبك على التخلي عني ؟ .. وعدتني بأن نكون معا
أقترب منها كثيرا وعينيه تتفحصان وجهها الجميل رغم التعب . تذكرت ما حدث في باريس والسعادة التي كانت تشعر بها ، وتنهدت وهو يمد يده ويضعها على جانب رأسها . أحس برغبة كبيرة في تقبيلها ولم يفعل ، قال لها :
- أرغب بأن نكون معا .. ولكن ليس بهذه الطريقة.
بكت أكثر وابتعدت عنه ، فقال لها بنبرة حادة وعينيه السوداويين تصوب سهماها نحوها :
- لا تبك أمامي فموافقتي مستحيلة .
استدار وهو يفرك جبينه وقال :
- أرجوك أذهبي إلى منزلك .ز لو كنت تريدني حقا لسمحتي لي بالتقدم لخطبتك قبل أن يصبح الأمر بهذا السوء .. لو تقدمت لخطبتك قبل أربع سنوات مرة واثنتين وثلاث لوافق والدك وكان كل شيء مختلفا .
مسحت دموعها بغضب وطلبت منه أن يفكر في الأمر مرة أخرى ، لكنه هز رأسه بالنفي رافضا ذلك وقال:
- أنا أرفض هذه الحلول ولا أقبل بها .. لست نذلا .
أرادت أن تسأله عن القسوة التي ظهرت في عينيه فجأة ، ممن أخذها وكيف يستطيع أن يعاملها بهذه الطريقة . لم تستطيع أن تقول له ذلك فأبعدت شفتيها عن بعضها وتنهدت بسكوت ، فصرخ فيها بقوة :
- أخرجي .. لا أريد أن أراك مرة أخرى ..أرفض أن أكون لعبة تسليتي بها أربع سنوات وترين الاستمرار بالحفاظ عليها لتتسلي أكثر .
أحست بأنها ستختنق بدموعها وتمنت لو أن الأرض تنشق وتبتلعها على أن تعيش هذا الموقف . قالت له بنظرة أسى :
- عماد ..أنت تخطئ في حقي .. أنت تكسر قلبي وتهينني .
بلع ريقه وقال لها بغضب :
- سألتك إذا كنت مخطوبة أو مرتبطة منذ البداية .. لكنك لعبت معي دور الفتاة الصافية والطيبة وأنت تعرفين بأنك ستتزوجين بابن عمك بعد تخرجك .. طلبت التقدم لخطبتك ورفضت .. أكملت معك وانتظرتك .. أحببتك حبا كبيرا لا أستطيع أن اعرف نهايته .. حبا كنت أخشى على نفسي منه فهو اجتاحني كإعصار مدمر .
سكت للحظات تمنى فيها لو لم يقابلها يوما ولم يعرفها ولم يعشق صوتها . بلع ريقه وقال لها :
- كنت قديسة في نظري وكنت مؤمنا بك .
نظرت له بعينين ضيقتين غارقتين في الدموع وهو يقول بأنه كافر وملحد لا يؤمن بها ولا بالقديسات . شعرت بأن قلبها سيتوقف وهي تسمع كلامه فهزت رأسها وهي تمسح دموعها الغزيرة وقالت :
-لست عماد الذي أحببته .. من أعطاك كل هذه القسوة ؟
حدق بعينيها وقال لها بانفعال وغضب تراه فيه لأول مرة :
- أنت تكذبين علي وتمكنت من إيهامي وتملكي بالحب الزائف .. حلمت بالسعادة معك والعيش في جنتك الموعودة وها أنا أعيش في نار جحيمك المحرقة .. أنا السبب في ما يحصل لي لقد فتحت أبواب قلبي لك متجاهلا عقلي وعاداتنا التي تحيل كل علاقة حب إلى القبر
.. لا يوجد حب صادق هنا .. لا يوجد غير العبث واللهو وقلة الأدب .
شهقت ووجهها غارق بالدموع وقالت :
- ما الذي حدث لك وكيف تفكر بهذه الطريقة ؟
بلعت ريقها وقالت وهي تهز رأسها غير مصدقة :
- برغم حبي الكبير لك .. لكني لست مضطرة لتحمل تجريحك وكلامك .
أجابها والغضب يزيد ناره استعارا :
- أخرجي من المنزل ولا تذلي نفسك أكثر.. لا أريد أن أراك مرة أخرى .. وأنسي لعبتك التي تسليتي بها لأربع سنوات فلقد ضاعت اللعبة من بين يديك .
قالت له وهي تمسح دموعها بيديها وتهم بالخروج :
- تذكر بأني أتيت ومددت لك يدي .. تذكر وقوفي أمامك وأنت تذلني وتهنني وتطردني .. لست الرجل الذي سحرني باهتمامه وعاطفته وحبه .. أنت لم تحبني أبدا .. أنت جبان ومنحط ونذل كالبقية .
خرجت بدموعها وانكسارها وهي موقنة بأن نضالها وحربها وتضحيتها دون معنى وليس أمامها سوى الاستسلام . ركبت السيارة وانطلقت بسرعة أمام عيني عماد الذي أغلق الباب وصعد غرفته واستلقى على سريره ودموعه تتدفق من عينيه رغما عنه . بكى وهو يتذكر وجهها والدموع تغرقه قبل أن تخرج ، بكى بشدة وهو يلوم نفسه على تصرفه معها وكيف سمح لنفسه بأن يهينها بهذه الطريقة لتخرج وقلبها مكسور ومصدومة به . كيف يستطيع النوم هذه الليلة بعد الذي فعله بحبيبته التي جاءته لتبرهن له على حبها ؟ بكت بانكسار قلب بسبب قسوته وشكه ووساوسه ، تذكر كلامها الأخير وهو يشعر بالذنب وظل يبكي طوال الليل بعد أن ضيعها من يده وهي التي جاءت بنفسها مضحية بكل شيء من أجله.
|